متاحفها كعقد اللؤلؤ على ضفاف نهر الماين

فرانكفورت مدينة ساحرة مليئة بالتناقضات

بمجرد أن تصعد طائرة الـ "لوفتهانزا" المتوجهة إلى مدينة فرانكفورت الألمانية تكون قد دخلت أُولى محطات عالم الضيافة الألماني. قد تشد آذانك الكلمات الألمانية التي يرددها قائد الطائرة مرحباً بك، وقد يثير إعجابك مستوى الخدمات والعناية التي تلاقيها من طاقم الطائرة، وقد تستمتع بوجبة ساخنة لذيذة بينما تشاهد فيلماً ممتعاً، ولكن عليك أن تعرف أن كل ذلك لا يمثل إلا المحطة الأولى من محطات رحلتك الشيقة!

 

 

 

عالم من الخدمات السياحية

البعض منا قد يتصور أن فرانكفورت هي مدينة المال والأعمال فقط، فاسمها لابد أن يكون قد مر أمام عيني أي قارئ أو مشاهد عند متابعته لما تبثه وسائل الإعلام الدولية من معلومات عن سوق البورصة وأخبار البنوك وعالم المال والأعمال. والبعض الآخر يمكن أن يتصورها كمدينة ثقافية فقط، نظراً لشهرتها بمعرض الكتاب الدولي بالإضافة إلى أن ثالث أكبر أرض معارض في العالم يقع في قلب هذه المدينة.

أما من زارها وتجول في شوارعها فلابد أنه يعلم تماماً أنها مدينة تجمع الكثير من المعالم التاريخية والثقافية والفنية والعصرية، كما إنها تمثل وجهة مميزة للتسوق، بالإضافة إلى أنها تعتبر أيضاً ملاذ طبيعي قل نظيره. فهي تضع الزائر في أجواء المدينة العصرية بأبراجها وناطحات السحاب التي تزين أفقها، وفي نفس الوقت يستطع المرء مشياً على الأقدام أن يدخل عالم الطبيعة بأجوائه الهادئة ومناظره الساحرة، وبين هذا وذاك فإن وسط المدينة بشوارعه المشهورة يضعك أمام أسلوب حياة متفرد طابعه الرئيسي تنوع اللغات وتنوع الزائرين.

كل ذلك ستجده في ظل مستوى راق من الخدمات الكثيرة التي تدل على الاهتمام الكبير والمتواصل الذي تخصصه المدينة لزوارها. ففور وصولك إلى مطار فرانكفورت الدولي الذي يعتبر أكبر مطار شحن وثاني أكبر مطار ركاب في أوروبا، ستوقن أنك أمام خدمات مواصلات ذات خيارات متنوعة. فنظراً لارتفاع عدد  المسافرين فقد قامت المدينة بتخصيص الكثير من خدمات مواصلات التي تلبي جميع الاحتياجات، بحيث تضمن سهولة وسرعة تنقل الزوار. فهناك مثلاً العديد من المحطات التي تنتشر في المدينة، لاسيما محطة القطار الرئيسية التي تعتبر محور السكك الحديدية الألمانية، كما تقوم مئات القطارات بربط المدبنة بكافة الوجهات، بالإضافة إلى وجود الـ "ترام" الذي تم وضعه في خدمة المسافرين إلى محطات فرانكفورت وضواحيها، ناهيك عن خدمات محطات القطارات السريعة.

كل ذلك جعل من عملية التنقل في منتهى السهولة، كما بات السائح أو الزائر بغنى عن سيارة خاصة، وبالتالي فإنه من الملاحظ أن أعداد كبيرة من الزوار والسياح يقبلون غالباً على استخدام شبكة المواصلات العامة المحلية من حافلات ومترو الأنفاق والـ "ترام" وقطارات.

وكون المدينة سياحية بامتياز فقد قامت بتوفير الكثير من خدمات بيع التذاكر سواء عبر الإنترنت أو من خلال العديد من الأماكن وبواسطة الأجهزة المنتشرة في محطات المدينة، ليتمكن السياح من شراء التذاكر التي تتناسب مع كل منهم، سواء أكانوا أفراداً أم مجموعات، وبالتالي يتمكنون من التعرف على عاصمة الماين ومعالمها بكل بسهولة ويسر.

ويلاحظ أن هناك إقبال كبير من الزوار على شراء "بطاقة فرانكفورت" التي يمكن أن يستخدمها الراكب ليوم أو يومين مستفيداً من الكثير من خدمات المواصلات العامة، حيث تتميز هذه البطاقة التي تصدرها مؤسسة السياحة والمؤتمرات بأنها تتيح إمكانية الركوب مجاناً على خطوط هيئة نقل الراين الماين داخل المدينة بما في ذلك منطقة المطار، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تمنح حاملها فرصة الحصول على تخفيضات وخصومات عندما يرغب بدخول الحدائق أو المتاحف أو القيام بنزهات نهرية في نهري الموزل والراين.

