في مقابلة مع رئيس وكالة التجارة والاستثمار الألمانية

يورغن فريدريش: ألمانيا هي أحد المواقع التجارية الأكثر استقراراً في العالم

للتعرف أكثر على دور وكالة التجارة والاستثمار الألمانية، ونشاط الشركات الألمانية في منطقة الخليج ومجالات التعاون بين ألمانيا والإمارات وآفاقها المستقبلية، كانت لنا هذه المقابلة مع في مقابلة مع الدكتور يورغن فريدريش، رئيس وكالة التجارة والاستثمار الألمانية.

 

كيف تعمل وكالة التجارة والاستثمار الألمانية على الترويج لألمانيا؟

تعمل وكالة التجارة والاستثمار الألمانية للترويج لاقتصاد ألمانيا بطريقتين مختلفتين. أولاً، نقوم بالتسويق لألمانيا كموقع تجاري من الطراز العالمي، وبشكل ملموس أكثر من خلال تقديم المساعدة للمستثمرين الأجانب الذين يسعون للتوسع في ألمانيا. نحن نقدم معلومات عن العديد من الصناعات في ألمانيا، ونقوم بمساعدة الشركات على إيجاد موقع عمل مناسب والشركاء المحتملين والمزودين ومؤسسات البحوث. كما نساعدهم أيضاً على التعرف على الأطر القانونية وخيارات التمويل المتاحة، والتي تسهل من عملية الاستثمار برمتها. ومن جهة أخرى، نحن نقوم بمساعدة الشركات الألمانية في نشاطات أعمالهم في الخارج من خلال توفير المعلومات عن الأسواق الخارجية، بما فيها منطقة الخليج، مع أحدث المعلومات عن فرص السوق، والدعوات لتقديم عروض المقترحات والسلطات القانونية والجمركية.

ولتحقيق كلا هذين الهدفين، نقوم بالاستفادة من شبكة دولية من محللي الصناعة الذين يقومون بإجراء بحوث في الموقع عن الأسواق الخارجية وتدعم الشركات المهتمة بالتوسع إلى ألمانيا. يعمل خبراؤنا الدولييون بشكل وثيق مع شبكة الغرفة الألمانية، والتي تسمح للمصدرين الألمانيين والمستثمرين الأجانب المحتملين على حد سواء من الاستفادة من أول نقطة اتصال مركزية في الخارج، مع المعلومات الخاصة بالعميل والخدمات الاستشارية المقدمة تحت سقف واحد.

 

ما هي استراتيجية وكالة التجارة والاستثمار الألمانية لتسويق العلامة التجارية ألمانيا، وبشكل أكثر تحديداً، كيف تروجون البلد بشعار "صنع في ألمانيا"؟ وماهي الأسواق الرئيسية الخارجية لوكالة التجارة والاستثمار الألمانية؟

بادئ ذي بدء، إن السمعة المتميزة التي تتمتع بها السلع والخدمات الألمانية في جميع أنحاء العالم يجعل مهمتنا أسهل. سواء كنت في منطقة الخليج أو أوروبا أو الولايات المتحدة أو الصين، فإن علامة "صنع في ألمانيا" تعبر باستمرار عن منتجات ذات جودة عالية وعمليات ذات كفاءة وإبداع. ونحن سعداء لترك هذه السمعة تتحدث عن نفسها.

وأبعد من ذلك، فنحن نقدم معلومات عن ألمانيا كموقع صناعي وذي تكنولوجيا عالية. ونظراً لقوتنا في مجال الابتكار، فقد حققت ألمانيا في عام 2009 أكثر من ضعف ما حققته المملكة المتحدة وفرنسا مجتمعة فيما يتعلق بعدد براءات الاختراع المسجلة في أوروبا، ونحن نستهدف صناعات محددة تتمتع بدرجة عالية من الابتكار والواعدة بالنمو في المستقبل. كما إن للسيارات والآلات الألمانية شهرة واسعة. لكن هناك الكثير من وجوه القوة الأقل شهرةً أيضاً. فعلى سبيل المثال، واحد من كل اثنين من وحدات الطاقة الشمسية تم تثبيته في ألمانيا. ويتم إنتاج عدد كبير هنا كذلك.

