يساهم في توسيع وسط المدينة

"هافن سيتي" في هامبورغ.. مشروع جريء ونموذج مستدام

قد يكون من الصعب تخيل مدينة هامبورغ الحرة الهانزية بلا ميناء أو مياه! فالميناء يعتبر قلب المدينة النابض، والمياه تمثل سمتها الطاغية، فهي تمنحها طابعاً فريداً لا يُضاهى. ولا ننسى الجسور، فهناك أيضاً حوالي 2500 جسر تمتد فوق القنوات المائية التي لا حصر لها بين أنهار "إلبه" و"ألستر" و"بيله"، أي أكثر من أمستردام ولندن والبندقية مجتمعة. وتعتبر مدينة الميناء "هافن سيتي" من أهم المشاريع في هامبورغ كما تعد قاعة الحفلات الموسيقية "إلب فيلهارموني" واحدة من أروع الأعمال الهندسية فيها.

 

تعد منازل التجار البديعة على ضفتي نهر "الإلبه" ومجمع مدينة المخازن "شبايشر شتادت" التاريخي الضخم شهادة على تاريخ مدينة هامبورغ الهانزية الحرة. فمدينة المخازن التاريخية التي يمتد عمرها إلى 125 عاماً، تضع الزائر في أجواء ذات نكهة خاصة، لاسيما وأن هذا المجمع التاريخي يضم بضائع ذات قيمة عالية كالشاي والكاكاو والقهوة والتوابل والتبغ وغيرها، كما يوجد فيه أكبر مخزن للسجاد الشرقي في العالم. وخلف الحائط الضخم لمدينة المخازن يمكنك أن تتمتع بجو رومانسي بين قنوات المياه الجارية وأبنية العصر الغوطي والسطوح الموشورية والأبراج الغريبة الشكل.

وما بين (شبايشر شتاد) وميناء هامبورغ، يتم تأسيس حي جديد يمثل نموذجاً مستداماً للمشاريع، يطلق عليه (هافن ستي) أي (مدينة الميناء). ويعتبر هذا الحي من المشاريع الجرئية التي تثير الفضول في نفوس زوار وضيوف المدينة وتدفعهم إلى التجول على طول الشوارع الممتدة على جوانب أحواض المرفأ ليشاهدوا التغييرات التي تطال شكل (مدينة الميناء).

ومن خلال هذا المشروع، الذي يعتبر أكبر مشاريع التنمية الحضرية في أوروبا، تقتنص هامبورغ فرصة فريدة للنمو في وسط المدينة بحوالي 40 في المئة. فهو يُبنى على مساحة 157 هكتاراً كانت تُستخدم في السابق للميناء. ويقع هذا الحي الجديد من االمدينة مباشرة على نهر الإلبه والميناء، حيث يتم إنشاؤه ليقدم مزيجاً فريداً من الثقافة والترفيه، الحياة والعمل، التسوق والطعام.. وتقع حدائقها وأماكنه العامة ومتنزهاته ومناظره وإطلالاته على المياه. وبالفعل، تم إنجاز الأقسام الأولى من الحي الجديد، حيث يعيش حالياً في "هافن سيتي" أكثر من 1500 شخص وحوالي 7200 شخص يعملون هناك (مارس 2010). ومن خلال قطار الأنفاق (يو 4) يتم ربط "هافن سيتي" ومركز المدينة. وبحلول عام 2020 سيكون هناك حوالي 45 ألف وظيفة، وسيعيش حوالي 12 ألف شخص في حي "هافن سيتي". هذه المنطقة الجديدة من المدينة والمؤسسات الثقافية المزمع إنشاؤها ستجذب أيضاً حوالي 3 ملايين زائر سنوياً.

ومن أروع الأعمال الهندسية لهذا المشروع، تبرز القاعة الجديدة للحفلات الموسيقية (إلب فيلهارموني) التي يمزج تصميمها بين العراقة والحداثة ليتماهى مع مدينة الهانزا الواقعة مباشرة على المياه. وسيلعب هذا المبنى دوراً مهماً كمعلم سياحي مسؤول عن تسويق (مدينة الميناء) وتمثيل هامبورغ على الصعيد الدولي.

