المستقبل للطاقات المتجددة!

كيف يمكننا أن نسد جوع إقتصادياتنا النامية للطاقة بعد عشرة أعوام وبعد عشرين عاماً وكذلك بعد ثلاثين عاماً أيضاً دون المساس أساساً بالسبل الطبيعية لمعيشتنا؟

هذه هي إحدى القضايا السياسية البارزة في مطلع القرن الحادي والعشرين، حيث بلغنا فعلاً حدود التحمل البيئي لكوكبنا. ونحن نعلم: إذا ما استمر بنا الحال هكذا على ما كان عليه، لا يمكن بعد ذلك وقف التغير المناخي، ولن نكون قادرين على الحد من ارتفاع مستوى البحر بشدة، ويصبح الجفاف مسألة وجودية لمناطق متزايدة في العالم. ولهذا فنحن في حاجة إلى تغيير جذري للنماذج ونقلة نوعية نحو اقتصاد مستدام. لهذا الشأن يجتمع السياسيون وكبار ممثلي الصناعة والعلوم والمجتمع المدني من كافة أنحاء العالم في هذه الأيام في أبوظبي: في الملتقى السنوي للوكالة العالمية للطاقات المتجددة، مؤتمر القمة العالمي لطاقة المستقبل، "أديريك" – لقد بدأ قبل بضعة سنوات في بون وهو اليوم أكبر المؤتمرات العالمية للطاقات المتجددة –  وغيرها من الفعاليات الأخرى في أسبوع أبوظبي للإستدامة.       

من المهم أن نتبين في تغيير النماذج الذي سوف يميز بين التدبير القديم والجديد للإقتصادات فرصة للنمو والإزدهار. نحن اليوم من الناحية التكنولوجية بالفعل في وضع يسمح لنا بالتعامل أكثر ذكاء وكفاءة مع الخامات والموارد مما كنا عليه في الماضي – وقادرون بهذا على خلق اقتصاد مستدام، يفصل نمو الإقتصاد عن إستهلاك الموارد، ويحمي بالتالي المناخ ويؤمن لنا أسس معيشتنا على هذا الكوكب.

الطاقات المتجددة هي مفتاح أساسي من أجل ضمان التزويد الآمن والنظيف مستقبلاً بالطاقة بأسعار معقولة، والمستقبل قبل كل شيء لطاقة الرياح والطاقة الشمسية. ويتضح للعيان حتى في يومنا هذا الإتجاه نحو "الإقتصاد الأخضر": فقد أُنشئت عام 2011م ولأول مرة في جميع أنحاء العالم محطات لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه ومنشآت الغاز العضوي أكثر من محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم. وقد اعتمدت حتى الآن 118 دولة أهدافأُ وطنية لمزيد من الطاقات المتجددة.

وأصبح في هذه الغضون أكثر من ثلاثة ونصف مليون من البشر يعملون في هذا المجال.  وهذا هو مجرد البداية فقط: فالآفاق المستقبلية مثيرة للإعجاب: عام 2050م يمكن للطاقات المتجددة وفقاً لحسابات التقرير الأخير من اللجنة الدولية للتغيرات المناخية أن تغطي 80% من الاحتياج عالمياً، بل وحتى  أضعاف ذلك من الناحية التقانية.  

وألمانيا تتقدم على هذا المسار. بحلول عام 2050 نحن نهدف للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 95%. وهذا يعني أن يستمد قطاع الكهرباء وحده ما لا يقل عن 80% من احتياجاته للطاقة من مصادر الطاقات المتجددة. ولكن هذا هو مجرد البداية فقط: نحن نريد تدفئة منازلنا بطريقة صديقة للبيئة، ونريد تزويد سياراتنا بوقود غير ضار بالمناخ وقبل كل شيء: نحن نريد التقدم إلى أبعاد جديدة كلياً لكفاءة الطاقة. هنا اتخذنا بعد خبرة الحادث المدمر لمفاعل يوكوشيما النووي وبصورة نهائية قرارنا ضد الطاقة النووية، لأننا على قناعة، أنه لا توجد أية تكنولوجيات تستحق تهديد سلامة الناس أساسياً في حالة الكارثة – وذلك عبر أجيال عديدة. لقد أُغلقت حتى يومنا هذا نصف المفاعلات النووية الألمانية، وسيتبعها جميع المفاعلات النووية الأخرى حتى عام 2020م.

نريد "بالتحول في سياسة الطاقة" أن نثبت أن الطاقة المتجددة اقتصادية يُركن إليها ويمكن أن تصبح العمود الفقري لموقع صناعي ريادي في العالم.

والتحدي هائل، لكنني واثق من أننا سوف نتغلب عليه، ونعزز مكانتنا باعتبارنا بلداً صناعياً رائداً في العالم أكثر مما نحن عليه اليوم. إن شركاتنا وجامعاتنا ومؤسسات البحوث عندنا في طريقها لتطوير أحدث تقنيات الشبكة وتعمل على سبل ابتكارية للغاية للسيطرة على الاستهلاك والإنتاج وتتفنن في إيجاد طرق جديدة لتخزين الكهرباء. قطاع صناعة السيارات في ألمانيا يعتمد على مرونة التنقل كهربائياً وقطاع البناء يصمم مباني تنتج من الكهرباء أكثر مما تستهلك. إن ألمانيا بالتحول في سياسة الطاقة قد فتحت الباب أمام حقبة تأسيس جديدة. الشبيبة تبحث في هذا المجال عن مستقبلها المهني. قلما توجد صناعة أخرى تتطلع هكذا إلى المستقبل ولها هذه الجاذبية مثل التزويد المستدام بالطاقة. هذا وحده يدل على أن التحول في سياسة الطاقة هو أكثر بكثير من مجرد مشروع بيئي، إنه واحد من أهم مشاريع المستقبل الحاسمة بالنسبة لموقع الإقتصاد ألمانيا.

لكنني أود أيضاً أن أدفع بتطوير مصادر الطاقات المتجددة إلى الأمام في كافة أنحاء العالم. ولذلك أنا أؤيد IRENA، وبالتالي أنا وجهت الدعوة الآن للزميلات والزملاء لتأسيس تحالف عالمي للطاقات المتجددة، يرفع موضوع التزويد بالطاقة المستدامة إلى رأس جدول الأعمال السياسي. المستقبل للطاقات المتجددة! علينا أن نكون متفائلين: نظراً لارتفاع زخم التطور التكنولوجي فإننا مازلنا لا نعرف ما هو الممكن في المستقبل من خلال الابتكارات. ونحن نبيّن مع كل ابتكار أن هناك بديلاً لـ "دائماً هكذا". فالمستقبل للوحدة بين الإقتصاد والأوكولوجيا.

 

بقلم: بيتر ألتماير، وزير البيئة الألماني