تنبض بالنشاط والحيوية

هامبورغ.. بوابة ألمانيا المشرّعة على العالم

مدينة البحّارة والموسيقى، ثاني أكبر المدن الألمانية من حيث الحجم والمساحة وعدد السكان وسادس أكبر مدن أوروبا، فيها ثاني أكبر المرافئ في أوروبا، ويؤمها الباحثون عن الراحة والاستجمام من داخل ألمانيا وخارجها. وهي بوابة ألمانيا المشرّعة على العالم..  إنها مدينة "هامبورغ".

 

ثقل اقتصادي وجاذبية سياحية

تعد هامبورغ إحدى الولايات الاتحادية الستة عشر المكونة لجمهورية ألمانيا الاتحادية، وهي تقع على نهر الإلبه العريض نسبياً والصالح للملاحة، والذي يربطها ببحر الشمال. يعتبر مركز الجذب الأساسي فيها ميناؤها الذي يستقبل نحو 8 ملايين سائحاً سنوياً، كما توجد فيها مصانع شركة "إيرباص" المصنّعة لأكبر الطائرات التجارية في العالم، إلى جانب وجود مقار شركات "فيليبس" و"أوتو" و"نيفيا بايرسدورف". إضافة لذلك، تتخذ العديد من شركات النفط الكبيرة من هامبورغ مقراً لها، مما يُعطي هذه المدينة ثقلاً اقتصادياً يميزها عن باقي مدن ألمانيا.

وإلى جانب أهميتها الاقتصادية، تعتبر هامبورغ مدينة سياحية بإمتياز، وقد استطاعت أن تجذب إليها في كل عام عدداً كبيراً من السائحين القادمين من دول الخليج العربي، لاسيما من السعودية والإمارات والكويت. وبحسب مجلس السياحة في مدينة هامبورغ، فإن عدد المسافرين من دول مجلس التعاون الخليجي إلى هذه المدينة قد ارتفع إلى رقم قياسي خلال الأعوام الأخيرة، ويحتل سائحو المنطقة المرتبة الثالثة على لائحة هامبورغ لأهم مصادر أسواق السياحة لديها، وبموازاة كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وهامبورغ وجهة تستحق الاكتشاف، ولعل زيارة المدينة خلال فترة أعياد الميلاد تعد تجربة تستحق العناء. فبالإضافة الى قيامها بتسليط الضوء على التاريخ الحافل لهذه المدينة، تقدّم أسواق "الكريسماس" لزائريها فرصة للتعرف على التقاليد والتراث الهانزي لمدينة هامبورغ. وتنتشر هذه الأسواق في أغلب الساحات الواقعة في قلب المدينة، في حين تقام أكثر الأسواق المثيرة للإعجاب قُبالة قاعة المدينة، وهي تضم أكشاكاً مزينة بالنشرات الضوئية وتبيع ما لذ وطاب من الحلويات، بالإضافة الى الألعاب والحرف اليدوية وغيرها.

 

المدينة الخضراء

تتصف هامبورغ بالطبيعة الخضراء، حالها في ذلك حال معظم المدن الألمانية، كما تنتشر فيها العديد من البيوت التراثية القديمة، التي تتميز بأرضياتها الخشبية وأبوابها الضخمة السميكة. وبالرغم من أنها ما زالت محتفظة برونقها الأثري، فإن بمقدور زائري المدينة تلّمس الحداثة التي انطبعت على بعض مبانيها الجديدة، لاسيما تلك التي شيّدت بُعيد الحرب العالمية الثانية. وقد كانت هذه المدينة من أكثر المدن الألمانية تضرراً بسبب الحرب العالمية الثانية بعد العاصمة برلين، إلا أنها تمكنت من استعادة أناقتها المعهودة في الفترة التي أعقبت الحرب، وعاد إليها نشاطها الدبلوماسي، إذ أن قرابة 90 قنصلية أجنبية تتخذ من هامبورغ مقراً لها، لتكون بذلك ثالث أكثر مدينة عالمية من حيث عدد القنصليات الموجودة فيها بعد نيويورك وهونغ كونغ.

تزخر هامبورغ بالعديد من المفاتن السياحية التي تبعث على الدهشة والتعجب، فإلى جانب آثارها الحضارية، تشتهر هامبورغ بكثرة قنواتها المائية وجسورها، ويوجد فيها ما يقرب من 2,500 جسراً للسيارات والقطارات والمشاة. وتعد بحيرة الألستر، هذه البحيرة الكبيرة الواقعة في قلب المدينة الخضراء، الوجهة المفضلة لمحبي ركوب القوارب الشراعية أو زوارق التجديف. وقد تم حصر مياه نهر الألستر الصغير وروافده الأصغر منذ القرن الثالث عشر ليكوّن بحيرة الألستر، التي تشتهر اليوم بكونها الوجهة المفضلة للاستراحة ولممارسة رياضة الجري.

