48 ساعة تضعك بين زمنين

رحلة عصرية بأجواء برلين الشرقية!

طبيعة ساحرة

لن تجد في أية مدينة أخرى في ألمانيا ما ستجده في برلين من طبيعة ساحرة وأجواء ثقافية مميزة يمكن أن تحقق المتعة لجميع أفراد العائلة. وبالرغم من أن الجميع تقريباً يعرف أن برلين مدينة خضراء مليئة بالغابات والمنتزهات والحدائق الكبيرة، إلا أن الكثير من زوار المدينة لا يعرفون أنها تعد أيضاً جنة لمحبي الرياضات المائية. ولنترك الحديث للأرقام: 51,7 كلم مربع مساحة المياه التي تنتمي إلى برلين، وهذا ما يقرب من سبعة في المئة من مساحة المدينة، بما في ذلك العديد من البحيرات وحوالي 180 كلم من الممرات المائية الصالحة للملاحة. أما من يهتم بالجسور، لن يكون مضطراً للسفر إلى مدينة فينيسيا (البندقية)، فبرلين تضم 1700 جسراً وتفوق بعدد جسورها تلك المدينة الواقعة على البحر الأدرياتيكي. لذا فإنه يحق للمدينة أن تتزين بلقب (عاصمة المياه). وهذا ما يحول أي جولة استكشافية فيها إلى مزيج من الحياة العصرية وحياة الواحات الهادئة والأجواء الساحرة للأماكن الأثرية.

 

معالم سياحية ورموز تاريخية

ومن الواضح أن العاصمة الألمانية، المقسمة سابقاً، استفادت من العقدين الماضيين بحكمة لإعادة التعريف بنفسها، ولإيجاد صورتها الخاصة في مكان ما بين الشرق والغرب، وما بين التقليد والحداثة على الرغم من أنه لم يمض إلا عدة سنوات فقط منذ إعادة التوحيد الرسمية لألمانيا في عام 1990. وبالفعل ما تزال المدينة تحتفظ بالعديد من الرموز التي انتصرت على الحرب أو تلك التي تبهر السياح بجمال هندستها المعمارية أو قيمتها التاريخية، فمثلاً تعتبر بوابة (براندنبورغ) الشهيرة من أكبر وأجمل إبداعات الكلاسيكية الألمانية ومحطة مهمة تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم. وتعد ساحة (جندارمن ماركت) من أجمل الأماكن في العاصمة الألمانية، حيث توجد فيها ثلاثة مبانٍ أثرية: الكاتدرائية الألمانية، الكاتدرائية الفرنسية وبيت الحفلات الموسيقية (كونتسرت هاوس). وتحظى كاتدرائية برلين (برلين دوم) بشهرة كبيرة أيضاً بناءً على تصميمها الجذاب وتاريخها الذي يمتد إلى العصور الوسطى.

أما في شارع (كورفورستندام) الشهير، فستجد كنيسة القيصر فيلهلم التذكارية، التي تعرضت لأضرار بالغة خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يبق منها إلا بقايا البرج الذي يعرف أيضاً بـ (هولار تسان) أي السن المجوف. ويتصف التصميم الداخلي لهذه الكنيسة بالروعة، حيث تزينه الفسيفساء الجميلة واللوحات الجدارية.

 

رحلة وراء الجدار!

وبالإضافة إلى هذه المعالم الجذابة، فإن برلين تشتهر أيضاً بأجوائها الثقافية والفنية، حيث تمتلك أكثر من 170 متحفاً. فإذا أحببت التعرف على الكيفية التي عاش فيها سكان برلين الشرقية تحت الحكم الشيوعي، فما عليك إلا زيارة متحف جمهورية ألمانيا الديمقراطية "دي دي ار موزيوم" الذي يأخذك برحلة من وراء الستار الحديدي من خلال أعمال فنية أصلية وأفلام أرشيفية حول الحياة في ألمانيا الشرقية السابقة ويطلعك على تأثير جهاز أمن الدولة والجدار في الحياة اليومية للناس قبل سقوطه. أما إذا كنت من محبي فيلم "حياة الآخرين" "ذي لايفس أوف آذرس" الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية وعلى عدة جوائز ألمانية والذي تدور معظم أحداثه حول طبيعة نظام الحياة في ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين، فينبغي عليهم أن يزوروا متحف "شتازي موزيوم"  الذي كان يضم في السابق مكاتب أمن الدولة الـ (شتازي).

 

نبض برلين الشرقية

وبشكل عام، فإنك ستشعر بنبض ألمانيا الشرقية أيضاً في الكثير من الأماكن والشوارع كساحة "الكسندر بلاتس"، التي يطلق عليها الناس اختصاراً اسم (آلكس). وهي مكان مركزي للنقل في منطقة "برلين-ميتّه" وتعتبر واحداً من أكثر المعالم السياحية المشهورة في المدينة. ففحين أنها شهدت قبل الوحدة مظاهرات لا تنسى، شهدت في عام 2010 معرضاً مفتوحاً تحت عنوان (الثورة السلمية 1989/1990) وذلك بمناسبة الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين.

