تتميز بالحيوية والانفتاح والتوجه نحو المستقبل

برلين.. مدينة شابة تنبض على وقع الموسيقى

المشهد الثقافي ونمط الحياة

لا تمثل برلين فقط الشباب من خلال كينونتها كمدينة شابة، بل إن نصف سكانها البالغ عددهم 3,4 مليون هم تحت سن الخامسة والثلاثين. فهنا يعيش الألمان القادمون من مختلف الأقاليم وحوالي نصف مليون إنسان يمثلون 185 جنسية. وهناك عشرات الآلاف من الطلاب الذين يأتون من الخارج مسجلين في جامعاتها وكلياتها ومعاهدها وأكاديمياتها.

وتعد برلين الشابة مدينة كبيرة في القرن الحادي والعشرين تتميز بالحيوية والانفتاح. فمنذ انهيار جدار برلين ساهم المبدعون الشباب والمبتكرون من خلال أفكارهم وأعمالهم الجديدة والكثير من الخدمات والمجالات المتنوعة في التأثير بشكل ملحوظ في وسط المدينة المستعاد. وتحولت برلين إلى مختبر وورشة عمل لثقافة الشباب، واختبرت بنجاح أشكال مبتكرة للتعبير الجمالي والمفاهيم الاقتصادية التي تم تنفيذها، حيث نشأت فضاءات فنية جديدة ونوادي ووكالات إعلامية ومهرجانات.

ويعيش هذا المشهد الثقافي الشاب في تغير وتنقل دائم مبدياً الرغبة في التحرك عبر مختلف التخصصات، ويشمل ذلك الفنانيين كالرسامين والمسرحيين ومنتجي الأفلام والكتاب والموسيقيين ومصممي الرقصات والمهندسين ومالكي النوادي ومصممي الأزياء وأصحاب المعارض والمصورين. وترتبط كل هذه الجوانب ببعضها البعض إلى حد كبير وتعمل معاً في مشاريع كثيرة. ويساهم هذا المزيج في جعل المشهد الثقافي الشاب مثيراً للاهتمام.

وهناك العديد من العوامل التي تجعل من برلين مدينة شابة، وتنيع هذه العوامل من مشهد النوادي الثقافية. فمع وجود أكثر من 300 من الحانات والملاهي والنوادي والصالات، تنبض الحياة هنا على مدار الساعة. فالمشهد الثقافي الشاب يمتد بالدرجة الأولى باتجاه وسط المدينة، حيث يمكن مشاهدته ومعايشته في مناطق مثل: "مته" "Mitte"، "برنتسلاور بيرغ" "Prenzlauer Berg"، "فريدريشسهاين" "Friedrichshain" و"كرويتسبيرغ" "Kreuzberg"، والتي تمثل غالباً أماكن سريعة التغير. وتتواجد برلين الشابة أيضاً في الأقبية القديمة والكراجات أو قاعات المصانع السابقة!

وبما إن برلين هي المدينة التي لا تنام أبداً، فإن الحيوية تطغى على كل تفاصيل حياتها الليلية، حيث توفر المدينة العديد من المرافق كنادي "سيج كلوب" و"كيت كات كلوب"، كما يحمل كل شهر معه افتتاح عدد من الحانات والنوادي والصالات والمرافق المتنوعة الأخرى. وتقع معظم هذه الأماكن الجديدة في مناطق حيوية من برلين مثل "مته" و"برنتسلاور بيرغ" و"فريدريشسهاين". وبالتالي فإن برلين تبرز كمدينة لا يوجد فيها ما هو مستحيل فيما يخص كل ما يتعلق بشؤون الحفلات وتقنياتها وأنواعها. فسواء أكانت موسيقى هادئة أو تقنية صاخبة أو حفلة تتناسب مع الجيوب الصغيرة أو حفل على أعلى مستوى، فإن كل شيء ممكن في برلين ولا توجد حدود للمتعة والمرح.