تتيح هامبورغ لزائريها فرصة للتمتع بمشاهدة أبرز المعالم التي تحتويها هذه المدينة، وذلك من خلال الجولات السياحية التي تنظّم فيها بشكل يومي وعلى متن قوارب بخارية، وتنطلق على بحيرة الألستر من محطة القطار "أُو/إس يونغفيرن شتيغ" وتنتهي في "تورن". ويمكن للسائحين خلال هذه الجولات أن يقوموا بأنفسهم بإطعام الفيلة في حديقة حيوانات "هاجنبيك". كما يمكنهم، إلى جانب ذلك، القيام بجولة عبر سكك حديد "ميناتور وندرلاند" القديمة ورؤية المجريات الرهيبة في حصن "هامبورغ".

وعلى بعد 90 دقيقة من مدينة هامبورغ يقع منتزهان رئيسيان، حيث تصادفك مواقع مدهشة لمغامرات "السافاري". وفي "سولتو"، إلى جنوب المدينة، يقع منتزه "الهايد بارك" الذي يوفر لمرتاديه متعة متواصلة، وترفيهاً للأطفال والكبار على حد سواء، فضمن أكثر من 50 جولة سياحية في أنحائه يمكنك أن تستمتع بأكثر وسائل الترفيه إثارة مثل الأفعوانيات المتنوعة والألعاب المائية المشوقة، فضلاً عن عربات الأراجيح القديمة الصنع وعروض الألعاب والاستعراضات الشيقة المتنوعة.
تعتبر "سيرينجنتي بارك" في "هودنهاجن" أوسع مكان للسفاري في ألمانيا كما تعتبر أكبر محمية للحيوانات البرية، حيث يمكن للزائر أن يتعرف على أكثر من 1000 صنف من الحيوانات الغريبة المستقدمة من الحياة البرية الأفريقية وأكثرها جودة، ومن خلال جولة عبر السيارات الخاصة أو الحافلات التي تعرف بـ "سيرينجنتي"، يمكن لمرتادي هذا المنتزه مشاهدة بعض الحيوانات المنتشرة على جانبي الطريق، في حين يقع منتزه "هانزا" خارج مدينة "لوبيك"، وهو يعد المنتزه الألماني الوحيد الذي يقع قبالة البحر، وتقام فيه باقة من الجولات والعروض المائية المتنوعة.

 

حيث يغفو التاريخ

تزخر هامبورغ بالكثير من المعالم التاريخية التي يعود بناؤها إلى العصور القديمة. ومن خلال جولة على إحدى السفن السياحية فوق نهر الإلبه، يُمكن للزائر التمتع بالمعالم التاريخية التي تضمها هذه المدينة كالقصور والكنائس والمتاحف وغيرها الكثير.

إن التناغم بين التطور وأصالة التاريخ يكاد ينسجم في جميع مناحي الحياة في مدينة هامبورغ، ويمكن للزائر التمتع بالمعالم التاريخية لهذه المدينة من خلال القيام بجولة على متن إحدى القوارب السياحية فوق نهر الإلبه.

وتهيمن أبراج الكنائس للوهلة الأولى على صورة هامبورغ الأثرية، إذ يوجد في هذه المدينة الكثير من مباني الكنائس الشهيرة كـ "سانت كاترينين" و"سانت بيتري" و"سانت ياكوبي" و"سانت نيكولاي" و"سانت ميشائيليس"، وتعد الأخيرة أهم مبنى كَنَسي في شمال ألمانيا والذي يعود بناؤه إلى عصر الباروك.

وتم وضع حجر الأساس لكنيسة "سانت بيتري" الواقعة اليوم في شارع التسوّق "مونكيبيرغ شتراسه" في القرن 12، وقد تم إعادة بناء هذه الكنيسة بعد الحريق الكبير الذي شب في مدينة هامبورغ في العام 1842. وهنا ينبغي على سائحي المدينة مشاهدة آلة الأورغ التي تسمى "ارب - شنيتغر اورغل" الموجودة في كنيسة "سانت ياكوبي"، إلى جانب أحجار الفسيفساء الموجودة على هيكل كنيسة "سانت نيكولاي" عند "هوبفن ماركت" والمركّبة حسب تصميم أوسكار كوكوشكا. تعرضت هذه الكنيسة إلى الدمار إبان الحرب العالمية الثانية وقد تم الإبقاء على بقايا برجها كنصب تذكاري وشاهد على تلك الحقبة. وفي المساء يمكن للمرء الاستمتاع بمشاهدة منظر عام لمدينة هامبورغ من على سطح كنيسة "سانت ميشائيليس" الشهيرة والتي تعرف أيضاً بكنيسة "ميشل".

