تتميز بالتنوع الثقافي

برلين.. عاصمة شباب العالم

وتُعرف برلين بجاذبيتها للشباب، وذلك ليس فقط لكونها تضم عدداً كبيراً من المؤسسات الإعلامية والفنية الجامعات والمعاهد وغيرها، بل أيضاً بحكم أن تكاليف العيش والسكن فيها أرخص بكثير من المدن الألمانية الأخرى. كما يجد فيها الشباب الكثير من أماكن المبيت المخصصة لهم والتي تختلف من حيث الموقع والنوعية. ولكونها مدينة عالمية تضم ثقافات العالم المختلفة، فإن كل ضيف من ضيوفها يجد ما يبحث عنه فهي تلبي أذواق الجميع مهما اختلفت.

وتزخر هذه المدينة التاريخية التي تساير روح العصر بشكل رائع، بالمساحات الخضراء الشاسعة وبالعديد من المعالم الأثرية والمتاحف والمرافق المفعمة بالحيوية والحياة. ومَنْ حظي بفرصة زيارتها خلال السنوات الماضية لابد وأنه قد لاحظ أعمال الصيانة والتجديد والترميم التي طالت النصب التذكارية والساحات والأماكن التاريخية العريقة. فقد ساهمت هذه الأعمال بلا شك في إعادة الجمال لهذه المعالم والمحافظة عليها وجعلت برلين تشرق بحلة جديدة.

واليوم تمنحك هذه المدينة التي كانت مقسمة على مدى عقود، فرصة التعرف على معالمها السياحية من خلال القيام برحلة مثيرة فوق مياه نهر شبريه وقناة لاندفير عن طريق القوارب أو السفن، إذ ستبحر بك على امتداد الحي الحكومي، مروراً بكاتدرائية برلين ومتحف ألمانيا الديمقراطية في الجهة المقابلة، وصولاً إلى "جزيرة المتاحف" و"الحي المتعدد الثقافات" وحي كرويتسبيرغ. وبالمناسبة، فإن برلين الواقعة على نهري شبريه وهافل فيها من الجسور أكثر مما بوجد في مدينة البندقية "فينيسيا" أو أمستردام على سبيل المقارنة. ومن الملاحظ أيضاً في برلين أن العديد من الأماكن يستهوي كل من الشباب والكبار على حد سواء، إذ يتوافد مثلاً الكثير من الشباب لزيارة "جزيرة المتاحف" "Museumsinsel" التي يحيط بها نهر "شبريه" من كل جانب، مؤلفة سيمفونية رائعة قوامها خمسة متاحف: "المتحف القديم"، المتحف الجديد"، "المعرض الوطني القديم"، "متحف بوده"، "متحف بيرغامون"، إذ تحضتن هذه المتاحف معروضات أثرية قيمة تلامس مختلف شعوب العالم.

من جهة أخرى تتيح الجولات السياحية بالحافلة فرصة لتكوين انطباع جيد عن المدينة، حيث تشمل شارع "كورفورستندام" الراقي والذي يطلق عليه اسم "كودام"، وتمر بحي حديقة الحيوانات الذي تنتشر فيه أبنية السفارات الحديثة الرائعة، وصولاً إلى وسط برلين عند شارع "فريدريش شتراسه" وساحة "جندارمن ماركت"، التي تعتبر الساحة الأجمل في برلين ويحيط بها كل من دار الموسيقى "كونسرت هاوس" والكاتدرائية الألمانية والكاتدرائية الفرنسية. وعبر بوابة براندنبورغ التاريخية يصل المرء إلى البرلمان الألماني الـ "بوندستاغ"، الذي يمكن للمرء أن يشاهد من قبته منظر برلين الرائع.

أما إن كنت من محبي الجولات الاستكشافية ذات الطابع الخاص، فعليك بتجربة الدراجات الهوائية، التي يمكنك استئجارها من محطة ساحة "بوتسدام بلاتس" أو بالقرب من بوابة براندنبورغ. وتُعرف هذه التجربة الرائعة لاكتشاف المدينة بـ "كونفرينس بايك" "Conference Bike"، وهي عبارة عن دراجة هوائية مزودة بسبعة مقاعد، حيث يجلس سبعة أشخاص في نظام دائري "مثل شكل النجمة" ويواجه كل منهما الآخر، ويمكن للجميع الاستمتاع بركوب الدراجة وتبادل الأحاديث والنقاشات، بينما يقوم السائق بتعريفك بالمعالم السياحية التي تمر بمحاذاتها، ويمكنك في نفس الوقت التوقف عند المعالم المهمة لالتقاط الصور التذكارية.

كما يعمد الكثير من ضيوف برلين لاسيما الشباب منهم إلى التجول مشياً على الأقدام للتعرف على معالم المدينة. ولابد أنك خلال تجوالك في شوارعها ستلاحظ مدى تنوع اللغات والثقافات فيها، حيث سيتناهى إلى سمعك بين الحين والآخر مفردات باللغة العربية أو الإنكليزية أو الإسبانية أو الفرنسية وغيرها، وستجد أن الكثير من الناس سيساعدونك بكل مودة ولطف حين تسأل شخصاً عن حي أو شارع ما. وعلى الرغم من كل هذا، فإنك قد لا تحتاج إلى السؤال، إذ أن هذه المدينة السياحية تزخر بأعداد لا تحصى من اللوحات الإرشادية والخرائط ومراكز الاستعلامات التي توفر كافة المعلومات التي يمكن أن يحتاج إليها زوار برلين.

