يقع في قلبها

ميناء هامبورغ.. شريان المدينة ومنصتها البحرية

مسرح عالمي متفرد

تعد هامبورغ إحدى أسرع المدن الأوروبية نمواً وأكثرها نشاطاً. وهذا يفسر سر الأرقام القياسية التي يحققها القطاع السياحي عاماً بعد عام. ويعتبر تنامي الرحلات البحرية من أكثر العوامل التي أسهمت في تنشيط السياحة، حيث أن موقع هامبورغ الجغرافي وحده يجعل من المدينة مركزاً وخطاً طبيعياً للرحلات البحرية عبر شمال أوروبا، في حين يستمر الطلب من شركات الشحن على أماكن لرسو السفن بالتنامي. ومنذ العام 2000، ارتفع عدد الرحلات السياحية التي تصل مرفأ هامبورغ خمسة أضعاف، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو حتى يصل عدد الرحلات إلى 100 رحلة وعدد الزوار إلى مئتي ألف زائر.

ويبدو أن ميناء هامبورغ، الذي يعد الأكبر في ألمانيا وثاني أكبر ميناء في أوروبا من حيث حجم المناولة، سيظل يمثل نبض المدينة، ليس فقط لكونه بوابة تجارية عالمية مهمة جداً، بل أيضاً باعتباره مسرحاً بحرياً مفتوحاً أمام الجميع ومركزاً للفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية والترفيهية. ففي مهرجان أيام كروز هامبورغ (Hamburg Cruise Days) في عام 2008 غمرت الأعمال الفنية الضوئية حاضرة الإلبه في لون البحارة، وذلك من خلال عرض (بلو بورت) (Blue Port) أي (الميناء الأزرق)، واحتفل مئات الآلاف من الزوار بسفن الأحلام التي زينت ليالي هامبورغ أثناء هذا الحدث المتفرد، إذ اشتعلت ضفاف نهر الإلبه بالحفلات الموسيقية وأجواء الفرح.

كما شهد صيف العام الماضي إعادة إحياء هذا المسرح، حيث احتفلت المدينة الهانزية بالمهرجان الثاني لأيام كروز هامبورغ مع استعراض موكب مذهل للسفن السياحية، وكان ذلك تحديداً في الفترة من 30 يوليو وحتى الأول من أغسطس 2010. وساهم المشروع الفني (بلو بورت) فضلاً عن أعداد كبيرة من الزوار الذين تجاوز عددهم أكثر من 150 ألف زائر في جعل الميناء مسرحاً عالمياً فريداً من نوعه على مستوى العالم. وبالطبع استمتع الزوار ببرنامج ترفيهي وفني امتدت فعالياته على طول الواجهة البحرية. ولم يحدث من قبل أن قدم ميناء بأهمية ميناء هامبورغ منصة مشابهة للسفن السياحية مع مشروع فني مذهل من هذا النوع. فاللون الأزرق لم يزين صفحات الماء فقط، بل أيضاً السفن نفسها أُضيئت بالأزرق لتكتمل بذلك الصورة الرائعة للميناء  في ظل عروض الألعاب النارية المثيرة التي أضاءت سماء المدينة.

ومن السفن التي كانت بمثابة نجوم عائمة في مهرجان 2010 وحولت نهر الإلبه إلى منصة متألقة في الهواء الطلق، نذكر: سفينة (إيه آي دي أورا) (AIDAaura)، (استور) (Astor)، (كولومبوس) (Columbus)، (دويتشلاند) (Deutschland)، و(ماين شِف) (Mein Schiff).

 

لون البحارة يزين الميناء

وفي الحقيقة، فإن مشروع (بلو بورت) هو من الأعمال الفنية التي يقف ورائها فنان الإضاءة والكاتب المسرحي ميشائيل باتس، الذي غمر عشرات المباني والمرافق المتنوعة بأعمال الإضاءة، ليجعلها تتزين بسحر اللون الأزرق.

ويرى ميشائيل باتس أنه "إذا كان هناك من لون ضوئي له قدرة خاصة على جعل الكائنات أو الأشياء شفافة وعائمة، فهو بالتأكيد اللون الأزرق". كما يوضح أن فعالية (بلو بورت) تقوم بسرد قصة الميناء مرة ثانية وتعيد اكتشافه من جديد. لافتاً إلى أن "الضوء هو لغة كونية".

