من قلب أوروبا

برلين.. مدينة تحتفظ بالرموز التاريخية وتنبض بالحياة

عندما تقف على إشارة المرور في برلين منتظراً اللون الأخضر، لابد أن يلفت نظرك الكم الكبير من المشاة الذين يستعدون لعبور الطريق معك! وعندما تتجول في شوارعها النابضة بالحياة، لابد أن تلقتط مسامعك كلمات كثيرة من لغات عالمية، قد تكون من بينها العربية! هذه هي برلين، عاصمة ألمانيا التي تستقطب السياح من كل حدب وصوب، نظراً لما تتمتع به من مقومات سياحية تجعلها إحدى أفضل وجهات السفر في العالم.


مدينة الرموز

على الرغم من الأزمات التي مرت بها برلين عبر التاريخ، إلا أنها ماتزال تحتفظ برموز تذكارية عديدة. فهي مدينة تحتضن جميع الأزمنة في شوارعها ومبانيها ومعالمها. وماتزال تتحف زوارها بسحرها وروعتها وعمقها الحضاري، مما يجعل لزيارتك لها مذاق خاص.

بوابة براندنبورغ (Brandenburger Tor) مثلاً تعد رمزاً من رموز عهد الانقسام الذي شهدته برلين في أربعينيات القرن الماضي، وقد كانت هذه البوابة مُقفلة لسنوات عدة وأعيد افتتاحها بُعيد انهيار جدار برلين. أما كنيسة كايسر فيلهلم (Kaiser Wilhelm) التذكارية والواقعة في حي كورفورستيندام (Kurfürstendamm)، فهي تذكار للسلام ورمز معماري جميل، يعكس تصميم برلين على إعادة إعمار نفسها بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية.

وإذا كنت من المهتمين بالتعرف على مراحل تاريخية أخرى انتهت منذ عقود طويلة، يمكنك زيارة نقطة التفتيش "تشارلي" (Checkpoint Charlie)، التي مثلت سابقاً جزءاً من جدار برلين، التي كانت شاهداً على انقسام ألمانيا إلى دولتين (شرقية وغربية)، حيث قامت حكومة ألمانيا الشرقية في العام 1961 بتشييد جدار برلين. وهكذا أصبحت المدينة مُقسمة إلى جزئين: الجزء الغربي التابع لألمانيا الغربية، والجزء الشرقي التابع لألمانيا الشرقية. وبقيت برلين على هذا الحال إلى حين سقوط الجدار في نوفمبر 1989 وتوحيد شطري ألمانيا في عام 1990. وبالتوجه إلى المحطة الشرقية بالقرب من شارع "بيرناور شتراسه"، يمكنك رؤية بقايا جدار برلين الشهير الذي تحول إلى آثار تاريخية تشهد على تقسيم برلين وتاريخ الحرب الباردة.

ومن الأماكن التي تحظى بإعجاب السياح ويقصدونها عادة مشياً على الأقدام، هناك مبنى البرلمان الألماني، الذي قام بتصميم زجاجه الفنان نورمان فوستير (Norman Foster)، وهو يشكل مع مبنى الوزارة الفيدرالية والمباني الحديثة الأخرى، ما يُعرف بمجمع باند ديس بونديس (Band des Bundes).

ومن الصروح المعمارية المهمة أيضاً في المدينة، يطل علينا برج التلفزيون في ألكسندربلاتس (Alexanderplatz)، الذي يبلغ طوله 368 متراً، ويوفر لمرتاديه من علو شاهق مشهداً بانورامياً رائعاً لهذه المدينة.

