مدينة يعشقها الكبار والصغار

العاصمة الألمانية برلين تدلل أطفال العالم وتحترم رغباتهم

عندما يبحث الأهل عن مدينة يقضون فيها أجمل الأوقات، قد تتملكهم الحيرة، فبين رغبات الأطفال وتوجهات الأهل، يصبح التخطيط للسفر مسألة تحتاج إلى مزيد من الوقت والتفكير. ولكن قلوب الآباء والأمهات لا يمكن أن تتجاهل أمنيات الصغار وما يحبونه. هنا، تبدأ قائمة الوجهات السياحية بالانحسار تدريجياً، لاسيما أن كل عائلة تريد أن تقضي وقتاً يتناسب مع كافة أفرادها، وخصوصاً الصغار منهم. ولكن تخوف الأهل من عدم قدرتهم على تحقيق رغبات أولادهم سيتلاشى حتماً عندما يرسي الاختيار على العاصمة الألمانية برلين.


شوارع الفرح

عندما تكون في جولة مع الأطفال في مدينة كبيرة، فعليك أن تحترم رغباتهم الخاصة. لذا فإننا ننصحكم أن تحاولوا أن تشاهدوا برلين من خلال عيون أطفالكم. فمدينة برلين الواقعة على نهر "شبريه" " Spree" تقدم العديد من الخيارات التي تمكنك من إرضاء أطفالك ومنحهم متعة كبيرة.

فبنظرة بسيطة على العديد من الفنادق في برلين، فإننا نجد أنها تقدم خدمات خاصة للأطفال، مثل خدمة "سرير الطفل"، وجبة إفطار في الساعة السابعة والنصف صباحاً، ومكان خاص بالألعاب يدعى "شبيلوتيك"، حيث يمكن للأطفال ممارسة الألعاب باستخدام الكمبيوتر أو الليغو أو غيرها. وعلاوة على ذلك، تقدم الفنادق رحلات يومية خاصة للعائلات، كما توفر مربيات الأطفال.

وبالإضافة إلى البرامج الخاصة بالأطفال في المسارح ودور السينما والمتاحف، يمكن الحصول على تجربة خاصة جداً سواء للصغار أو الكبار من خلال جولة في أرجاء المدينة. وعلى الرغم من أن الأطفال قد لا يتوقفون مطولاً أمام المعالم التاريخية مهما كانت قيمتها الأثرية، إلا أن "التماثيل الإنسانية" التي تملأ شوارع برلين وزواياها، قد تكون من أكثر الأشياء التي غالباً ما ينجذب الأطفال إليها، حيث تثيرهم الملابس الغريبة التي يرتديها هؤلاء الأشخاص الذين يقفون في أماكن محددة لساعات طويلة ويؤدون الكثير من الأدوار، فبعضهم يرتدي لباس الساحرات والبعض الآخر يفضل ملابس الأمراء الأنيقة، ومنهم من يتحول إلى رجل أو امرأة آلية، وآخرون يعمدون إلى كل ما يجلب الضحك والأجواء الكوميدية، ليس فقط من خلال ملابسهم، بل أيضاً بفضل الألوان التي يلونون بها وجوههم وأيديهم والحركات التي يقومون بها.

إلى جانب كل ذلك، فإن الموسيقى التي تصدح في شوارع المدينة، سواء تلك التي تقدمها الفرق المتجولة أو الأشخاص الذين ينتمون إلى فناني الشوارع، ترسم الابتسامة على وجه الأطفال وتدخل الفرح إلى قلوبهم.

ولا تقتصر المسألة على الزخم والتنوع اللذان يطبعان شوارع برلين، بل إن المدينة منحت الأطفال مزايا خاصة حتى من الناحية القانونية!.. فعلى الرغم مثلاً من الاهتمام الألماني الشديد بمكافحة التلوث بكل أنواعه والحرص على منع الضوضاء أياً كان مصدرها، إلا أن مدينة برلين استثنت الأطفال من قوانين التلوث الصوتي المشددة، حيث تم تعديل تلك القوانين، بحيث أصبح من المحتمل اجتماعياً أن يقوم أعضاء الجيل الشاب بإحداث جلبة. وبإقرار الحكومة المحلية في برلين لهذا القانون الذي يعطي الأطفال الحق في إحداث ضوضاء، فإننا أصبحنا أمام أول قانون من نوعه في ألمانيا، فهي المرة التي الأولى التي يسن فيها قانون مكتوب يعترف بحق الأطفال في الصياح وإحداث الجلبة وهم يلعبون، وهكذا أصبحت برلين الولاية الأولى من بين ولايات ألمانيا الستة عشر التي تتبنى هذا القانون. وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على مدى الاهتمام الذي تمنحه المدينة للأطفال.

