دوسلدورف.. جواهر سياحية وواحات خضراء

عندما يتحدث السياح عن دوسلدورف، عاصمة ولاية "نوردراين-فستفالن"، فإن أماكن متفردة تتصدر مجرى الحديث، ابتداءً من مطارها الدولي وخدماته المميزة ومروراً بشارع الملك "كونيغس آليه" الذي يعتبر موطناً لأفخم متاجر الأزياء العالمية، وكذلك البلدة القديمة "ألت شتادت" النابضة بالثقافة والحياة الليلية والزاخرة بالمطاعم والمقاهي، ووصولاً إلى نهر الراين الساحر وإبداعات العمارة في ميناء الإعلام "ميدين هافن" والحدائق الخضراء الغنّاء.

 

بوابة المدينة

يعتبر السفر إلى دوسلدورف انطلاقاً من منطقة الخليج العربية مسألة في غاية السهولة، حيث يعمل أكثر من 65 شركة طيران على وصل دوسلدورف بأكثر من 190 وجهة في 50 بلداً في العالم، بما في ذلك الدول الخليجية. فعلى سبيل المثال، تسيَر شركة طيران الإمارات 14 رحلة في الأسبوع بين دوسلدورف ودبي وتسيّر الاتحاد للطيران 7 رحلات في الأسبوع وكذلك هو الأمر بالنسبة لخطوط إيربرلين.

وسيكون بانتظار الزوار العرب في مطار دوسلدورف العديد من الخدمات المميزة، لاسيما خدمة كبار الزوار، حيث يمكن للضيوف التوجه إلى جناح خاص للاسترخاء مجهز بكافة وسائل الراحة بعيداً عن الضغط أو والإجراءات المجهدة، بيما يتولى فريق من الموظفين إتمام إجراءات السفر المتبقية من تسجيل الدخول أو تأكيد الحجوزات واستلام الأمتعة وغيرها. وعند انتهاء ذلك، يمكن للزوار الاستفادة من خدمات النقل الراقية.

وفي الحقيقة، تتميز عملية التنقل من وإلى المطار بالسهولة والسرعة، حيث تتوفر رحلات مريحة بالقطارات إلى مدن عديدة في ألمانيا وهولندا وغيرها. وهناك أكثر من 390 رحلة قطار يومياً (كل 4 دقائق تقريباً)، وقطارات للمسافات الإقليمية والطويلة، وخط قطارات الضواحي "إس 11" و"سكاي ترين" الذي هو عبارة عن قطار مكوكي بين مبنى الركاب ومحطة القطارات. ولذلك، يعتبر مطار دوسلدورف بوابة المدينة التي يمكن من خلالها الانطلاق إلى أي مكان وأنت في كامل حيويتك ونشاطك. وسواء كنت بحاجة إلى مزيد من الراحة في أحد الفنادق الفاخرة في المدينة أو ترغب في الشروع فوراً برحلات استكشافية مثيرة في أرجاء دوسلدورف وما حولها، فستجد كافة أنواع وسائل النقل التي تحول رحلتك إلى جولة ممتعة.

 

تجارب تسوق متكاملة

هنا، في دوسلدورف، ستجد نفسك في واحدة من أهم النقاط الساخنة في مشهد الموضة العالمي. وكما هو حال مجالات الموضة التي تتصف بالتنوع الكبير، فإن خيارات التسوق في دوسلدورف لا حصر لها أيضاً، إذ يمكن للزوار أن يعيشوا أفضل تجارب التسوق. ويمثل وسط مدينة دوسلدورف المكان المثالي لكل من يبحث عن تجربة تسوق متكاملة، حيث يمنح الزوار موقعاً متفرداً للتسوق يمروا خلاله من المدينة القديمة "ألت شتادت" إلى شارع الملك "كونيغس آليه" وحتى شارع "شادو شتراسه".

