يعد الأقوى في أوروبا

روح المبادرة والابتكار والتقنيات الحديثة تحافظ على قوة الاقتصاد الألماني

يعد الاقتصاد الألماني أقوى اقتصاد في أوروبا. ويشكل التصدير في ألمانيا قاعدة أساسية لعدد كبير جداً من الوظائف، فمن المعروف عنها شهرتها وريادتها في صناعة السيارات والآلات، وتواجد شركاتها في موقع ممتاز في مجالات الطب والتقنيات النانوية والليزر، ودعمها للبحوث العلمية وتوثيق العلاقة بين الصناعة والعلم مع السعي إلى التوجه إلى المستقبل بخطى واثقة.

 

 

تعتبر ألمانيا أيضاً محركاً للتكنولوجيا في قارة أوروبا، وهي تتصدر لائحة جدول براءات الاختراع المتعلقة بالأسواق الدولية. كما تتمتع ألمانيا أيضاً بنظام مصرفي قوي. وإلى جانب الشركات الألمانية الكبيرة، تشكل الشركات ذات الحجم المتوسط جوهر الاقتصاد الألماني، فمن المعروف أن أهم خصائص الاقتصاد الألماني وأكثرها ثقلاً يتمثل في الشركات متوسطة الحجم، والتي وصلت إلى مقاييس عالمية من حيث الابتكار والمرونة والجودة. ويتصف العديد من هذه الشركات ذات الحجم المتوسط بريادته في مجال عمله وتخصصه وبسمعة عالمية طيبة. كما استطاعت ألمانيا كسب مكانة في المنافسة العالمية في مجال تكاليف العمل، فالمستثمرون يستفيدون من الخبرة والتأهيل القوي للأيدي العاملة والتي تنعكس على الإنتاجية.

وبنظرة سريعة على مقومات الاقتصاد الألماني والأحداث والتطورات التي شهدها ومر بها، نلاحظ أن روح المبادرة والابتكار والتقنيات الحديثة ستعلب دوراً عظيماً في المحافظة على قوة هذا الاقتصاد وتطويره بشكل دائم. وهنا لا يمكننا إغفال المراحل التاريخية التي مرت بها ألمانيا قبل أن تصل إلى ما هي عليه اليوم. فعلى الرغم من الفترات العصيبة التي عاشها الاقتصاد الألماني في الماضي، إلا أنه كان يجتاز الأزمات بتصميم كبير ويخلق النجاح تلو الآخر. فبعد الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) تأثرت ألمانيا، كغيرها من الدول الصناعية، بمرحلة الكساد الاقتصادي الكبير التي سادت وقتها، إلا أنها اجتازت الأزمة بنجاح، وذلك بفضل إنتاجها الضخم من الحديد وتنوع الاستثمارات الأجنبية فيها.

أما عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، فقد قسّمت ألمانيا إلى أربعة مناطق هي ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية ومقاطعة السار ومقاطعة الرور، وقام الحلفاء بعدها بتسريح الجيش الألماني وإغلاق جميع المصانع الداعمة للصناعات الحربية، الأمر الذي أدى إلى تدمير جميع إمكانيات ألمانيا الصناعية والمتمثلة بإنتاج السفن والطائرات، في حين أرغمت الخطة الاقتصادية الأولى، التي وقعها الحلفاء في 29 مارس 1946، ألمانيا، على تخفيض صناعتها الثقيلة بنسبة 50% قياساً بمستوياتها في عام 1938، ونتيجة لذلك تحدد إنتاج ألمانيا من الحديد بمقدار 5.8 مليون طن سنوياً والتي تعادل 25% من طاقة ألمانيا الإنتاجية من الحديد.

وكانت الخطوة التي قامت بها ألمانيا في عام 1951، بموافقتها على المشاركة في الإتحاد الأوربي للفحم والحديد، إيذاناً برفع القيود على القدرات الصناعية والإنتاج الفعلي المفروض على ألمانيا من قبل السلطة الدولية، وأعيدت منطقة الرور إلى الحكومة الألمانية في الأول من كانون الثاني عام 1957، بيد أن فرنسا استبقت لنفسها حق استخراج الفحم حتى عام 1981.

ومن اللافت أنه لم يكن لإخفاق ألمانيا في الحرب تأثير كبير عليها، إذ نجحت في حماية صناعاتها المحلية والاستثمارات الأجنبية فيها، كما استفاد الشعب في ألمانيا الغربية من قانون إصلاح العملة لعام 1948م وما يعرف بـ "خطة مارشال"، ليحقق أسرع نمو اقتصادي في العالم مع مطلع الخمسينيات، وسميت هذه المرحلة بـ "المعجزة الاقتصادية" والتي شهدت ارتفاع الإنتاج الصناعي بنسبة 38%، كما تجاوز الإنتاج الزراعي نسب الإنتاج في فترة ما قبل الحرب.

وببناء جدار برلين في العام 1961 تم تقسيم ألمانيا إلى جمهوريتين، الأولى: جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية (ألمانيا الشرقية) والثانية: جمهورية ألمانيا الإتحادية (ألمانيا الغربية). ورغم كل ما مثله هذا الجدار من تفرقة، إلا أن انهياره في عام 1989 شكل منعطفاً هاماً في تاريخ البشرية بالكامل، فقد سجل هذا الحدث نهاية حقبة تخللتها أكثر الصراعات دموية وتعقيداً في العالم، بدءاً بالحرب العالمية الثانية وتقسيم ألمانيا إلى مناطق نفوذ لدول الحلفاء المنتصرة في تلك الحرب وانتهاءً باستعار الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي الشرقي والرأسمالي الغربي.

وفي 3 أكتوبر من عام 1990م، تشكلت "جمهورية ألمانيا الاتحادية"، وذلك بانضمام ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية، حيث تعتبر ألمانيا الموحدة اليوم إحدى أقوى الدول الأوروبية. ويمكن القول إن الوحدة ساهمت وبدون أدنى شك في زيادة  ثقل ألمانيا على الساحة السياسية الدولية وحررتها من الكثير من القيود التي فرضتها الحرب الباردة، ولكن في نفس الوقت فإن توحيد الألمانيتين شكل عبئاً ثقيلاً على اقتصاد البلد!

وعلى الرغم من كل ذلك، فقد عاد الاقتصاد الألماني تدريجياً إلى العمل بكامل طاقته، لا سيما مع قيام الحكومة الألمانية بإصلاح بعض القوانين والتشريعات المنظمة للأنشطة التجارية والصناعية في البلد. ولعل "أجندة 2010"، وهو البرنامج الذي وضعه المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر لإصلاح الاقتصاد والنظام الضريبي والاجتماعي والصحي، عن طريق خفض الضرائب على الشركات وتقليل أعباء الدولة المالية في المجالين الاجتماعي والصحي، يعتبر أحد أشهر البرامج الإصلاحية التي طبقتها الحكومة الألمانية.

وبفضل قدرة الابتكار الألمانية وروح المبادرة التي يتمتع بها الاقتصاد الألماني، فإن الكثير من الخبراء أشاروا إلى أن ألمانيا كانت الأفضل بين بقية الدول الأوروبية على مواجهة الأزمة العالمية.