"عاصمة أوروبا الخضراء لعام 2011"

مدينة هامبورغ تراهن على الطاقات المتجددة ومشاريع المستقبل

لا تنفك مدينة هامبورغ عن السعي لإيجاد إجابات "خضراء" للتحديات الحضرية التي تواجه العالم، فهي تمتلك في هذا الإطار مجموعة من الأفكار الخلاقة التي تتمحور حول كيفية مشاركة تجربتها وممارساتها بوصفها: "العاصمة الأوروبية الخضراء لعام 2011". وتتميز هامبورغ بتعدد الاختصاصات في مجال مصادر الطاقة المتجددة والمجالات ذات الصلة، فالوعي البيئي فيها يمتلك تقاليد راسخة ومستقبلاً واعداً. واليوم تعتبر هذه المدينة الهانزية التي تقع على ضفاف نهر الإلبه، واحداً من المراكز الرائدة في مجال دراسة التغير المناخي والتحديات العالمية في عصرنا.


تقاليد راسخة ورؤية خضراء

في إطار مواجهتها للعديد من التحديات الحضرية، طورت هامبورغ عدداً من المناهج والسياسات وخصصت لها الميزانيات، عُرفت بالاستراتيجية المترابطة والشاملة للالتزام برؤية "خضراء". ومن أهم خصائل هذه الاستراتيجية  هو حصول المدينة وسكانها على هواء نقي، علماً أن العمل مستمر على وضع أهداف أوضح وخطط مستقبلية وآليات رقابة لضمان الحصول على نتائج أفضل في مجال التغير المناخي.

ومع سعيها إلى إثبات أن النمو الاقتصادي وحماية البيئة وجهان لعملة واحدة، مازالت هامبورغ تعمل بشكل فعال للمحافظة على هذا التوجه وتعزيزه بشكل مستمر، وقد حققت الكثير إلى حد الآن، حيث أن المشاريع المقامة في هامبورغ لا تهدف إلى تخفيف آثار التغيرات المناخية فحسب، وإنما يسعى بعضها إلى منع حدوث التغيرات من أصلها. كما تسعى المدينة إلى إيجاد الحلول للتحديات التي تواجه أي مدينة.

ويبدو أن ما تتميز به هامبورغ جذب أنظار الكثيرين إليها ودفع العديد من الشركات الكبرى العاملة في مجال طاقة الرياح إلى الانتقال أو التفكير في الانتقال للعمل على أراضيها والقيام بالبحوث والمساهمة في تحقيق الإنماء. فبعد "سيمنس" و"فستاس" و"جنرال الكتريك" انتقلت الشركة الأمريكية "برودويند إنرجي" إلى نهر الإلبه.  والجدير بالذكر أن صناعة طاقة الرياح في هامبورغ تكفل حوالي 5000 فرصة عمل.

 

موطن شركات طاقة الرياح 

تطورت هامبورغ خلال السنين الماضية لتصبح مركزاً مهماً لصناعة طاقة الرياح الألمانية والدولية. ولا تستفيد المدينة الهانزية من الشركات الكبيرة ذات السمعة الطيبة فقط، بل أيضاً من التنمية اللاحقة لحاضرة هامبورغ مع التركيز على الطاقات المتجددة وبشكل خاص طاقة الرياح.

وعلى الرغم من أن مدينة هامبورغ تتميز بجاذبيتها السياحية وتمثل مكاناً ممتعاً للعيش، إلا أن ذلك ليس هو الدافع وراء اختيار الشركات لهذه المدينة لتكون مقراً لها، بل إن السبب يتمثل في موقعها وقوة الرياح على الساحل، بالإضافة طبعاً إلى جودة الحياة التي تتصف بها المدينة.

وكانت إحدى الدراسات التي أجريت في وقت سابق قد وضعت المدينة الهانزية على قائمة مدن المستقبل الألمانية، لاسيما وأن هناك مناطق مع قطاعات اقتصادية لديها فرص نمو جيدة في السنوات المقبلة. كما يتواجد في هامبورغ صانعو القرار ومعاهد البحوث الخاصة بهذا القطاع.