ويعتبر شارع التسوق الفاخر "كونيغس آليه" واحداً من أهم شوارع التسوق الراقية في أوروبا، حيث يعرض فيه المصممون العالميون الكبار تصاميمهم، وتتحول البوتيكات الرفيعة والمتاجر الرائدة ومراكز التسوق ومقاهي الأرصفة الرائعة إلى منصة حقيقية لأحدث الاتجاهات. وهنا يمكن لأصحاب الميزانيات الكبيرة أو المحدودة إيجاد كل ما يبحثون عنه والتمتع بجولة على طول متاجر الأزياء الرائدة ومحلات المجوهرات.

أما من يحب الأشياء الغريبة والعصرية، فسوف يشعر بالسرور عند القيام بنزهة تسوق في البلدة القديمة "ألت شتادت". ففي الأزقة والممرات الضيقة يوجد إلى جانب متاجر الأزياء غير التقليدية الكثير من المحلات الرائدة. ويتميز الحي التاريخي للمدينة "كارل شتادت" بنفحة خاصة ومثالية لاسيما مع ما يضمه من العديد من محلات التحف والمعارض ومتاجر بيع الفنون. وبالإضافة إلى ذلك، يستقطب شارع "شادو شتراسه" الزوار من كل حدب وصوب بعروضه الجذابة. وفي العديد من مراكز التسوق في وسط المدينة يتحول التسوق إلى متعة كبيرة حتى في الأيام الممطرة. فهذه المراكز المسقوفة مثل "شادو آركادن" و"سفينز" و"كو غاليري" و"شتيلفيرك" تقدم عروضاً وتصاميم متنوعة جداً.

كما يقدم الكثير من الأحياء مثل "فلينغرن" أو "أُنتربليك"، عروضاً متبكرة واستثنائية من خلال البوتيكات الصغيرة ومتاجر المصممين، التي لا يمكن إيجاد بعضها إلا في عاصمة الراين دوسلدورف.

 

مشهد نابض بالثقافة والفن

وإذا كانت دوسلدورف تمثل مدينة للموضة والتسوق الفاخر، فهي تعتبر أيضاً مدينة نابضة بالفن، ومدينة الفنون الجميلة في غرب ألمانيا. وبوجود أكاديمية الفنون "كونست آكاديمي"، ومشاريع مثل "كفادريناله" و26 متحفاً وأكثر من 100 صالة عرض، توفر دوسلدورف مشهداً ثقافياً متنوعاً غنياً بالفنون، لا يُعلى عليه في ألمانيا.

وتعتبر أكاديمية الفنون "كونست آكاديمي" نواة مدينة الفنون دوسلدورف، كما تعد واحدة من أهم المؤسسات من نوعها التي ارتبطت بأسماء كبار الفنانين طوال تاريخها، ومنهم: "باول كليه"، "جوزيف بويس"، "غيرهارد ريشتر"، "يورغ إيمندورف"، "كاتارينا زيفيردينغ"، "اندرياس غورسكاي"، وبالطبع أيضاً "غونتر أُوكر" الشريك المؤسس لمجموعة الفنانين "زيرو" النافذة دولياً.

ومع المهرجان الفني "كفادريناله" الذي يمثل سلسلة من المعارض التي تقام كل أربع سنوات في متاحف دوسلدورف ومعارض الفنون الجميلة، تعزز دوسلدورف سمتعها كمدينة للفنون. كما تغطي المدينة مجموعة واسعة من الاهتمامات الثقافية مع ما مجموعه 26 متحفاً وداراً للعرض، بدءاً من متحف الحديقة المائية المعروف "أكفا تسو"، ومروراً بالمتاحف الخاصة مثل المتحف الألماني للخزف الفريد من نوعه "هتينس"، وانتهاءً بالمتاحف الكبرى مثل متحف قصر الفن "موزيوم كونست بالاست"، ومتحف فنون نوردراين-فستفالن "كونست زاملونغ نوردراين-فستفالن". ويختص حوالي نصف متاحف ومعارض دوسلدورف لعرض الفنون التشكيلية.

