بين الماضي والحاضر والمستقبل

هامبورغ تعيد اختراع نفسها

في ظل أجواء بحرية رومانسية ونفحات تاريخية ساحرة تحمل مدينة هامبورغ زوارها في رحلة عبر الزمن يطلون من خلالها على ماضي المدينة من خلال المباني التاريخية والمتاحف والمعالم المتفردة ووصولاً إلى مستقبلها من خلال مشروع "مدينة الميناء" (هافن سيتي)، الذي يعتبر أكبر مشاريع التنمية الحضرية في أوروبا.

 

بشكل عام تسيطر على صورة المدينة أبراج الكنائس الهامة مثل (سانت كاترينين) و(سانت بيتري) و(سانت ياكوبي) و(سانت نيكولاي) و(سانت ميشائيليس) التي يطلق عليها اسم (ميشل)، وتعد الأخيرة أهم مبنى كَنَسي في شمال ألمانيا والذي يعود إلى عصر الباروك. وبالقرب من (ميشل) تقع شقق مكاتب التجار (كراميرامتس فونونغن) التي هي عبارة عن نصب تاريخي ومنطقة صغيرة من هامبورغ القديمة تعود إلى القرن 17. وتم الإبقاء على إحدى شقق التجار التاريخية هذه في وضعها الأصلي وتأثيثها من قبل متحف تاريخ هامبورغ بأثاث كامل يعود إلى الأعوام 1860/1850.

أما المدينة القديمة (ألت شتادت) فهي بالفعل أقدم حي في هامبورغ وأكثر الأحياء جاذبية للكثير من السيّاح. ومن أهم المباني هناك (تشيلي هاوس) و(كونتور هويزر) في ساحة (بوركارد بلاتس).

وعندما تزور مبنى البلدية (راتهاوس) قد تتصور أنك في متحف كبير، إلا أنه في الحقيقة يمثل وسط المدينة السياسي. وكمكان متنوع الاستخدمات للسياسة والتمثيل الحكومي، فإن اثنين من الهئيات السياسية الرئيسية في المدينة الهانزية يتخذان مقرهما فيه وهما: سناتورات ولاية هامبورغ والمحافظ. ويعود تاريخ هذا المبنى المشيد من الحجر الرملي لأكثر من مئة عام. فبعد حريق شب في عام 1842 وقضى على مبنى البلدية بشكل كامل، رحل المجلس لفترة مؤقتة إلى مبنى آخر وذلك لمدة 55 عاماً! وقد تم تدشين مبنى البلدية الجديد في عام 1897 وهو يتكون من 647 غرفة ويقف على أكثر من 4000 عمود من شجر البلوط. وعلى العكس من الطراز السائد في المنطقة، فإن مبنى البلدية يلمع بواجهة ذات زخارف كثيرة ومحاطة بـ 20 تمثالاً. ويجد الزائر فوق البوابة الرئيسية الجملة التالية المكتوبة باللغة اللاتينية: "يجب على الأخلاف المحافظة بكرامة على الحرية التي نالها الأجداد".

ويمكن للزائر تخيّل هامبورغ القديمة في بعض الأماكن، فمثلاً في شارع (كريمون) كانت تتواجد المخازن ومنازل السكن المطلة على قنوات المياه الجارية وعلى الشارع بحيث أمكن نقل البضائع على الماء وعن طريق البر. كما يعيد شارع (دايش شتراسه) ذكريات الماضي، فهو شارع قديم للتجار كان يضم مكاتبهم إلى جانب منازل سكنية تعود إلى القرن 17 حتى 19، وفيه العديد من المطاعم والحانات الفاخرة التي ترحب بالزائر لقضاء أوقات جميلة.

وتعد منازل التجار البديعة على ضفتي نهر الإلبه ومجمع (شبايشر شتادت) التاريخي الضخم شهادة على تاريخ مدينة هامبورغ الحرة الهانزية. فمدينة المخازن التاريخية التي يمتد عمرها إلى أكثر من 125 عاماً، ستجعلك تعيش أجواءً ذات نكهة خاصة. ويعتبر هذا المجمع التاريخي أكبر مجمع لمخازن السلع في العالم، حيث يتم هنا تخزين بضائع ذات قيمة عالية كالشاي والكاكاو والقهوة والتوابل والتبغ بالإضافة إلى العديد من المنتجات الأخرى، كما يوجد فيها أكبر مخزن للسجاد الشرقي في العالم. وخلف الحائط الضخم لمدينة المخازن يمكنك أن تتمتع بجو رومانسي بين قنوات المياه الجارية وأبنية العصر الغوطي والسطوح الموشورية والأبراج الغريبة الشكل. وبالطبع، فإن المنظر يصبح أكثر رومانسيةً في ساعة الغروب.

إن مدينة هامبورغ الواقعة على الماء لا تُضاهى وتتميز بطابع فريد. فهناك تقريباً 2500 جسر، أي أكثر بكثير من أمستردام ولندن والبندقية مجتمعة، تمتد فوق القنوات المائية التي لا حصر لها بين أنهار "إلبه"، "ألستر" و"بيله". كما تساهم الأجواء البحرية والهواء النقي والانفتاح الهانزي على العالم في جعل هامبورغ أفضل مدينة في العالم بالنسبة للكثيرين.

وقد تم حصر مياه وادي الألستر الصغير وروافده الأصغر منذ القرن الثالث عشر لتكوّن بحيرة الـ (ألستر) التي هي اليوم إحدى مناطق الإلتقاء المفضّلة لأهل هامبورغ وزوارها. فمنظر المدينة اليوم يبدأ من بحيرة الألستر الداخلية وجسر "لومباردس بروكه" باتجاه "يونغفيرن شتيغ"، مع العديد من الأبراج التي تزين الخلفية. وبمساحة تبلغ 164 هكتار، وبنوك تمتد على مسافة سبعة كيلومترات. وتمثل بحيرة الألستر الخارجية بدورها مكاناً شعبياً لركوب القوارب الشراعية وزوارق التجديف. وتعتبر الحدائق المحيطة بها مكاناً مثالياً للجري والمشي. ويقدم أسطول سفن الألستر السياحي "الأسطول الأبيض" رحلات ذهاباً وإياباً وخدمات مجدولة.

وتقوم هامبورغ بإعادة اختراع نفسها.. فهي تقتنص فرصة فريدة للنمو في وسط المدينة بحوالي 40 في المئة من خلال مشروع "مدينة الميناء" (هافن سيتي)، الذي يعتبر أكبر مشاريع التنمية الحضرية في أوروبا، فهو يُبنى على مساحة 157 هكتاراً كانت تُستخدم في السابق للميناء. يقع هذا الحي الجديد من االمدينة مباشرة على نهر الإلبه والميناء، حيث يتم إنشاؤه ليقدم مزيجاً فريداً من الثقافة والترفيه، الحياة والعمل، التسوق والطعام.. وتقع حدائقه وأماكنه العامة ومتنزهاته ومناظره وإطلالاته على المياه. وبالفعل، تم إنجاز الأقسام الأولى من الحي الجديد، حيث يعيش حالياً في (هافن سيتي) أكثر من 1500 شخص وحوالي 7200 شخص يعملون هناك (مارس 2010). وبحلول عام 2020 سيكون هناك حوالي 45 ألف وظيفة، وسيعيش حوالي 12 ألف شخص في حي (هافن سيتي). هذه المنطقة الجديدة من المدينة والمؤسسات الثقافية المزمع إنشاؤها ستجذب أيضاً حوالي 3 ملايين زائر سنوياً.