ميناء هامبورغ

في بعض الموانئ لا يوجد أمام المرء الكثير كي يراه باستثناء مصافي النفط ورافعات الحاويات. ولكن هناك مداخل موانئ جميلة ومذهلة، تزينها الرحلات البحرية، بحيث تسعد كل زائر. فسحر هذه الموانئ وعظمتها تأسر ضيوف المدينة وأهلها الذين يستيقظون طوعاً في الصباح المبكر كي يقفوا على سور مدخل الميناء في الوقت المناسب، ويتمتعوا بأجمل موانئ الرحلات البحرية في العالم. وهذا ما ينطبق على مدينة هامبورغ التي ترتبط دوماً بالبحارة والسفن والميناء، لاسيما وأن المياه تمثل أهم المظاهر الساحرة فيها.

 

على الرغم من وجود الكثير من المدن التي تتمتع بميناء جميل، إلا أن ميناء هامبورغ مختلف ومتفرد، لاسيما أنه يقع في قلب المدينة. فنهر الإلبه والميناء يمثلان شريانها الاقتصادي كما يضفيان على الحياة فيها جواً بحرياً فريداً من نوعه. ولكن ميناء هامبورغ لا يقصتر على كونه القوة الدافعة وراء تطوير هامبورغ أو مجرد عامل اقتصادي، بل يمثل مصدراً كبيراً للجذب السياحي. ومن خلال هذه الواجهة البحرية، تعتبر هامبورغ بلا منازع منفذ الرحلات البحرية في ألمانيا.

كما يشهد هذا الميناء كل عام واحدة من أهم فعاليات الميناء والمتمثلة في  الذكرى السنوية لتأسيسه، حيث تشارك مجموعة من السفن في مسيرة كبيرة في الميناء. ومن يحظى بحضور هذه الفعالية المثيرة، فسوف يتمكن بلا شك من رؤية مشهد فني رائع، لاسيما عندما تشرع السفن بالدوران وكأنها ترقص باليه. كما تقام كل سنتين فعالية (أيام كروز هامبورغ) حيث تتوافد مئات السفن إلى أرصفة الميناء وتحتفل بتسيير موكب ضخم يشارك فيه دوماً عدد كبير من السفن السياحية.

إن أفضل وسيلة لاستكشاف الميناء هي بالتأكيد من خلال رحلة بواسطة القارب ذهاباً وإياباً. وبشكل عام، فإنه عند قيامك بجولات سياحية مائية في الميناء أو زيارة إحدى السفن-المتحف الأسطورية، فمن المؤكد أنك سوف تستشعر أجواء الماضي والبلاد البعيدة وسوف تتعرف عن قرب على أسباب إطلاق لقب "البوابة إلى العالم" على مدينة هامبورغ!

وفي حين أن مشهد عمليات رسو وانطلاق السفن وتحميل وتفريغ البضائع في ميناء هامبورغ يتصف بالروعة، فإن الميناء يضم أيضاً مرافق ثقافية وترفيهية راسخة. فمدينة المستودعات التاريخية (شبايشر شتادت) مثلاً تعتبر موطناً للعديد من المتاحف ومراكز الترفيه المختلفة.

وتعد منازل التجار البديعة على ضفتي نهر الإلبه ومجمع (شبايشر شتادت) التاريخي الضخم شهادة على تاريخ مدينة هامبورغ الحرة الهانزية. فمدينة المخازن التاريخية التي يمتد عمرها إلى أكثر من 125 عاماً، ستجعلك تعيش أجواءً ذات نكهة خاصة. ويعتبر هذا المجمع التاريخي أكبر مجمع لمخازن السلع في العالم، حيث يتم هنا تخزين بضائع ذات قيمة عالية كالشاي والكاكاو والقهوة والتوابل والتبغ بالإضافة إلى العديد من المنتجات الأخرى، كما يوجد فيها أكبر مخزن للسجاد الشرقي في العالم. وخلف الحائط الضخم لمدينة المخازن يمكنك أن تتمتع بجو رومانسي بين قنوات المياه الجارية وأبنية العصر الغوطي والسطوح الموشورية والأبراج الغريبة الشكل. وبالطبع، فإن المنظر يصبح أكثر رومانسيةً في ساعة الغروب.

إن مدينة هامبورغ الواقعة على الماء لا تُضاهى وتتميز بطابع فريد. فهناك تقريباً 2500 جسر، أي أكثر بكثير من أمستردام ولندن والبندقية مجتمعة، تمتد فوق القنوات المائية التي لا حصر لها بين أنهار "إلبه"، "ألستر" و"بيله". كما تساهم الأجواء البحرية والهواء النقي والانفتاح الهانزي على العالم في جعل هامبورغ أفضل مدينة في العالم بالنسبة للكثيرين.

وقد تم حصر مياه وادي الألستر الصغير وروافده الأصغر منذ القرن الثالث عشر لتكوّن بحيرة الـ (ألستر) التي هي اليوم إحدى مناطق الإلتقاء المفضّلة لأهل هامبورغ وزوارها. فمنظر المدينة اليوم يبدأ من بحيرة الألستر الداخلية وجسر "لومباردس بروكه" باتجاه "يونغفيرن شتيغ"، مع العديد من الأبراج التي تزين الخلفية. وبمساحة تبلغ 164 هكتار، وبنوك تمتد على مسافة سبعة كيلومترات. وتمثل بحيرة الألستر الخارجية بدورها مكاناً شعبياً لركوب القوارب الشراعية وزوارق التجديف. وتعتبر الحدائق المحيطة بها مكاناً مثالياً للجري والمشي. ويقدم أسطول سفن الألستر السياحي "الأسطول الأبيض" رحلات ذهاباً وإياباً وخدمات مجدولة.

ولا تكتمل زيارة هامبورغ دون زيارة سوق السمك التقليدي التاريخي (فيش ماركت) إذ تسير الحشود صباح أيام الآحاد (من الساعة 5 صباحاً إلى 9:30 مساءً) في الممرات الضيقة. فمنذ عام 1703 يُباع هنا كل ما بخطر على البال، بحيث يمكن الحصول على شتّى البضائع. ومن التجارب الرائعة للذين يستيقظون باكراً هو تناول الفطور على أنغام الموسيقى الحية تحت سقف قاعة المزاد العلني.