بين العالمية والمحلية

دوسلدورف.. جوهرة الراين المتألقة

نبض المدينة

لا يوجد مكان آخر في عاصمة ولاية (نوردراين فستفالن) يمكن للمرء أن يكون فيه قريباً جداً من نبض المدينة كما هو الحال في البلدة القديمة (ألتشتادت) بين نهر الراين وجادة (هاينريش هاينه). باختصار، هنا يوجد كل شيء. فمع وجود حوالي 260 من المطاعم والحانات والبارات والنوادي الليلية والتي تتركز في منطقة واحدة صغيرة، يجد محبو الحفلات والباحثون عن الأجواء الثقافية والتاريخية كل ما يصبون إليه.

وتقدم المطاعم المتنوعة، ابتداءاً من مطاعم الذواقة ووصولاً إلى مطاعم الفلافل اللبنانية، أطباقاً لذيذة تتناسب مع كل ذوق وكل ميزانية. أما من يريد احتساء فنجان من القهوة أو الكابوتشينو فقط، فإنه سيجد نبعاً من الخيارات هنا، حيث يدعوك عدد لا يحصى من الحانات والمقاهي إلى الراحة والاسترخاء.

وتتمتع الحياة الليلة في دوسلدورف أيضاً بشهرة خاصة. ففي هذه المدينة تجد أكثر النوادي إثارة وأفضل حانات الكوكتيل والكثير من المرافق الليلية الخاصة، التي تضمن لك الإثارة والمتعة في ليل المدينة المفعم بالحياة.

 

جذور ثقافية وفنية

كما تحول الأجواء الفنية والثقافية كل نزهة عبر الأزقة الضيقة في البلدة القديمة إلى تجربة فريدة من نوعها. فإذا كنت من عشاق الفنون والثقافة، فلا ينبغي أن تفوت زيارة البلدة القديمة وتدرجها ضمن برنامجك الاستكشافي. فالمجموعة الفنية لولاية (نوردراين فستفالن)، ومساحات المعارض المخصصة لأروع اللوحات الفنية من القرن العشرين، ودار الأوبرا، وقاعة الفن (كونست هاله)، وأكاديمية الفنون (كونست أكاديمي)، وقاعة الموسيقى (تون هاله) والمركز الثقافي (إيرنهوف) تعتبر جميعها مكونات أساسية لمحور الفن في دوسلدورف. ويكتمل المشهد مع وجود متحف المدينة والأفلام وكذلك صالات العرض المختلفة والمسارح الصغيرة.

وإذا كنت من المهتمين بجذور دوسلدورف وأصلها، فإن عليك ببساطة زيارة كاتدرائية (لامبيرتوس-بازيليكا)، وبرج القصر (شلوس تورم)، ومبنى البلدية (راتهاوس)، ونهر (دوسل)، حيث تمثل هذه الأماكن البلدة الأصلية القديمة. ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا النهر الصغير (دوسل)، الذي يرجع له الفضل في منح المدينة اسمها، يمكن مشاهدته فقط بين زقاق (ليفر غاسه) وساحة (بورغ بلاتس).

 

التسوق بين العالمية والمحلية

ويبدو أن من أكثر السياح حظاً هم أولئك العاشقين للتسوق! فما يمكن أن تجده في بوليفارد التسوق (كونيغسآليه) الذي يمثل الفخامة والتسوق الراقي، قلما تجده في مكان آخر في العالم.  فهذا الشارع الذي يعني اسمه (شارع الملك) ويفضل أهل دوسلدورف أن يطلقوا عليه اسم (كو)، يعد من أشهر أماكن التسوق في عاصمة الراين ومن قلائل الطرق المشهورة دولياً، التي يمكن وصفها بالبوليفارد. ويتميز (كو) بعرضه المثير للإعجاب، وبخندق (كو-غرابن) الذي تتدفق فيه مياه دوسلدورف الأصلية، وأيضاً بصف الأشجار الذي يضم حوالي 120 شجرة كستناء. ويفصل هذا الممر المائي بين الجانبين الشرقي والغربي لشارع (كونيغسآليه) بينما تربطهما العديد من الجسور، مما أعطى لكل جانب طابعاً خاصاً. فالجانب الغربي يمثل بشكل رئيسي مقراً للبنوك والفنادق، وذلك على عكس الجانب الشرقي الذي يحتوي على الأروقة التجارية الدولية والمحلية الكبيرة.