من جانب آخر، تعتبر "برنتسلاور بيرغ" واحدة من أكثر  المناطق في ألمانيا التي فيها غالبية من الأطفال، وهي منطقة متعددة الوجوه، حيث يمكنك أن تجد حتى اليوم منازل مشيدة بأسلوب "فيلهلمينيان" Wilhelminian الأصلي، إلى جانب مناطق أخرى حديثة بالكامل. والمنطقة معروفة جداً بأسلوب الحياة المتبع فيها، والذي يجتذب العديد من الطلبة، والفنانين والمفكرين من كافة الأراضي الاتحادية.

 

مغامرات ونزهات

وإذا أردنا أن نساعدك على الاستمتاع برحلتك مع أطفالك، فلابد أن ننصحك أن تبدأ جولتك في "هوزمانشتراسه". فمن محطة المترو "ابرفالدارشتراسه"، يمكنك أخذ الترام إلى نقطة التوقف في "هوزمانشتراسه"، حيث لا تستغرق الرحلة إلا مدة ثلاثة دقائق فقط.

وستتمكن من الشعور ببرلين آواخر القرن التاسع عشر في "هوزيمانشتراسه"، هذا الشارع الذي يتفرع من شارع "دانتسيغر"، والذي تم استعاده قبل إعادة التوحيد. هنا سوف تجد محلات الزاوية القديمة، ومضخات الشوارع، ومصابيح قوس قديمة، وشقق القبو التي تراها في كتب الرسام البرليني الشهير "هاينريش تسيله" Heinrich Zille. وستجد أن معظم واجهات المنازل مزخرفة بشكل براق.

وفي نهاية الشارع عند الجانب الأيمن، يقع مقهى 1900، حيث يعرض العديد من الفنانين أعمالهم المختلفة. ومن خلال الأشجار المحيطة بالمنطقة، ستكون قادراً على مشاهدة ما يجري في "كولفيتسبلاتس" مع الاستمتاع بأطباق الطعام اللذيذة.

وعلى الرغم من إحاطة المنازل بمنطقة "كولفيتسبلاتس"، إلا أنها تبقى براقة ومخضرة بشكل دائم. ويعتبر الملعب مع مربع الرمال مكاناً مثالياً للهرولة والحفر، وبجانب الملعب، سوف تشاهد منحوتة برونزية رائعة تجسد النحاتة البرلينية الرائعة كيته كولفيتس. وفي المرج خلف الملعب، فإن الجميع، سواء الصغار أو الكبار، يستمتع بالاستلقاء وأخذ حمام في الشمس أو الاسترخاء.

وفي أيام الخميس والسبت، لن تكون المنطقة حول "كولفيتسبلاتس" هادئة، إذ أنه في هذا الوقت، يبدأ العديد من التجار ببناء الأكشاك من أجل السوق الأسبوعية.

وفي مكان غير بعيد من هنا، تجد برج الماء "فاسرتورم" "Wasserturm" بين شارعي "بلفوتر" و"كناكشتراسه"، إلى جانب ما يسمى بـ "ديكه هيرمان" منذ عام 1877، حيث أنه خدم كمخزن منذ البداية. وسيكون من الصعب مقاومة فكرة اللعب في الملعب في "فاسرتورم" حيث ستغريك حتماً ألعاب الكرة أو بناء القلاع من الرمل والماء.

كما يقدم الملعب الداخلي "ليمبوبو كندرلاند"، والذي يمتد على مساحة 1000 متر مربع بالقرب من شارع "شونهاوزر 161 A"، فسحة كافية للهو واللعب عندما تكون الأحوال الجوية سيئة في الخارج، فالملعب يحتوي على ثلاثة ساحات مناسبة للأطفال من مختلف الأعمار.

ومن هنا، ستكون الوجهة التالية محطة أنفاق "زنيفيلداربلاتس"، التي ستصل من خلالها إلى الساحات المرتبطة ببعضها والشهيرة باسم "هاكشيه هوفه"، حيث ستتمكن من القيام بنزهة إلى حديقة Monbijou-Park.

وننصح ببدء الجولة من ما يعرف باسم "شبانداور فورشتادت" Spandauer Vorstadt عند محطة قطار "هاكشير ماركت" Hackescher Markt في الضواحي. ومما لاشك فيه أن الواجهة الرخامية السوداء الخاصة بمباني"هاكشيه هوفه" الشهيرة سوف تأسر عيناك بمجرد النظر إليها. وسيكون عليك أن تقطع مفترق طرق خاص بالسيارات والترامات الصفراء قبل أن تصل إلى الساحات التسع.

