الطبيعة في ألمانيا.. منزل أثاثه الحدائق والدروب الساحرة


ليس من قبيل المبالغة القول أنه لا يمكن حصر عدد الوجهات السياحية الجذابة في ألمانيا، فهذا البلد يزخر بمزيج سياحي جذاب ومتنوع يلبي جميع أذواق السياح مهما اختلفت. وعلى الرغم من ذلك قد يكون هنالك رابط واحد يجمع بين كل هذه الوجهات السياحية المتنوعة: إنه اللون الأخضر! فمن سنحت له الفرصة في زيارة ألمانيا، يعلم جيداً أن اللون الأخضر يرافق الزائر أينما ذهب أو حل. ومن أبرز هذه المناطق ذات المناظر الطبيعية الساحرة تبرز منطقة جنوب غرب ألمانيا المتمثلة في ولاية بادن-فورتمبيرغ. فعلى الرغم من أن منطقة جنوب غرب ألمانيا تمثل مهد صناعة السيارات في العالم وتضم متحفين تابعين لإثنتين من أشهر ماركات السيارات "مرسيدس-بنز" و"بورشه"، إلا أنها تفاجئ الكثيرين بمدى خضرتها وجمال مناظرها. فهنا تتحول الطبيعة إلى منزل أثاثه الحدائق والمتنزهات والدروب الساحرة. وهنا يشعر المرء بالإنسجام بين المباني والطبيعة ويحظى بمناظر تحبس الأنفاس.

إن شتوتغارت، عاصمة ولاية بادن-فورتمبيرغ، هي مثلاً واحدة من أكثر المدن خضرة في أوروبا، وهي محاطة بالتلال المنخفضة والغابات والبساتين وكروم العنب التي تمتد إلى قلب المدينة. وتساهم حدائق ومتنزهات القصور الرائعة لحكام فورتمبيرغ السابقين في تحويل شتوتغارت إلى عاصمة الخضرة. 
وتمتد متنزهاتها وحدائقها التي يُطلق عليها "غرين يو"، وهو مسار أخضر على شكل حرف "يو" بالإنكليزية يبلغ طوله 8 كيلومترات، من حدائق القصر "شلوس غارتن" وحتى الحديقة العامة "هوهن بارك كيلسبيرغ". ففي عام 1920 بدأ المسعى لربط المتنزهات والحدائق المختلفة من الحزام الأخضر وتم إكماله من أجل معرض البستنة الدولي لعام 1993. وتربط الجسور وجسور المشاة حدائق القصر، حديقة "فيلا بيرغ"، حديقة "روزنشتاين" وحديقة "فيلهيلما"، حديقة "لايبفريدشر"، "فاتنبيرغ" و"هوهن بارك كيلسبيرغ" لتشكل سلسلة واسعة ومتجاورة من المناطق الخضراء. إن احتفاظ كل عنصر من العناصر بطابعه الأصلي يعكس الملامح النموذجية للحقب المختلفة والمزايا الفردية. وهذا لا يعتبر فقط مساهماً في سحر "غرين يو" من ناحية المناظر الطبيعية والتصميم، بل يمثل أيضاً رحلة عبر تقاليد البستنة وتاريخ شتوتغارت.
وإلى اليوم، لا تزال حدائق القصر، التي أنشأها الملك فريدريش الأول في عام 1807، تمثل واحداً من أبرز الأماكن في وسط مدينة شتوتغارت، حيث يمكن مشاهدة أفضل تصميم حديقة في الأقسام الأربعة التي تتكوّن من حدائق القصر العليا والوسطى والسفلى "شلوس غارتن" وحديقة الأكاديمية "أكاديمي غارتن" (موقع الأكاديمية العسكرية السابقة). يمتد هذا الحزام الأخضر الخلاب من القصر الجديد في قلب المدينة إلى نهر النيكار في منطقة "باد كانشتات" ويستمر عبر حديقة "روزنشتاين". وتقع حدائق القصر العليا والوسطى، التي تم إعادة تصميمها في عام 1951، على مرمى حجر من محطة القطارات الرئيسية وشارع الملك "كونيغس شتراسه" وتمثل مكاناً يدعوك للتنزه بأريحية، مع أشجارها القديمة ومساحات كبيرة من العشب وبحيرات ونوافير مزخرفة.