ومن ناحية الأسواق الرئيسية، فالعدد الأكبر من الاستثمارات تأتي من جيران ألمانيا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لكننا نشهد تحولاً واضحاً، مع الاهتمام المتزايد من آسيا والشرق الأوسط، بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة. وما تزال ألمانيا مفتوحة أمام المستثمرين من جميع أنحاء العالم، ولكن المناطق المركزية الحالية تشمل منطقة الخليج والصين والهند، نظراً لاهتمام المستثمرين المتزايد من هذه المناطق، وفرص النمو المتاحة للشركات الألمانية.

 

كيف تطور أداء ألمانيا الاقتصادي خلال العام 2010 حتى الآن؟ وفي الوقت الراهن الذي تبدو فيه الأزمة الاقتصادية الدولية في تراجع، ما هي أكثر العلامات المشجعة بالنسبة للمستقبل، وفي أي المجالات ما تزال ترى إمكانية للتحسن؟

حققت ألمانيا للتو 2.2٪ نمو في إجمالي الناتج المحلي في الربع الثاني من هذا العام، وهو أعلى معدل منذ إعادة توحيد ألمانيا قبل 20 عاماً. ويقدر البنك الاتحادي الألماني نسبة النمو لعام 2010 بنحو 3٪، وهي ممتازة لألمانيا، حتى من دون سياق الركود العالمي. وفي الوقت نفسه، فإن معدلات البطالة في انخفاض وثقة المستهلك والانفاق في ارتفاع.

وقد أثبتت ألمانيا أنها بيئة استثمارية مستقرة جداً في فترة الانكماش الاقتصادي، والذي هو شهادة على البرامج التي تم وضعها لتعزيز الاقتصاد ومكافحة البطالة. وأثبت برنامج العمل لوقت قصير، على سبيل المثال، نجاحاً كبيراً، الأمر الذي سمح للحكومة لاستيعاب بعض تكاليف الرواتب. وبهذه الطريقة لم يكن على الشركات أن تقوم بتسريح أعداد كبيرة من العمال، مما جعلها مستعدة لزيادة الإنتاج عندما ارتفع الطلب دون التكلفة الإضافية لإعادة تدريب العمال الجدد. وفي الوقت ذاته، بقيت معدلات البطالة المنخفضة. في الواقع، فإن نسب البطالة الآن أقل مما كانت عليه في بداية الأزمة الاقتصادية.

ويتمثل التحدي الأكبر بالنسبة في الحفاظ على هذا المستوى المتميز، والذي ليس بالأمر السهل. فمستوى النمو الذي تحقق في الربع الثاني ليس متوقعاً في الربع المقبل، ولذا فإننا نأمل في الاستمرار في تقديم مثل هذه البيئة الاستثمارية القوية والمستقرة حتى لو لم يحافظ النمو على هذه الوتيرة.

 

ما هي العوامل الأهم التي تعطي ألمانيا ميزتها التنافسية القوية بالمقارنة مع الدول الأخرى؟ ما هو الدور الذي تلعبه البنية التحتية المتطورة، على سبيل المثال، في تحقيق النجاح الاقتصادي في ألمانيا؟

هناك مزيج فريد من العوامل التي تعطي ألمانيا هكذا ميزة تنافسية قوية. بعضها متأصلة، مثل موقع ألمانيا الجغرافي في وسط أوروبا والوصول السريع إلى الأسواق المجاورة، في حين تطورت أخرى على مدى عقود، مثل البنية التحتية ذات المستوى العالمي الذي أشرت إليه. وتعتبر ألمانيا أكبر سوق في أوروبا من حيث إجمالي الناتج المحلي وعدد السكان ورابع أكبر اقتصاد في العالم، فقط بعد الصين والولايات المتحدة واليابان. كما إن اختيار ألمانيا كموقع عمل يمكن الشركات من الاستفادة من واحد من أعلى معدلات الإنتاجية في أوروبا، بالإضافة إلى قوة عاملة ماهرة وبأسعار معقولة. وفي الواقع، فإنه من بين الاقتصادات المتقدمة، تتميز ألمانيا أيضاً بانخفاض تكاليف وحدة العمل. وقد صنف البنك الدولي بنيتنا التحتية، في المجاالين النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية في المرتبة الأولى عالمياً، والتي تضع الأساس لأي نشاط تجاري، لاسيما أولئك الذين يتطلعون إلى تصدير منتجاتهم. وقد خفضت الإصلاحات الضريبية 2008 العبء الضريبي على الشركات، جاعلةً الشركات هنا أكثر قدرة على المنافسة.

