فوق نهرها تطفو كنوز العصور القديمة

برلين.. عاصمة عصرية لا تنسى التاريخ أبداً

ومن هذه المعالم التي لا ينبغي لأي قادم إلى برلين أن يفوت زيارتها، نذكر بوابة براندنبورغ التاريخية، التي تعد رمزاً من رموز عهد الانقسام الذي شهدته برلين في السابق، إذ كانت هذه البوابة مُقفلة لسنوات عديدة وأعيد افتتاحها بُعيد انهيار جدار برلين. ومن الأماكن التي تحظى بإعجاب السياح أيضاً، يطل علينا مبنى البرلمان الألماني، الذي يشكل مع مبنى الوزارة الفيدرالية والمباني الحديثة الأخرى، ما يُعرف بمجمع "باند دس بوندس" "Band des Bundes".

وإذا كنت من المهتمين بالتعرف أكثر على المراحل التاريخية التي مرت بها برلين وانتهت منذ عقود طويلة، يمكنك زيارة نقطة التفتيش "تشارلي"، التي مثلت سابقاً جزءاً من جدار برلين وكانت شاهداً على انقسام ألمانيا إلى دولتين: شرقية وغربية، حين قامت حكومة ألمانيا الشرقية في العام 1961 بتشييد الجدار. وهكذا أصبحت المدينة مُقسمة إلى جزئين: الجزء الغربي التابع لألمانيا الغربية، والجزء الشرقي التابع لألمانيا الشرقية. وبقيت برلين على هذا الحال إلى حين سقوط الجدار في نوفمبر 1989 وتوحيد شطري ألمانيا في عام 1990. ومن الجدير بالذكر أن بقايا جدار برلين الشهير تحول إلى آثار تاريخية ومتحف فني يجذب الزوار من مختلف دول العالم.

كما يوجد هناك العديد من المعالم الأخرى التي ما تزال تحافظ على جمالها وسحرها التاريخي إلى يومنا هذا، نذكر منها ساحة "جندارمن ماركت" "Gendarmenmarkt" التي تنتمي بكل تأكيد إلى أجمل الأماكن في العاصمة الألمانية، حيث توجد فيها بشكل رئيسي ثلاثة مبانٍ أثرية: الكاتدرائية الألمانية، الكاتدرائية الفرنسية وبيت الحفلات "كونتسرت هاوس" " Konzerthaus "، ويعود تاريخ "جندارمن ماركت" المتقلب إلى القرن السابع عشر، حيث تركت كل فترة تاريخية بصماتها في هذا المكان حتى اليوم.

كما تحظى كاتدرائية برلين بشهرة واسعة، إذ أنها تتميز بتصميم جذاب وتاريخ يمتد إلى العصور الوسطى. وقد مرت بالكثير من المراحل التي تطلبت إعادة بنائها وتجديدها من الداخل والخارج وتغيير تصميمها المعماري.

وبدورها تعتبر كنيسة القيصر فيلهلم  التذكارية رمزاً للسلام ومثالاً معمارياً جميلاً يعكس تصميم برلين على إعادة إعمار نفسها بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية.

أما بالنسبة لعشاق المتاحف فسيجدون ضالتهم في قلب مدينة برلين التي تضم أحد أهم تجمعات المتاحف في العالم والذي يطلق عليه اسم "جزيرة المتاحف"، حيث أن هذه الجزيرة الواقعة على نهر "شبريه" تحتوي على تراث أجيال وعصور متعاقبة يزيد عمره على 6000 سنة. وبالتالي فقد تم إدراجها على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ العام 1999. وتزخر المتاحف المتواجدة فيها بمقتنيات أثرية نادرة كما إنها تتميز بهندسة معمارية قل نظيرها.

ويمكنك أن تبدأ جولتك في هذه الجزيرة بزيارة "المتحف القديم" الذي يعد بالفعل تحفة في فن العمارة الكلاسيكية، ويحتوي على تحف كلاسيكية ولوحات فنية، كما تقام فيه الكثير من المعارض المتنوعة. بالإضافة إلى ذلك فإن المتحف المصري كان يحتل الطابق العلوي منه وترافق مع معرض دائم تمحور حول التمثال النصفي لـ "نفرتيتي" قبل أن يجري نقله أخيراً إلى "المتحف الجديد". لذا فإن محطتك الثانية ستأخذك إلى "المتحف الجديد" لتطلع عبرها على الناحية الجمالية لجزيرة المتاحف، إذ تحول هذا المتحف إلى نقطة تجتذب أعداداً كبيرة من الزوار بعد أن تمت إعادة بنائه وإدخال الفن المعماري الحديث عليه.

أما محطتك الثالثة فهي "المتحف الوطني القديم"، الذي يعرض رسومات أوروبية وألمانية من القرن التاسع عشر إضافة إلى  منحوتات رائعة. وبالانتقال إلى الجهة الشمالية من الجزيرة تكون قد وصلت إلى محطتك الرابعة المتمثلة بمتحف "بوده" الذي يزخر بالكثير من كنوز الفن العائدة إلى مختلف العصور، إلا أن مجموعة القطع النقدية النادرة التي يضمها تعتبر أكثر المعروضات شهرة فيه.