وبما أن التسوق في دوسلدورف أصبح أمراً لابد منه، فلا يجب أن تغفل عن فعل ذلك أيضاً في البلدة القديمة (ألتشتادت). فعلى عكس البوليفارد العصري (كونيغسآليه)، يمكن العثور في البلدة القديمة على طائفة واسعة من البوتيكات الفاخرة ومتاجر الملابس المستعملة ومحلات الذواقة. فهنا تجد الاتجاهات الجديدة والأزياء الأنيقة، ابتداءاً من الملابس الاعتيادية المناسبة للحياة اليومية ووصلاً إلى العلامات التجارية الكبرى. ويمكنك أن تعيش تجربة خاصة في سوق ساحة (كارلسبلاتس)، الذي يزخر بأنواع الفاكهة والخضروات الطازجة ويقدم ألذ الأطباق. كما تنتشر العديد من المتاجر الصغيرة ومحلات التحف والمطاعم على طول الشوارع التاريخية المرصوفة بالحصى في (كارل شتادت).

وللهروب من الزحام والضوضاء، ننصحك بالتوجه إلى كورنيش ضفة الراين (راين أُفر بروميناده) الذي يعتد مكاناً مثالياً للراحة والاسترخاء.  وتحت ظلال برج القصر التاريخي (شلوس تورم) يمكنك الاستمتاع بمنظر مثالي يطل نهر الراين وجسر (أُبركاسل) وميناء الإعلام (ميدين هافن).

 

تفرد معماري

ويزخر ميناء إعلام تحديداً بفنون الهندسة المعمارية المذهلة. فهذا الميناء الذي عاش تحولاً دراماتيكياً، يضم مبان شاهقة وأبراج قام ببنائها مهندسون معماريون مشهورون على مستوى العالم، بحيث لم تعد هذه التحف المعمارية تذهل زوار المدينة فحسب، بل والخبراء الدوليين في مجال العمارة أيضاً.

ومن أبرز هذه المعالم المعمارية نذكر برج الراين (راين تورم) الذي صممه المهندس (هارالد دايلمان)، وأضاف إليه فنان الإضاءة (هورست باومان) أكبر ساعة عشرية في العالم حيث دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية. ومبنى برلمان ولاية (نوردراين فستفالن)، الذي تم إنشائه وفقاً لخطط المهندسين (إلر، ماير، فالتر وشركاؤه). ومبنى (شتادت تور) الحاصل على جائزة أفضل مبنى مكاتب في أوروبا، والذي قام بتصميمه مكتب الهندسة المعمارية (أوفرديك بتسينكا وشركاؤه)، بالإضافة طبعاً إلى مباني جيري المائلة (جيري باوتن)، التي صممها المهندس والمصمم الكندي الأمريكي (فرانك جيري).

 

إبداع باللون الأخضر!

ولا يقتصر الإبداع على المباني، بل يمتد ليصل إلى حدائق دوسلدورف التي نالت جوائز عديدة نظراً لما تتمتع به من تصاميم جميلة. فمن النادر أن ترى مدينة كبيرة خضراء كما هو حال عاصمة الراين، إذ يمثل ما يقرب من خمس المساحة الإجمالية لدوسلدورف مناطقاً ترفيهية ومساحات خضراء وغابات. ويندرج ثلث مساحة المدينة أيضاً ضمن المناطق الطبيعية المحمية. وهذه الخاصية تضمن بلا شك نوعية عالية من الحياة وتزيد من جاذبية المدينة باعتبارها وجهة للعيش وتعزز حماية البيئة والطبيعة في انسجامها مع التنمية الحضرية.

ولكي تتمكن من رؤية مشهد بانورامي رائع لحدائق دوسلدورف وطبيعتها الخضراء الخلابة، فما عليك إلا التوجه إلى منصة المشاهدة في برج الراين (راين تورم)، حيث ستحظى بمنظر مذهل لتلك المساحات الخضراء التي تنتشر في كل مكان بحيث تبدو كجزر تزين المدينة. وبالإضافة إلى الواحات الخضراء التي تتوسط المدينة مثل منتزه (راين بارك) وحديقة (هوف غارتن)، هناك نقاط جذب سياحي أخرى، مثل: المنتزه الشمالي (نورد بارك) بحديقته اليابانية، وأطلال القصر الإمبراطوري (كايزر بفلاتس)، وكذلك قصر وحديقة (بينرات) الذي يمثل بالفعل جوهرة ثقافية وسياحية، فهو يجمع بين الهندسة المعمارية والحدائق ليمثل مفهوماً فنياً شاملاً.

 

مدينة السياحة العلاجية

وتساهم هذه الطبيعة الساحرة والهواء النقي العليل في تعميق أهمية دوسلدورف كمدينة عالمية شهيرة بالسياحة العلاجية. فزيارتها لا تقتصر على الاستمتاع بطبيعتها الساحرة، بل إن الكثير من المرضى العرب يقصدونها من أجل تلقي العلاج في مستشفياتها المعروفة، كمستشفى دوسلدورف الجامعي الذي يمثل قمة التفوق الدولي في رعاية الأمراض والبحوث والتعليم ويعد أهم المراكز الطبية في عاصمة الراين. فهو يتألف من 34 عيادة فردية وأكثر من 30 معهداً، كما يعمل فيه ما يقرب من 6000 موظف. وتشتمل تخصصاته الأورام مع أمراض الدم وزرع الخلايا الجذعية، جراحة المخ والأعصاب، الأمراض العصبية وأمراض النساء والتوليد، الكبد، زرع الكلى، جراحة القلب وكذلك جراحة الأطفال وأمراض سرطان الأطفال.

