خريفها كان ذهبياً!

شتاء هامبورغ.. أجواء بحرية رومانسية ونفحات تاريخية ساحرة

لقد حطم الصيف في هامبورغ كل الأرقام القياسية، واليوم يتبعه خريف ذهبي لنمو السياحة في هامبورغ: مع تسجيل 975.261 ليلة مبيت (زيادة بنسبة 11,3 في المئة) كاد أن يحطم شهر سبتمبر حاجز المليون ليلة، الذي تم تحطيمه في شهر يوليو وكذلك في شهر أغسطس. وبذلك سجلت السياحة في هامبورغ نمواً للشهر 42 على التوالي.

 

معدلات نمو لافتة

في شهر سبتمبر 2012 جاء 507.206 ضيفاً إلى مدينة هامبورغ، بزيادة قدرها 10,5 في المئة مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي. جاء غالبية الضيوف من داخل البلاد: 391.153 زائراً (زيادة بنسبة 7,5 في المئة) وقضوا في هامبورغ 738.004 ليلة (زيادة بنسبة 10 في المئة).

ولكن أعلى معدلات النمو تم تسجيلها من قبل الزوار القادمين من الخارج: 116.053 ضيفاً قضوا 237.257 ليلة في هامبورغ، أي زيادة كبيرة بنحو (21,9 في المئة)، و(15,7 في المئة) مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي.

في الفترة من يناير إلى سبتمبر جاء إلى هامبورغ أكثر من 4,2 مليون ضيف قضوا خلالها حوالي 8 مليون ليلة في هامبورغ، وبذلك سجلت صناعة السياحة في هامبورغ نمواً بلغ (10,4 في المئة)، و(10,8 في المئة) مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي. وهنا أيضاً يُظهر الطلب الأجنبي نمواً مستمراً، بتسجيل زيادة بنسبة (18,1 في المئة) فيما يتعلق بأعداد الضيوف وبنسبة (16,3 في المئة) فيما يتعلق بعدد ليالي المبيت.

وفي المقارنة مع قطاع السياحة في ألمانيا بشكل عام يتبين التالي: بينما بلغ النمو الإجمالي لعدد ليالي المبيت في الجمهورية الإتحادية الألمانية (4 في المئة)، استطاعت هامبورغ خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر تسجيل نمو بنسبة (10,8 في المئة). وبالمقارنة مع المدن الساحرة تحتل هامبورغ بهذا النمو المركز الثالث خلف لايبزغ (زيادة بنسبة 18,4 في المئة) وبرلين (زيادة بنسبة 11,6 في المئة)، ولكنها تسبق ميونخ (زيادة بنسبة 4,8 في المئة) ودريسدن (زيادة بنسبة 4,6 في المئة).

كان الطلب الخارجي أيضاً في سبتمبر 2012 محركاً للنمو مرة أخرى لصناعة السياحة في هامبورغ. اللافت بشكل خاص هو: ارتفاع أعداد الضيوف القادمين من دول الخليج العربي بنسبة (109,3 في المئة)، أي ضعف عدد الضيوف مقارنة بالعام السابق.

 

البوابة إلى العالم

وتستقطب هامبورغ السياح من كافة أرجاء العالم، لما تتميز به هذه المدينة من جاذبية خاصة. فعلى الرغم من وجود الكثير من المدن التي تتمتع بميناء جميل، إلا أن ميناء هامبورغ مختلف ومتفرد، لاسيما أنه يقع في قلب المدينة. فنهر الإلبه والميناء يمثلان شريانها الاقتصادي كما يضفيان على الحياة فيها جواً بحرياً فريداً من نوعه. ولكن ميناء هامبورغ لا يقصتر على كونه القوة الدافعة وراء تطوير هامبورغ أو مجرد عامل اقتصادي، بل يمثل مصدراً كبيراً للجذب السياحي. ومن خلال هذه الواجهة البحرية، تعتبر هامبورغ بلا منازع منفذ الرحلات البحرية في ألمانيا.