وبخصوص الفوارق بين عرض (بلو بورت) عام 2008 وعرض عام 2010، يشير باتس إلى أن (الميناء الأزرق) عام 2010 كان أكثر كثافة. منوهاً إلى تحول هذا الحدث إلى فعالية دورية تقام بانتظام.

وكما حدث في عام 2008، فإن هذا العمل الفني الضوئي (الميناء الأزرق) كان هذا العام مرة أخرى عنصر الربط بين الميناء والرحلات البحرية وزوار مدينة الهانزا. كما تم إضاءة المعالم المهمة مثل كنيسة (سانت ميشائيل)، جسر (كولبراند بروكه) ومبنى الأوركتسرا (إلبفيلهارومني) الذي مايزال تحت الإنشاء، حيث تلألأت جميعها بالضوء الأزرق.

كما انضمت إلى استعراض الضوء هذا العديد  من النقاط المميزة في الميناء وحوله. ولا عجب أيضاً من قيام العديد من الشركاء والشركات بدعم فعالية (الميناء الأزرق)، لأن التزام الجميع تجاه مدينتهم هو في النهاية من التقاليد الجيدة والمتعارف عليها في هامبورغ.

 

عراقة.. حداثة.. وإشراقات مستقبلية

ومن المعروف أن لدى مدينة هامبورغ وجوهاً متعددة تعكس الماضي والحاضر والمستقبل. وهو ما يزيد من جاذبية جمال المدينة وسمعتها الدولية التي استقطبت الناس إليها من جميع أنحاء العالم. فمثلاً، تُعد منازل التجار البديعة على ضفتي نهر (الإلبه) ومجمع (شبايشر شتادت) (Speicherstadt) التاريخي الضخم شهادة على تاريخ مدينة هامبورغ الحرة الهانزية. فمدينة المخازن التاريخية (شبايشر شتادت) التي يمتد عمرها إلى أكثر من 100 عام، تجعل المرء يعيش أجواءاً ذات نكهة خاصة. ويُعتبر هذا المجمع التاريخي أكبر مجمع لمخازن السلع في العالم، حيث يتم هنا تخزين بضائع ذات قيمة عالية كالشاي والكاكاو والقهوة والتوابل والتبغ وغيرها، كما يوجد فيه أكبر مخزن للسجاد الشرقي في العالم. وخلف الحائط الضخم لمدينة المخازن يمكنك أن تتمتع بجو رومانسي بين قنوات المياه الجارية وأبنية العصر الغوطي والسطوح الموشورية والأبراج الغريبة الشكل.

وما بين (شبايشر شتادت) والميناء، يتم تأسيس حي جديد يطلق عليه اسم (هافن ستي)  (HafenCity) أي (مدينة الميناء). ويعتبر هذا الحي من أكبر مشاريع التطوير الحضري وأكثرها جاذبية في أوروبا، حيث يغطي مساحة 157 هكتار ويساهم في زيادة مساحة وسط المدينة بنسبة 40%.

ويعتبر مشروع (هافن ستي) من المشاريع الجرئية التي تثير الفضول في نفوس زوار وضيوف المدينة، حيث أنه يذهل السياح بمبانيه ورؤيته المستقبلية كونه يمثل عالماً مثالياً لحياة أجمل وعمل أفضل، بل إن الفضول دفع أهل هامبورغ أنفسهم إلى التجول على طول الشوارع الممتدة على جوانب أحواض الميناء ليشاهدوا التغييرات التي تطال شكل (مدينة الميناء) باستمرار بسبب تسارع أعمال البناء في هذا المشروع. وفي ظل ما تمثله مدينة هامبورغ من نموذج لكيفية تطبيق المعايير البيئية الحديثة في المباني القديمة والجديدة، فإن هذا المشروع يهدف ياختصار إلى بناء: نموذج مصغر لمدينة كبيرة، تجمع عدداً من الوحدات السكنية والتجارية والترفيهية في منطقة خضراء موحدة تمثل نموذجاً مستداماً للمشاريع.

