فيها الكثير لتراه والكثير لتكتشفه!

برلين.. عندما تتحول السياحة إلى حياة يومية

زيارتك إلى برلين ستنقلك إلى عوالم متداخلة ومتناقضة، ولكن ما يجمع بينها هو أنها تحمل من القيم والدروس ما لا يمكن أن تجده في أي مدينة أخرى. فتاريخها ستراه واقفاً على قدميه في كل شارع تمر به، وأجواؤها الثقافية والفنية ستعيشها بمجرد دخولك متحفاً من متاحفها، وعالميتها ستصادفها عند كل إشارة مرور تقف عندها. وبينما ستعتقد أنك رأيت كل ما تزخر به هذه المدينة من معالم، ستوقن في نهاية جولتك أن هناك الكثير ما لم تكتشفه بعد!


عشاء على القمة!

يمكنك بدء رحلتك في برلين بالتوجه إلى ساحة الكسندر "Alexanderplatz"، التي سميت بهذا الاسم منذ الزيارة التي قام بها القيصر الروسي الكسندر الأول عام 1805. هذه الساحة بقيت حتى منتصف القرن التاسع عشر محافظة على طابعها التقليدي، غير أنه مع بناء مراكز التسوق وخطوط السكك الحديدة الخاصة بقطارات الضواحي وقطارات الأنفاق تطورت كثيراً  لتصبح مركزاً هاماً للنقل والتسوق للأقسام الشرقية من برلين، كما شهدت لاحقاً العديد من التغيرات المثيرة.

بعد إعادة توحيد ألمانيا، كان صانعو القرار في برلين الغربية يتفقون على رأي واحد وهو عدم وجود مخطط يتمتع بالجودة في المدينة، لذلك فقد تم الإعلان عن مسابقة، كان التصميم الفائز بها يوصي بهدم جزء كبير من مباني اليوم وبإنشاء 13 ناطحة سحاب. ولكن، لم يكن معروفاً إن كان ذلك سيتحقق بالفعل! لاسيما أن المسألة هنا تتجاوز مسألة الذوق الشخصي، بل على المرء التركيز على نقطة مهمة جداً وهي أن ساحة الكسندر هي أكبر مساحة داخلية في ألمانيا تقريباً، وهذه هي الجودة بحد ذاتها.

هذه الساحة تحتوي على معلم سياحي مميز وخصوصاً بالنسبة لمحبي الأماكن المرتفعة، ففيها يقع برج التلفزيون الذي يمنحك فرصة الاستمتاع بمنظر بانورامي للمدينة نظراً لكونه أعلى مبنى في ألمانيا، حيث يبلغ ارتفاعه 368 متراً، ويمثل في نفس الوقت واحد من أهم المعالم المميزة في برلين التي يجب ألا تفوتك زيارتها. فالسياح والمقيمون في ألمانيا يتدفقون بشكل متواصل إليه ليحظوا بفرصة تناول العشاء في كرة البرج أو كي يستمتعوا بالمنظر الخلاب لمدينة برلين من خلال منصة المشاهدة.

ومنذ أن دخل برج التلفزيون حيز التشغيل في أكتوبر من العام 1969، أصبح جزءاً لا يتجزء من صورة برلين، حيث يتدفق اليوم ما يقارب مليون زائر سنوياً من جميع أنحاء العالم كي يستمتعوا بإطلالة مذهلة من منصة المشاهدة على علو 203 متراً والتي تمكن الزائر في الأيام التي تتمتع بطقس جيد من مشاهدة مناظر خلابة على بعد 40 كم. وإذا انتقلنا إلى طابق رقم 204 ستتمكن من دخول "تله كافيه" " Telecafé" التي  تدور حول محورها مرة واحدة على امتداد نصف ساعة، بينما تقوم أنت باحتساء المشروبات الساخنة أو الباردة والتمتع بقطع الحلوى اللذيذة.

 

بوابات الماضي والحاضر

تعتبر بوابة براندنبورغ التذكارية مكاناً لا يمكن لأي سائح قادم إلى برلين أن يفوت رؤيته، فهي تلقي الضوء على مرحلة تاريخية يزيد عمرها على مئتي عام. ففحين أنها وحتى عام 1989 كانت بمثابة رمز لتقسيم برلين وألمانيا، فإنها اليوم تمثل رمزاً وطنياً للوحدة وواحدة من أشهر معالم المدينة.