وتنظر الشركات إلى تواجدها في هامبورغ، "العاصمة الأوروبية لعام 2011"، على أنه فرصة مثالية لتوسيع نطاق عملياتها وعلى اعتباره ذو مزايا جيدة تتمثل في إمكانية بناء شبكة من الاتصالات مع  الشركات الأخرى، وبالإضافة إلى تواجد العمال، هناك أيضاً العديد من المؤسسات البحثية التي يمكن العمل بالتعاون معها.

ومع انتقال الشركة الأمريكية "برودويند إنرجي" "Broadwind Energy " إلى هامبورغ، يكون مورد آخر من قطاع طاقة الرياح قد قرر أن يتخذ من هامبورغ مقراً له، ويمثل ذلك بالطبع تتويجاً للجهود المبذولة في هذا المجال. فهكذا فعلت شركة "سيمنس" "Siemens"، و"فستاس" "Vestas"، والشركة الفرعية لـ RWE "Innogy" في الشهور الأخيرة، حيث استوطنت هذه الشركات أماكن طاقة الرياح في هامبورغ. كما تعد الشركة الأمريكية "جنرال الكتريك" "Electric General" أيضاً من أحدث الواصلين إلى هامبورغ في هذا الصدد، حيث أعلنت مؤخراً أنها ستقيم مركزاً جديداً لأنشطة وتكنولوجيا طاقة الرياح البحرية في هامبورغ. وفي هذه الأثناء فإن الشركة الألمانية المصنعة لتوربينات الرياح "ريباور" " Pepower" التي تنتمي لمجموعة "سوزلون" "Suzlon" الهندية وكذلك المنافس شركة "نورديكس" لديها مقرات رئيسية في المدينة.

وبحسب التقديرات، فإن هذه الصناعة توفر بالفعل العمل لخمسة آلاف إنسان في المدينة سواء لدى المنتجين أنفسهم أو الموردين أو في واحد من العديد من المكاتب الهندسية المتخصصة، التي لديها أيضاً، إلى جانب قطاع الطيران، التخصص في مجال طاقة الرياح الواعد. ومع التركيز على قطاع طاقة الرياح، لا تقتصر استفادة هامبورغ على عائدات الضرائب الإضافية فقط، بل تشمل أيضاً الاستفادة من خبرة قطاع مبتكر مع إمكانيات مستقبلية كبيرة.

ولأن الأوقات التي كانت فيها منشأة توربينات الرياح عرضة للشك والسخرية بل ينظر إليها أيضاً باعتبارها خطراً لإمدادت الطاقة الأمينة، أصبحت في عداد الماضي، فإن شركات مثل "ريباور" أو "سيمنس" أو "فستاس" باتت تضع اليوم معايير في مستوى الإبداع مع استثمارات ضخمة في أعالي البحار، بحيث أصبح من الممكن أن يتم معها توليد الكهرباء المتجددة.

ومن أجل تعزيز مركزها التنافسي وكفائتها في مجال الطاقات المتجددة، فإن هامبورغ تنشئ حالياً تجمعاً للطاقة المتجددة "هامبورغ الطاقات المتجددة" "Erneuerbare Energien Hamburg". وعلى الرغم من أن هذه المنظمة هذا التجمع نفسه ما يزال في طور التكوين، فإن الخبراء من الزملاء العاملين على إنشاء التجمع قد بدأو بالفعل بالتعاون بشكل وثيق مع هامبورغ من خلال مؤسسة تنمية الأعمال "HWF".

وتعتبر ولايات شمال ألمانيا "شليسفيغ هولشتاين، وساكسونيا السفلى، وبريمن، وهامبورغ" واحدة من المناطق الرائدة في العالم في مجال طاقة الرياح، إذ يتجلى ذلك في واقع أن تجمع هامبورغ للطاقات المتجددة محاط بعدد ضخم من منظمات وتجمعات طاقة الرياح في المناطق المجاورة، والتي تشمل على سبيل المثال germanwind، cewind، windcomm، ForWind. ومع موقعه المركزي في شمال ألمانيا، فإن تجمع هامبورغ للطاقات المتجددة يتميز بكفاءة مشهود لها في حقل طاقة الرياح في المنطقة.

ولذلك ليس من المستغرب أن يتواجد غالبية رواد العالم في مجال صناعة توربينات الرياح في هامبورغ، مثل "فيستاس" "Vestas" و"سيمنس" "Siemens" و"نورديكس" "Nordex" و"ريباور" "Repower"، و"باورويند" " PowerWind " و"إبورون" "Epuron" وغيرها.