ومن المعروف عن هامبورغ أنها تمثل المدينة التي شهدت بدايات نجاح فرقة البيتلز في العالم، فمنها بدأت هذه الفرقة العالمية الشهيرة حياتها العملية. كما تعتبر هامبورغ  ثالث أكبر مدينة لعروض المسرحيات الغنائية الموسيقية (الميوزيكال) في العالم.

واكتسبت هامبورغ سمعتها المميزة في فن المسرح والموسيقى منذ زمن طويل. ففرقة البيتلز بدأت نجاحاتها في حي "سانت باولي" المعروف في هامبورغ. وقد ظهرت فرقة البيتلز لأول مرة في هامبورغ في 17 يوليو من العام 1960، في نادي الـ "إندرا"، في شارع "غروسه فرايهايت" على الجانب الشمالي من شارع "ريبيربان". في ذلك الوقت كانت البيتلز عبارة عن فرقة غير معروفة قادمة من ليفربول، مع سمعة بكونها من الدرجة الثانية. قدمت فرقة البيتلز حفلتها لآخر مرة في نادي "ستار" في هامبورغ في شارع "غروسه فرايهايت" خلال ليلة رأس السنة الجديدة في عام 1962. وبعد أيام فقط من ذلك، حققت أغنيتهم نجاحاً كبيراً وبدأت حياتهم المهنية على المستوى العالمي!

وبين هذين التاريخين أقيمت مئات الحفلات الموسيقية في نوادي حي "سانت باولي". وكان ذلك الوقت في هامبورغ حاسماً لفرقة البيتلز. هنا قاموا بتطوير أسلوبهم الخاص، وهنا اختاروا قصة الشعر التي تعد كعلامة تجارية. وبعد ما يقرب من 50 عاماً، تم تخصيص مزار خاص لفرقة البيتلز يتمثل في ساحة البيتلز "بيتلز بلاتس" على مدخل شارع "غروسه فرايهايت".

كما تعتبر هامبورغ مسقط رأس العديد من مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية المشهوريين في ألمانيا، أمثال "يوهانيس برامس" و"فيليب مينديلسزون بارتولدي".

تقدم دور المسرح "شتاتس أوبر"، وفرقة باليه مدينة هامبورغ وثلاثة فرق من الأوكسترا السمفونية عروضاً ثقافية مميزة على مدار السنة. فالنوادي والمهرجانات العامة المتعددة تجعل من مدينة هامبورغ مدينة تستحق الزيارة فعلاً.

ومن المهرجانات الشهيرة هناك مهرجان ريبربان الذي يشهد مشاركة الكثير من الفرق الموسيقية وفناني الأداء المنفرد والحفلات الصاخبة.

كما يجد عشاق الجاز متعة كبيرة في مهرجان إلبه للجاز الذي يحول ميناء هامبورغ إلى مسرح عملاق.

ومن شهر مايو إلى شهر سبتمبر تقام يومياً عروض النوافير المضيئة على أنغام الموسيقى في بحيرة حديقة "بلانتن اون بلومن". ويبدأ العرض يومياً في الساعة العاشرة مساءً حتى نهاية شهر أغسطس وفي الساعة التاسعة مساءً في شهر سبتمبر، حيث تومئ الواحات الخضراء في قلب مدينة هامبورغ الزوار بنوافيرها المضيئة وببرنامجها الموسيقي المتنوع.

يُذكر أن هامبورغ تتمتع بأسلوب حياة متفرد، فأثناء التجول بين نهر الإلبه ووادي الألستر، يمكنك التعرف على المزيج الفريد الذي تمتلكه هامبورغ، حيث تعج ضفاف نهر الإلبه بالمحال التجارية والمطاعم والمقاهي وتزدحم بالناس، بينما تتصف الألستر بالهدوء وتعتبر مكاناً مثالياً للاسترخاء والراحة ولكل من يحب ركوب القوارب الشراعية أو زوارق التجديف.