وتوفر هذه العوامل أحد المواقع التجارية الأكثر استقراراً وجاذبية في جميع أنحاء العالم. ويؤكد أداء ألمانيا خلال الانكماش الاقتصادي والنمو المذهل في عام 2010 على ذلك أيضاً.

 

وما هو الوضع الحالي للعلاقات الاقتصادية بين ألمانيا والإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج الأوسع؟ وما مدى حجم التجارة بين ألمانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة؟

لقد تعززت العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا ودول الخليج في السنوات الأخيرة، كما إنها تقدم إمكانات هائلة للمستقبل. وبالنسبة لألمانيا، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تمثل رابع أكبر سوق في الخارج. ونظراً لكون البنية التحتية للتجارة ممتازة، فإن ذلك يساعد على إنجاز أفضل المعاملات والممارسات الدولية الاحترافية.

وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة الشريك التجارى الأهم لألمانيا في شبه الجزيرة العربية. ولقد استوردت الإمارات سلعاً تزيد قيمتها على 6,1 مليار يورو، وتتصمن النسبة الأكبر للواردات أجهزة لتوليد الكهرباء والسيارات والآلات والطائرات، فضلاً عن معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية والحديد والمعادن وتكنولوجيا القياس والتحكم. وتصل قيمة الواردات الألمانية من الإمارات العربية المتحدة إلى 500 مليون يورو.

بعد الانخفاض الكبير في الصادرات إلى الإمارات العربية المتحدة في 2009، شهد النصف الأول من العام 2010 انتعاشاً سريعاً فيها. وحتى صناعة السيارات التي كانت الأكثر تضرراً تعافت. ومن الملفت للنظر أن الأزمة الاقتصادية العالمية بالكاد أثرت على الصادرات الألمانية المتعلقة بالبنية التحتية. فقد ارتفعت قليلاً على سبيل المثال قيمة صادرات التقنية الكهربائية لدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2009.

 

في أي من المناطق في ألمانيا، ترغب من المستثمرين من دولة الإمارات العربية المتحدة أن يستثمروا أكثر؟ وماذا تفعل ألمانيا لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية والمستثمرين العرب على وجه الخصوص؟ ولماذا ينبغي لهؤلاء المستثمرين اختيار ألمانيا عن منافسيها؟

هناك طائفة واسعة من الاحتمالات بالنسبة للمستثمرين في ألمانيا. ولا تقتصر الصناعات المستهدفة على القطاعات التقليدية الألمانية مثل الآلات والسيارات، حيث تتمتع الاستثمارات البديلة بجاذبية في مجموعة متنوعة من المجالات، وتتزايد خاصة في صناعات التكنولوجيا الفائقة مثل الطاقات المتجددة. فالشركات الألمانية الشهيرة، المكونة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، تبين كيف يمكن حتى للشركات الصغيرة هنا أن تستفيد من بيئة أعمال متطورة وقاعدة قوية لتصدير السلع والخدمات. وتوفر ألمانيا إطاراً للترحيب بالمستثمرين العرب. والدليل الأوضح على هذا هو أن الشركات الأجنبية التي تدير أعمالاً في ألمانيا تلقى نفس المعاملة التي تلقاها الشركات الألمانية.

وهناك بالفعل عدد من المجالات التي يمكن للمستثمرين من دول الخليج والشركات الألمانية التعاون بنجاح فيها. وتوفر المشاركة في تطوير التكنولوجيا قيمة إضافية لجميع الأطراف المعنيين وتضمن المعرفة الأساسية المفيدة لولايات المنطقة المتغيرة بسرعة. وعلى سبيل المثال، تقدم صناعة البتروكيماويات وإنتاج الإلكترونيات وكذلك صناعات الخدمات إمكانات هائلة للتعاون. ونحن نعمل بالفعل مع شركات ألمانية لاطلاعهم على فرص جديدة للمنفعة المتبادلة في المنطقة. وفي الوقت ذاته أجرينا رحلات وفود إلى المنطقة للمساعدة بشكل فعال في التوفيق والربط الشبكي.