 

مسرح وأدب.. ديناصورات وأسماك

تمتد "هاكشيه هوفه" على المساحة المتواجدة بين "أورانينبورغر شتراسه" و"روزنهالر شتراسه"، حيث تعتبر أكبر منطقة ساحات مترابطة في ألمانيا ما يجعلها نقطة جذب مهمة جداً لبرلين. وتزخر الساحتان الأولى والثانية بالمطاعم والمقاهي، في حين يقدم مسرح "هاكشيه هوفتيآتر" Hackesche Hoftheater الكثير من العروض للصغار والكبار على حد سواء.

وفي الساحات الخلفية، تدعوك محال الأزياء الخاصة بمصممي برلين لدخول منطقة تسوق مأهولة بشكل كبير. وهناك ستجد أيضاً مصنعين للصناعات اليدوية، ومنهما مصنع الحبر، أو الورشة حيث يجري صناعة إطارات الصور. وفيما يتعلق بالأشخاص الذي يتملكهم الفضول، فسيجدون ضالتهم مباشرة في الساحة التي تحتوي على مربع الرمال الكبير.

أما بالنسبة للمثقفين وعشاق الكاسيتات، فلا بد أن نخبرهم أن مركز برلين لأدب الأطفال، "ليزآرت" LesArt، يفتح أبوابه لعشاق الأدب دائماً. فإذا رغبت بالاشتراك في جلسة قراءة القصص أو أي فعاليات قراءة أخرى، سيكون عليك التقدم بطلب مسبق. ويقع "ليزآرت" في شارع "فاينمايسترشتراسه 5"  ويمكن الوصول إليه بسهولة من "هاكشيه هوفه" أو "روزنهالرشتراسه".

وإذا كان أطفالك ممن يفضلون اللعب في الملاعب، فعليك الآن ترك "هاكشيه هوفه" والتوجه إلى شارع "أورانينبورغر شتراسه". وفي طريقك ستمر بعدد من محال الأزياء الصغيرة والمقاهي، وخلال دقائق من ذلك سترى الجانب الأيسر من منتزه Monbijoupark والممتد عند الجهة الأخرى من نهر "شبريه" Spree.

وهناك تمنح الواحات الخضراء الصغيرة الكبار والصغار مغامرة جميلة. ففي أيام الصيف، تجد بشكل يومي فسحة جيدة لألعاب الرش بالماء في Kinderbad Monbijou، حيث برك السباحة وألواح الانزلاق وغير ذلك من الألعاب المائية، إلى جانب الفسحات الخضراء، حيث يمكنك الاستلقاء وأخذ حمام شمسي. وهنا يجب عليك أن تجلب معك ما تحتاج إليه من وجبات الطعام كونه لا يوجد خدمة للطعام في هذا الحمام المتواجد في الهواء الطلق.

ويمكننا القول إن منتزه  Monbijoupark هو مكان رائع يتيح لك المجال كي تلعب في المروج أو القيام بجولات ممتعة ومشاهدة الناس. وللوصول إلى الملعب توجه إلى Kinderbad Monbijou ومن هناك خذ يمينك وستصل إليه.

أما للعودة إلى الضواحي، فينبغي الذهاب إلى محطة قطار Hackescher Markt، من خلا ل اتباع مسار  S-Bahn-arches، حيث ستكون المحطة على بعد بضعة أمتار فقط.

وإذا كنت ممن يعتقدون أن الأطفال والمتاحف شيئان لايمكن أن يجتمعا، فإنك ستغير رأيك خلال زيارتك للعاصمة الألمانية! فالكثير من الأطفال يستهويهم زيارة المتحف الطبيعي في برلين، حيث يمكن مشاهدة هيكل عظمي لديناصور يبلغ طوله حوالي 13 متراً، ويعتبر الأكبر في العالم، بالإضافة إلى مجموعة من الحيوانات الأخرى التي تحظى باهتمام شديد من قبل مختلف الزائرين. كما أن مجموعة الأسماك المتنوعة المتواجدة في متحف الحياة البحرية، الذي يقع بين ساحة ألكسندر وسوق هاكشيه، لطالما جذبت الأطفال لمشاهدتها والتعرف عليها.

 

أطفال برلين محظوظون

ومهما تحدثنا عن علاقة الطفل بالحيوانات، فإنك من خلال زيارة ممتعة لحديقة الحيوانات في برلين يمكن أن توقن تماماً مدى الاهتمام الذي يمكن أن يبديه الطفل تجاه مشاهدة الحيوانات ورغبته الكبيرة في التعرف على أنواعها ونوعية طعامها وكل ما يرتبط بذلك. فأطفال برلين لديهم علاقة خاصة ووثيقة مع الحيونات. وقد يحسدوهم الكثيرون كونهم يعيشون في مدينة تضم أقدم حديقة حيوانات في ألمانيا والتي تدعى "تسولوغيشه غارتن" "Zoologische Garten". وننصحك أن تعطي جزءاً من وقتك لها، فهي تمثل تجربة لا تنسى، لاسيما إذا عرفنا أن حوالي ثلاثة ملايين من محبي الحيوانات يزرون الحديقة سنوياً.

