كلما كبرت عاماً ازدادت شباباً

العاصمة الألمانية برلين.. مدينة لا تنام

اللغة ليست عائقاً!

لا تتفاجأ إن سمعت بعض الناس يرددون كلمة "هندي" (Handy) في شوارع برلين أو قطاراتها، فهي لا تعني أكثر من مجرد الهاتف المتحرك!.. ولا تشعر بالقلق إن صادفت صعوبة ما عند تعلم بعض مفردات اللغة الألمانية، فلن يمنعك ذلك من التواصل مع الناس، خصوصاً أن الألمانية تعتبر من اللغات الحية والمواكبة للتطورات، بحيث أنها تستعين بشكل متزايد بالكثير من المفردات التي تعود إلى اللغة الانجليزية، بل بات يطلق على عملية دمج بعض مفردات اللغة الإنكليزية بالألمانية بـ(Denglish) . وقد يعود الفضل في ذلك إلى شبكة الإنترنت وظهور تقنيات الكمبيوتر.

ويمكن ملاحظة استخدام اللغة الإنكليزية بين فئة الشباب أكثر من غيرهم من الفئات، بحيث أنهم يدخلون بعض الكلمات الإنكليزية في أحاديثهم الخاصة وخلال الرسائل القصيرة عبر الهاتف المتحرك وفي غرف الشات على الإنترنت. كما إنك ستلاحظ الكم الهائل من اللغات والثقافات في شوارع برلين، فمن المؤكد أن اللغة العربية أو الإنكليزية أو الإسبانية أو الفرنسية وغيرها ستشد سمعك بين وقت وآخر. وعندها ستجد أنه بإمكانك أن تسأل شخصاً عربياً مثلاً عن مكان تاريخي معين أو طريقة الوصول إلى ساحة معروفة أو كيفية شراء التذاكر الخاصة بوسائل المواصلات، وإذا كنت تتحدث الإنكليزية، فسيكون ذلك ميزة إضافية، حيث ستجد أن الكثير من الناس سيساعدونك بكل مودة ولطف. وعلى الرغم من كل هذا، فإنك قد لا تحتاج إلى السؤال، وذلك نظراً لكون هذه المدينة السياحية تزخر بأعداد لا تحصى من اللوحات الإرشادية والخرائط ومراكز الاستعلامات التي توفر كافة المعلومات التي يمكن أن يحتاج إليها زوار وضيوف هذه المدينة الشهيرة.

وإذا كنت من المهتمين بالسينما أو الحفلات الموسيقية، فستكون أمامك خيارات كثيرة. فبإمكانك مشاهدة الفيلم الذي يعجبك ليس باللغة الألمانية فقط، بل بالإنكليزية أيضاً. ورغم أن معظم دور السينما تعرض أفلاماً مدبلجة باللغة الألمانية، إلا أنه قد تم توفير العديد من دور السينما التي تقدم هذه الأفلام العالمية بلغتها الأم الإنكليزية. أما بالنسبة للحفلات الموسيقية والغنائية التي تحتضنها العاصمة الألمانية برلين، فمعظم ضيوفها هم من أشهر المطربين في العالم والذين يغنون بلاشك باللغة الإنكليزية. ولكن إذا كنت من محبي الاستماع إلى اللغة الألمانية، فستجد كماً هائلاً من الحفلات الموسيقية الألمانية وعروض المسارح المتنوعة ودور الأوبرا التي تقدم ما يتناسب مع كل الأذواق والأعمار. ولن نبالغ إذا قلنا إن هذه المدينة تستضيف كل يوم عروضاً مسرحية وراقصة وأخرى للأوبرا في المسارح المعروفة والمسارح التجريبية. ولا تتسم عروضها بالكثرة فقط، وإنما أيضا بأسعارها المعقولة. أما إذا كنت طالباً في برلين، فإنك ستحصل دوماً على تذاكر مخفضة، بل إنه يمكنك زيارة الكثير من المتاحف مجاناً في أوقات معينة.