ويوجد في المستشفى مكتب للتنسيق مختص بالمرضى الدولييين، حيث يقدم المشورة والرعاية للمرضى ومرافقيهم، كما يقوم بتحويلهم إلى القسم المختص مع ضمان أفضل علاج طبي، بالإضافة إلى تنظيم شؤون إقامتهم والاهتمام بتنسيق مواعيدهم مع الأطباء. ويتحدث فريق المكتب اللغة الإنكليزية والفرنسية، وإذا استدعى الأمر فإنه يتم تأمين مترجم خاص.

أما مستشفى (سانت ماوريتيوس) في (ميربوش) في دوسلدورف فهو يقدم خدمات في تخصصات طب الأعصاب والأمراض العصبية لدى الأطفال وأمراض الشيخوخة. وينتمي على الصعيد الوطني إلى أهم مرافق إعادة التأهيل في ولاية (نوردراين فستفالن).

وتتوافق بنية العمارة الهندسية للمستشفى مع الطبيعة الإنسانية وحالات المرضى. فلم تعد محطات العلاج تتواجد عبر ممرات طويلة، بل تذكر المرء أكثر بنموذج السوق المركزي. ومن خلال هذا الفضاء الواسع لممارسة العلاجات اليومية الموجهة في محطات العلاج، يتم منح أكثر الأمراض تعقيداً حقها من العلاج، ابتداءاً من السكتة الدماغية ومروراً بتلف الأعصاب ووصولاً إلى شلل الأطفال. وتزداد خبرات مستشفى (سانت ماوريتيوس) أيضاً من خلال عضويته في رابطة المستشفيات الكاثوليكية في دوسلدورف.

ويحظى المستشفى بسمعة ممتازة على الصعيد الدولي، وخصوصاً لدى المرضى القادمين من المنطقة العربية. ولذلك تقوم العيادة بتلبية كافة متطلبات اللغة والعادات الغذائية لضيوفها. ومن المميز أنه يمكن الوصول إليه بسرعة وسهولة، وذلك بسبب قربه من مطار دوسلدورف الدولي.

 

وجهة مفضلة للزوار العرب

وتعتبر المنطقة العربية وتحديداً الدول الخليجية سوقاً متنامياً بالنسبة لمطار دوسلدورف الدولي، الذي يعد ثالث أكبر مطار في ألمانيا وأكبر مطار في ولاية (نوردراين فستفالن)، حيث تعمل سبعون شركة طيران على وصل دوسلدورف بحوالي 180 وجهة في العالم، بما في ذلك الدول الخليجية. فعلى سبيل المثال، تسيَر شركة طيران الإمارات رحلات مباشرة بين دوسلدورف ودبي. وهناك رحلات متصلة عبر فرانكفورت وميونيخ توفرها الـ (لوفتهانزا) والخطوط الجوية التركية، إضافة إلى رحلات متصلة عبر زيورخ توفرها الخطوط الجوية السويسرية. من ناحية أخرى، يستقبل مطار دوسلدورف رحلات دورية للشخصيات المهمة من الدول العربية، فالخطوط الجوية السعودية والطيران الأميري القطري هي من الخطوط الجوية التي تصل باستمرار إلى عاصمة ولاية (نوردراين فستفالن).

ومن يصل من المرضى في الصباح الباكر، قد يتمكن من العودة لموطنه على رحلة المساء مطمئناً إلى أنه قد حصل على أفضل رعاية طبية وذلك عن طريق المرافق الصحية المتخصصة المتواجدة في مدينة مطار دوسلدورف القريبة. فعلى سبيل المثال، توفر مؤسسة (رادبراكس للطب الوقائي) تقنيات علاج متطورة وبمستوى عالمي في مرفقها الصحي في المطار، حيث تشتهر بخدمات قسم الأشعة، والطب النووي، والعلاج الإشعاعي. كما توفر عيادة طب الأسنان (ديادنتيس) خدمات طبية تشمل التشخيص الدقيق والوقاية والعلاج. وقد بنت العيادة سمعة عالمية لها في مجال خدمات طب الأسنان التجميلي على وجه الخصوص.

كما أسهمت الفنادق الفخمة في دوسلدورف، مثل فندق (إنتركونتيننتل)، في تعزيز صورة المدينة بوصفها مركزاً مهماً للسياحة العلاجية ووجهة مفضلة من قبل العملاء الأثرياء من حول العالم، وذلك من خلال تطوير عروضات رعاية صحية رفيعة المستوى بالتعاون مع المراكز الطبية في المدينة.