ولذلك بات يُنظر إلى (مدينة المرفأ) كأكثر المشاريع المدنية إثارة في أوروبا، حيث أنه من المتوقع أن يحوي هذا المشروع عند اكتمال تطويره 5500 مسكن يمكن أن تستوعب نحو 12000 شخص، والكثير من الشركات، ويعمل على توفير نحو 40 ألف فرصة عمل. ولقد تم تصميم المشروع بشكل يشجع السكان على المشي واستخدام الدراجات الهوائية.

 

رؤية ومعلم مذهل

ومن أروع الأعمال الهندسية لهذا المشروع تبرز القاعة الجديدة للأوركسترا والحفلات الموسيقية (إلبفيلهارموني) ( Elbphilharmonie) على سطح المخزن (Kaispeicher A). ومن المتوقع أن تصبح الرؤية الهندسية لهذا المبنى واقعاً في العام 2012 لتشكل السمة المميزة الجديدة لمدينة هامبورغ. ويمزج التصميم الذي وضعه مكتب المهندسان السويسريان Herzog & de Meuron)) بين العراقة والحداثة ليتماهى مع مدينة الهانزا الواقعة مباشرة على المياه.

و عند إنتهائه، سيشتمل مبنى الإلبفيلهارموني على 26 طابقاً وسيبلغ الطول الإجمالي حوالي 110 أمتار. وهنا لابد أن نذكر أن الواجهة الزجاجية للمبنى تتألف من عناصر زجاجية فريدة يبلغ مجموعها 1089، منها الكثير من الأجزاء المنحنية، كما تم تدعيم النوافذ بشكل يضمن الحماية من أشعة الشمس. ويتم الوصول إلى داخل المبنى عن طريق سلم متحرك منحني يربط الطابق الأرضي مع الساحة (Plaza) الواقعة في الأعلى، التي هي بمثابة همزة وصل بين بهو الأوركسترا والمطاعم والفندق فضلاً عن مداخل الشقق. ومن هذه الساحة يمكن مشاهدة مناظر وسط المدينة و(هافن ستي) ونهر الـ (إلبه) وغيرها.

وسيلعب مبنى  الإلبفيلهارموني دوراً مهماً ووظيفة مركزية كمعلم سياحي مسؤول عن تطوير وتسويق (هافن ستي)، كما سيكون بمثابة علامة بارزة وبخاصة في مجال تمثيل مدينة هامبورغ على الصعيد الدولي.

 

رموز ومضامين فنية

وهناك الكثير من المباني التي تستحق الزيارة في هامبورغ، كمبنى البلدية الـ(راتهاوس) المشيد من الحجر الرملي والذي يعود تاريخه لأكثر من مئة عام. فبعد حريق شب في عام 1842 وقضى على مبنى البلدية بشكل كامل رحل المجلس لفترة مؤقتة إلى مبنى آخر وذلك لمدة 55 عاماً! وقد تم تدشين مبنى البلدية الجديد في عام 1897 وهو يتكون من 647 غرفة ويقف على أكثر من 4000 عمود من شجر البلوط. وعلى العكس من الطراز السائد في المنطقة، فإن مبنى البلدية يلمع بواجهة ذات زخارف كثيرة ومحاطة بـ 20 تمثالاً للقيصر. ويجد الزائر فوق البوابة الرئيسية الجملة التالية المكتوبة باللغة اللاتينية: "يجب على الأخلاف المحافظة بكرامة على الحرية التي نالها الأجداد".

ولا يعتبر مبنى البلدية هذا متحفاً، بل وسط المدينة السياسي. وكمكان متنوع الاستخدمات للسياسة والتمثيل الحكومي، فإن اثنين من الهئيات السياسية الرئيسية في المدينة الهانزية يتخذان مقرهما فيه وهما: وزراء (سناتور) ولاية هامبورغ والمحافظ.

ولكن هامبورغ بلاشك تشتهر أيضاً بمتاحفها المرموقة عالمياً بالإضافة إلى الكثير من بيوت وصالات عرض الفنون. وكنصيحة خاصة بعشاق الفنون، فإن من يزر هامبورغ، لابد له من زيارة صالة الفن (كونست هاله) (kunsthalle) التي تُعد متحفاً للفن وموطناً للعديد من المجموعات الفنية.