 

مغامرات وتجارب جديدة

سيحظى كل الفتيات والشبان العرب الذين يزورون برلين بفرصة إيجاد ما يتناسب مع هواياتهم وأذواقهم. ففي الجانب الرياضي تتوفر إمكانيات كبيرة في برلين، حيث يمكن ممارسة معظم أنواع الرياضة من كرة السلة وكرة القدم وحتى القوارب الشراعية وضمن تكاليف مناسبة. كما يوجد في برلين العديد من الحدائق ذات الخضرة الشاسعة وتنتشر في ضواحي المدينة الكثير من مواقع الاستجمام والبحيرات، وهنا قد تكون زيارة منتزه تيرغارتن (Tiergarten) الذي يعتبر أكبر منتزه في برلين، من الزيارات التي تستحق أن يفرد لها المرء وقتاً طويلاً، لاسيما إن كان برفقة الأصدقاء أو العائلة. أما "الحديقة الشرقية" في برلين، التي تعد نتاجاً ألمانياً عربياً مشتركاً، فهي نقطة من نقاط الجذب السياحي، حيث تستقطب أعداداً كبيرة من الزوار، وذلك بفضل سحرها الخلاب وتصميمها الفريد المستوحى من الطراز العربي الإسلامي التقليدي. ويمكن الوصول إلى كل هذه الأماكن بكل سهولة ويسر وبتكاليف قليلة، نظراً لانتشار شبكة مواصلات عامة تتنوع فيها وسائل النقل، بحيث يجد كل شاب ما يتناسب مع إمكانياته المادية.

وإذا كنت محباً للحيوانات مثل أهل برلين، فسيكون لديك فرصة زيارة أقدم حديقة حيوانات في ألمانيا، التي تسمى بـ "تسولوغيشه غارتن" "Zoologische Garten". وتعتبر هذه الحديقة الأكثر تنوعاً في العالم، حيث تحتوي على 1400 نوعاً، من ضمنها حوض الأسماك، وحوالي 14000 من الحيوانات التي تعيش على مساحة تبلغ 34 هكتاراً. ومن المؤكد أنك ستمر من أمام هذه الحديقة خلال تجوالك، حيث سليفت نظرك شكل بوابتها الذي يقوم الكثير من السياح بالتقاط الصور التذكارية أمامه. وإذا لم تأخذك الصدفة إلى هناك، فلا تقلق، فالوصول إليها يعتبر غاية في السهولة، حيث تقع بجانب محطة القطارات التي تحمل نفس اسم الحديقة.

وبالانتقال من الطبيعة إلى متطلبات الشباب واحتياجات الحياة اليومية، فإن برلين تشتمل على الكثير من الأماكن التي تخاطب رغبات الشباب، الذين باتوا يحبون خوض تجربة تسمير لون الجسم أو ممارسة الرياضة لتخفيض الوزن. ففي هذه المدينة سيجدون العديد من الأماكن والمرافق التي تقدم خدمات متنوعة تتناسب مع كل شخص. كما إن هناك الكثير من المحال المختصة بأنواع التدليك ووسائل العناية بالبشرة، بالإضافة إلى الوخز بالأبر الصينية، أو المراكز المختصة بتعليم تمارين اليوغا.

وقد يكون الحظ إلى جانب الفتيات اللواتي يبحثن عن آخر صيحات الشعر والماكياج، حيث تزخر برلين بأرقى المحلات المختصة بذلك. فإذا كنت تريدين شعراً متعرجاً أو أملساً أو طويلاً أو قصيراً، لوناً جديداً أو بعض خصل الشعر الملونة، فهناك مصففو الشعر المختصون الذين يلبون كل رغباتك. وإذا كنت ترغبين بتقليم أظافرك وطلائها بشكل متفرد، فإنك ستسرين بمستوى الاهتمام في التعامل والدقة في العمل. أما فيما يخص العناية بالوجه والماكياج، فهناك محال تقدم آخر صيحات الماكياج بحيث يتم ابتكارها خصيصاً لتتناسب مع كل شخص على حدا.

وإذا كنتم تبحثون عن مكان واحد يحتوي على كل هذه الخدمات، فبإمكانكم أن تجعلوا من فندق آدلون كمبينسكي مكاناً لإقامتكم، إذ يعتبر هذا الفندق الذي يقع في شارع أُنتر دين ليندن "Unter den Linden"، بالقرب من بوابة براندنبورغ التاريخية، واحداً من أفخم وأشهر الفنادق في ألمانيا.

أما عشاق التصوير من الأماكن العالية، فما عليهم إلا التوجه إلى ساحة الكسندر "Alexanderplatz"، فهناك يوجد برج التلفزيون، الذي يعتبر واحداً من المعالم السياحية الذي قلما يفوت الشباب زيارته، خصوصاً إذا ما عرفنا أن ارتفاعه يبلغ 368 متراً، بحيث يمنحك فرصة الاستمتاع بمشهد بانورامي خلاب لمدينة برلين من خلال منصة المشاهدة، وبالتأكيد سيحظى محبو التصوير بإمكانية التقاط صور رائعة في الأيام التي يكون الجو صحواً فيها. وعند دخولك الطابق رقم 204، يمكنك تناول المشروبات الباردة أو الساخنة والتمتع بتناول قطع الحلوى الذيذة في "تله كافيه" " Telecafé"، أو يمكنك دخول كرة برج التلفزيون التي يحرص الزوار على تناول عشائهم فيها.

