عاصمة الإبداع والخضرة

برلين.. أسطورة مدينة ترمز إلى الحرية والعالمية

رموز تاريخية ومعالم سياحية

شهدت برلين مراحل تاريخية مختلفة ابتداءاً من تأسيسها ومروراً بالمناداة بها عاصمة لدولة بروسيا وبالفصل المظلم في عهد الرايخ الثالث وبالتقسيم ثم بعودة الوحدة الألمانية في 3 أكتوبر من العالم 1990. ومازالت تماثيل وشوارع وميادين كثيرة منتشرة في المدينة تشهد على تفرد ماضي برلين وديناميكيته. فبوابة "براندنبورغ" التاريخية، التي كانت رمزاً لعهد الانقسام الذي شهدته برلين، تمثل اليوم رمزاً للوحدة ومحطة مهمة لجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.

وبدورها تعد "نقطة التفتيش شارلي" واحداً من المعالم السياحة الشهيرة في برلين وشاهداً تذكارياً على انقسام ألمانيا إلى دولتين (شرقية وغربية)، حيث يمكن للمرء أن يستشعر في هذا المكان أجواء الحرب الباردة أكثر من أي مكان آخر في العالم.

وتزخر برلين بالعديد من الأماكن والمعالم الأخرى التي تستقطب السياح، كالحي الحكومي الذي يوجد فيه مكتب المستشارية والبرلمان الألماني الـ "بوندستاغ"، الذي يمكن للزائر أن يتجول في قبته. أما "عمود النصر" الذي يعلوه تمثال ذهبي لآلهة النصر فيكتوريا، فيبرز كمعلم سياحي لا يمكن إضاعة عنوانه.

كما تنتمي ساحة "جندارمن ماركت" بكل تأكيد إلى أجمل الأماكن في العاصمة الألمانية، حيث توجد فيها: الكاتدرائية الألمانية، الكاتدرائية الفرنسية، وبيت الحفلات "كونتسرت هاوس". أما كنيسة القيصر فيلهلم التذكارية الواقعة في شارع "كورفورستندام" الشهير، فتعتبر رمزاً لنهوض برلين من تحت الأنقاض، إذ أنها تعرضت لأضرار بالغة خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يبق منها إلا بقايا البرج الذي يُعرف بـ "هولار تسان" أي السن المجوف، ويتصف تصميمها الداخلي بالروعة، حيث زُين بالفسيفساء الجميلة واللوحات الجدارية. وتعتبر "كاتدرائية برلين" أيضاً من المعالم البارزة في المدينة. أما حي نيكولاي فهو يعتبر أقدم حي في برلين، ويحظى المرء فيه بمشاهدة كنيسة نيكولاي التي بُنيت في القرن الثالث عشر.

وهناك شواهد أخرى على ماضي برلين التليد تتمثل في قصورها الرائعة التي تعتبر نموذجاً للبهاء والفخامة. ومن بين هذه القصور نذكر قصر "شارلوتنبورغ" الذي كان في الماضي المقر الصيفي للملكة صوفي شارلوته. ويحيط بهذا القصر القصر البديع حديقة غناء ذات تنسيق جميل على طراز الباروك. وفي حي "تير غارتن" في قلب المدينة يقع قصر "بلفوه" الفخم الذي يستعمل كمقر لرئيس الجمهورية الألمانية.

 