وفي برلين يسير كل من الحياة الليلية ونمط الحياة جنباً إلى جنب. فهنا يتم اكتشاف الاتجاهات الجديدة ووضع معايير جديدة في الأزياء والموسيقى. وتعتبر مناطق حيوية مثل "مته"، "برنتسلاور بيرغ"، "فريدريشسهاين" و"كرويتسبيرغ" أماكن مسلية للغاية، حيث يوجد هنا أكبر مناطق الجذب التي تستقطب أهل برلين وزوارها.

وعلى الرغم من عدم حصر الحياة الليلية في توقيت أو فترة محددة، إلا أن ذلك ليس وحده ما يميز برلين عن غيرها من العديد من المدن الأوروبية الأخرى، بل أيضاً هناك العدد الكبير من المصانع والمباني الصناعية السابقة التي تم تحويلها إلى مراكز ليلية للحياة العصرية. وفي مقدمة هذا التوجه نذكر "كولتوربراواراي" "Kulturbrauerei" و"بفيفربيرغ" "Pfefferberg" و"كالكشوينه" "Kalkscheune" و"بروتفابريك" "Brotfabrik" و"آرينا" "Arena". ولم يمض وقت طويل على هذه المباني قبل أن تتحول بهذا الشكل رغم أن استخداماتها كانت مختلفة للغاية. فقد كانت هذه المباني كلها جزءاً من ازدهار برلين الصناعية سابقاً، سواء مصانع المشروبات أو منتجي الحجر الجيري أو محطات  الحافلات. ولعب كل منها دوره سابقاً، وهي تقوم بذلك مرة أخرى كمراكز ثقافية، ممثلة معظم سحر الهندسة المعمارية لهذه المباني التاريخية.

كما تقدم المطاعم والمقاهي والحانات بشكل مستمر اتجاهات موسيقية وفنون طهو متنوعة. وتعتبر الموسيقى ذات أهمية خاصة بالنسبة لنمط الحياة الحي. فما بدأ كنقطة إنطلاق مع التقنية الموسيقية في الأقبية والطوابق السفلية والنوادي، استحدث وشكل  أحياء المدينة بأكلمها. فقد افتتحت المقاهي والحانات الأصلية تحت الأرض، حيث الرقص ليلاً ، بينما يتم في النهار التصوير في الاستوديوهات وورش العمل ووكالات الأزياء.

ويمكننا القول إن الأحياء المنتشرة حول "هاكيشه هوفه" "Hackesche Hoefe" وجادة "كاستانين آليه" " Kastanienallee" أو شارع "سيمون داخ شتراسه" "Simon-Dach- Strasse" لها النصيب الأكبر من إيقاع الحياة هذا.

وبدورها فإن منطقة هاكيشه هوفه "Hackesche Hoefe"، التي يعود بناؤها إلى آواخر القرن الثامن عشر الميلادي، تمثل واحدة من أشهر المناطق الليلية في برلين، حيث تضم أمكنة رائعة وحيوية تقدم مزيجاً من المحال التجارية والحانات والمقاهي التي يمكن أن يقضي فيها المرء أوقاتاً مفعمة بالمتعة والمرح.

 

جنة ليلية

ولدى برلين مجموعة لا تحصى تقريباً من الحانات والنوادي والمطاعم التي تتناسب مع كافة الأذواق. وهناك العديد من الساحات والشوارع التي تم إنشاؤها فقط من أجل التنزه والسير على الأقدام، حيث يجد المرء الحانات التي تتلو بعضها البعض والمحلات التجارية التي تنتشر على طول الشوارع.

