استخدام محرك طيارة بدلاً من محرك السيارة

سرعة جنونية .. الصراع الأبدي لتحطيم الأرقام القياسية

(د ب أ) – يسعى كثيرٌ من عشاق السرعة الجنونية منذ ما يزيد على 100 عام إلى تحطيم الأرقام القياسية أثناء الانطلاق بالسيارة. ويزخر عالم السيارات بالعديد من قصص هؤلاء المغامرين. ولم يَعد اختراق حاجز الصوت يمثل أية عقبة أمام عشاق المغامرة منذ فترة طويلة، بل إنهم باتوا يسعون إلى تحقيق أهداف جديدة.

 

     ويعد إرنست إلدريدج من رواد عشاق السرعة الجنونية منذ فجر عالم السيارات. وكان هدف هذا المغامر البريطاني يتمثل في تصنيع أسرع سيارة في العالم، غير أنه شعر بأن قوة المحرك رباعي الأسطوانات بسعة 10 لتر في سيارته فيات SB/4، موديل عام 1908، البالغة 110 كيلووات/150 حصان لا تكفي لتحقيق هذا الحلم.

 

محرك طائرة

     لذا قام إلدريدج بتعديل السيارة وفقاً للأسلوب الذي كان شائعاً آنذاك، حيث قام بإطالة شاسيه السيارة باستخدام أجزاء مهملة من حافلة بمدينة لندن، وقام بتركيب محرك طائرة تحت غطاء المحرك، مثل المحركات التي قامت شركة فيات بتصنيعها للطائرات القاذفة للقنابل خلال الحرب العالمية الأولى، وكانت قوة هذا المحرك كافية لتحقيق هدفه المنشود، حيث كان يتكون من ستة أسطوانات وبسعة 22 لتراً وبقوة 235 كيلووات/320 حصان.

 

     ويروي هذه القصة رافاييل تيرليزي المسؤول عن الوثائق والمستندات التاريخية لشركة فيات بمدينة تورينو الإيطالية. ويضيف أن حلم إرنست إلدريدج تحقق بعد ذلك في عام 1924، حيث انطلق بسيارته Mefistofele على طريق القياس في منطقة أربايو على مشارف العاصمة الفرنسية باريس ووصل إلى سرعة 98ر234 كلم/ساعة، وسجل الرقم القياسي العالمي الذي يطمح إليه.

 

     وقد أكد له نادي السيارات الفرنسي على أنه قام بقيادة أسرع سيارة في العالم، وهذا الرقم يعتبر أول رقم قياسي يتم تسجيله رسمياً. وعلى الرغم من أن السرعة القصوى لكثيرٌ من السيارات حالياً تزيد على الرقم القياسي الذي حققه إرنست إلدريدج؛ إلا أن رافاييل تيرليزي يؤكد على أهمية ذلك بقوله: "لكن الرقم القياس لإرنست إلدريدج سيظل قائماً للأبد، نظراً لأنه كان آخر من قام بمحاولته على الطرق العامة".

 

     ونظراً لتعرض المتسابقين لمخاطر كبيرة أثناء الانطلاق على الطرق العامة مثل كثرة الحصى في الطريق والمنعطفات والسيارات القادمة في الاتجاه المقابل، فقد ظهرت في تلك الفترة حلبات سباقات السيارات، مثل بروكلاندز جنوب العاصمة البريطانية لندن.

 

الأول على الحلبة

     ووفقاً لما أعلنته شركة مرسيدس – بنز الألمانية، فإنه قد تم تسجيل أول رقم قياسي عالمي على أول حلبة سباقات خلال تشرين ثان/نوفمبر 1909، حيث تمكن المتسابق فيكتور هيمري من الانطلاق بسرعة 7ر205 كلم/ساعة على مسافة نصف ميل بواسطة سيارته «Blitzen Benz» على حلبة السباقات البيضاوية، بالإضافة إلى تسجيل هذه السيارة باعتبارها أول سيارة مزودة بمحرك احتراق داخلي تجتاز حاجز 200 كلم/ساعة.

 

     وكانت أسرع جولة على حلبة السباقات بروكلاندز من نصيب البريطاني جون كوب، حيث شهد عام 1934 تسجيل الرقم القياسي العالمي 84ر230 كلم/ساعة بواسطة السيارة Napier-Railton المزودة بمحرك مكون من 12 أسطوانة وبسعة حجمية بلغت 24 لتراًَ وبقوة 368 كيلووات/500 حصان. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يتم تحطيم هذا الرقم القياسي على حلبة بروكلاندز التي شهدت آخر سباق سيارات في آب/أغسطس 1939.