وتضم حدائق القصر العليا القصر الجديد والأوبرا والمسرح وحديقة الورود وبحيرة "إيكن زيه". وفي حدائق القصر الوسطى هناك مقهى البحيرة "كافيه آم زيه"، حديقة الجعة "بيرغارتن"، الجناح الوطني "لانديس بافليو"، القبة السماوية "بلانيتاريوم"، آثار قصر المتعة "لوست هاوس" وبحيرة حديقة القصر. أما حدائق القصر السفلى المجاورة فهي تنتهي عند نهر النيكار، ومن هناك يواصل المسار الأخضر "يو" طريقه في حديقة "روزنشتاين".
إلى الشمال من "روزنشتاين بارك" توجد الحديقة الحيوانية-النباتية "فيلهيلما"، التي تم بناؤها بأمر من ملك فورتمبيرغ فيلهيلم الثاني وتم تصميمها بنمط مغاربي من قبل كارل لودفيغ في عام 1842. وفي عام 1846 شهد تدشين الحديقة الاحتفال بزواج ولي العهد الأمير كارل بالأميرة أولغا من روسيا، ابنه القصير. وبعد وفاة الملك، كان الحديقة لا تزال حديقة عرض نباتية، تم إتاحتها أمام العامة في عام 1880. وحتى بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن قد جاءت إلى الحديقة أولى الحيوانات.
اليوم، يضم "قصر الحمراء على نهر النيكار"، كما يشار إليها غالباً، 9 آلاف حيوان من ألف نوع مختلف، ما يجعلها واحدة من أكثر حدائق الحيوان تنوعاً في العالم، وواحدة من الحدائق التي تمثل قطاعاً عريضاً من كل منطقة مناخية على وجه الأرض. هناك أيضاً مجموعة قيمة من النباتات، تشتمل على 6 آلاف نوع. ومع تبدل الفصول يتغبر وجه الحديقة. وبالفعل، فإن الانطباعات التي تخلقها أزهار المغنوليا، زهور الصيف، زنبق البركة في إزهاره الكامل، نباتات متوسطية، نخيل وأشجار قديمة رائعة هي باختصار ساحرة جداً.
ولا يقتصر اللون الأخضر على شتوتغارت، بل يرافقك إلى الكثير من المدن والبلدات الساحرة في منطقة جنوب غرب ألمانيا التي تزخر بالحدائق والمتنزهات والفرص الترفيهية. فمثلاً في هايدلبيرغ، التي لا تزال واحدة من أكثر المدن الأوروبية رومانسية بآثار قلعتها الواقعة على تلة، بيوتها الباروكية، أزقتها المرصوفة، أقدم جامعة في ألمانيا ونهر النيكار، يعتبر درب التنزه المتمثل في "نزهة الفيلسوف" من أجمل مسارات التنزه في أوروبا. وقد سُمي هكذا تيمناً ببروفيسورات الجامعة وفلاسفتها الذين مشوا في هذا المسار بحثاً عن الإلهام بين أشجاره الوارفة وأزهاره وإطلالاته الخلابة على القلعة والمدينة.
كما يرافقك اللون الأخضر أيضاً في بادن-بادن. فبالإضافة لكونها تمثل وجهة أنيقة للاستراحات المتعلقة بالصحة وتزخر بالمنتجعات والفنادق الفخمة وينابيع المياه المعدنية الحرارية، تضع هذه المدينة زوارها في أحضان الطبيعة الساحرة أينما كانوا، إذ يمكنك مثلاً القيام بنزهة ممتعة في الحدائق المحيطة بمبنى "كور هاوس"، أو من خلال زيارة حديقة "باراديس" التي تمتد على طول ثلاثة شوارع ويتميز وسطها بشلالات وتنتشر على جانبيها قصور صغيرة تزينها الشجيرات والزهور وتمنحك مشهداً بانورامياً رائعاً لوسط المدينة. 
وفي شارع "ليشتنتالر آليه" العريق لديك الفرصة لتتنقل بين أشجاره العتيقة وجسوره المزدانة بأجمل النقوش التي ترسم ظلالها على نهر "أوس"، كما يمكنك أن تلقي نظرة على فنادقه الفخمة وقصوره الصغيرة لتعيش سحر هذا الشارع التجاري. وتزخر بادن-بادن بشتى أصناف الزهور والورود. فعند زيارتك مثلاً إلى حديقة "غونر أنلاغه" ستوقن أنه لا داعي لشراء باقة من الورود العطرية لزوجتك، لأنك عندما تكون معها في حديقة الورود التي تهبك أكثر من 10 آلاف وردة غنية بألوانها البهية، بإمكانك أن تقول لها أحلى الكلمات! وكذلك هو الأمر في حديقة الورود "روزننوهايتنغارتن" التي تعتبر من أجمل حدائق الورود.