برلين تتنفس فناً

وبهذه السمات التاريخية المتنوعة التي لا تملكها أي مدينة أخرى، فإن العاصمة الألمانية تخلب الألباب وتدهش زوارها الذين يفدون إليها من كافة أنحاء العالم، خصوصاً أنها تقدم عروضاً ثقافية لا مثيل لها في العالم وجواً يتصف بالإثارة والحيوية ونبض الشباب. ويمكننا القول إنها تتنفس فناً، إذ أنه لم ينشأ فيها خلال السنوات الأخيرة ساحة فنية فحسب، بل تم الحفاظ أيضاً على طبيعة متاحفها الفريدة من نوعها والتي وتم تطويرها بسرعة مدهشة. وهنا تبرز "جزيرة المتاحف" المشهورة عالمياً والتي أعلنتها اليونسكو في عام 1999 جزءاً من تراث العالم الثقافي، حيث تضم هذه الجزيرة الواقعة على نهر "شبريه" خمسة متاحف تحتضن بين جدرانها مقتنيات أثرية وفنية ثمينة. فمثلاً يجذب البناء الضخم المستدير لـ"المتحف القديم" الزوار بما يحتويه من مقتنيات العهود القديمة التي تعود لألفية سابقة. أما "المتحف الجديد"، الذي تم افتتاحه مؤخراً بعد انتهاء أعمال الترميم، فيعتبر من المراكز الجديدة لاجتذاب الزوار والسياح، حيث تضم جدرانه المهيبة كنوز مصر القديمة الساحرة. ولا يجوز أن يفوت المرء فرصة اللقاء مع التمثال النصفي لـ "نفرتيتي"، التي تعتبر نجمة جزيرة المتاحف. وتنتشر في "المعرض الوطني القديم" رسومات شهيرة على المستوى العالمي لفنانين من أمثال الرومانسي المعروف كاسبار دافيد فريدريش. وفي الخارج تتوفر فرصة للراحة والاسترخاء في الطبيعة في "حديقة المتعة" "لوست غارتن" التي تمثل واحة صغيرة خضراء تنتشر فيها النوافير ومقاعد الجلوس. وعند ذروة الجزيرة يعكس سطح مياه نهر شبريه صورة "متحف بوده"، الذي يزخر بالكثير من كنوز الفن العائدة إلى مختلف العصور، إلا أن المعروضات الأكثر شهرة فيه تتمثل في مجموعة القطع النقدية التي تعتبر واحدة من أثمن نظيراتها في العالم. أما "متحف برغامون" فقد بني خصيصاً من أجل "مذبح برغامون" الذي يزيد عمره على 2000 سنة، وهو بمثابة تذكار يتكون من آلاف القطع المرصوفة إلى جانب بعضها البعض. ويعتبر هذا المذبح المعلم الأكبر والأكثر اجتذاباً للزوار في جزيرة المتاحف.

ولا يقتصر وجود المجموعات الفنية الفريدة من نوعها على متاحف هذه الجزيرة، بل يتعداها إلى المتاحف الأخرى التي يصل عددها إلى أكثر من 170 متحفاً. فرواق الفن الواقع بالقرب من جدار برلين والذي يسمى معرض "ايست سايد غاليري" يعد أكبر معرض فن مفتوح في العالم. كما يعتبر ميدان "بوتسدامر بلاتس" الذ يمثل وسط المدينة الجديد، مركزاً للفنون الجميلة ومنبراً للثقافة.

وتقدم مسارح برلين أيضاً عروضاً فريدة من نوعها وتتميز برامج الموسيقى في المدينة بوجود العديد من الفرق السيمفونية الشهيرة مثل أوركسترا الفلهارموني ذائعة الصيت، ودور الأوبرا الشهيرة. وإضافة إلى ذلك تزدهر في برلين ثقافة التسلية الخفيفة. كما تستضيف المدينة على مدار العام الكثير من المهرجانات والفعاليات المهمة، كمهرجان "برليناله" الذي يعد من أشهر المهرجانات السينمائية على مستوى العالم.

 

عاصمة الموضة والتسوق

كما تحولت هذه المدينة المفعمة بالتاريخ والأجواء الثقافية والفنية، إلى عاصمة عالمية للموضة والتسوق. وازدادت أهميتها كمدينة مستضيفة للمعارض المختصة بالأزياء التي يحرص نجوم هوليود على التواجد فيها، بل إن الكثير من الممثلين والمبدعين والمصممين أصبح يقصدها سواء للزيارة أو للعيش فيها، خصوصاً أنها غير مكلفة بالنسبة لهم مقارنة بقريناتها من المدن العالمية الأخرى، ناهيك طبعاً عما تمثله برلين من رمز للحرية والعالمية ووجهة جذابة للشباب وملهمة للمبدعين القادمين من جميع أنحاء العالم.