إن أفضل وسيلة لاستكشاف الميناء هي بالتأكيد من خلال رحلة بواسطة القارب ذهاباً وإياباً. وبشكل عام، فإنه عند قيامك بجولات سياحية مائية في الميناء أو زيارة إحدى السفن-المتحف الأسطورية، فمن المؤكد أنك سوف تستشعر أجواء الماضي والبلاد البعيدة وسوف تتعرف عن قرب على أسباب إطلاق لقب "البوابة إلى العالم" على مدينة هامبورغ!

وفي حين أن مشهد عمليات رسو وانطلاق السفن وتحميل وتفريغ البضائع في ميناء هامبورغ يتصف بالروعة، فإن الميناء يضم أيضاً مرافق ثقافية وترفيهية راسخة. فمدينة المستودعات التاريخية (شبايشر شتادت) مثلاً تعتبر موطناً للعديد من المتاحف ومراكز الترفيه المختلفة.

 

جسور وقنوات رومانسية ونفحات تاريخية

تعد منازل التجار البديعة على ضفتي نهر الإلبه ومجمع (شبايشر شتادت) التاريخي الضخم شهادة على تاريخ مدينة هامبورغ الحرة الهانزية. فمدينة المخازن التاريخية التي يمتد عمرها إلى أكثر من 100 عام، ستجعلك تعيش أجواءً ذات نكهة خاصة. ويعتبر هذا المجمع التاريخي أكبر مجمع لمخازن السلع في العالم، حيث يتم هنا تخزين بضائع ذات قيمة عالية كالشاي والكاكاو والقهوة والتوابل والتبغ بالإضافة إلى العديد من المنتجات الأخرى، كما يوجد فيها أكبر مخزن للسجاد الشرقي في العالم. وخلف الحائط الضخم لمدينة المخازن يمكنك أن تتمتع بجو رومانسي بين قنوات المياه الجارية وأبنية العصر الغوطي والسطوح الموشورية والأبراج الغريبة الشكل. وبالطبع، فإن المنظر يصبح أكثر رومانسيةً في ساعة الغروب.

إن مدينة هامبورغ الواقعة على الماء لا تُضاهى وتتميز بطابع فريد. فهناك تقريباً 2500 جسر، أي أكثر بكثير من أمستردام ولندن والبندقية مجتمعة، تمتد فوق القنوات المائية التي لا حصر لها بين أنهار "إلبه"، "ألستر" و"بيله". كما تساهم الأجواء البحرية والهواء النقي والانفتاح الهانزي على العالم في جعل هامبورغ أفضل مدينة في العالم بالنسبة للكثيرين.

وقد تم حصر مياه وادي الألستر الصغير وروافده الأصغر منذ القرن الثالث عشر لتكوّن بحيرة الـ (ألستر) التي هي اليوم إحدى مناطق الإلتقاء المفضّلة لأهل هامبورغ وزوارها. فمنظر المدينة اليوم يبدأ من بحيرة الألستر الداخلية وجسر "لومباردس بروكه" باتجاه "يونغفيرن شتيغ"، مع العديد من الأبراج التي تزين الخلفية. وبمساحة تبلغ 164 هكتار، وبنوك تمتد على مسافة سبعة كيلومترات. وتمثل بحيرة الألستر الخارجية بدورها مكاناً شعبياً لركوب القوارب الشراعية وزوارق التجديف. وتعتبر الحدائق المحيطة بها مكاناً مثالياً للجري والمشي. ويقدم أسطول سفن الألستر السياحي "الأسطول الأبيض" رحلات ذهاباً وإياباً وخدمات مجدولة.