ويمكنك أن تعيش سحر الطبيعة الخالص في الغابة السوداء "شفارتس فالد"، فالمنظر يتشكل من جبال يغطيها الضباب، بحيرات عميقة صافية، وديان شديدة الانحدار، غابات كثيفة، مروج خضراء خصبة ومناظر تحبس الأنفاس. وتعد مرتفعات الغابة السوداء المكان الأمثل لتقوم بإعادة شحن طاقتك. فسواء كنت في أعالي الجبال أو في الأسفل عند أحد البحيرات أو تتجول عبر المروج، فهناك دوماً نسيم نقي وعليل في فصل الصيف. ويعرف الأطباء أن قضاء بعض الوقت على ارتفاع ما بين 800 و1500 متر يعتبر جيداً لصحتك. بالإضافة إلى ذلك، فإن مجموعة مختارة من فنادق الأربع والخمس نجوم الممتازة توفر عروض تدليك وعلاجات صحية.
وتعد بحيرة "تيتي زيه" مع ضفتها الشهيرة المتمثلة في طريق "زيه شتراسه"، واحدة من الوجهات السياحية الأكثر شعبية في أوروبا. ففي كل عام، يتوفد أكثر من مليون زائر للتنزه على طول ساحل البحيرة. وهنا يمكن التمتع برحلة قارب تحت ظلال الجبال المغطاة بالأشجار، وشراء هدايا تذكارية تقليدية، مثل ساعات الوقواق من بوتيكات الغابة السوداء.
كما تمثل فرايبورغ، التي تُعرف بأنها عاصمة الغابة السوداء، وجهة رائعة للاسترخاء. وكمدينة "خضراء" تضع فرايبورغ المسائل الصحية والبيئية على رأس أولوياتها. وتُعرف فرايبورغ اليوم بأنها مدينة رياضية تركز على اللياقة البدنية، حيث يمكنك التمتع بملاعب الغولف، مرافق الرياضة وكرة المضرب، وحمامات المياه المعدنية الحرارية.
ومن خلال تلفريك "شاو إنس لاند بان"، الذي يعتبر أطول تلفريك في ألمانيا (3600 متر) ويمثل وسيلة مريحة وصديقة للبيئة عند الرغبة في الصعود إلى قمة جبل "شاو إنس لاند"، سيحصل المرء على إطلالات تحبس الأنفاس تتمثل في المناظر البانورامية لمدينة فرايبورغ، وادي الراين والشريط الأزرق الضبابي لجبال "فوج" في فرنسا. 
كما تعتبر بحيرة كونستانس (بالألمانية: بودن زيه) التي تقع بين ألمانيا والنمسا وسويسر وإمارة ليختنشتاين، منطقة عطلات محبوبة، لاسيما جزيرة الزهور "مايناو" الشهيرة بالحدائق والمتنزهات الساحرة المحيطة بالقلعة الباروكية، فهي وجهة مناسبة في كافة أوقات السنة وفي كافة المواسم، حيث تذهل زوارها بعبق الزهور وسحر النباتات. وعلى الرغم أن هذه الجزيرة تعتبر نقطة الجذب الرئيسية في المنطقة، حيث يزورها مليون زائر سنوياً، إلا أنها تعتبر رائدة في مجال حماية البيئة.
وننصح هنا باستخدام الدراجة الهوائية فهي واحدة من أفضل سبل استكشاف البحيرة وريفها الخلاب. كما يمكن السير على خطى الفنانين المشهورين، وركوب إحدى القوارب التقليدية التي تعبر البحيرة من بلدة معينة على ضفاف البحيرة الساحرة إلى بلدة أخرى. كما توفر الأماكن المحلية حول البحيرة أيضاً فرصاً للاسترخاء التام مع خدمات جذابة للتدليك والاهتمام بالصحة. 

لمعرفة المزيد، يُرجى زيارة الموقع الإلكتروني التالي:
http://www.germany.travel/en/index.html