عاشقة الراين!

دوسلدورف.. مدينة الفنون المعمارية المذهلة

لم يسهم موقع مدينة دوسلدورف على نهر الراين في منحها جمالاً طبيعياً فقط، بل أثر أيضاً على مشاريع وأعمال الهندسة المعمارية فيها. فهذا النهر، الذي يعتبر الأكبر في ألمانيا، يعمل منذ مئات السنين على إكساب مدينة دوسلدورف المزيد من الأهمية. وبذلك نشأت الكثير من المباني ذات التصميم المتفرد بالقرب من نهر الراين. وينطبق هذا بشكل خاص على "مرفأ الإعلام"، الذي عايش تحولاً دراماتيكياً حدث بصورة مذهلة.




روائع الفن المعماري

للعمارة فنون. وفي دوسلدورف تمتد هذه الفنون أمام عينيك بزخمها وألقها وتنوعها. فمعظم المؤسسات الفنية الشهيرة في المدينة تقع على طول محور يمتد من منطقة (إيرنهوف) وحتى مبنى (شتينده هاوس). وعلى طول هذا المحور، ستجد مبان تعد من روائع الفن المعماري نذكر منها: بناية (إيرن هوف) التعبيرية، متحف الفن (كيه 20)، ومبنى(شتينده هاوس) الجديد كلياً مع قبته الزجاجية الرائعة.

وإذا انطلقت من المدينة باتجاه مبنى (شتادت تور) الذي يمثل مقر رئيس وزارء ولاية شمال الراين وستفاليا، فإنك حتماً تسير على الطريق الصحيح. فالتصميم الفولاذي والزجاجي يشكل معلماً وجزءاً لا يتجزأ من الأفق الحديث لـ (مرفأ الإعلام)، والذي يتألف من جسر (كني بروكه)، برلمان الولاية (لاندتاغ)، وبرج الراين (راين تورم)، فضلاً عن الميناء الجديد الذي يرتكز على علو مماثل لمباني (جيري) المائلة.

كما يتميز أفق مدينة دوسلدورف بوجود سبعة جسور. ففي داخل منطقة المدينة، يشق نهر الراين ثلاثة جسور، هي: (أوبركلاسلر)، (راين كني) و(تيودور هويس). وقد تصدر جسر (أوبركلاسلر) عناوين الصحف في عام 1976: فقد تم نقل الهيكل الكامل للجسر، والبالغ وزنه 12500 طناً، إلى مسافة تبعد قرابة الـ 50 متراً.

نعتقد أن لديك الآن بعض المعلومات التي يمكن أن تساعدك خلال الجولة السياحية التي سنصطحبك يها للتعرف على الجوانب المعمارية المتعددة لمدينة دوسلدورف:

نقطة البداية في هذه الجولة ستكون من (إنزمبله أم إيرنهوف)، حيث تم بناء مجمع للتوسعة في العام 1925-1926، ليحيط بقصر الفن (Kunstpalast) الموجود منذ عام 1902. وبناءً على تصاميم من (فيلهلم كرايس) تم إنشاء مباني معارض أخرى ومبنى القبة الفلكية ومبنى مدرجات الراين (راين تيراسن). وبشكل عام يمكننا القول إنه قد تم إنشاء مركز معارض كبير للصحة والرعاية الاجتماعية والتمارين البدنية لحوالي  7,5 مليون زائر.

ويوجد هنا اليوم متحف قصر الفن (موزيوم كونست بالاست) وقاعة الموسيقى (تون هاله) التي كانت في السابق (القبة الفلكية)، حيث قام ببنائها كرايس في عام 1926م كأكبر قبة فلكية على وجه الأرض، إلا أنه تم تحويلها إلى قاعة للعروض الموسيقية خلال حقبة السبعيينات من القرن العشرين، ومنتدى شمال الراين وستفاليا للثقافة والاقتصاد. وقد تم افتتاح بيت المعارض والفعاليات هذا في عام 1998، ومنذ ذلك الحين أصبحت العروض والفعاليات المميزة مثاراً للأحاديث العامة.

ونتوجه الآن عبر شارع "هاينريش هاينه" مباشرة إلى مبنى (فيلهلم ماركس هاوس) الذي يحمل اسم عمدة دوسلدورف. ويعد هذا المبنى الذي يبلغ ارتفاعه 57 متراً، واحداً من أوائل مباني المكاتب في ألمانيا. وهنا أيضاً كان المهندس المعماري لهذا المشروع هو فيلهلم كرايس الذي ظل يشغل منصب رئيس قسم الهندسة المعمارية في أكاديمية الفنون حتى عام 1926.

ونسير عبر المدينة القديمة عائدين إلى منتزه ضفة الراين (راين أوفر بروميناده) ثم نتوقف في جهة اليسار ونذهب باتجاه برج الراين. بعد بضع مئات من الأمتار يظهر المبنيان في الجهة اليسرى.

أما مبنى (مانسمان) فيمكن التعرف عليه اليوم بسرعة من خلال البناء المجاور له والذي يحمل شعار فودافون. ويعتبر مبنى مانسمان منخفض نسبياً. وكان مقراً سابقاً لشركة (مانسمانروهرن) تم بناؤه في عام 1911-1912 بالاعتماد على مخطط بيتر بيرنس سلف فيلهلم كرايس. أما برج فودافون فقد بني بين عام 1956 و1958من قبل المهندسين (اغون أيرمان) و(باول شنايدر ازليبن)، حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 93 متراً ويعتبر واحداً من أعلى المباني في دوسلدورف.