 

أكبر تجمع للمتاحف في أوروبا

عشاق المتاحف سيجدون ضالتهم في قلب مدينة برلين التي يتواجد فيها أحد أهم تجمعات المتاحف في العالم والذي يطلق عليه "جزيرة المتاحف"، التي تعتبر أكبر تجمّع للمتاحف في أوروبا وتحتوي على تراث لأجيال وعصور متعاقبة يزيد عمره على 6000 سنة. تضم هذه المجموعة خمسة متاحف تتصف بأن شهرتها تتعدى حدود ألمانيا وأوروبا، لاسيما أن المنطقة التي توجد فيها هذه المتاحف تم إدراجها على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ العام 1999. وتعرض هذه المتاحف متقتنيات نادرة ورائعة بطريقة عرض دقيقة وهندسة معمارية قل نظيرها. وإلى جانب ما تحتويه "جزيرة المتاحف"، فإن برلين تحتضن أكثر من 170 متحفاً، إلى جانب عدد كبير من صالات العرض الفنية والمراسم، والتي تُظهر بشكل جلي المخزون الثقافي الذي تتصف به المدينة.

وللفن أيضاً نصيب كبير في برلين، حيث تنتشر فيها دور أوبرا ذات صيت واسع، وأكثر من 150 مسرحاً ومدرجاً، فضلاً عن عشرات دور السينما والمراكز والأروقة الثقافية. كما إنها تستضيف على مدار العام الكثير من المهرجانات والفعاليات المهمة، كمهرجان "برليناله" (Berlinale) الذي يعد من أشهر المهرجانات السينمائية على مستوى العالم، إلى جانب احتضانها لفعاليات موسيقية متنوعة تستقطب من خلالها أعداداً كبيرة من الشباب.

التسوق في شوارع تاريخية

إذا كانت برلين مدينة ثقافية وسياحية بامتياز، فهي أيضاً من أشهر وجهات التسوق في العالم، حيث تستقطب كل عام أعداداً كبيرة ممن يأبوا أن يغادورها دون التسوق من متاجرها، وخصوصاً أن للتسوق فيها متعة خاصة، لأنه سيكون بإمكانك التجوال بين المباني التاريخية بينما تقوم بشراء احتياجاتك!

فمثلاً يعتبر شارع كورفورستيندام (Kurfürstendamm) التاريخي، الذي يسمى اختصاراً بشارع "كودام"، من أكبر وأشهر مراكز التسوق في العاصمة الألمانية برلين، حيث يمتد من حديقة الحيوانات (Zoologische Garten) إلى منطقة شارلوتنبورغ على مساحة تبلغ نحو ثلاثة كيلومترات، وتصطف على جانبيه مبان تاريخية قديمة وفخمة، إلى جانب عدد من المحلات التجارية الكبيرة لأشهر العلامات التجارية العالمية.

وكغيره من شوارع التسوق الأخرى، كشارع فريدريش (Friedrichstrasse)، يزدان "كودام" في هذه الأيام بزينة أعياد الميلاد لتمنحه الأضواء والألوان الاحتفالية طابعاً خاصاً يعطي لموسم الشتاء دفئاً وألقاً، لاسيما مع منظر الأكشاك الخشبية التي تقدم المشروبات الساخنة، وتفوح منها رائحة المأكولات الألمانية الشعبية الخاصة بهذه المناسبة، إلى جانب أنواع لذيذة من الحلويات وأشكال مبتكرة من الشكولاتة، ناهيك عن هدايا الأعياد التي تغلفها بساطة ألوان الفرح.

 

عالم من الهدوء

على الرغم ما تتصف به مدينة برلين من زخم دائم وحيوية، إلا أنها تضم مساحات واسعة من أجمل المناطق الطبيعية، فالحدائق والغابات الخضراء والبحيرات الشاعرية تمنح زوار المدينة أجواء وعوالم لا مثيل لها من الهدوء والطمأنينة. وهنا يمكن أن ننصحك بزيارة تيرغارتن (Tiergarten) التي تعتبر أكبر منتزه في برلين، والذي يتحول إلى مكان لإقامة حفلات الشواء العائلية في فصل الصيف.

ولا يجب أيضاً تفويت فرصة التعرف على "الحديقة الشرقية" التي تعتبر نتاجاً ألمانياً عربياً مشتركاً، لاسيما مع ما تتميز به من تصميم متفرد مستوحى من الطراز العربي الإسلامي التقليدي، مما جعلها تمثل مكاناً سياحياً جذاباً يستقطب أعداداً كبيرة من الزوار.