وتعتبر هذه الحديقة الأكثر تنوعاً في العالم، حيث تحتوي على 1400 نوعاً، من ضمنها حوض الأسماك، وحوالي 14000 من الحيوانات التي تعيش على مساحة تبلغ 34 هكتاراً.  وكانت هذه المملكة الحيوانية قد تأسست عام 1844 بناء على مبادرة من العالمين الكسندر فون هومبولدت ومارتين ليشتنشتاين، وبذلك كانت أول حديقة حيوانات في ألمانيا. بمساعدة فنان ومصمم الحدائق الشهير بيتر جوزيف لنيه نشأت منطقتان جذابتان واحدة عام 1872 كبيت للظباء والثانية عام 1873 كبيت للفيلة.

ويتصف الوصول إلى هذه الحديقة بالسهولة التامة، فهي تقع غرب مدينة برلين بجانب محطة قطارات تحمل نفس اسم الحديقة، وهي بنفس الوقت طبعاً قريبة من كنيسة الذكرى الشهيرة. وعند زيارتها يجب المرور من بوابة الفيل الكبيرة “Elephantentor في شارع "هاردنبيرغشتراسه" أو تلك المتواجدة في "بودابستر شتراسه"، حيث ستجد الكثير من السياح يلتقط الصور أمام هذه البوابات نظراً لتصميمها المميز.

ويعتبر الدب القطني "كنوت، من أكثر قاطني الحديقة شعبية. ولابد أن الكثير منا مايزال يتذكر هذا الدب الذي ولد عام 2006 في هذه الحديقة. فوسائل الإعلام الألمانية والعالمية قامت بتغطية هذا الحدث وجعلت من هذا الدب الصغير الوسيم نجماً تخطت شهرته العديد من ممثلي هوليود. والسبب في شهرته يعود إلى عدة أسباب: فبالإضافة إلى السمعة المميزة التي تتصف بها الحديقة والأساليب العلمية المتبعة فيها، فإن قصة ولادة هذا الدب اتصفت بالإثارة، حيث أن أمه رفضت أن ترضعه بعد ولادته، فقام توماس دورفلاين، الذي يعمل في الحديقة كمختص بالعناية بالحيوانات، بدور الرعاية الأبوية وأخذ يغذيه من زجاجة الرضاعة، إلى درجة أن البعض أطلق عليه لقب " "أب الدببة" أو "أب كنوت"، إلا أن توماس دورفلاين توفي في 22 سبتمبر من العام 2008 نتيجة لسكتة قلبية مما أحزن أعداداً كبيرة من الناس على مستوى العالم. وقبل دخولنا عام 2010 احتفل كنوت بعيد ميلاده الثالث، وكانت هديته عبارة عن كعكة جليدية من الخضروات، كما أنه بدا سعيداً وقتها نظراً للعواصف الثلجية التي اجتاحت أوروبا آنذاك، حيث أن درجات الحرارة المنخفضة تعتبر جواً مثالياً بالنسبة له.

ومن الحيوانات الأخرى التي ستراها أثناء زيارتك للحديقة الزرافة والجمل، وفرس النهر، والفيل، والغوريلا. كما يمكنك أيضاً مشاهدة عمليات إطعام الحيوانات المفترسة. وعند قبو مساكن الحيوانات المفترسة تجد مساكن الحيوانات التي تنشط في الليل، حيث أن غرفها مظللة والجو مليء بالإثارة. ولا بد من مشاهدة الحوض المائي بالقرب من "بوابة الفيلة" Elephantentor، والذي يحتوي على الأسماك والزواحف مثل الأسماك المفترسة، وأسماك القرش، والتماسيح. كما يوجد في الحديقة العديد من المحال التي تبيع السكاكر والمشروبات.

وبعد مشاهدة الحيوانات البحرية والبرية والطيور، يمكنك القيام بجولة في الشارع الشهير الذي يسمى "كورفورستندام" لزيارة "Steiff-Shop" في "كورفورستندام 220"، حيث تجد مجموعة واسعة من الألعاب التي تمثل مجسمات الحيوانات الشهيرة.

وللاستمتاع بوجبة لذيذة، يمكنك استقلال الحافلة رقم  M19 أو M29 إلى ساحة "Lehniner Platz"، حيث يقع مطعم "شارلوتشين" Charlottchen على بعد خطوات فقط في  شارع "دروزنشتراسه 1" Droysenstraße 1. وهنا يوجد أيضاً باحة داخلية، حيث يمكن للأطفال بين سن 2 و4 سنوات اللعب والاستمتاع بالموسيقى والرقص، إلى جانب مسرح للأطفال ومطعم للعائلات.