ونتابع على ضفة الراين بالمضي قدماً باتجاه مبنى برلمان ولاية شمال الراين وستفاليا، فقد تم الإنتهاء من هذا البناء المستدير في عام 1988 وفقاً لخطط كل من المهندسين (إلر، ماير، فالتر وشركاؤه)، حيث غير هذا المبنى منظر واجهة الراين. وإلى جانب قاعات الاجتماعات فإن برلمان الولاية يحتوي على مكاتب أيضاً. ويمكن للمرء من خلال  مبنى برج الراين المجاور، أن يحظى بفرصة مشاهدة منظر رائع لهذا البناء.

 

من برج الراين إلى الأبراج المائلة

على بعد دقائق قليلة سيراً على الأقدام ستجد برج الراين، الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 234 متراً ويعتبر أعلى مبنى في دوسلدورف. ولا يمكن لأي زائر من زوار المدينة أن يفوت المنظر الساحر الذي يمكن مشاهدته من خلال المطعم الدوار الموجود في قمة البرج. وقد صمم هذا البرج، الذي تم تشييده بشكل كامل من الخرسانة المسلحة خلال 1979 و1982، المهندس هارالد دايلمان.

كما أضاف فنان الإضاءة هورست باومان إلى برج الراين أكبر ساعة عشرية في العالم. وهي تتكون من فتحات دائرية رُتبت في ثلاثة أقسام مرتفعة فوق بعضها البعض. ولابد من الإشارة أيضاً إلى أنها دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية. وبينما يهيمن برج الراين على أفق المدينة، فهنالك أيضاً مباني مرتفعة أخرى تركت بصمتها على المنظر العام لمدينة دوسلدورف مثل مبنى (اراغ) وبرجا فيكتوريا و(درايشايبن هاوس) بالإضافة إلى بناية (شاوشبيل هاوس) المجاورة.

وبعيداً قليلاً عن الراين، يقع مبنى (شتادت تور) الحائز على جائزة العمارة والذي قام بتصميمه مكتب الهندسة المعمارية (أوفرديك بتسينكا وشركاؤه). ويتكون هذا المبنى الذي يبلغ ارتفاعه 75 متراً، من برجين زجاجيين وثلاثة طوابق علوية فوق سطح الأرض. وتم اختيار هذا المشروع من قبل معرض العقارات الدولي (MIPIM) كأفضل مشروع لسنة 1998.

أما بين برج الراين والميناء، فيوجد مبنى (WDR-Studio Düsseldorf)، إذ قام مكتب الهندسة المعمارية (باراده وشركاؤه) بتصميم مبنى مميز على شكل حرف (U)، بمحاذاة الجانب المفتوح على برلمان الولاية والمدينة وبرج الراين. وهذا المبنى الضخم يذكر المرء بشكل السفينة.

وبالقرب من ذلك، نكون أمام مباني جيري (جيري باوتن). صمم هذه المباني المهندس والمصمم الكندي الأمريكي (فرانك جيري). وتعتبر مباني جيري المائلة من أشهر المباني التي يمكن أن ننسب سحرها الخاص إلى مرفأ الإعلام الجديد. فهذه الأبنية الثلاث ليس لها مثيل: نوافذ لا يبدو أنها تريد أن تنسجم مع الواجهة، أرضيات متفاوتة ومواد مختلفة تغطي المباني ذات الطابع الفردي، إذ أن تصميم الواجهات الخارجية لمجمع الأبراج الثلاث مختلف: الجزء الأول يغطيه البياض الناصع، والجزء الآخر يتميز بواجهة من الطوب الأحمر، أما الجزء الأوسط فهو يرتدي حلة من قطع فضية تنعكس في المبنيين الآخرين. ولذلك، فإن الجزء الأوسط  يعد بمثابة نوع من عناصر الرابط، التي تنعكس من خلالها شراكة الشمال والجنوب.

ومباشرة بجوار مباني جيري يقع مبنى (Grand Bateau) للمهندس المعماري الفرنسي (Claude Vasconi) أمام المرسى. ويجذب هذا المبنى الأنيق العديد من الزوار القادمين منذ وصولهم مدخل المرفأ.

كما يوجد في شارع (كايشتراسه) العديد من الجواهر المعمارية الأخرى، مثل مركز كاي (كاي سنتر) الذي صممه (دورينغ وشركاؤه) وغير ذلك الكثير.

جولتنا في مدينة دوسلدورف انتهت، إلا أنه ما يزال هناك الكثير من إبداعات الهندسة المعمارية التي يمكنك أن تستكشفها، بالإضافة طبعاً إلى العديد من المعالم السياحية والقصور والحدائق والمناظر الطبيعية الخلابة، كما تحفل المدينة بكافة أشكال الفنون وتعد مثالاً على التنوع الثقافي والحضاري، ناهيك عن شوارع التسوق التي يمكن أن تحظى باهتمامك لاسيما وأن مدينة دوسلدورف تعتبر عاصمة الموضة وإحدى عواصم التسوق الأكثر أناقة في العالم.