وتكسب الحياة الليلية في برلين سمعتها بوصفها جنة اليوم الليلية، فنوادي برلين تعيد ولادة نفسها وتخلق اتجاهات موسيقية جديدة. وتتنوع الموسيقى والأماكن ليجد كل شخص ما يناسبه، فالكل يأتي ليعزف في برلين.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن المجلة البريطانية المختصة "DJ Mag" التي تختار كل عام "أفضل نوادي في العالم"، بحيث تتيح الاطلاع والتعرف على أفضل أماكن الحياة الليلية، اختارت في عام 2009 نادي "بيرغهاين" "Berghain" في برلين كأفضل نادي في العالم. وكان هناك أيضاً في العام 2010 خمسة أماكن برلينية ضمن قائمة أفضل 100 جهة ممثلة وهي: "بيرغهاين" "Berghain" و"وترغيت" "Watergate" و"ويك إند" "Weekend" و"تريزور" "Tresor " و"بار 25" "Bar 25".

كما يعتبر "كو-دورف" "Q-Dorf" أحد النوادي الذي يتمتع بشعبية خاصة لدى السياح. ولكن المسألة هنا لا تتمحور حول أجواء الملاهي المعتادة فقط، بل إنها تتعلق أكثر بطبيعة التجربة. فعلى مساحة تبلغ 2000 متر مربع، تقوم أربعة طوابق مختلفة بتوفير أجواء احتفالية حقيقية. وتتنوع الأنغام بين موسيقى الثمانينيات والتسعينيات وغير ذلك من أنواع الموسيقى الأخرى، بحيث يجد كل شخص ما يناسبه. وهنا يمكن الاحتفال من يوم الاثنين إلى يوم السبت مع مواضيع مسائية متجددة وبأسعار معقولة. ويمكن الوصول إليه بسهولة عن طريق وسائل النقل العام، لاسيما وأنه يقع مباشرة في شارع التسوق الشهير "كورفورستندام" الذي تعتبر كنيسة الذكرى التاريخية من أشهر معالمه.

ومن العناوين المعروفة الأخرى يبرز "ماتريكس" "Matrix" الذي يقع في منطقة "فريدريشسهاين" "Friedrichshain"، فهو يتواجد في نقطة مواصلات مريحة تتمثل بمحطة القطار "فارشاوررشتراسه" كما يضم عدة طوابق للرقص وصالة واسعة. وعلاوة على ذلك، يقدم النادي برنامجاً متنوعاً، يشتمل موسيقى الثمانينات والتسعينات الضاربة بالإضافة إلى الاتجاهات الحديثة. ويفتح أبوابه من يوم الاثنين وحتى الأحد.

ومَنْ يرغب بالاحتفال ضمن أسلوب ومستوى عاليين، فإن نادي "فيليكس" "Felix " هو المكان المناسب. ويقع هذا النادي في "برلين مته" "Berlin Mitte" ولديه طابع فريد يجسده أيضاً بشكل رائع. وبذلك فليس من المستغرب أن تكون الأسعار تبعاً لذلك عالية أيضاً. وهنا يتم التشديد بشكل كبير على ضرورة مراعاة أن تكون الملابس مناسبة وأنيقة. وفي مناسبات عديدة يرى المرء في هذا النادي رجال أعمال يتحدثون حول الأعمال التجارية أو يحتفلون بالمشروعات الناجحة. وبالمثل يتواجد هناك أيضاً المشاهير. ويترواح متوسط عمر الضيوف بين آواخر العشرين وبدايات الثلاثين.

ونذكر نادي آخر من الفئة الراقية وهو "90 غراد" "90 Grad". وهنا يتم التركيز بشكل خاص على الرقي، لاسيما من خلال الافتتاح الممتع والاستثنائي والمقنع الذي يتميز به. وتبدو السياسة شديدة جداً عند باب الدخول، ولكن بالطبع فإنه من الممكن جداً الحصول على قبول للدخول. ويتوارى هذا النادي في "برلين مته" وتحديداً في شارع "ديننه فيتس شتراسه" "Dennewitzstrasse"، لذا فإنه من الصعب الوصول إليه عن طريق المواصلات العامة.