وتقوم هامبورغ بإعادة اختراع نفسها.. فهي تقتنص فرصة فريدة للنمو في وسط المدينة بحوالي 40 في المئة من خلال مشروع "مدينة الميناء" (هافن سيتي)، الذي يعتبر أكبر مشاريع التنمية الحضرية في أوروبا، فهو يُبنى على مساحة 157 هكتاراً كانت تُستخدم في السابق للميناء. يقع هذا الحي الجديد من االمدينة مباشرة على نهر الإلبه والميناء، حيث يتم إنشاؤه ليقدم مزيجاً فريداً من الثقافة والترفيه، الحياة والعمل، التسوق والطعام.. وتقع حدائقه وأماكنه العامة ومتنزهاته ومناظره وإطلالاته على المياه. وبالفعل، تم إنجاز الأقسام الأولى من الحي الجديد، حيث يعيش حالياً في (هافن سيتي) أكثر من 1500 شخص وحوالي 7200 شخص يعملون هناك (مارس 2010). وبحلول عام 2020 سيكون هناك حوالي 45 ألف وظيفة، وسيعيش حوالي 12 ألف شخص في حي (هافن سيتي). هذه المنطقة الجديدة من المدينة والمؤسسات الثقافية المزمع إنشاؤها ستجذب أيضاً حوالي 3 ملايين زائر سنوياً.

 

مرح على الجليد

يضفي الشتاء القارص سحراً خاصاً على مدينة هامبورغ. وبفضل بحيرة الألستر المتجمدة، قامت هامبورغ في شهر فبراير 2012، لأول مرة خلال الـ 15 سنة الماضية، بتنظيم حفلتها الشتوية الشهيرة (مرح على الجليد) فوق بحيرة الألستر الخارجية المتواجدة وسط المدينة، حيث شارك حوالي مليون زائر في إحدى عطلات نهاية الأسبوع بالاحتفال بهذا المهرجان الشتوي الشعبي، الذي يعد الأكبر من نوعه في ألمانيا.

وكانت السُلطات في هامبورغ قد أعطت الضوء الأخضر لانطلاق مهرجان (مرح على الجليد)، بعد أن بلغت سماكة الغطاء الجليدي لبحيرة الألستر الخارجية، 22 سم، وهو ما كان كافياً لإحياء هذا المهرجان المحبوب فوق بحيرة الألستر.

ولم تقتصر متعة الجليد على أهل هامبورغ وزوارها فقط، بل طالت أيضاً الجانب الرياضي، حيث قام فريق هوكي الجليد في هامبورغ (هامبورغ فريزرس) باستغلال هذه الفرصة بعد السماح بدخول السطح الجليدي، ليجري تدريبات الفريق فوق بحيرة الألستر الخارجية، وذلك للمرة الأولى في تاريخه. فأمام أعين حشود كبيرة من المتفرجين اجتاح 16 لاعباً محترفاً ملعب هوكي الجليد الخالي من الثلوج وانطلقوا باللعب.

كما تحولت عبارة "ارتدي ملابس سميكة وانطلق فوق الجليد" عنواناً لتلك الفترة بالنسبة للكثيرين من سكان هامبورغ. وقد تم دعم ذلك بقوة من قبل العديد من أكشاك البيع المنتشرة على طول ضفاف بحيرة الألستر التي تقدم المشروبات الساخنة والوجبات الخفيفة. وبالنسبة لأقوياء القلوب، فقد تم بناء ساونا متحركة مع بركة غطس في الهواء الطلق فوق مروج الألستر. وعلاوة على ذلك، أُتيحت الفرصة أمام عشاق الألعاب والرياضة للقيام بممارسة اللعبة الرياضية الشتوية التي تُعرف باسم (هيومان كيرلنغ) والتي تتمثل في التزحلق على الجليد باستخدام إطارات السيارات.

 

الرفاهية "صُنعت في هامبورغ"!

وتزخر هامبورغ بالأروقة الأنيقة، وشوارع التسوق المشهورة. ويمثل موقعها في حد ذاته الرفاهية اللامتناهية، لاسيما مع وجود بحيرة خلابة في قلب المدينة. وتحتضن هامبورغ أيضاً أحد أضخم الشوارع في العالم: "إلب شوسزيه"، الذي يمتد عبر ضواحي "أورتمارشن"، "نينستيدن" و"بلانكنيزه"، الواقعة على ضفاف النهر. كما أن الرفاهية في هامبورغ لاتعني الغلاء، بل تدل على التفرد والتميز، فهذه المدينة مفعمة بالجاذبية، تماما كسكانها.