 

التسوق في قلب الثقافة

في برلين ستلاحظ أن ملابس الشباب بشكل عام يطغى عليها الجينز، فهو يصلح لكل المناسبات، وقلما تجدهم بربطة عنق في حياتهم اليومية. أما الأزياء التقليدية فيرتديها بعض الألمان في المناسبات والمهرجانات الشعبية، بحيث تبدو وكأنها أزياء تنكرية. ومهما اختلفت أذواق المتسوقين، فإنهم بالتأكيد سيجدون ما يناسبهم، لاسيما مع تواجد أعداد كبيرة من مراكز التسوق والمحال التجارية التي تعرض شتى أنواع البضائع والمنتجات.

فسواء أكنت من محبي التراث والتاريخ أو من عشاق الحداثة والتجديد، فإن برلين القديمة لا تنفصل أبداً عن برلين الجديدة، وبزيارتك إلى ساحة "بوتسدام" "Potsdamer Platz" ستدخل برلين الجديدة. فهناك يوجد مركز سوني " Sony Center" الذي  يبدو سقفه وكأنه ملعب كبير لكرة القدم يسبح بخفة الريشة فوق رؤوس الزوار ويشع بزجاجه ناشراً بريقه في كامل المنطقة. ورغم كل هذه العصرية والحداثة التي تتصف بها ساحة "بوتسدام" إلا أنها وفي نفس الوقت تحمل جانباً ثقافياً قيماً، إذ يتواجد هناك الكثير من المراكز الثقافية والموسيقية التي تتوزع على جانبي الطريق.

كما يعتبر "دايملر آريال" من أهم  المرافق العصرية، حيث يوجد به بكل بساطة كل شيء: مسرح للموسيقى، ملهى، سينما، مركز تسوق من ثلاثة طوابق، فندق فاخر، شقق فاخرة، حانات، مطاعم، محلات الوجبات السريعة، وغير ذلك الكثير.

أما شارع "كورفورستندام" " Kurfürstendamm" أو كما يطلق عليه أيضاً "كودام"، فيعد واحداً من أهم الأماكن التي يتجول فيها الشباب ويمثل نقطة محورية لتجمعاتهم، حيث يتواجد هناك العديد من المحلات التجارية والمتاجر الراقية ودور السينما والمسارح والمقاهي. فهو شارع لا يعرف الراحة أبداً. وفيه يمكن مشاهدة أحدث الأبنية وشراء أفخم المنتجات، حيث يعتبر اليوم من أهم وجهات التسوق في العالم. وستجد أن جولتك في هذا الشارع مفعمة بالتاريخ، ففيه تقع أيضاً كنيسة القصير فيلهلم التذكارية، التي تعرضت لأضرار بالغة خلال الحرب العالمية الثانية ولم يبق منها إلا بقايا البرج، وماتزال هذه الكنيسة تعتبر من أشهر معالم شارع "كورفورستندام"..

ولن يقف التسوق في برلين عند هذا الحد، بل تنتشر في أغلب الأحياء البرلينية، ومنها كرويتسبيرغ (Kreuzberg) وبرينتسلاور بيرغ (Prenzlauer Berg) ومتّه (Mitte)، العديد من مراكز التسوق التي تعج بأحدث صيحات الموضة. كما يعد شارع فريدريش (Friedrichstrasse)، من شوارع التسوق التي يقصدها الكثير من الناس لاسيما في المناسبات العامة.

كما ننصحكم أيضاً بزيارة هاكيشه هوفه (Hackesche Höfe)، التي تعد أكبر مجمّع سكني وتجاري في ألمانيا ومن أشهر المناطق الليلية في برلين. ويعود بناء هذه المنطقة، التي شهدت في الأعوام الأخيرة أعمال صيانة تهدف إلى تجديد بعض أجزائها، إلى آواخر القرن الثامن عشر الميلادي.