وتجتذب برلين السياح الدوليين ومن بينهم العديد من الزوار العرب القادمين من منطقة الخليج، وذلك لما تقدمه متاجرها ومراكزها من فرص تسوق متنوعة وفريدة: ابتداءاً من الأزياء باهظة الثمن التي تحمل بصمات أشهر المصممين العالميين، مروراً بالاتجاهات العصرية والشبابية والغريبة، ووصولاً إلى الأسواق القديمة ومحلات التحف والهدايا وغير ذلك. ففي شارع "فريدريش شتراسه" يتواجد العديد من الأزقة والأروقة والمراكز التجارية التي تعرض أحدث خطوط الموضة الراقية والمترفة المسطرة بأيدي أشهر المصممين الدوليين، كما يدخل المرء هنا في أجواء الفن الرائعة لاسيما مع تواجد متاجر ذات صيت واسع وهندسة معمارية جميلة وإضاءة ساحرة.

وبدوره يزخر شارع "كورفورستندام" أو كما يطلق عليها "كودام"، بالعديد من متاجر الأزياء الشعبية الشهيرة، ويتميز بأجوائه العالمية المثيرة، بحيث يعتبر اليوم من الأماكن التي لا تعرف الراحة أبداً. كما يمثل شارع "تاونتسين شتراسه" الممتد من "كودام" مكاناً رائعاً للتسوق، ليس فقط لتنوع أساليب التصاميم فيه، بل لتنوع الأسعار أيضاً.

وبالإضافة إلى ذلك، تزخر برلين بالمتاجر الكبيرة ومراكز التسوق. ويعتبر متجر "كي دي في" من أكبر متاجر التسوق روعة في أوروبا وله شهرة كأحد معالم برلين البارزة. وعند زيارة هذا المتجر لابد من الصعود إلى الطابق السادس، حيث يوجد قسم المأكولات الذي يعتبر الأكبر في أوروبا بمساحة تبلغ 7000 متر مربع.

كما تمثل منطقة "هاكيشر ماركت" و"هاكيشه هوفه" أمكنة رائعة وحيوية تقدم مزيجاً من المحال التجارية والحانات والمقاهي التي يمكن أن تقضي فيها أوقاتاً ممتعة. كما تعد "هاكيشه هوفه" من أشهر المناطق الليلية في برلين.

 

تنوع الضيافة والحياة الليلية

ويندهش زوار برلين من التنوع والابتكار اللذين يمكن اكتشافهما في أكثر من 7000 مطعم ومقصف وحانة ومقهى في المدينة، والتي تقدم مأكولات ومشروبات بدءاً من أوروبا والشرق الأقصى ومروراً بأمريكا الشمالية واللاتينية. ويمكن القول إن ما من أحد يفتقد في برلين أكلة يحبها. وتنتشر في برلين العديد من المطاعم الراقية مثل "فيتروم" و"مطعم 44" و"فيرست فلور" و"هوغوز" و"لورنس آدلون" و"مارغو" و"فاو" و"فيشر فريتس" و"غوادريغا". وبالطبع يمكن تناول أنواع المأكولات العربية في مطاعم راقية تقدم الطبخ العربي، مثل مطعم "كاسالوت" ومطعم "الدار" ومطعم "مروش".

وتتميز برلين بحياة ليلية متنوعة مفعمة بالحيوية وترضي كل الأذواق وتتماشى مع آخر الاتجاهات المتجددة. كما تدل النوادي ذات المستوى الرفيع والمواقع الأصلية والتصميمات الملفتة على شهرة برلين كمدينة للحفلات تجذب إليها عشاق الليل من كافة أنحاء العالم، إذ أن كبار النجوم ومشاهير المجتمع يحتفلون في برلين حتى ساعات الصباح الباكر. فبرلين مدينة لا تنام.

كما تعتبر فنادق برلين الأحدث والأرقى في أوروبا. ويوجد في المدينة 92 ألف سرير في فنادق من مختلف الفئات والتصنيفات السعرية. وقد افتتحت الفنادق ذات الشهرة العالمية فروعاً لها في المدينة. كما تخصص العديد منها طواقم تتحدث اللغة العربية وتقدمها لزوارها من منطقة الخليج قوائم طعام خاصة، ويجد كل زائر فيها الفندق الذي يناسبه سواء الأجنحة الفاخرة في فنادق الخمسة نجوم أو فنادق الدرجة الأولى ذات التجهيزات العصرية أو في شقة رحبة في فندق يقع وسط المساحات الخضراء.