ويمكن أيضاً لعشاق المسارح التمتع بالعروض المسرحية في 4 منصات في مسرح دوسلدورف "شاوشبيل هاوس" وحده، بما في ذلك مسرح الشباب "يونغه شاوشبيل هاوس"، ومحطة دوسلدورف المركزية، التي تعد منبراً للمسرحيات التجريبية. وفي عام 1999، وجد المشهد الفني المستقل والمحترف منبراً جديداً في مسرح "فراييس"، ومسارح أخرى مثل "كومودشن" في قاعة الفن "كونست هاله"، ومسرح "كومودي" في شارع "شتاين شتراسه"، وأخيراً وليس آخراً، مسرح دوسلدورف "ماريونيتن" في شارع "بيلكر شتراسه"، الذي يكمل المشهد الغني لعالم المسارح.

وتعتبر قاعة الموسيقى "تون هاله" ليس فقط أكبر قاعة حفلات في المدينة، بل أيضاً واحدة من أماكن الموسيقى الحديثة الأكثر إثارة للإعجاب في ألمانيا. كما تنتمي دار الأوبرا الألمانية على نهر الراين "دويتشه أوبر آم راين دوسلدورف دويسبورغ" إلى مكانٍ يتواجد دوماً بين المسارح الألمانية الرائدة في مجال الموسيقى.

وخارج هذه المباني المذهلة يوجد أيضاً الكثير لاكتشافه، فحالياً هناك حوالي 900 مجسم فني في الأماكن العامة. كما شهد تصميم محطات قطارات الأنفاق على خط "فيرهان" مشاركة العديد من الفنانين. واستقبل الجمهور التصاميم المعمارية للمحطات بحماس. وتُظهر هذه الأمثلة أنه في المكان الذي يعتبر فيه الفن جزءاً لا يتجزء من الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري، تنشأ رموز مميزة للمدينة.

 

ابتكارات معمارية

وبالفعل، تمثل الهندسة المعمارية الفن الذي يمنح دوسلدورف وجهاً خاصاً بها. فصورة المدينة تعكس الحداثة بالدرجة الأولى. ومن أبرز المعالم المعمارية هناك مجمع المباني التعبيري "إيرنهوف"، الذي تم تشييده في عشرينيات القرن الماضي. وهناك مبنى المكاتب "دراي شاين هاوس" الذي يعتبر مثالاً على المباني المرتفعة في آواخر الخمسينات. كما يتزين ميناء الإعلام "ميدين هافن" بعمارة مبتكرة ومعاصرة. فمع التحول الذي شهده ميناء الراين، لم تُجرى عملية تحديث للمساحة، بل جرى التعامل مع كل قطعة أرض على حدة وتكييفها للمستخدم المستقبلي. وبهذه الطريقة لم يتم حصر المنطقة في نمط معماري واحد، بل تم بدلاً من ذلك إدخال مساهمات إبداعية إلى الصورة الشاملة، تمثلت بمساهمات من مهندسيين معماريين عالميين مثل "فرانك جيري" و"ديفيد شيبرفيلد". وتم تجهيز مستودعات التخزين التي تمثل محميات أثرية بتقنيات حديثة وأثاث داخلي مبتكر، كما اكتست الحجرات القديمة بحلة جديدة مشرقة. وعلى الرغم من كل هذه الابتكارات إلا أنه يمكن للزوار الشعور بأجواء الميناء البحرية في كل مكان.

إن الميناء التجاري مع أرصفته البحرية وسلالمه وشمعات الزهر والأسوار الحديدية وكذلك مرافق أرصفة طريق "لاده شتراسه" والرافعات المرتبطة بها يندرج اليوم في إطار الآثار المحمية.

