من حديقة الأمير الضفدع إلى مسقط رأس دايملر

رحلة مثيرة على خطى الملوك والمخترعين في جنوب غرب ألمانيا

إذا كانت شتوتغارت، عاصمة ولاية بادن-فورتمبيرغ، تجذب المرء بمعالمها السياحية وحدائقها الواسعة وأجوائها ومهرجاناتها المميزة. فإن المنطقة المحيطة بالمدينة تمتلك الكثير لتقدمه للزوار. فإلى الشمال من شتوتغارت مباشرة تقع "لودفيغسبورغ"، التي تمثل مدينة باروكية ومقراً ملكياً سابقاً لحكام وملوك فورتمبيرغ. وإلى الشرق من شتوتغارت، على ضفاف نهر النيكار، تقع "إسلينغن"، وهي مدينة من القرون الوسطى غارقة في التاريخ. وأيضاً إلى الشرق، في منطقة "ريمس-مور"، تقع "شورندورف"، تلك المدينة التي شهدت ولادة "غوتليب دايملر".

 

 

مدينة باروكية وقصور أسطورية

بشوارعها الواسعة المستقيمة، ومنازل البلدة المؤلفة من طابقين بألوان الباستيل، والمباني المقنطرة المجاورة للسوق، وبالطبع القصر الملكي السابق، فإن لودفيغسبورغ هي حقاً مزيج باروكي من الفنون. في عام 1704 شهدت المدينة وضع حجر الأساس لقصر لودفيغسبورغ، الذي يعتبر اليوم أكبر مجمع قصر باروكي متبقي في ألمانيا، حيث يضم 452 غرفة و18 مبنى و3 ساحات.

يقف هذا القصر في حديقة تبلغ مساحتها 30 هكتاراً مع حدائقه الباروكية المزهرة "باروك إن بلوم" التي تجسد فناً رائعاً في تنسيق الحدائق من عصور مختلفة. فمنذ عام 1959 ذاع صيت "حديقة الحكاية الخرافية" المحاذية لتنقل زوارها الى عالم فانتازي من القصص الخيالية والأساطير. وهنا سيعيش الزوار من عمر تسع سنوات إلى تسعين سنة الإثارة مع أسئلة مثل: أين يعيش الأمير الضفدع؟ وكيف تبدو الأميرة النائمة؟ ما هي المقالب التي يحيكها كل من ماكس وموريتز؟

بالإضافة إلى هذا القصر، الذي يُطلق عليه "شفابيان فرساي" ("شفابه" هي الصفة التي يُعرف بها أهل منطقة جنوب غرب ألمانيا)، هناك قصران آخران يشكلان مصدر فخر لمدينة لودفيغسبورغ. فعلى مرمى النظر من القصر الملكي السابق، سترى قصر المفضّل "شلوس فافوريته" بواجهته الباروكية وتصميمه الإمبراطوري الداخلي. وتعتبر حديقة الحياة الطبيعية والبرية التابعة له والتي تغطي منطقة مساحتها أكثر من 72 هكتاراً، مكاناً يستحق الزيارة، فهي لا تقل روعة عن جداريات القصر المزخرفة.

أما القصر الثاني فهو قصر البحيرة مونريبوس "زيه شلوس مونريبوس" في لودفيغسبورغ الذي يقع على ضفة بحيرة ويعتبر تحفة إبداعية من طراز الروكوكو مع تصميم داخلي بنمط إمبراطوري، بُني في مكان هادئ خلال عهد "كارل أويغن". وقد تم تغييره وتأثيثه على طراز كلاسيكي في عهد الدوق فريدريش الثاني. في الصيف تقام هنا حفلات رومانسية مثل الحفل الموسيقي الكبير في الهواء الطلق مع عرض ألعاب نارية باروكي والذي يمثل جزءاً من مهرجان قصر لودفيغسبورغ.

 

مدينة غارقة في التاريخ

وبالانتقال إلى إسلينغن، فإنك قلما تجد مدينة ألمانية تزخر بالتاريخ مثلها. فهذه المدينة تطورت على مدى فترة تزيد عن 1000 عام، ويتضح ذلك جلياً في مركز المدينة القديم مع قاعاته البلدية الثلاث، وأقدم صف من المباني الخشبية في ألمانيا وبيوتها الارستقراطية البهية. وتعتبر الساعة الفلكية في مبنى البلدية القديم "ألتيس راتهاوس" واحدة من النماذج الرائعة للبلدة القديمة. تحت أجراس الساعة، التي تُسمع دقاتها عدة مرات في اليوم، ترى النسر الإمبراطوري يشير إلى الساعات بضرب أجنحته. ويرجع تاريخ التقنية الأصلية للساعة إلى عام 1591 وتعتبر واحدة من أقدم الساعات في ألمانيا التي لا تزال تعمل إلى اليوم.

وتشتهر إسلينغن أيضاً بقلعتها. فمنذ ما يقرب من 700 عام، تطل قلعة إسلينغن على هذه المدينة التاريخية الساحرة. وبينما كانت تمثل في السابق جزءاً من الجدار الدفاعي المحيطة بالمدينة، تحولت اليوم إلى معلم سياحي يتيح للمرء زيارته واستكشاف أبراجه وممراته وحجرات المدافع. كما تمتلك إسلينغن أيضاً تقاليد طويلة وشهرة واسعة في زراعة العنب تتخطى حدود المنطقة.

 

من بيت خشبي إلى شعار عالمي

أما "شورندورف" فهي تمثل مسقط رأس "غوتليب دايملر"، حيث ولد عام 1834 في بيت خشبي جميل. واليوم أصبح مسقط رأس دايملر، الذي استرجعته وجددته في وقت لاحق شركة "دايملر-بنز"، متحفاً ومركزاً للمؤتمرات. وهنا أيضاً تُعرض البطاقة البريدية الأسطورية التي أرسلها "غوتليب دايملر" إلى زوجته في عام 1872. وحدد عليها بعلامة النجمة المنزل الذي كان يسكنه في "كولون-دويتس" في ذلك الوقت، وكتب: "من هنا سيخرج نجم...". كان هذا الإيحاء الأول للنجمة التي أصبحت فيما بعد الشعار الرسمي لشركة تصنيع السيارات في شتوتغارت. ومن المقتنيات الأخرى التي يتضمنها المتحف دفتر الملاحظات الذي احتفظ دايملر به أثناء رحلته إلى روسيا.

وبالرغم من الإمكانات المتواضعة لسبل السفر، فإن سفره كان حافزاً إضافياً في روئيته الثورية حول: وسائل النقل المستقلة. إن أفكاره، التي يعتبر جميعها علامات بارزة في تاريخ التقنية الحديثة، تحققت بالتعاون مع "فيلهلم مايباخ" في ورشة العمل الخاصة به – وهي بيت أخضر في "باد كانشتات". واليوم يعتبر هذا المشغل في شارع "تاوبن هايمر شتراسه" الموقع التذكاري لـ "غوتليب دايملر". فجميع أنواع المحركات والأدوات التي استخدماها تستحضر روعة أعمال وأفكار هذين المبدعين. كما يمكن للمرء أيضاً أن يتعرف على اختراعات دايملر في معرض التكنولوجيا "غالاري فور تشنيك" في "شورندورف" إلى جانب إنجازات تكنولوجية أخرى.