أنشأت بوابة براندنبورغ بين عام 1788 و1791 بأمر من فريدريش فيلهلم الثاني الذي كان يبحث عن تصميم معماري عظيم لشارع "أُنتر دين لندن" الراقي. وينتمي هذا البناء الكلاسيكي المصنوع من الحجر الرملي إلى أكبر وأجمل إبداعات الكلاسيكية الألمانية.

في عام 1793 وُضع على البوابة تمثال يتكون من عربة يجرها أربعة خيول. ومع مرور الوقت تم إنزال التمثال 3 مرات. وبعد هزيمة بروسيا في عام 1806 خطف نابليون معه العربة ذات الخيول الأربعة إلى باريس. ولكن بعد انتصار الحلفاء بثماني سنوات تم استراجاعها ووضعها في مكانها الأصلي القديم.

أثناء معارك الحرب العالمية الثانية، أصيبت بوابة براندنبورغ بأضرار بالغة. وتضرر التمثال جراء هجمات القنابل، إلى درجة أنه في عام 1956  تم التخلص منه كجزء من عملية إعادة إعمار البوابة والاستعاضة عنه بنسخة. وظلت بوابة براندنبورغ ما يقارب الثلاثة عقود معزولة الوجود، ولكنها في نفس الوقت كانت محور أنظار الرأي العام العالمي، وبينما كانت تعد رمزاً من رموز عهد الانقسام الذي شهدته برلين في أربعينيات القرن الماضي، فإنه تمثل اليوم رمزاً للوحدة.

ففي 22 ديسمبر من العام 1989 واكب افتتاح البوابة هتافات من أكثر من 100 ألف شخص. ولكنها تضررت بشكل كبير أيضاً جراء احتفالات الوحدة وخاصة في رأس السنة 1989/1990، لدرجة أنه بعد عامين من ذلك كان يجب القيام بإعادة تجديدها. واليوم عادت البوابة مجدداً لتكون محطة مهمة لجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.

وبزيارتك أيضاً لنقطة التفتيش شارلي " Checkpoint Charlie" تكون قد دخلت مكاناً آخراً كان يمثل رمزاً للانقسام بينما يمثل اليوم شاهداً تذكارياً على انقسام ألمانيا إلى دولتين (شرقية وغربية)، حيث يمكن أن تستشعر في هذا المكان أجواء الحرب الباردة أكثر من أي مكان آخر في العالم. لكن الحواجز والمضايقات وأبراج الحراسة لم تعد موجودة اليوم. هناك فقط "نقطة التفتيش شارلي" التي ليست سوى نسخة طبق الأصل عن أماكن المراقبة التي كانت سائدة قديماً، وهي تمثل تذكاراً على فترة الحرب الباردة، إذ كانت هذه النقطة واحدة من ثلاثة نقاط تفتيش كان يتم إدارتها من قبل الأمريكيين. ولم يكن مسموحاً بالدخول من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية إلا لحاملي تراخيص الدخول.

واليوم تعد نقطة التفتيش شارلي واحدة من المعالم السياحة الشهيرة في برلين. كما أن زياتها ستمكنك من زيارة بقايا جدار برلين بالإضافة إلى متحف الجدار " Mauermuseum " الذي يقع بالقرب من نقطة التفتيش ويمكن الوصول إليه مشياً على الأقدام. وتمثل النقطة  المحورية للمعرض مجموعة من الوثائق المتعلقة بمحاولات الهروب الناجحة والفاشلة بالإضافة إلى نماذج مختلفة عن الوسائل التي تم استخدامها للهروب من ألمانيا الشرقية.

 

بصمات لا تُمحى

على الرغم من كونها مدينة ثقافية وتاريخية بامتياز، إلا أن العصرية هي جزء لا يتجزء من تكوين برلين، ففيها يمكنك مشاهدة أحدث الأبنية وشراء أفخم المنتجات العالمية. وبمجرد دخولك شارع "كورفورستندام" " Kurfürstendamm" أو كما يطلق عليه أيضاً "كودام"، ستكون قد وضعت نفسك في مكان عالمي الأجواء لا يعرف الراحة أبداً. فهذا الشارع لم يكن بمنأى عن الطفرة العمرانية التي اجتاحت المدنية، حيث يعتبر اليوم من أهم وجهات التسوق في العالم.  فإذا كنت من محبي التسوق، فبلا شك ستكون أمامك جولة ممتعة في شارع مفعم بالتاريخ وفي نفس الوقت مليء بالمحلات الكبيرة التي تمثل أشهر العلامات التجارية العالمية.  