ولا ينبغي عليك الشعور بالقلق  إذا وجدت صعوبة ما في تعلم بعض مفردات اللغة الألمانية، لأن ذلك لن يمنعك من التواصل مع الناس، فالألمانية تعد من اللغات الحية والمواكبة للتطورات، بحيث أنها تستعين بشكل متزايد بالكثير من مفردات اللغة الإنكليزية، بل بات يطلق على عملية دمج بعض مفردات اللغة الإنكليزية بالألمانية بـ"Denglish". وهذا ما يمكن ملاحظته بين الشباب، الذين باتوا يستخدمون بعض الكلمات الإنكليزية في أحاديثهم الخاصة وعند كتابة الرسائل القصيرة عبر الهاتف المتحرك وأيضاً في غرف الشات على الإنترنت.

وعلى الرغم من أن معظم دور السينما تعرض أفلاماً مدبلجة باللغة الألمانية، إلا أنه قد تم توفير بعض دور السينما التي تقدم تلك الأفلام العالمية بلغتها الأم "الإنكليزية". وبالنسبة للحفلات الموسيقية والغنائية التي تحتضنها برلين فهي تجتذب أشهر مطربي العالم الذين يقدمون الأغاني باللغة الإنكليزية. أما إذا كنت من محبي الاستماع إلى اللغة الألمانية، فستجد كماً هائلاً من الحفلات الموسيقية الألمانية وعروض المسارح المتنوعة ودور الأوبرا التي تقدم ما يتناسب مع كل الأذواق والأعمار.

ومع ما تزخر به العاصمة الألمانية من مطاعم ومقاهي ونوادي وحانات، فإنها تضمن لك مجموعة متنوعة من الخيارات التي تتنوع بين الأطباق المحلية والعالمية والمشروبات اللذيذة، بحيث يستقبلك الصباح برائحة القهوة والخبز التي تعبق في شوارع المدينة. ويودعك المساء بأجواء مفعمة بالترفيه والمتعة، وستشعر دوماً بحيوية الناس الدائمة وحبهم للحياة.

ومثلما تتنوع المحلات والمقاهي التي تقدم أنواعاً لذيذة من القهوة، تتنوع أيضاً محال تصنيع الخبز والحلويات ذات الأشكال والأصناف المختلفة. وتشير الكثير من الوثائق التاريخية إلى أن العرب هم أول من قام بصنع معجنات الفواكه، التي انتشرت فيما بعد في كل من إيطاليا وألمانيا، في حين أن أصول فنون تصنيع الحلوى ترجع إلى مطابخ البلاط الملكي الفرنسي، أما أنواع الخبز المختلفة والحلوى بمختلف النكهات فهي جزء من الصناعات اليدوية الألمانية التي تعود إلى أكثر من 400 عام.

ومن الأشياء الطريفة هو وجود نوع من الحلويات والفطائر الشعبية المشهورة التي يطلق عليها في جميع أنحاء ألمانيا اسم "برلينر" أي نسبة إلى برلين، إلا أنه هذه الفطائر المغطية بالدسم والمحشوة بالمربى تُدعى في برلين فقط بـ "بفانكوخن" "Pfannkuchen".

ومن أطباق الطعام الشعبية الخاصة بمدينة برلين يبرز طبق "Bulette". وقلما يأتي ضيف إلى المدينة دون أن يقوم بتذوقه، فهو باختصار يتكون من خبز وبصل وتوابل مخلوطة مع اللحم المفروم، وقد تختلف توابله من مكان إلى آخر، إلا أن نكهته تبقى دوماً لذيذة.

ويعتبر طبق "كاري فورست" "Currywurst" من الأطباق التقليدية في المطبخ البرليني، حيث ستجد في كل زاوية تقريباً كشكاً لبيع هذه الوجبات وهي عبارة عن سجق أو نقانق مع البطاطا المقلية والصلصة والخردل. ومن الوجبات الأخرى التي تحظى اليوم بشعبية كبيرة مع أنها قادمة من خارج ألمانيا، تبرز الشاورما أو الكباب التركي المعروف بـ "دونر" والذي يتهافت على تناوله الكثير من الشباب.

ويتيح ليل العاصمة الألمانية فرصاً رائعة للسهر والسمر، فبرلين مدينة لا تنام، حيث يتوفر فيها العديد من الملاهي والنوادي الليلية التي تفتح أبوابها حتى ساعات الصباح الأولى، والمميز أن أغلب  هذه الأماكن تقع في قلب المدينة كما تتنوع ما بين المباني ذات الطراز العتيق والنوادي التي تتسم بالفخامة.

ولا بد من الإشارة إلى أن برلين توفر مجموعة واسعة من خطوط المواصلات العامة كالقطارات والحافلات التي تتميز بالنظافة ودقة المواعيد، مما يضمن عملية تنقل سهلة وآمنة بين آرجائها.