 

     ولكن عشاق تحطيم الأرقام القياسية بحثوا عن حلبات سباق أخرى، والتي دائماً ما تصبح صغيرة مع ازدياد سرعة السيارات. وتوجه المغامرون إلى منطقة البحيرات المالحة بولاية يوتا الأمريكية. وقام المتسابقون خلال حقبة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم باكتشاف المنطقة المستوية التي تمتد لمسافة عشرة آلاف متر مربع حول بلدة بونفيل الصغيرة، ولم تكن هناك أية نباتات تعكر صفو سباقات السيارات.

 

     ويحكي الفيلم الوثائقي «Boys of Bonneville»، الذي تم إنتاجه خلال 2011، قصة عشاق الانطلاق بسرعة جنونية. وكان ديفيد أبوت جنكينز هو الملك غير المتوج لهذه السباقات، ويتردد أنه حقق أرقاماً قياسية أكثر من أي شخص أخر، حيث قام خلال 1935 بقيادة السيارة Duesenberg Mormon Meteor لمدة 24 ساعة بسرعة تبلغ 217 كلم/ساعة في المتوسط، وفي عام 1940 قام بزيادة هذه السرعة إلى 260 كلم/تقريباً، وهي أفضل سرعة تم الوصول إليها على مدى الخمسين سنة اللاحقة.

 

     وتقول اللجنة المنظمة لأسبوع السرعة في بونفيل "Bonneville Speedweek" إن هناك الكثير من الأرقام القياسية لا تزال باسمه حتى الآن، ويتم تنظيم هذه المسابقة سنوياً لكي يتم تسجيل أرقام قياسية جديدة.

 

 

 

الرقم الحالي

     ولا يزال ديفيد أبوت جنكينز يعتبر في الولايات المتحدة الأمريكية بطل سباقات السيارات في البحيرات المالحة، ولكنه يبدو بمظهر متواضع أمام المتسابقين الأخرين مثل أندي غرين، حيث يحمل هذا الطيار العسكري البريطاني الرقم القياسي «Land Speed Record» الحالي منذ عام 1997 بسرعة بلغت 1228 كلم/ساعة. وقد انطلق في صحراء نيفادا باعتباره أول متسابق يخترق حاجز الصوت بالسيارة.

 

     ولا تشترك السيارة ThrustSSC، التي انطلق بها المتسابق أندي غرين قبل 16 عاماً، في كثير من الجوانب مع الموديلات العادية؛ حيث تبدو هذه السيارة ذات المقعد الواحد بمظهر مثل الصاروخ، ويبلغ طولها 5ر16 متراً، وتأتي بجسم نحيف مثل السيجار، ويتم دفعها بسواعد اثنين من محركات الطائرات التربو بقوة 74 ألف كيلووات/100 ألف و640 حصان.

 

     وقد كشف ريتشارد نوبل عن خطط طموحة لإنتاج السيارة Bloodhound SSC التي تنطلق بسرعة قصوى تبلغ 1000 ميل في الساعة، وهو ما يعادل 1609 كلم/ساعة. وأوضح فريق Bloodhound في العاصمة البريطانية لندن أن هذه السيارة لا تزال نموذجاً اختبارياً، ومن المقرر قيادتها وتسجيل الرقم القياسي العالمي الجديد خلال فصل الصيف لعام 2013.

 

     وهناك مجموعة من عشاق السرعة الجنونية، مثل بيير هنري، يقودون السيارات بسرعة أكبر من الأشخاص العاديين، حيث قام سائق التجارب لدى شركة بوغاتي التابعة لمجموعة فولكس فاغن الألمانية بقيادة السيارة Veyron في ساحة الاختبارات بمنطقة إيرا ليسين بسرعة قصوى بلغت 431 كلم/ساعة، وبالتالي فإن السيارة Veyron تعتبر أسرع أيقونة رياضية يتم إنتاجها بشكل قياسي، علاوة على تسجيلها في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية.

 

     وبعد هذه التجربة المثيرة قال هنري سائق الفورميلا 1 السابق: "استغرقت عملية الانطلاق من الثبات حتى سرعة 400 كلم/ساعة حوالي 20 ثانية، وخلال هذه الوهلة القصيرة، تأكد لي أنني لا أرغب في القيام بذلك مرة أخرى".