تتخلله مواكب الأزياء التنكرية الغريبة

كرنفال كولونيا يحول شوارع المدينة إلى مسرح للفرح

مع بدء موسم الكرنفال في مدينة كولونيا، التي يعود تاريخها لأكثر من 2000 عام وتعتبر واحدة من أقدم المدن الألمانية، تحولت شوارع هذه المدينة العريقة إلى مسرح لحب الحياة تجوبه مواكب جماهيرية تزخر بالأزياء التنكرية الملونة والحفلات الموسيقية وأجواء الغبطة والفرح.

 وعلى الرغم من أن ألمانيا بشكل عام تشتهر بمهرجاناتها الصاخبة ونشاطاتها المتنوعة المثيرة، إلا أن الاحتفالات في كولونيا تتصف بنكهة خاصة جداً.

وتقليدياً، يبدأ موسم الكرنفال في الساعة 11:11 في ساحة (هويماركت) في المدينة القديمة بكولونيا. وفي هذا اليوم لا يتم الاحتفال فقط أمام منصة كبيرة وسط آلاف المحتفلين في ساحة (هويماركت) نفسها، بل أيضاً في جميع أنحاء البلدة القديمة. ويمكن لكل شخص في هذه الأيام أن يحقق رغباته وأحلامه، فكل ما عليه فعله هو البحث عن الزي المناسب، الذي يتصف عادة بكونه زياً من عوالم الخيال والأساطير. فهناك من يرتدي الملابس التنكرية متشبهاً بالقرصان جاك سبارو  أو لباس الساحرات والمهرجين أو زي المغني الأمريكي الراحل مايكل جاكسون أو حتى مجرد ارتداء الملابس الخاصة ببعض أصحاب المهن كالأطباء مثلاً وغيرهم.

كما لا يقتصر هذا الحدث على شريحة معينة من الناس، بل يشارك فيه الجميع، ابتداءاً من عمدة المدينة ووصولاً إلى تلاميد المدارس الصغار. وعلى الرغم من أن الكرنفال يشهد حضور ومشاركة مئات الآلاف من الأشخاص ويزخر بفعاليات عديدة ومتنوعة، إلا أنه يتميز بالسلاسة وبالتنظيم ويخلو من أية مشاكل، فأجواء الفرح والبهجة ترافقه من بدايته وحتى نهايته، حيث يستمتع الحضور بعزف الموسيقى ودق الطبول والهتافات الحماسية والأغاني الممتعة، لاسيما في اليوم الذي تسيطر فيه النساء على الساحة ويقمن، كما جرت العادة، بقص ربطات العنق التي يرتديها الرجال.  كما يتميز الكرنفال بتسيير شاحنات كبيرة تحمل على متنها العديد من المشاركين وتصدح منها الموسيقى والأغاني، وتتزين هياكلها بالرسومات والملصقات، إضافة إلى ما تحمله من نماذج ومجسمات تمثل بعض الشخصيات السياسية المعروفة التي يتم تصويرها بأسلوب كاريكاتوري يحمل الكثير من النقد الساخر والدلالات الرمزية.

وقد انطلق كرنفال الشوارع بالفعل في مدينة كولونيا يوم الخميس (3 مارس 2011) المتمثل في ليلة النساء (Weiberfastnacht). كما أقيم في السوق القديم تجمع كبير في الهواء الطلق، بدأ في الساعة العاشرة صباحاً. وفي الساعة الحادية عشر اعتلى النجوم الثلاثة (Dreigestirn) المنصة، حيث ألقى الأمير خطاباً وسلمته مدينة كولونيا مفاتيح المدينة. وهؤلاء النجوم عبارة عن ثلاثة ممثلين يؤدون دور الأمير والفلاح والفتاة العذراء، كما يتغير هؤلاء الممثلون سنوياً. وتم نقل هذا الاستعراض على شاشة كبيرة في ساحة (هويماركت). كما شهدت المدينة احتفالات طوال النهار والليل في الشوارع والحانات والمكاتب. وكما جرت العادة عُرضت أيضاً المسرحية التاريخية (يان وغريت) (Jan und Griet) عند بواية (زيفيرنستور) (Severinstor)، وبعدها تم تنظيم موكب عبر المدينة وصولاً إلى النصب التذكاري (يان فون فيرت) (Jan von Werth) في السوق القديم.

وفي مساء يومي الجمعة والسبت سيشهد الكرنفال احتفالات تعم حانات المدينة بأكلمها. ومن يريد أن يعيش تجربة خاصة من نوعها، فما عليه إلا زيارة الحانات التي تُعزف فيها موسيقى الكرنفال الكولونية.

وفي كرنفال السبت من المرجح أن يقام (موكب الأشباح)Geisterzug) )، الذي قدم عرضه الأول في العام 1991: فبسبب حرب الخليج آنذاك تم إلغاء أنشطة كرنفال الشوارع الرسمية. وعلى الرغم من ذلك، تجمع هناك العديد من المحتفلين المناهضين لحرب الخليج: وبذلك ولد أول موكب أشباح.