ونظراً لأهمية الفن في فرانكفورت فقد تم توفير تذكرة ضفة المتاحف التي يستطيع السياح من خلالها زيارة المتاحف على امتداد يومين ولعدد غير محدود من مرات الدخول. ونفس هذه الفرص يمكن أن تصبح متاحة لمدة عام كامل إذا قام الزائر بشراء بطاقة ضفة المتاحف التي هي عبارة عن تذكرة سنوية يمكن الحصول عليها لدى المراكز الخاصة باستعلامات السياح. وهناك أيضاً تذكرة الاجتماعات والمتاحف التي تمكنك من دخول الكثير من المؤسسات الثقافية والمتاحف دون تكلفة إضافية.

ولا تقتصر خدمات التذاكر على ذلك فقط، بل تمتد لتجعل عملية تنقل منظمي الاجتماعات والمعارض والمؤتمرات غاية في السهولة، إذ أنه من خلال تذكرة الاجتماعات سيتمكن المرء من التنقل لمدة يوم كامل في فرانكفورت مستخدماً جميع الحافلات والـ "ترام" وقطارات الأنفاق "الـ مترو".

وبالابتعاد عن خدمات المواصلات والنقل، لدخول عالم الضيافة في فرانكفورت، تكون قد دخلت مدينة تزخر بأماكن المبيت، بل إن الخيارات التي تقدمها في هذا المجال تبدو وكأنه تم تجهيزها لتتناسب مع متطلبات واحتياجات كل زائر على حدا. فإذا أردت الإقامة في أحد الفنادق الراقية، فإنك ستجد أفضل المرافق والخدمات العالمية، وإذا كنت من الباحثين عن الفنادق ذات المستوى المتوسط التي تتناسب مع ما خصصته لرحلتك، فمن المؤكد أن مستوى الغرف وتعامل موظفي وعاملي الفندق سيوفر لك إقامة ممتعة، وفي حال كنت من محبي المناطق الريفية فسيكون أمامك فرصة دخول عالم من الهدوء والسكينة من خلال أماكن الإقامة هناك.

أما الشباب الذين يرغبون في توفير نفقات السكن، فيمكنهم التوجه إلى بيوت الشباب التي تتواجد على ضفة نهر الماين مباشرة. يضاف إلى ذلك وجود العديد من المعسكرات المخصصة للذين يعشقون المبيت بين أحضان الطبيعة الساحرة.

 

من نهر الثقافة إلى  قلب التاريخ!

بالتأكيد، فإنك تدرك الآن أن رحلتك في فرانكفورت ستكون غاية في السهولة، لذا فإذا كنت جاهزاً لبدء جولتك الاستكشافية، فما عليك إلا التوجه إلى نهر الماين الذي يرتبط باسم المدينة ويمنحها ألقاً متميزاً. هناك ستدخل إلى عالم آخر مفعم بأجواء النهر الساحرة وفي نفس الوقت يضم أبرز المعالم الثقافية في المدينة، حيث تنتشر المتاحف التي يبلغ عددها أحد عشر متحفاً على ضفتي نهر الماين لتبدو كعقد اللؤلؤ الجميل.. هذا المكان يسمى "ضفات المتاحف". ولكن حديثنا هنا يتركز فقط عن جانبي النهر، أما إذا ابتعدت قليلاً عن هذا المكان، فستجد أكثر من خمسين متحفاً ودار عرض. كما إن هناك عدد كبير من دور الأوبرا والمسارح الشهيرة مثل "دار أوبرا فرانكفورت" التي حصلت أكثر من مرة على لقب "دار أوبرا العام". ومن المسارح المشهورة أيضاً يمكننا ذكر مسرح "شاوشبيل فرانفكورت" الذي يتميز بما يقدمه من إنتاج خاص ومشترك يغني الحياة الثقافية. كما تقام في المدينة العديد من الحفلات الموسيقية والفعاليات والعروض المتنوعة. وهذا ليس بغريب، حيث أن تنوع وغنى الساحة الثفافية في فرانكفورت جعلها معروفة بسمتعها الدولية.

وبدخولك وسط المدينة، فإنك ستجد نفسك في قلب التاريخ! هناك ستشعر وكأن مدينة فرانكفورت تعمل على تنشيط ذاكرتك التاريخية دون عناء يذكر، فمن خلال التجول مشياً على الأقدام في أجواء تاريخية رائعة، ستستطيع التعرف على معالم وأماكن قيمة تحمل الكثير من الفائدة والمتعة. ستشاهد مثلاً مبنى بديعاً يسمى "هاوبت فاخه" الذي يمثل اليوم النقطة المركزية للمدينة. وستتمكن أيضاً من التعرف على مبنى دار الأوبرا القديمة" الذي يحظى بشهرة كبيرة.

كما يمكنك زيارة ميدان "رومربيرغ"، الذي تحيط به مبان ذات طراز تقليدي قديم، كما يوجد في وسط هذا الميدان نبع العدالة الذي كان يمثل قديماً المكان المفضل لأهالي مدينة فرانكفورت للاحتفال بتتويج القياصرة. أما اليوم فيطلق على كامل مبنى البلدية اسم "مبنى رومر"، ويقع فيه مقر البلدية منذ العام 1405، كما إنه يتوسط المباني الثلاثة التي تم تصميم واجهاتها على شكل أدراج.