وستضعك محطتك الخامسة في متحف "برغامون" الذي يحظى بأعلى نسبة إقبال من الزائرين، فهو من الأماكن المذهلة بما يضمه من قطع أثرية قديمة جداً، كما يشكل مذبح برغامون المشهور نقطة جذب للسياح من كافة دول العالم.

وبالطبع يوجد خارج الجزيرة كم كبير من المتاحف نذكر منها متحف "قصة برلين" "The Story Of Berlin"، الذي يقع في شارع "كورفورستندام" ويستعمل قسم منه حالياً كمرآب للسيارات، حيث يعرض لك فترة تاريخية مهمة من خلال أركانه المؤلفة من غرف للمعيشة وأخرى للنوم إلى جانب الأماكن التي كان قد تم تدعيمها بالاحترازات اللازمة في حال حدوث هجوم نووي، ولكن الأسرة لم تكن تتسع إلا إلى 3600 مواطناً فقط!

أما عند زيارتك إلى ملجأ "أُنترفيلتن" "Unterwelten" فستدخل في العوالم القاتمة وتتعرف أكثر على تاريخ برلين المعقد، ففي هذا الملجأ الذي يعتبر من أشهر الملاجئ، سترى بأم عينيك المرافق التي استخدمها الألمان للاختباء في الحرب العالمية الثانية، حيث يوجد هنا العديد من الغرف المخصصة للرجال وأخرى للنساء والأطفال بالإضافة إلى أماكن للعناية الطبية.

وإلى جانب كل ذلك، فإن برلين تحتضن عشرات المتاحف الأخرى إلى جانب عدد كبير من صالات العرض والمدرجات والمراسم ودور الأوبرا والمسارح ودور السينما والمراكز والأروقة الثقافية، والتي تُظهر بشكل جلي المخزون الثقافي والفني الذي تتصف به المدينة، فدوماً كان للثقافة والفن نصيب كبير في برلين. كما إن المدينة تستضيف على مدار العام الكثير من المهرجانات والفعاليات المهمة، كمهرجان "برليناله" "Berlinale" الذي يعد من أشهر المهرجانات السينمائية على مستوى العالم، فضلاً عن احتضانها لفعاليات موسيقية متنوعة تستقطب من خلالها أعداداً كبيرة من المقيمين والزوار.

وإلى جانب هذه الأجواء التاريخية والثقافية والفنية، فإن المدينة تنبض بحب الحياة والحداثة، لاسيما وأنها تعتبر عاصمة عالمية للموضة والتسوق، حيث تزخر بالمعارض والفعاليات المختصة بالأزياء العالمية وباتت تجتذب كل عام المشاهير والمبدعين، وتستقطب أعداداً كبيرة من السياح الذين يحرصون على التسوق من شوارعها الشهيرة ومراكزها التجارية مثل: المركز التجاري المعروف "Arkaden" الذي يضم عشرات المحال التجارية والمطاعم، والمتجر الشهير "KaDeWe" الذي يعد مكاناً مثالياً لمن يرغب في أن يعيش تجربة تسوق مثيرة أو يبحث عن أشهى الأطباق العالمية، وشارع "فريدريش شتراسه" الذي يضم عدداً كبيراً من المحلات التجارية التي تعرض أحدث خطوط الموضة إلى جانب العديد من المطاعم والمقاهي التي تقدم لك أشهى الأطباق وألذ المشروبات، وهناك أيضاً شارع "كورفورستندام" أو "كودام"، الذي يعد من أكبر وأشهر شوارع التسوق في العاصمة الألمانية برلين، حيث يمتد من حديقة الحيوانات إلى منطقة شارلوتنبورغ، وتصطف على جانبيه مبان تاريخية قديمة وفخمة، إلى جانب عدد كبير من أشهر المحلات التجارية ذات العلامات التجارية المعروفة.

وفي الوقت الذي استطاعت فيه برلين أن تجمع بين العراقة والحداثة بشكل متفرد، فإنها مزجت بين الحياة المدنية وحياة الواحات الهادئة ببراعة تامة، حيث تقدم لزوارها حياة عصرية مفعمة بالإثارة والحيوية والتجديد وفي نفس الوقت توفر لهم المساحات الخضراء الشاسعة، كالحدائق والمنتزهات العامة والغابات الشاسعة، وبذلك يمكن للسياح وأهل المدينة أن يختاروا مكانهم المفضل من بين مجموعة من المناطق المثالية التي تمنح المرء فرصة ممارسة الرياضة والتسلية والترفيه بالإضافة إلى إمكانية الاسترخاء والراحة في قلب عاصمة تزخر بالتاريخ والثقافة والحيوية والحراك الدائم.