في منتصف القرن السادس عشر كان مايزال شارع "كودام" الذي يبلغ طوله 3,5 كلم شارعاً للتنقل بواسطة الخيول  إلى حي "غرونه فالد" " Grunewald". وبناء على طلب أُتو فون بسمارك تم توسعة الشارع ليصل إلى عرض  53 متراً. ونشأت بين ساحة "برايتشايد" " Breitscheidplatz " وبحيرة "هالن" " Halensee" العديد من العناوين السكنية العصرية والمتاجر الراقية ودور السينما والمسارح والمقاهي.

من أشهر معالم "كورفورستندام" تطل كنيسة القصير فيلهلم التذكارية، التي تعرضت لأضرار بالغة خلال الحرب العالمية الثانية جراء انفجار قنبلة عام 1943، ولم يبق منها إلا بقايا البرج الذي يعرف أيضاً بـ "هولار تسان" أي تعني السن المجوف.

بُنيت كنيسة القصير فيلهلم بين عامي 1891 و1895 بناء على أوامر القيصر فيلهلم الثاني بهدف إنشاء نصب تذكاري ديني تكريماً لجده فيلهلم الأول. ويمثل التصميم بناء من عدة أبرج على الطراز الرومانسي، وكان برجه الذي يبلغ ارتفاعه 113 متراً هو الأعلى في المدينة. كما اتصف التصميم الداخلي أيضاً بالروعة، حيث زُين بالفسيفساء الجميلة واللوحات الجدرانية.

في نوفمبر من العام 1943 دُمرت الكنيسة القيصر بشكل كبير. ولكن في سنوات ما بعد الحرب تحولت بقايا الكنيسة إلى رمز لنهوض برلين من تحت أنقاض، وتحول هيكل البرج المتبقي البالغ ارتفاعه 68 متراً كنصب تذكاري ضد الحرب.

وإذا انتقلنا إلى كنيسة أخرى تحظى بشهرة عالية، فإننا سنصل إلى كاتدرائية برلين ذات التصميم الجذاب، والتي تعتبر بالنسبة لجميع عشاق الكنائس مكاناً لا يجب التغاضي عن زيارته. فتاريخها يمتد إلى العصور الوسطى وكانت قد مرت بالكثير من المراحل التي تطلبت إعادة بنائها وتجديدها من الداخل والخارج وتغيير تصميمها المعماري.

خلال الحرب العالمية الثانية تضررت الكاتدرائية بشدة خلال حريق ناجم عن انفجار قنبلة، لتتحول إلى خراب. وفي وقت لاحق يقارب الثلاثين عاماً، تم البدء بإعادة بناء الكنيسة المدمرة. وفي عام 1983 تم الانتهاء من العمل الخارجي في الكاتدرائية. أما الأعمال الداخلية فقد انتهت عام 2002 بإزالة الستار عن قبة الفسيفساء الثامنة والأخيرة.

ومن الأسواق التي تستحق الزيارة، يطل علينا سوق "جندارمن" "Gendarmenmarkt" الذي ينتمي بكل تأكيد إلى أجمل الأماكن في برلين. تتواجد فيه بشكل رئيسي ثلاثة مباني أثرية: الكاتدرائية الألمانية، الكاتدرائية الفرنسية وبيت الحفلات "كونتسرت هاوس" " Konzerthaus " الذي كان يسمى فيما مضى "شاوشبيل هاوس" " Schauspielhaus". يمكن إرجاع التاريخ المتقلب لسوق "جندارمن" إلى القرن السابع عشر، حيث تركت كل فترة تاريخية بصماتها في هذا المكان حتى اليوم.

نشأ هذا المكان في نهاية القرن السابع عشر وفقاً لمخططات يوهان آرنولد نرنيغ. في ذاك الوقت استوطن المهاجرون الفرنسيون في هذا الحي ومعظمهم كان من الفرنسيين البروتستانت. وفي البداية سُمي السوق بـ "إيسبلاناده" " Esplanade"،  ومن ثم سوق "ليندن" " Lindenmarkt"، ثم سوق "فريدريش شتيدتليشر" "Friedrichstädtischer Markt" وبعد ذلك سُمي "السوق الجديد" "Neuer Markt". وأخيراً أصبح يدعى في عام 1799 بـ سوق "جندارمن" " Gendarmenmarkt.