عندما تقومون بنزهة تسوق في هامبورغ، ستكتشفون أنها تتميز بشبكة من مراكز التسوق الرائعة الواقعة في قلب المدينة، ولكل واحد من هذه المراكز جمال خاص ورونق ساحر. ونظراً لقربها من بعضها البعض، يصبح بإمكانكم المرور في مركز المدينة بأكمله دون الحاجة لاستخدام المظلة!

 يمكن لعشاق التسوق العثور على المتاجر والمعارض الرائدة في مراكز مثل: "بلايشينهوف"، "غاليريا"، "هامبورغ هوف" و"غانزه ماركت". أما "ألستر أركادن" فيعتبر أصغر وأعرق أروقة هامبورع، حيث يشكل مع رواق "مليين" نقطة وصل إلى جادة "نوير فال". وتشكل الزخرفة الخلابة والسقوف المزينة بالرسوم تجربة تسوق ممتعة لكل زوار وضيوف المدينة.

وخلال فصل الشتاء، يمكن مشاهدة شجرة عيد الميلاد في بحيرة الألستر الداخلية وكذلك مبنى دار البلدية المزيّن بالأضواء، من خلف الأعمدة الفينيسية لمقاهي هامبورغ.

ويمكنكم التجول عبر الرواق الحي الهانزي التاريخي "هانزه فيرتل"، فهو يمثل مجمعاً مذهلاً للتسوق مبني من الحجر ويمتد على مساحة 9000 متر مربع تحت سقف زجاجي على شكل قبة.

ومن المباني التاريخية الأخرى التي تحولت إلى جنة تسوق، يبرز مبنى "كاوفمانسهاوس"، حيث كان تجار هامبورغ في القدم يديرون إمبراطوريتهم التجارية العالمية. هذا المثال النموذجي الهامبورغي على الهندسة المعمارية لمرحلة التأسيس "غروندر تسايت"، أُعيد افتتاحه في عام 1911 بعد أعمال ترميم شاملة. وهناك أيضاً مبنى "ليفانته هاوس" في شارع "مونكيبيرغ شتراسه"، حيث يعد موطناً لأكثر من 40 متجراً جذاباً وأنيقاً.

أما حي "كارولينن فيرتل"، أو كما يُسمى محلياً "كارو فيرتل"، فهو مناسب لأولئك الذين يتجنبون الماركات العصرية لصالح المصممين الشباب الذين يبتكرون تصاميم خاصة بهم. وقد وصل العديد من هذه الماركات إلى الشهرة والعالمية. فالكثير من رموز الموضة يقومون بالتسوق من متاجر هذا الحي، ليحصلوا على أزياء تعد خصيصاً بناءً على الطلب. وعلى الرغم من أن ملابس الكشمير والصوف هي المفضلة، إلا أن المصممين يقدمون لحسن الحظ أيضاً إبداعات أكثر غرابة.

وبدوره، يعد شارع "نوير فال" بمثابة شانزليزيه مدينة هامبورغ. وعلى الرغم من أن طوله ليس بطول تلك الجادة الباريسية، إلا أنه يعتبر واحداً من أفخم عشرة شوارع تسوق في أوروبا. فهنا تجد المتاجر الرائدة لمصممي الأزياء الواحد تلو الآخر.

وفي حي "سانت باولي" الشهير، تسري أيضاً نزعة إلى الفخامة، تحديداً الأحذية الفاخرة الفريدة، المثيرة، والرائعة جداً، التي تجذب أنظار السيدات والمشاهير ومحبي الموضة والتألق.

 

سوق السمك وقاعة المزاد العلني

ولا تكتمل زيارة هامبورغ دون زيارة سوق السمك التقليدي التاريخي (فيش ماركت) إذ تسير الحشود صباح أيام الآحاد (من الساعة 5 صباحاً إلى 9:30 مساءً) في الممرات الضيقة. فمنذ عام 1703 يُباع هناكل ما بخطر على البال، بحيث يمكن الحصول على شتّى البضائع. ومن التجارب الرائعة للذين يستيقظون باكراً هو تناول الفطور على أنغام الموسيقى الحية تحت سقف قاعة المزاد العلني التي يبلغ عمرها أكثر 100 عام ويرتبط اسمها تاريخياً بالسمك.