 

مقصد المتسوقين

هامبورغ هي المقصد الأول لكل من يهوى التسوق، ويعد "نويير فال" العنوان الأفضل لكل من يبحث عن البضائع الفاخرة، بالإضافة إلى البوليفارد الفاخر "يونغفيرن شتيغ" ومبنى التسوّق الضخم "أوروبا باساجه"، الذي تم افتتاحه مؤخراً ويمتد على مساحة 30,000 متر مربع. كما يتيح شارع "مونكيبيرغ شتراسه"، بالإضافة إلى 14 مركزاً للتسوّق داخل المدينة، كلَ ما يتمناه المرء من البضائع والأزياء.

يُعرف شارع "يونغفيرن شتيغ" المطّل على بحيرة الألستر بـ "شارع التسوّق والتنزه" في هامبورغ، ويعد اليوم أحد أشهر مراكز التسوّق في هامبورغ، والذي تنتشر على جانبيه العديد من المتاجر العالمية الكبيرة والمحلات الراقية. ويوجد في شارع "يونغفيرن شتيغ" فندق ومركز التسوق المعروفان بـ "هامبورغر هوف". وهنا يتحول التسوق إلى نوع من أنواع الثقافة، حيث تتنافس المحلات الكبيرة والصغيرة الراقية فيما بينها على تقديم العروض الفريدة على منتجاتها المتنوعة ككماليات الأحذية والمنتجات الجلدية وحقائب السفر. وعلى امتداد هذا الشارع يمكن لزائري المدينة الاستمتاع بمنظر "الألستر هاوس" والمباني الغنية بالتقاليد كمبنى سينما "شترايت".

وانطلاقاً من كونها مدينة محاصرة بالمياه من بعض جوانبها، تلقى تجارة السمك رواجاً في هامبورغ. يقع سوق السمك الشهير على شارع ريبربان، وهو يقام صباح كل أحد على ضفاف نهر الإلبه، والذي يتيح لمرتاديه شراء الأسماك بكافة أنواعها وأحجامها. ويمكن للمرء أن يتجول في سوق السمك هذا إلى ما لا نهاية، مما دفع بالبعض إلى أن يطلقوا عليه تسمية "السوق الأسطورة".

أما فيما يخص الأطعمة التي تشتهر بها هذه المدينة، تعد وجبة السمك واللابسكاوس (وهي وجبة البحارة التي تتكون من اللحم والبطاطا والبصل والخيار المخلل والشمندر المهروس) من أشهر الوجبات الشعبية التي تحضّر في هامبورغ، إلى جانب حلوى جلو الفاكهة الأحمر. وإذا لم تكن من هواة أكل السمك، فإنك ستجد ضالتك في محلات البيتزا البسيطة وعدد من المطاعم المنتشرة هنا وهناك، والتي تقدم تشكيلة متنوعة من أطعمة هامبورغ التقليدية.

 

مدينة العروض المسرحية

لهامبورغ ثقلها الثقافي، فهي موطن المجلة الألمانية الشهيرة "دير شبيغل" التي تعد الأكثر مبيعاً وتوزيعاً في أوروبا، إضافة الى العديد من المنشورات والمطبوعات الأخرى. كما تحتل هامبورغ المرتبة الأولى في ألمانيا من حيث عدد المسرحيات الغنائية التي تجتذب آلاف الزوار إلى المدينة شهرياً.

تعود التقاليد الثقافية في هامبورغ إلى العصور الوسطى. فقد ترك الشعراء مثل "كلوبشتوك وليسينغ" و"هاينريش هاينه"، وكذلك مؤلفو الموسيقى المشهورون عالمياً كـ "هيندل ومالر"، آثارهم في تاريخ ثقافة هامبورغ الطويل. ودخل "غوستاف غروندغينس" في تاريخ المسرح حينما كتب مسرحية "فاوست" الأسطورية، كما احتفلت فرقة "البيتلز" الشهيرة في نادي "ستار" ببداية نجاحهم.

كل شيء معقول على مسارح هامبورغ، فهناك مسرح الارتجال ورقص الباليه "جون نويماير"، بالإضافة إلى ثلاثة دور للمسرح منها "شتاتس أوبار هامبورغ" التي تأسست عام 1678 و"دويتشه شاوشبيل هاوس" و"تاليا تياتر". كما يوجد في هامبورغ أكثر من 50 متحفاً و313 مسرحاً. كما تعد الحفلات المفتوحة التي تستضيفها هامبورغ من أهم نقاط الجذب السياحي في المدينة، وأبرز هذه الحفلات تلك التي تقام أيام الأحد على شارع ريبربان ويشارك فيها أكثر من 100 ألف شخص.

تعتبر هامبورغ بعد نيويورك ولندن، ثالث أكبر مدينة لعروض المسرحيات الغنائية الموسيقية (الميوزيكال) في العالم. فقد دامت عروض "كاتس" مدة 15 عاماً وهو العرض الأطول مدة في ألمانيا.