 

في أي القطاعات، تمتلك الشركات الألمانية قدرة أكبر على النمو في منطقة الخليج وما الذي يميزها عن المنافسين الآخرين في هذا السوق؟

الاهتمام بالاستثمار في منطقة الخليج لا يزال مرتفعاً جداً. فإلى جانب التنويع والبناء للقاعدة الصناعية في المنطقة، هناك أيضاً قدر كبير من الاهتمام في مشاريع التوسع في البنية التحتية، ولا سيما فيما يخص المياه والطاقة. ويعني النمو المتوقع في الاقتصاد والسكان في هذه البلدان أنه سيكون هناك طلب متزايد على إنتاج الكهرباء ونقلها. ويتوقع لهذه البلدان أن تكرس على نحو متزايد الجهود في سبيل خفض التكاليف والاستدامة. وفي هذا المجال، فالخبرة والمنتجات الألمانية ممتازة، الأمر الذي يخلق فرصاً إضافية للشركات الألمانية في هذا القطاع المتنامي.

ويعتبر التوسع في الصناعات الجديدة والأسواق المستقبلية ذو أهمية خاصة لتأمين فرص العمل في المنطقة. وتتضمن القطاعات الرئيسية في المنطقة الخدمات والمجال اللوجستي وصناعة الطيران، فضلاً عن الرعاية الصحية والبتروكيماويات. وعن طريق إضافة قيمة إلى صناعة البتروكيماويات، يحقق مصنعو الآلات والمعدات أكبر إمكانية لزيادة التعاون.

وسوف تلعب الشركات الأجنبية على نحو متزايد دوراً هاماً في تأمين وظائف في المنطقة، بغض النظر عن الصناعة. وستصبح مشاركة الشركة في التدريب المهني عاملاً حاسماً على نحو متزايد للقدرة على المنافسة في المستقبل. ولذلك فإن تزويد المنتجات الصلبة والخدمات وحدها لم يعد كافياً. وما يميز الشركات الألمانية هو أنها لا تجلب فقط العمال معها. بل تركز أيضاً على تدريب العاملين وبذلك ستستمر بأدائها الحسن مع المفهوم الناجح لنظام التعليم المزدوج، الذي يجمع بين التدريب والمهنة.

 

تعتبر ألمانيا رائدة على مستوى العالم بالفعل في مجال الطاقات المتجددة على سبيل المثال. وبوجود مشاريع قيد التطوير مثل "مصدر" مثلاً، كيف تشارك الشركات الألمانية العاملة في قطاع الطاقة المتجددة في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج؟

يعد مشرو ع "مصدر"، الذي دعمناه في قرارهم بالاستثمار في ألمانيا، مثالاً بارزاً للفوائد التي يمكن أن تنجم عن التعاون بين ألمانيا والإمارات العربية المتحدة. وفي ألمانيا، يُنظر إلى مشروع "مصدر" على أنه واحد من أكبر التجمعات الكهروضوئية في العالم. وفي الوقت نفسه، اكتسبت الشركة المعرفة والخبرة الفنية التي يمكن أن تستخدم في الوطن. ويمكن لهذا النوع من تبادل المعارف أن يعمل أيضاً في غير مجال الطاقات المتجددة.

 

 ما هي أهم المجالات الواعدة للتعاون والاستثمار المستقبلي بين منطقة الخليج وألمانيا؟

بالنسبة إلى فرص البنية التحتية التي ذكرتها، من المتوقع أن تقوم دول الخليج بالتركيز بشكل متزايد على معالجة النفط والغاز محلياً في الوقت الذي تتبع فيه خططاً طموحة لتوسيع مرافق للكيماويات المتخصصة أو غيرها من السلع. ونتيجة لذلك، فإن ألمانيا أيضاً ستستثمر بشكل أكبر في مواقع التطوير والإنتاج في منطقة الخليج.

وتظهر الأهداف العامة والتوقعات من الشركاء  من الشرق الأوسط وألمانيا عدداً من أوجه التشابه. وبتحضيرها للمستقبل، تعتمد دول الخليج على التكنولوجيات الجديدة والخبرات اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وهناك قدر كبير من الإمكانية للمزيد من الشراكات، والتي سوف تخلق العديد من الفرص للتعاون في السنوات المقبلة.