 

مدينة الموسيقى

وتعود التقاليد الثقافية في هامبورغ إلى العصور الوسطى. فقد ترك الشعراء ومؤلفو الموسيقى المشهورون عالمياً آثارهم في تاريخ ثقافة هامبورغ الطويل. وتعتبر هامبورغ من أكبر المدن العالمية للعروض المسرحيات الغنائية الموسيقية الـ (ميوزيكال) في العالم. كما لا ننسى أن فرقة الـ (بيتلز) احتقلت ببداية نجاحهم في نادي )ستار ( بهامبورغ.

وفي شارع )ريبيربان( ((Reeperbahn  في )سانت باولي(، يكتشف المرء مجدداً نوعيات جيدة من المطاعم والمقاهي والملاهي ونوادي الموسيقى الحية. وبالطبع ستحظى بمشاهد فنية وثقافية حية، لاسيما مع التحول الكبير الذي جرى هنا، فبعد أن كان هذا الحي مكاناً للمتعة، تكوّنت فيه اليوم ثقافة بديلة، حيث بات يزخر بالفن والموسيقى والثقافة، فحتى عروض المسرحيات الغنائية الموسيقية وجدت مسارح لها فيه. ويمكنك أيضاً هنا التعرف على المكان الذي قدمت فيه فرقة الـ(بيتلز) الشهيرة عرضها الموسيقي.

وتمتد أجواء الموسيقى إلى سوق السمك (Hamburger Fischmark)، الذي لا تكتمل زيارة هامبورغ بدونه، إذ تسير الحشود صباح أيام الآحاد في الممرات الضيقة حيث تباع كافة أنواع المأكولات والفواكه والسلع بأسعار رخيصة. ويمكن الحصول على شتّى البضائع تحت سقف قاعة المزاد العلني التي يبلغ عمرها 100 عام ويرتبط اسمها بالسمك تاريخياً. ومن التجارب الرائعة للذين يستيقظون باكراً هو تناول الفطور في هذه القاعة التاريخية على أنغام الموسيقى.

 

فنادق بإطلالات ساحرة:

  • فندق )لو ريال ميرديان( ((Hotel Le Royal Meridien Hamburg

يقع في شارع (آن دير آلستر) (An der Alster)، على بحيرة الألستر الخارجية. وفي محيطه تنتشر المساحات الخضراء والمياه الهادئة. ومن خلال جولة على الأقدام يمكن للمرء مشاهدة البنوك التاريخية والمراكز التجارية الراقية والسفارات الأجنبية التي تقع على ضفاف الماء.

www.LeRoyalMeridienHamburg.com

 

  • فندق (فيرمونت فير ياريستسايتن) (Hotel Fairmont Vier Jahreszeiten)

يقع في شارع (نوير يونغفيرن شتيغ) (Neuer Jungfernstieg)، حيث يتميز بموقع لا مثيل له في قلب الحي المالي ومنطقة التسوّق. يمكن للمرء الجلوس على شرفة الفندق وتناول عشاء خفيف مع مشروبات لذيذة بينما يستمتع بجمال المساء وهو يشاهد نافورة الألستر (Alsterfontaine) التي تزين بحيرة الألستر الداخلية (Binnenalster).

www.hvj.de

 

سفينة "Cap San Diego"

تم تصميم الهيكل المتقوس والبنية الفوقية الخالية من أي عيب لهذه السفينة بواسطة المهندس المعماري (سيزر بيناو) (Caesar Pinnau)، الذي صمم أيضاً غرفة الطعام والصالون والحانة والمقصورات المريحة لتستقبل المسافرين أثناء رحلتهم الملحمية على متن السفينة. وقد سافرت هذه السفينة، التي تعرف باسم "البجعة البيضاء لجنوب أتلانتس"، بين هامبورغ وأمريكا الجنوبية لمدة عشرين عاماً. وهي ترسو عند جسر (أُبَر زيه بروكه) (Ueberseebruecke) كمتحف. وقامت باستعراض قيمتها البحرية مرة أخرى أثناء أيام كروز هامبورغ التي أقيمت في صيف العام الماضي.