أما سوق "جندارمن" "Gendarmenmarkt" فهو ينتمي بكل تأكيد إلى أجمل الأماكن في برلين. تتواجد فيه بشكل رئيسي ثلاثة مباني أثرية: الكاتدرائية الألمانية، الكاتدرائية الفرنسية وبيت الحفلات "كونتسرت هاوس" " Konzerthaus " الذي كان يسمى فيما مضى "شاوشبيل هاوس" " Schauspielhau".

 

شوارع عبقة

لا يوجد ألذ من رائحة الخبز التي تعبق بها شوارع ألمانيا كل صباح، ولا يوجد أجمل من مساء هذه المدينة المفعمة بحب الحياة. وبين الصباح والمساء يتصف الشارع الألماني بحيوية يومية، لاسيما في فترات الظهر.

وكما تتنوع القهوة في بيوت البرلينيين، فهي متعددة الأصناف في محلات ومقاهي برلين أيضاً، بحيث أنك تحتار عند اختيارك النوع الذي تود تجريبه. أما الحلوى فهي متعددة الأشكال ومختلفة بطرق تزيينها. وسواء أكانت يدوية الصنع أو من القوالب الجاهزة المعدة للبيع، فإن مذاقها يجعلك ترغب في تجربتها أكثر من مرة. وقد يصعب إيجاد تفسير لسر علاقة الألمان بفنجان القهوة وقطع الحلوى كل مساء، إلا أننا يمكننا القول إنهم يستعدون دوماً لاستقبال شخص مقرب عليهم، وهذا ما يمكن ملاحظته عند انهماكهم في إعداد وصنع أشهى الحلويات وألذ أنواع القهوة لاسيما في المناسبات الخاصة مثل حفلات الزفاف وأعياد الميلاد.

وقد تكون عادة تناول القهوة مع الحلوى أصبحت جزءاً لا يتجزء من نمط الحياة اليومية في ألمانيا، وبالتالي يمكن اعتبارها شكلاً من أشكال الوجبات السريعة.

كما ينتشر في برلين أعداد لا تحصى من محال تصنيع الحلويات بمختلف الأشكال والأصناف، بالإضافة إلى انتشار المشروبات المعدة من خلال خلط عدة أنواع مع بعضها البعض، حيث يقبل الشباب كثيراً على تناول هذه الخلطات اللذيذة.

وتشير الكثير من الوثائق التاريخية إلى أن العرب هم أول من قام بصنع معجنات الفواكه، التي انتشرت فيما بعد في كل من إيطاليا وألمانيا، في حين أن أصول فنون تصنيع الحلوى ترجع إلى مطابخ البلاط الملكي الفرنسي، أما أنواع الخبز المختلفة والحلوى بمختلف النكهات فهي جزء من الصناعات اليدوية الألمانية التي تعود إلى أكثر من 400 عام.

ومن الأشياء الطريفة هو وجود نوع من الحلويات والفطائر الشعبية المشهورة التي يطلق عليها في جميع أنحاء ألمانيا اسم "برلينر" أي نسبة إلى برلين، إلا أنه هذه الفطائر المغطية بالدسم والمليئة بالمربى لا تدعى بـ "بفانكوخن" " Pfannkuchen" إلا في برلين فقط.

وبالنسبة للوجبات الشعبية الأخرى، فإن طبق " Bulette" يعتبر من الأطباق الشعبية الخاصة بمدينة برلين، وقلما يأتي ضيف إلى المدينة دون أن يقوم بتذوقه، فهو باختصار يتكون من خبز وبصل وتوابل مخلوطة مع اللحم المفروم، وقد تختلف توابله من مكان إلى آخر، إلا أن نكهته تبقى محافظة دوماً على لذتها.

كما يعتبر "كاريفورست" " Currywurst" من الأطباق التقليدية في المطبخ البرليني، حيث أنك ستجد على كل زاية تقريباً كشكاً لبيع هذه الوجبات التي هي عبارة عن سجق أو نقانق ترافقها البطاطا المقلية والصلصة والخردل. ومن الوجبات الأخرى التي تحظى اليوم بشعبية كبيرة رغم أنها قادمة من خارج ألمانيا، تبرز الشاورما أو الكباب التركي المعروف بـ "دونر" "Döner".

وبالتالي، فإن برلين كمدينة عالمية متعددة الثقافات، أصحبت تزخر اليوم بفنون المطابخ العالمية، كما إن مطاعمها باتت تُدخل إلى بعض الأطباق العالمية تقاليد الطبخ المحلية، بحيث نجد أن ذواقة الطعام في العالم باتوا يفضلون المطاعم الألمانية على غيرها من المطاعم الأوروبية الأخرى.