 

اختصاصات وأبحاث وتطوير

وإلى جانب طاقة الرياح، تتركز في هامبورغ اختصاصات قوية أخرى ترتبط بقطاعات الطاقة الضوئية والشمسية والهيدروجين وتكنولوجيا خلايا الوقود وكذلك الكفاءة في استخدام الطاقة مع التركيز بشكل خاص على الاستخدام الكفوء للطاقة في مشاريع البناء. وفيما يتعلق بالطاقة الشمسية الكهروضوئية، يوجد في هامبورغ مصنعون كبار مثل "كونرجي" "Conergy" و"شارب للطاقة الشمسية"  Sharp (Solar) و"سنتروسولار" " Centrosolar" و"بي بي للطاقة الشمسية" " BP Solar" و"سن إنرجي" " SunEnergy". وتجتمع العديد من المشاريع والأنشطة في مجال الهيدروجين وتكنولوجيا خلايا الوقود، مثل "مختبر خلية الوقود" " Fuel Cell Lab" بالتعاون مع إيرباص، حافلات الهيدروجين في خدمات وسائل النقل العام (hyFLEET:CUTE) أو تكنولوجيا خلايا الوقود في التطبيقات البحرية (SchIBZ)، في "مبادرة هامبورغ لتكنولوجيا خلايا الوقود والهيدروجين" التي يتولى التنسيق فيها شركة "hySOLUTIONS GmbH". وتعتبر تكنولوجيا خلايا الوقود ذات مجال كبير في هامبورغ، فطائرات إيرباص الجديدة مجهزة بهذه التقنية، فضلاً عن حافلات النقل العام.

ومن بين هذه القطاعات، تبرز قوة هامبورغ، بجانب وجود أهم الشركات المصنعة فيها، بشكل خاص في مجال تطوير المشاريع، دون الإقلال من شأن موقعها في مجالات الرياح في المحيطات وخارجها، والتمويل والتأمين والتصديق والتصنيف والتوثيق، حيث تنطلق من هامبورغ أعمال لاعبين كبار مثل "جي إل" "GL" و"ديكرا" "DEKRA" وشركة "TÜV Nord".

أما في مجال الأبحاث والتطوير في مجال الطاقات المتجددة، فتجد في هامبورغ نشاطات متشعبة في ست جامعات ومراكز أبحاث، هي: "الجامعة التقنية هامبروغ-هاربورغ" (Technical University Hamburg-Harburg)، و"جامعة هامبورغ للعلوم التطبيقية" (Hamburg University of Applied Sciences)، وجامعة هامبورغ (the University of Hamburg)، و"جامعة هافن سيتي هامبورغ" (HafenCity University Hamburg)، و"جامعة هلموت شميدت" (Helmut Schmidt University)، و"مركز أبحاث جي كا إس إس" (GKSS Research Centre). وتبرز جامعة هامبورغ للعلوم التطبيقية هنا بوصفها أبرز مؤسسات طاقة الرياح، حيث تعمل على 20 مشروع بحثي في هذا المجال.

من جهتها، تقدم جامعات هامبورغ حلقات دراسية في حقل التعليم والتدريب، وخاصة في الجامعة التقنية هامبورغ-هاربورغ (Technical University Hamburg-Harburg)، وأيضاً في جامعة هامبورغ للعلوم التطبيقية (Hamburg University of Applied Sciences) التي تدير معهد الكفاءات لفعالية الطاقة والطاقة المتجددة (Competence Center for Renewable Energy and Energy Efficiency).

 ونظراً لإنجازات مدينة هامبورغ في التوفيق بين التطور الاقتصادي لواحد من أهم قطاعات الأعمال في أوروبا وبين الحفاظ على البيئة، وتحقيق الاستدامة والكفاءة في استخدام الطاقة، ووضع الأهداف الطموحة في مجال حماية المناخ، فقد تم تسليط الضوء على تلك الإنجازات في جائزة حملت اسم "عاصمة أوروبا الخضراء" والتي تقام في هامبورغ في عام 2011.

 

توفير هائل للطاقة

وبالفعل فإن هامبورغ تضع أهدافاً طموحة لحماية المناخ، منها تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 40 بالمئة مع العام 2010، وبنسبة 80 بالمئة مع العام 2050. وقد تم بالفعل تخفيض الانبعاث بنسبة 15% عن كل شخص مقارنة بالعام 1990، مع توفير للطاقة بنحو 46,000 ميغاواط بالساعة سنوياً، وهو ما يعتبر إنجازاً بحد ذاته لمدينة كبيرة مثل هامبورغ.