كما يوجد في هذه الساحة معلم مهم يتمثل في برج التلفزيون "فرنزيه تورم" الذي يبلغ ارتفاعه 368 متراً. وحتى اليوم مايزال هذا البرج يعتبر أطول مبنى في برلين، فضلاً عن كونه واحداً من أهم المعالم السياحية وأكثرها جاذبية. وفي الواقع، تم إنشاء هذا المبنى في ستينيات القرن الماضي من قبل ألمانيا الشرقية التي كانت ترغب في إثبات تفوقها التقني من ناحية وأن تُوجد جهاز إرسال ذي أداء قوي يصل بثه إلى كل أنحاء البلاد من ناحية أخرى.

وستتتمكن هنا من مشاهدة مناظر خلابة تصل إلى مسافة 40 كم عندما تكون السماء صافية. فمن ارتفاع 203 و207 متراً يمكنك رؤية المدينة كلها مع معالمها السياحية الكثيرة مثل الـ "رايشستاغ" وبوابة "براندنبورغ" ومحطة القطارات الرئيسية وكذلك أيضاً الاستاد الأولمبي  وجزيرة المتاحف "موزيوم إنزل" وساحة "بوتسدام بلاتس". كما ستحظى أيضاً بفرصة دخول المقهى الدوار "تيله كافيه" الذي مايزال مفعماً بالذكريات، فهو لم يتغير كثيراً منذ كان "إريك هونيكر" زعيماً لألمانيا الشرقية.

 

خلف عجلة القيادة

ولتستكشف أماكن أكثر، فما عليك إلا مشاهدة برلين الشرقية القديمة خلف عجلة القيادة في سيارة "ترابانت"، التي كانت رمزاً للأفضل أو للأسوأ من النظام الشيوعي. لذا انطلق في مغامرة رائعة بواسطة إحدى سيارات "ترابي-سفاري" التي لديها أسطول محبوب يمثل معالم الماضي مثل معرض الجانب الشرقي "إيست سايد غاليري" في حي "فريدريشسهاين".

 

الحياة الليلية

ولابد من الإشارة إلى أنه على الرغم من أن برلين أدارت ظهرها، خلال فترة الحرب الباردة، لنهر "شبريه" الذي كان هو نفسه مقسماً، إلا أن المرء يجد اليوم عند واجهة النهر بعضاً من الحياة الليلية الأكثر روعة في المدينة، وذلك من خلال العديد من النوادي الشاطئية الحضرية. ففي برلين تقام الحفلات على مدار الساعة في أماكن قد يعرفها الكثير من الزوار كالأقبية والمصانع القديمة والمحطات المهجورة وكراجات السيارات وحتى فوق نهر "شبريه"! فمنذ تسعينيات القرن الماضي أصبحت برلين مشهورة عالمياً بالموسيقى التقنية، وباتت تعتبر قبلة الشباب المحبين للموسيقى الإلكترونية. ففيها يتواجد النجوم من مقدمي الأغاني المسجلة الـ (دي جيه) الذين يجذبون عشاق الليل كل نهاية أسبوع. كما تستقطب المدينة نجوم هوليوود وبوليوود والفنانيين المشهورين بالإضافة إلى مبدعي ومصممي الأزياء العالمية.

 

عاصمة الذواقة

أما بالنسبة لخصوصية ثفافة المطاعم فما تزال برلين عاصمة الذواقة في ألمانيا مع وجود 12 مطعماً تحمل 13 نجمة ميشلان، وهي بذلك تتقدم قليلاً على هامبورغ (11 مطعماً) وميونخ (10 مطاعم).

ومن يبحث عن التفاصيل، بإمكانه إيجاد اتجاه مثير في تركيبة عالم المطاعم ونجومه في برلين. فأفضل المطاعم تتواجد بشكل متزايد بعيداً عن الفنادق الكبرى من فئة الخمس نجوم، موجدة مرافق بديلة في عالم الضيافة، إذ يقوم طهاة مستقلون وغير تقليديون بإبداع فنون الطهي في الساحات الخلفية والمناطق الثقافية العصرية.

 

تحف الماضي

وقبل نهاية زيارتك إلى العاصمة الألمانية، يمكنك اختبار بعض المناطق التي ماتزل تبيع بضائع ألمانية شرقية وبأسعار معتدلة، حيث يمكنك التوجه إلى ساحة "آركونا بلاتس"، التي هي عبارة عن حديقة صغيرة على طرف حي (ميتّه) تضم سوقاً تقليدية يطلق عليها اسم "سوق البراغيث" تقام في أيام الآحاد. كما تحيط بالحديقة العديد من المقاهي الدافئة الصغيرة التي يمكن الاستراحة فيها. أما إذا لم تجد مبتغاك هنا، فتابع جولتك على طول شارع "بيماور"  وصولاً إلى "سوق البراغيث" الفسيح في منتزه الجدار "ماور بارك". ويمكنك أيضاً أن تكمل جولتك في حي "برنتسلاور بيرغ"، حيث تجد محلات تجارة التجزئة. في متجر "فيب أورانجه" مثلاً ستجد التحف القديمة، إذ أنه يمتلك تشكيلة كبيرة من المعروضات المميزة التي تمثل ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بالإضافة إلى تذكارات من ألمانيا الشرقية.