هامبورغ.. مهد الرحلات البحرية

كانت هامبورغ كمدينة تجارية وما تزال تمثل البوابة المفتوحة على العالم. فهنا قام "ألفريد بالين" في نهاية القرن التاسع عشر باختراع رحلات السفن السياحية.. وهنا تنطلق وترسو اليوم بشكل منتظم أجمل السفن السياحية في العالم وأكثر شعبية، بل تشاهد أساطيل بحد ذاتها في ذكرى تأسيس منياء هامبورغ وخلال أيام هامبورغ للرحلات البحرية "هامبورغ كروز دايز". وفي أثناء ذلك يأتي إلى هامبورغ كل عام أكثر من 500 ألف ضيف من أكثر من 100 بلد حول العالم.

 

يمثل مدخل هامبورغ مدخلاً خاصاً جداً، فعند عبور نهر الإلبه باتجاه المدينة يمر الضيوف بالفيلات البيضاء والشواطئ التي تصطف على أطرافها الأشجار في قرية "بلانكينيزه"، وبيوت شوارع الميناء الملونة في حي "سانت باولي"، عابرين بين منظر المدينة البانورامي ومجمع المخازن "شبايشر شتادت" والميناء الصناعي. وقد شهدت ضفاف نهر الإلبه يوم 19 يوليو 2014 زخماً كبيراً، حيث استقبل حوالي 500 ألف متفرج وهم يلوحون ويهتفون السفينة السياحية "كوين ماري 2"، فهذه السفينة التي توصف بأنها أكبر وأغلى سفينة سياحية في العالم كانت قد أبحرت لأول مرة في ميناء هامبورغ. وفي عام 2014 صادف هذا التاريخ المهم الاحتفال بالذكرى العاشرة على علاقة هامبورغ بهذه السفينة. ففي ذاك الوقت اسعدت انطلاقتها الحقيقية بالفعل عشاق السفن السياحية في هامبورغ. وفي غضون ذلك أصبح هناك علاقة خاصة جداً بين سكان المدينة وهذه السفينة التي تُلقب بـ "ملكة البحار". فمن مدينة هامبورغ الهانزية ينطلق كل عام المزيد من السفن السياحية إلى مناطق مختلفة من العالم، فبعضها يتوجه إلى أقصى الشمال، حيث يجوب المضايق النرويجية وأيسلندا أو أرخبيل "سفالبارد"، وبعضها الآخر يكتشف إنكلترا واسكتلندا وأيرلندا، ومنها ما ينطلق إلى بحر البلطيق ومدن البلطيق مثل "تالين" و"ريجا" وصولاً إلى روسيا، أو يجوب الساحل الأوروبي الغربي ماراً بأمستردام نزولاً إلى البحر الأبيض المتوسط. كما تمثل هامبورغ أيضاً نقطة البداية لانطلاق الرحلات البحرية عبر الدروب الأطلسية إلى الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وأستراليا.

لدى هامبورغ تقاليد عريقة في مجال الرحلات البحرية. فمن يتجول اليوم على طول بحيرة الألستر الداخلية في هامبورغ، سيمر مباشرة بجانب شركة النقل البحري "هاباج لويد"، واسم الشارع حتى اليوم يُذكر المرء بمخترع الرحلات البحرية الهامبورغي "ألبرت بالين" الذي كان مالكاً لشركة سفن. ففي عام 1891 كان لدى هذا الأسطورة، الذي أصبح لاحقاً مديراً عاماً لشركة النقل البحري "هاباج" فكرة رائعة تتمثل في أن يتم إرسال سفن الركاب، التي تعمل عادة في المحيط الأطلسي بين أوروبا وأمريكا الشمالية، في رحلات إلى البحر الأبيض المتوسط خلال شهور الشتاء السيئة. وأصبحت الرحلات بسرعة ذات شعبية وبذلك تم بتكليف من شركة "هاباج" في عام 1900 بناء سفينة خاصة مصممة خصيصاً كسفينة سياحية لأول مرة. فهذه السفينة "الأميرة فيكتوريا لويس"، التي كانت يُشار إليها من قبل شركة النقل البحري بـ "يخت المتعة" (لوست ياخت)، تتسع لحوالي 200 مسافر من مسافري الدرجة الأولى. وبعدها بوقت قصير تم بناء سفن جديدة، من بينها سفن سياحية مخصصة لأولئك الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى أو الطبقة المتوسطة العليا.

لم يجعل "ألبرت بالين" عملية ركوب البحر مسألة شهيرة فحسب، بل أثر أيضاً في قطاع بناء السفن بأكملها باعتباره المفجر لهذه الصناعة، التي تأسست عالمياً وما فتئت تسحر الناس أكثر فأكثر. ومنذ زمن بالين أدى نمو السفن واستقطاب جمهور جديد وأوسع إلى إحداث طفرة في صناعة الرحلات البحرية. كما ساهم ذلك في تغيير وجه مدينة هامبورغ، التي تمثل مهد سفن الرحلات البحرية.