من جهته، يعتبر مرفأ هامبورغ، الواقع على نهر الإلبه، أكبر مرفأ في ألمانيا كما يعد ثاني أكبر مرافئ أوروبا من ناحية عدد الحاويات التي تتم مناولتها من خلاله. ومع الارتفاع المستمر في أعداد الحاويات التي تدخل وتخرج من المرفأ، فإن عملية توسيعه تصبح مسألة دائمة البحث، علماً أن التوسع جغرافياً في المنطقة المحيطة بالمرفأ هي مسألة مستبعدة تماماً. وبدلاً من ذلك، يتم سد الحاجة إلى سعة أكبر في المرفأ عن طريق الاستخدام الذكي لكل شبر من الأراضي المخصصة للمرفأ، وأيضاً من خلال استخدام الأحواض القابلة للتوسيع.

ويعتبر مشروع "مدينة المرفأ" "HafenCity" الذي يُبنى على ضفاف نهر الإلبه منذ حوالي عشر سنوات، عالماً مثالياً لحياة أجمل وعمل أفضل، إذ أن الهدف المعلن هو بناء مدينة تمتلك كافة مقومات وسط المدينة التاريخي: مخابز ومطاعم، متاحف ومراكز تسوق، زوايا وديعة هادئة وأخرى حيوية صاخبة، إلى جانب الكثير من مرافق ووسائل الترفيه، ونذكر منها قاعة موسيقية متطورة مصممة على شكل أمواج، حدائق ومنتزهات ونافورة مائية عامة. أي ياختصار: نموذج مصغر لمدينة كبيرة، تجمع عدداً من الوحدات السكنية والتجارية والترفيهية في منطقة خضراء موحدة تمثل نموذجاً مستداماً للمشاريع.

ولذلك بات ينظر إلى "مدينة المرفأ" كأكثر المشاريع المدنية إثارة في أوروبا، حيث أنه من المتوقع أن يحوي عند اكتمال تطويره آلاف الشقق التي يمكن أن تستوعب نحو 12000 شخص، والكثير من الشركات، ويعمل على توفير نحو 40 ألف وظيفة.

ومن المقرر أن يتم تأمين احتياجات المشروع من الطاقة من خلال مصادر منخفضة الكربون، علماً أن أبنيته التي عمل على تصميمها مجموعة من أبرز المصممين العالميين، تمتاز باستخدامها الكفؤ للطاقة، إذ سيقوم بعضها بإنتاج كمية من الطاقة أكبر من تلك التي تستخدمها.كما أن مساحات المشروع المفتوحة والطرقات التي تصلها بمركز المدينة القديم مصممة بشكل يشجع السكان على المشي واستخدام الدراجات الهوائية في تجوالهم.

كما استطاعت هامبورغ تحقيق أعلى معايير الحفاظ على البيئة في عمليات قطاع النقل العام، ذلك أن جميع المواطنين تقريباً لديهم محطات لوسائل النقل العام على بعد ما لا يزيد على الـ 300 متر من أماكن سكنهم.

وتخطط المدينة لإطلاق "قطار الأفكار" (train of ideas)، وهي مبادرة يمكن من خلالها للمدن الأوروبية التي تشارك في "شبكة جائزة عاصمة أوروبا الخضراء" أن تمتلك عربة ضمن قطار يسافر عبر أوروبا محملة إياها بأفكارها الخضراء، وإنجازاتها وخططها المستقبلية بغية نشرها ومشاركة كافة الدول في تجربتها بطريقة مبتكرة.

 

وسائل النقل النظيفة والهيدروجين

وعندما بدأ الاتحاد الأوروبي بدعم تطوير حافلات عاملة على الهيدروجين، بوصفها خطوة نحو الأمام في طريق الوصول إلى نظام نقل نظيف، لم تكن نتائج هذه المبادرة مضمونة. غير أن النتائج المبهرة التي تحققت منها أتت كشهادة على التزام وجدية جميع الأطراف المشاركة، وحكمة واضعي السياسات والمخططين.