وحتى في مجال الضيافة والمطاعم يلعب ميناء الإعلام أيضاً دوراً رئيسياً، فالمطاعم كيّفت نفسها مع زبائنها المتنوعين، الذين يمثلون في الصباح زبائن من قطاع الأعمال وفي المساء متنزهين ومتجولين.

ومن الجدير بالذكر أن تسمية ميناء الإعلام "ميدين هافن" التي أُطلقت على هذا الميناء الصناعي السابق، تعود إلى كثافة القنوات الإذاعية الكبيرة والمتنوعة التي توجد فيه.

 

الرئة الخضراء

وهناك الكثير من الزوار يأتون إلى دوسلدورف لمجرد التمتع بحدائقها الجميلة ومساحاتها الخضراء، حيث تشكل واحات خضراء في وسط المدينة وعلى ضفاف نهر الراين. ويمكن لأهل دوسلدورف وزوارها مشاهدة تلك المناطق الهادئة بسرعة. فمن على ارتفاع 240 متراً، يمكن لزوار برج الراين "راين تورم" أن يشاهدوا حدائق دوسلدورف الغنّاء التي تبدو على شكل جزر للراحة والاسترخاء. وإلى جانب واحات تتواجد في وسط المدينة كمتنزه "راين بارك" وحديقة "هوفغارتن"، تضم مناطق الجذب الرئيسية أيضاً المتنزه الشمالي "نورد بارك" مع حديقته اليابانية، والقصر الملكي "كايرز بفالتس"، وقصر وحديقة "بينرات"، والمتنزه الجنوبي "زود بارك" الذي يمثل رئة دوسلدورف الخضراء.

ويشكل قصر وحديقة "بينرات" معاً جوهرة ثقافية وسياحية فريدة من نوعها. فهذا القصر، الذي يعود للقرن الثامن عشر وكان يمثل يوماً مقراً صيفياً أميرياً، يجمع بين فن العمارة والمناظر الطبيعية الخلابة، بين البناء والطبيعة في مفهوم تصميمي شامل ليشكلا معاً عملاً فنياً فريداً. وإلى جانب ذلك، يوجد في الجناح الشرقي من القصر متحف فن الحدائق الأوروبية "موزيوم فور أويروبيشه غارتن كونست".

وتعتبر أطلال القصر الإمبرطوري "كايزر بفالتس" العائد للعصور الوسطى موقعاً لا يمكن أن يفوت زيارته أي زائر مهتم بالتاريخ. فقد تم بناؤه من قبل القيصر الأسطوري فريدريش الأول "بارباروسا" عام 1180. وقد ساعد الترميم الذي تم تنفيذه منذ بداية القرن الماضي على الحفاظ على هذا التذكار المعماري الفريد.

وبالنسبة للمتنزه الشمالي "نورد باك" فإنه لا يمثل فقط وجهة سياحية شهيرة بالنسبة للسكان المحليين من المناطق المحيطة، بل يقصده أيضاً زوار المعارض التجارية الذين يرغبون بتمضية بعض الوقت في الخارج وكذلك الناس الذين يقدرون قيمته الترفيهية ويأتون إلى دوسلدورف من كل مكان. وسيتمكن الزوار أيضاً من التعرف على أنشودة طبيعية تعكس منطقة الشرق الأقصى، حيث تتمركز في الزاوية الشمالية الغربية من متنزه "نورد بارك" جوهرة طبيعية خاصة جداً تتمثل في الحديقة اليابانية على نهر الراين "يابانيشه غارتن آم راين".

أما المنتزه الجنوبي "زود بارك" فيعتبر أكبر متنزهات دوسلدورف وأكثرها استقطاباً للزوار. وتخلق المساحات السكنية الخضراء القريبة انطباعاً يعكس التناغم المثالي للمناظر الطبيعية، وتنتشر مناطق الجذب الرئيسية على طول محور من المياه يمتد 600 متراً، حيث تجتمع 16 حديقة مختلفة لضمان الترفيه والاستجمام.