 

برلين تتحول إلى منصة موسيقية

وإذ كانت الموسيقى محركاً أساسياً للعديد من الأنشطة والفعاليات التي تشهدها نوادي برلين، فإنها ستزحف قريباً بألحانها لتشعل كافة أرجاء المدينة، وذلك من خلال أسبوع برلين للموسيقى "Berlin Music Week" الذي يقام من 6 ولغاية 12 سبتمبر 2010. فهذه الفعالية التي تتميز بإطلالة فنية مستقبلية تربط الموسيقى مع الأعمال التجارية، وعشاق الموسيقى والمشجعين مع المصنعين.

ويقام أسبوع الموسيقى للمرة الأولى في برلين. وفي هذا السياق، يتم عرض التنوع والحيوية في مجال الموسيقى لجمهور دولي ومحلي واسع. ويجمع مهرجان الموسيقى هذا أنشطة متنوعة وشاملة حول موضوع الموسيقى ليغطي جميع أنحاء المدينة بأنغام الموسيقى الشعبية وصناعة الموسيقى والثقافة الموسيقية.

ويتوحد الجميع من منظمين ومشاهدين في مدينة الألف منصة، حيث ستكون هناك فرصة رائعة أمام أنصار ومشجعي مختلف الاتجاهات ليعيشوا كافة الأشكال والأساليب الموسيقية، إذ يجمع البرنامج بين نجوم العالم والقادمين الجديد ويكشف عن أحدث الاتجاهات التي تمثل جميع الأجناس.

وفي نفس الوقت ستشارك كافة قطاعات الموسيقى في معرض الموسيقى "بوبكوم" "Popkomm" الذي يمثل السوق الدولي لتجارة الموسيقى، وكذلك أيضاً في العديد من المؤتمرات والمحاضرات والدورات التدريبية والفعاليات الأخرى. وكجزء من لقاء القطاعات هذا، ستتاح الفرصة أمام جمهور دولي من الخبراء وممثلي وسائل الإعلام لتبادل المعارف والتواصل فيما بينهم. وسوف ينصب التركيز على المواضيع الراهنة للصناعات الإبداعية كالتطورات المهمة بالنسبة لقطاع الموسيقى في الإنتاج الرقمي والتوزيع.

وفي غضون الأسبوع يقدم أسبوع برلين للموسيقى منصة فريدة من نوعها ذات إطلالة مستقبلية. وسيتمكن المستهلكون من المشاركة في العديد من الفعاليات والمناسبات، حيث يستطيع عشاق الموسيقى أن يختلطوا مع الزوار المختصين، كما ستجد هنا مجالات الأعمال التجارية كالألعاب والموضة والأفلام والإعلان مكانها لاغية كل الحدود الجامدة.

وسيساهم أسبوع الموسيقى هذا في تحويل برلين إلى مدينة تدور حول الموسيقى لمدة سبعة أيام، لاسيما مع ما تتميز به عاصمة الموسيقى برلين من حيوية تشعل كل ما تضمه من نوادي وحانات وملاهي ومسارح لتجلعها منصات مهمة لعالم الموسيقى.

يذكر أن المهرجان يتكون من أربعة أجزاء مختلفة: مؤتمر حول المسائل المركزية في صناعة الموسيقى: "أولتوغاذرناو" " all2gethernow"، اجتماع السوق والصناعة: "بوبكوم" "Popkomm"، فعالية الموسيقى في الهواء الطلق: مهرجان برلين وفعالية النادي " Berlin Festival and the club event"، ليلة نادي برلين: "Berlin club night".

وسيكون التركيز على أرض مطار "تمبلهوف فلوغهافن" "Flughafen Tempelhof"، حيث سيقام كل من "بوبكوم"، "أولتوغاذرناو" و"ليلة نادي برلين". وبغض النظر عن هذا، فإن المدينة كلها ستتحول إلى منصة لاتجاهات المستقبل من الأجناس المختلفة.