أما في كرنفال الأحد فستقام مسيرات المدارس والأحياء، والتي تسير عبر المدينة ابتداءاً من الساعة الحادية عشرة صباحاً. وتأخذ هذه المسيرة تقريباً نفس مسار مسيرة (روزن مونتاغستسوغ). وتجذب الملابس التنكرية الخرافية للعديد من المجموعات المدرسية في كولونيا حشوداً من الناس على طريق المسيرة. وسيتم أيضاً تسيير المواكب في معظم أحياء كولونيا والقرى المحيطة بها. ولن يقتصر ذلك على هذا اليوم فقط، بل سيستمر أيضاً حتى الثلاثاء. وبالتالي من يفوّت بعض الاحتفالات أو يرغب بالمزيد منها، فسيكون أمامه الكثير من الخيارات.

ويعتبر كرنفال (روزن مونتاغ) (Rosenmontag) الذي يقام في يوم 7 مارس 2011 إلى جانب كرنفال ليلة النساء (فايبر فاست ناخت) ذروة المهرجان الحقيقية. وينطلق موكب (روزن مونتاغستسوغ) الشهير (Rosenmontagszug) في الساعة العاشرة والنصف صباحاً في ساحة (كلودفيغ بلاتس) (Chlodwigplatz) ويستغرق حوالي أربعة ساعات على طول طريق يبلغ 6,5 كيلومتر عبر المدينة الداخلية.
ومن يأتي إلى الموكب مع أصدقاء ومعارف كثر، سيشعر أن الوقت يمر مسرعاً كالطائرة، نظراً لأجواء الفرح والرقص الرائعة التي ينبض بها. أما من يأتي للمرة الأولى، فليجلب معه كيساً ليلتقط السكاكر والحلوى التي يرميها المشاركون في الموكب.

وبعد يوم الاثنين المرهق هذا، والذي يحتفل فيه معظم أهل كولونيا تقريباً، يعود الهدوء بعض الشيء مجدداً في ثلاثاء البنفسج  (Veilchendienstag). ولكن ما لا ينبغي أن يفوته المرء في المساء هو (إحراق الدمى)
(Nubbelverbrennung)، حيث تقوم العديد من الحانات خلال الكرنفال بتعليق دمى من القش أمام أبوابها. وعند الذهاب إلى واحدة من هذه الحانات، يمكن للمرء السؤال حول كيفية وموعد حرق هذه الدمى.

أما عند الوصول إلى أربعاء الرماد (Aschermittwoch) في التاسع من مارس 2011 يكون الكرنفال قد شارف على النهاية، ويمثل هذا اليوم أيضاً يوم وفاء لابن كولونيا المغني الشعبي (يوب شميتس) من عام 1953 الذي يعد أحد أقدم مغنيّ الكرنفال. ومن يشعر ببعض أوجاع الرأس لكثرة الاحتفالات التي شارك فيها خلال أيام الكرنفال، فما عليه إلا تناول إحدى وجبات السمك التقليدية التي يقدمها الكثير من مطاعم المدينة.

ومن الجدير بالذكر أن كولونيا تعتبر مدينة الكنائس، إذ يوجد ضمن سور المدينة الذي يعود للعصور الوسطى 12 من أهم وأكبر الكنائس في غرب أوروبا. وتعتبر كاتدرائية كولونيا، التي دخلت في العام 1996 لائحة منظمة اليونسكو للإرث الحضاري العالمي، واحدة من أهم المعالم الثقافية الكبيرة في المدينة. وتعد هذه الكاتدرائية على المستوى العالمي ثالث أكبر كاتدرائية مبنية وفق الأسلوب الغوطي. كما أنها ظلت أعلى بناء في العالم حتى العام 1884. وعلى الرغم من أنها لم تعد أعلى مبنى، إلا أن تسلق هذا البناء ذي الطبقات الخمس يحتاج الكثير من الحيوية والعزيمة، حيث يتطلب الأمر صعود 509 درجة قبل أن يتمكن المرء من الاستمتاع بمشهد خلاب للمدينة القديمة.

وإلى جانب المعالم الأثرية والمبان المهيبة والكنوز الثقافية التي تزخر بها كولونيا، فإن كل ناصية فيها تخبئ كل ما هو ممتع وتدعوك إلى استكشافها. كما يتميز التسوق فيها بمذاق خاص، فهي لا تكتفي بكونها موطناً لشوارع التسوق المتميزة مثل (هوه شتراسه) و(شيلدر غاسه)، وإنما تزخر المناطق المحيطة بها بكل ما يجعل قلوب عشاق التسوق تخفق بسرعة، سواء أكانت الأزياء التي تحمل أسماء أشهر العلامات العالمية كما في شارع (ميتل شتراسه) أو أزياء المصممين الشباب التي تكثر في الحي البلجيكي. ومن لا يجد هنا ما يناسبه من الملابس، فإنه بالتأكيد لن يجد ضالته في أي مكان آخر في العالم!