ومما لاشك فيه أن التخفيف من حدة التغيرات المناخية، وتأمين إمدادات الطاقة، وضمان نوعية هواء نقية هي أعظم التحديات التي يواجهها العالم اليوم. وقد استثمر الاتحاد الأوروبي الكثير من الجهود والموارد لتطوير وتطبيق سياسات ومبادرات تضمن مستقبل نظيف وآمن وطاقة خالية من الكربون لمجتمعاتنا، ووسائل نقلنا على وجه التحديد. ولهذا، نجد نشر وسائل الطاقة البديلة المبتكرة ضمن الأهداف الرئيسية في سياسة الاتحاد الأوروبي باعتبارها أمراً ضرورياً لضمان استمرارية التنافسية في الصناعات الثقيلة وصناعات وسائل النقل الأوروربية.

وتأتي السياسات العامة للاتحاد الأوروبي مترابطة بشكل يستدعي التآزر على كافة الأصعدة والجهات. فالترويج للابتكار وخلق فرص العمل التي تنص عليها استراتيجية لشبونة ترتبط بالسياسات والبرامج الموضوعة لتحقيق أهداف الطاقة والبيئة الواردة في "حزمة الطاقة 20-20-20 لعام 2020". كما أن "الورقة الخضراء عن النقل الحضري" (The Green Paper on Urban Mobility ) تروج لاستخدام وسائل النقل النظيف ولمفاهيم مثل نماذج النقل المشترك (co-modal transport) للتخفيف من تأثيرات استخدام السيارات. وهي تشدد أيضاً على أهمية الاستثمار في تقنيات جديدة وسياسات التحفيز، مثل المشتريات الخضراء (أو الصديقة للبيئة) لتحفيز الأسواق على تقديم تقنيات نظيفة باستمرار.

ومن خلال هذه المبادرات، يمكن للهيدروجين أن يلعب دوراً محورياً كبديل محتمل للطاقة والوقود خالي من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مهما جرى استهلاكه.

وإن النتائج العظيمة التي حققها مشروع HyFLEET:CUTE وقبله مشروع CUTE Project تظهر صواب توجه أوروبا نحو توفير الحلول التقنية التجارية الأحدث. والتحدي الأبرز الآن هو في الاستفادة من ذلك النجاح، وتوظيف المعرفة التي تم التوصل إليها للتقدم في مجال توفير وسائل النقل النظيفة والفعالة في أوروبا، وبالتالي خلق فرص عمل إضافية. ولتحقيق هذه الطموحات، يجب العمل على عدة أصعدة مع المؤسسات الأوروبية، والهيئات الوطنية والإقليمية، والمؤسسات الصناعية.

وقد أثبت HyFLEET:CUTE بما لا يقبل الشك أن الهيدروجين يمكن أن يشكل وقوداً منخفض أو خالي من الانبعاثات، فخلايا الوقود هي بمثابة نظام دفع عملي لوسائل النقل، ويمكن لتقنيات محركات الاحتراق الداخلي اليوم أن تعمل بشكل فعال على الهيدروجين البالغ النقاء. وبالإمكان إنتاج الهيدروجين بفعالية دون إحداث تلوث بيئي وانبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون من خلال استخدام مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية. وسيكون من السهل جداً توفير البنية التحيتة المستخدمة في عمليات إنتاج وتزويد وتوزيع الهيدروجين على وسائل النقل دون أي مشاكل أساسية، والأهم من كل ذلك أن تطبيق أنظمة النقل المعتمدة على الهيدروجين هو عملية آمنة وذات فوائد طويلة الأمد جمة.

ولقد بات من الواضح توجه أوروبا والعالم بأجمعه نحو تغيير جذري مع التحول من استخدام أنظمة نقل تعمل على الوقود الأحفوري إلى أخرى تعمل على طاقة جديدة وخليط من الوقود الذي يتضمن الهيدروجين.

 

مشروع "HyFLEET:CUTE"

وبالنسبة لمشروع HyFLEET:CUTE فقد شمل إدارة 47 حافلة تعمل على الهيدروجين ضمن جهاز النقل العام في 10 مدن من ثلاث قارات. وقد انطلق المشروع في العام 2006 واختتم في نهاية عام 2009، حيث كان الهدف منه تنويع وتخفيض استهلاك الطاقة في قطاع النقل العام عن طريق تطوير تقنية جديدة لحافلات تعمل على الهيدروجين بوصفه وقود فعال ونظيف، إلى جانب إنتاج وتوزيع هذا الوقود بشكل آمن ونظيف.