 

العاصمة الخضراء

وتمزج برلين أيضاً بين حياة المدينة وحياة الواحات الهادئة، فإلى جانب ما تزخر به من أماكن عصرية ومعالم تاريخية، فإن المساحات الطبيعية الخضراء تنتشر في مختلف أرجائها. وتعد هذه المدينة العاصمة هي الأكثر خضرة على مستوى المدن الكبرى في ألمانيا بأسرها، ولا يعود الفضل في ذلك إلى العدد الوافر من المنتزهات العامة والغابات الشاسعة التي تحتضنها فحسب، بل أيضاً إلى الوعي البيئي العالي لدى أهل العاصمة. ويعتبر منتزه "تيرغارتن" من أشهر المنتزهات فيها، فهو يتحول إلى نقطة التقاء شعبية تجذب سكان المدينة وضيوفها في فصل الصيف، حيث يقوم الناس بممارسة رياضة الجري والمشي ولعب كرة القدم والتزحلق والتشمس بالإضافة إلى حفلات الشواء التي تجمع أفراد العائلة والأصدقاء في أجواء بديعة.

أما "الحديقة الشرقية" فتمثل كنزاً تراثياً شرقياً ونتاجاً ألمانياً عربياً مشتركاً، لاسيما مع ما تتميز به من تصميم مستوحى من الطراز العربي الإسلامي التقليدي، حيث تزخر بالفنون الشرقية من زخرفة ورسوم ونقوش، وتنتشر فيها الزهور والنباتات والأشجار ونوافير الماء والجداول.

وبشكل عام فإن العاصمة الألمانية تقدم للكبار والصغار عروضاً متنوعة ومتجددة ومثيرة لا يشعر المرء معها بالملل، كزيارة المتحف التقني الألماني الذي يقدم مزيجاً من المعلومات والتسلية في وقت واحد وخاصة للأطفال، أو مركز ألعاب "ليغولاند" الذي يجذب جميع أفراد العائلة، أو حديقة "تسولوغيشه غارتن" التي تعد أقدم حديقة حيوانات في ألمانيا، والأكثر تنوعاً في العالم، أو القيام برحلة بحرية في نهر "شبريه" للتعرف على معالم برلين ومبانيها، أو الاستمتاع بمشاهدة منظر بانورامي رائع من خلال برج التلفزيون في ميدان الكسندر "الكسندر بلاتس".

أما عشاق الرياضة فمن المؤكد أنهم يفضلون الاستمتاع بملاعب الغولف الواسعة التي صمم الكثير منها مهندسون مشهورون، أو بزيارة الاستاد الأولمبي التاريخي الذي يتسع لنحو 76 ألف متفرج. وبالإضافة إلى ذلك، فإن غابات برلين تدعو ضيوف المدينة وخاصة الفرسان للقيام بنزهات رائعة على ظهور الجياد.

 

 

معالم بارزة في برلين:

  • برج التلفزيون في ميدان الكسندر "الكسندر بلاتس": يعتبر هذا الميدان من أكثر ميادين المدينة شهرة وفيه العديد من العروض الجذابة.
  • بوابة براندنبورغ وشارع التسوق الفاخر "أُنتر دن ليندن": تعتبر هذه البوابة رمز مدينة برلين وتقع في نهاية شارع "أُنتر دن ليندن".
  • مبنى البرلمان ذو القبة الزجاجية ومكتب المستشارية الواقعان في الحي الحكومي.
  • معرض "ايست سايد غاليري": رواق الفن الواقع بالقرب من جدار برلين والذي هو في ذات الوقت أكبر معرض فن مفتوح في العالم.
  • ميدان "جندارمن ماركت" الذي يوجد فيه الكاتدرائية الألمانية والكاتدرائية الفرنسية ودار الموسيقى.
  • حي نيكولاي: أقدم حي في برلين وفيه كنيسة نيكولاي التي بُنيت في القرن الثالث عشر.
  • الاستاد الأولمبي: استاد تاريخي يتسع لنحو 76 ألف متفرج وبه بوابة الماراثون والسلالم الضخمة.
  • ميدان بوتسدام "بوتسدامر بلاتس" ومنبر الثقافة: وسط المدينة الجديد الذي يعتبر مركزاً للفنون الجميلة.
  • عمود النصر: من رموز مدينة برلين المشهورة والذي يعلوه التمثال الذهبي لآلهة النصر فيكتوريا.
  • "شارلوتنبورغ" الذي يعتبر أجمل قصر في برلين.