وبالقرب من هذا الميدان، يقع المتحف التاريخي الذي يضم مجسماً كاملاً للمدينة القديمة قبل تعرضها للدمار. كما يضم المتحف رموز سلطة القيصرية الرومانية، مثل "تفاحة الرايخ" و"صولجان الحكم" وهي نسخ طبق الأصل عن هذه القطع التاريخية المحفوظة في فيينا. كما تقع بالقرب من المتحف كنيسة نيكولاي القديمة التي كانت منذ العام 1290 وحتى القرن 14 الكنيسة الخاصة بالبلاط القيصري.

وخلال جولتك هذه ستحظى بفرصة زيارة "الكاتدرائية" ذات الأبراج الشاهقة، وستتمكن أيضاً من دخول متحف الكاتدرائية الذي يضم كنوزاً أثرية قيمة. كما يمكنك التعرف على أقدم مصنع ومحل للأقمشة في فرانكفورت والذي يطلق عليه اسم "بيت الكتان"، بالإضافة إلى إمكانية دخول منزل غوته"، والتعرف على طبيعة الحياة التي كان يعيشها هذا الشاعر الألماني العظيم.

 

مدينة التناقضات الجذابة

من المعروف عن فرانكفورت أنها نموذج للمدينة الساحرة المليئة بالتناقضات. فخلال جولتك السياحية لن تتعرف فقط على المسارح والمعالم التاريخية والمعارض الموجودة فيها، بل ستتعرف أيضاً على الجانب العصري للمدينة. فمن المؤكد أن تصاميم الأبنية والأبراج سيتفت نظرك، ليس فقط بسبب علوها الشاهق، بل لأنها أصبحت جزءاً من الصورة العامة للمدينة، بحيث تمنح أفقها سحراً خاصاً. وإذا حولت نظرك عن ناطحات السحاب ودخلت شوارع المدينة المعروفة، فستجد أمامك عالم متنوع من المحال التجارية ومراكز التسوق، بالإضافة إلى ذلك فإنك ستحظى بفرصة تذوق أشهى المأكولات المحلية والعالمية التي تقدمها مختلف المطاعم والمقاهي المنتشرة في كل مكان في المدينة.

فعلى امتداد شوارعها تنتشر المحال التجارية والمطاعم والمقاهي بمختلف أنواعها، وبدخولك مثلاً شارع "بوكنهايمر الكبير" المعروف بشارع النهم "فرسغاس"، ستجد أعداداً كبيرة من الأهالي والزوار والسياح الذين يقبلون على تذوق المأكولات سواء العالمية أو المحلية، فهناك مثلاً العديد من الوجبات الشعبية اللذيذة الخاصة بالمدينة مثل "الحساء الأخضر" أو "فطيرة الجبنة بالموسيقى" أو السجق الفرانكفورتي" بالإضافة إلى مختلف الأطباق العالمية والتي تمثل مختلف الثقافات والدول. ومن الجدير بالذكر أن هذا الشارع يتحول في فصل الصيف إلى مكان مفعم بالفعاليات، حيث يمكنك الجلوس في أحد المقاهي المنتشرة على جنبات الطريق والتمتع بالأجواء الحيوية.

أما شارع "تسايل" فهو يعتبر من أكثر الشوارع التجارية نشاطاً في أوروبا، إذ يضم أشهر مراكز التسوق إلى جانب عدد كبير من المحلات المتخصصة التي تحتوي على مختلف البضائع والمنتجات. وبالقرب من ميدان "هاوبت فاخه" يقع "تسايل غاليري" الذي يضم بين جنباته العديد من المحال التجارية التي تستقطب أعداد كبيرة من المتسوقين، كما يوجد في أعلى المبنى منصة خاصة تمكن الزائر من التمتع بمشهد بانورامي رائع لأفق المدينة.

وفي شوارع فرانكفورت يمكن للمرء أن يجد كل ما يريد وبما يتناسب أيضاً مع ميزانيته، فمثلاً في شارع غوته الذي يبلغ طوله 400 متر ويعتبر بمثابة "الجادة الخامسة" لمدينة فرانكفورت، ستجد الكثير من المتاجر الراقية التي تعرض آخر ما توصل إليه مصممو الأزياء في العالم، بالإضافة إلى الإكسسوارات والحلي الثمينة وغير ذلك من المنتجات التجارية الراقية. بينما يمكنك التسوق بتكلفة أقل في الشوارع الملاصقة لشارع غوته، حيث يوجد العديد من المحال التي تعرض شتى أنواع البضائع ذات الأسعار غير المرتفعة نسبياً.

الحديث عن فرانكفورت لا ينتهي، فمدينة بهذا التنوع والغنى لابد أنها جعلت محبيها يحرصون على زيارتها باستمرار، لأنهم في كل زيارة يكتشفون أماكن لم تكن معروفة لديهم من قبل ويعيشون في كل مرة أجواء جديدة ذات نكهة خاصة مفعمة بالفرح والحيوية.