وقد تعاونت المفوضية الأوروبية على إطلاق هذا المشروع مع 31 من الشركاء الصناعيين وذلك عبر وثيقة برنامج المفوضية السادس (Commission’s 6th Framework Programme). وقد تضمن مشروع HyFLEET:CUTE  عمليات تطويرية تتمثل في تطوير تقنية الحافلات العاملة على الهيدروجين وتطوير البنية التحتية للهيدروجين. فلقد استمر استخدام الحافلات العاملة على الهيدروجين من خلال خلايا الوقود لعام على الأقل في كل من أمستردام، وبرشلونة، وبكين (الصين)، وهامبورغ، ولندن، ولوكسمبورغ، ومدريد، وبيرث (أستراليا)، وريكيافيك. ليتم بعد ذلك، تطوير وتجربة نموذج أولي من الجيل القادم للحافلات الهجينة التي تستخدم الطاقة بشكل أقل. أيضاً تم تطوير وتشغيل أنواع مختلفة من الحافلات المزودة بمحرقات الاحتراق الداخلي. كما تم العمل على تطوير البنية التحتية للهيدروجين بشكل أفضل من خلال تكثيف العمليات عليها وتأهيلها لتكون أكثر فاعلية وأقل كلفة عند تشغيلها. إلى جانب ذلك، تم تصميم وتطوير وعرض بنية تحتية لإعادة شحن الطاقة الهيدروجينية في برلين بألمانيا. ولتقييم آليات وتقنيات الإنتاج المختلفة، تم إنتاج الهيدروجين في الموقع في محطة إعادة الشحن، وأيضاً إمداد محطة إعادة الشحن بالهيدروجين من محطة إنتاج هيدروجين أخرى. وقد أظهر المشروع إمكانية إنتاج الهيدروجين (H2) من خلال الوسائل التالية: تحسين بخار الغاز الطبيعي وغاز البترول المسال، وتحليل المياه – باستخدام مصادر الطاقة البديلة (مثل الكهرباء المولدة من الرياح) والتي أظهرت فاعلية كبيرة في إنتاج وتوزيع الهيدروجين النقي.

وشمل المشروع أيضاً عمليات خلايا الوقود الثابتة التي تعمل على توفير الطاقة والحرارة لمحطات الخدمة، إضافة إلى عدد من الدراسات الموسعة والمتنوعة.

وفي المستقبل، سيصبح بالإمكان إنتاج الكهرباء المتجددة على نطاق كبير، وذلك من خلال مزارع الرياح ومحطات الطاقة الشمسية. وتتمثل الاستخدامات الرئيسية للهيدروجين بشكل خاص من أجل توليد الطاقة والحرارة. ومما لاشك فيه أن هذا القطاع يلعب دوراً محدوداً اليوم، إلا أن ذلك سيتغير خلال العقود القادمة عندما يصبح الهيدروجين حاملاً للطاقة توازي أهميته أهمية الكهرباء.

ومع هذه التطورات التقنية والمشاريع المستقبلية التي يجري العمل عليها يفتخر مواطنو هامبورغ بجمال مدينتهم وسعيها إلى تنفيذ وقيادة مشاريع التنمية المستدامة. والجدير بالذكر هنا أن أهل المدينة يتميزون بالوعي البيئي العالي، وتعتبر هامبورغ من أكثر المدن الألمانية خضرة، حيث تحتل المساحات الخضراء ومناطق الاستجمام جزءاً كبيراً من مساحتها، كما تعتبر المياه من أهم المظاهر الساحرة فيها، فنهر الإلبه الذي يُعد من أكثر المجاري المائية المستخدمة في الشجن بالسفن على النطاق العالمي يضفي أيضاً جواً بحرياً فريداً من نوعه، لاسيما مع وجود حوالي 2500 جسر عبر شبكة القنوات المائية العريضة والصغيرة التي تتدفق بين نهر الإلبه والألستر، أي أكثر من البندقية ولندن وأمستردام مجتمعة. ويمثل مرفأ هامبورغ بلا شك سمة الجاذبية الخاصة بالمدينة. لذا فليس من المستغرب أن تجذب هامبورغ العديد من الشركات الكبرى والسياح من مختلف أنحاء العالم.