وكان كل من الكاتدرائيتين الألمانية والفرنسية مجرد كنائس بسيطة نسبياً بُنيت في السوق عام 1705. وفي السنوات من 1780 و1785 بُني برجان متطابقان بالقرب من الكنائس وفقاً لمخططات كارل فون غونتارد، وذلك بهدف جعل سوق "جندارمن" أكثر جاذبية. ولكن مصطلح "كاتدرائية" خلق هنا نوعاً من الارتباك والحيرة، لأن هذا المصطلح يشير إلى الشكل المعماري للقباب وليس إلى الكنائس نفسها.

في السنوات من 1817 إلى 1821، تم بناء "كونتسرت هاوس" على  القواعد الأساسية للمسروح الوطني المحروق وذلك بالاعتماد على مخططات كارل فريدريش شينكل، ومايزال إلى اليوم يمثل النقطة المركزية لهذه الأبنية الثلاث.

وكغيره من معالم برلين، فقد أُصيب سوق "جندارمن" بأضرار جسيمة خلال الحرب العالمية الثانية. ولكن مع مرور الزمن أعيد بناؤه من جديد.

ويقف في برلين أيضاً واحد من أكثر الرموز شهرة والذي لابد أنه سيلفت نظرك خلال تجوالك في شوارع المدينة: عمود النصر، الذي يبلغ ارتفاعه 69 متراً. هذا الرمز تأسس عام 1873 في ساحة الملك "Königsplatz" أمام مبنى الرايخستاغ للتذكير بالحملات العسكرية البروسية ضد الدنمارك والنمسا وفرنسا. وبناء على خطط ألبرت شبير نُقل عمود النصر إلى مفترق الطرق الذي يدعى "النجمة الكبيرة" وتم وضعه على قاعدة مصنوعة من الغرانيت الأحمر. في الجزء العلوي تقف فكتوريا، التي تمثل آلهة النصر في الأساطير الرومانية.

والمثير هو أنك تستطيع تسلق عمود النصر عبر 285 درجة حتى تصل إلى منصة العرض. ومن هناك يمكنك رؤية مساحات كبيرة على امتداد 203 هكتار. ولكن الجديد أنه سيجري تجديد عمود النصر من بداية يناير 2010 وحتى نهاية مايو 2011 ، وبالتالي سيختفي تحت غطاء من القماش المشمع.

ولا يمكننا التحدث عن برلين القديمة دون الحديث عن برلين الجديدة، فساحة "بوتسدام" "Potsdamer Platz" تعتبر مثالاً مضيئاً على برلين الجديدة أكثر من كافة مشاريع البناء الأخرى. فمن خلال خطة جريئة، تم بعد عشر سنوات من البناء، خلق مركز للمدنية من العدم. وحولت المباني الجديدة مدينة برلين إلى أشعة براقة. فلا يمكن، في أي مكان في العالم، أن تستطيع 2500 طن من الفولاذ والزجاج أن تحقق بريقاً جميلاً كما هو الحال مع مركز سوني " Sony Center" الواقع في ساحة "بوتسدام"، والذي  يبدو سقفه وكأنه ملعب كبير لكرة القدم يسبح بخفة الريشة فوق رؤوس الزوار. شكله البيضاوي مثبت كمظلة أو كخيمة عربية.

وإذا كنت تبحث عن أماكن حديثة أخرى، فيمكنك أن تجد في "دايملر آريال" كل  المرافق العصرية: مسرح للموسيقى، ملهى، سينما، مركز تسوق من ثلاثة طوابق، فندق فاخر، شقق فاخرة، حانات، مطاعم، محلات الوجبات السريعة، وغير ذلك الكثير. ورغم كل هذه العصرية والحداثة التي تتصف بها ساحة "بوتسدام" إلا أنها وفي نفس الوقت تحمل جانباً ثقافياً قيماً.


جولة الفن والثقافة

بالقرب تماماً من بناء الحي الجديد في ساحة "بوتسدام" تسطع برلين مفعمة بالفن والثقافة لتحتل مكانة عالمية مميزة. ويعتبر المنتدى الثقافي " Kulturforum" في شارع "بوتسدام" أهم مجمع أبنية في وقت ما بعد الحرب في برلين الغربية، حيث تشكل المكتبة الوطنية وقاعة الموسيقى الصغيرة والقاعة الكبيرة الخاصة بالأوركسترا ومعرض الفنون والمتحف الوطني الجديد مركزاً ثقافياً فريداً من نوعه. وتبرز المكتبة الوطنية كمعلم يستحق المشاهدة بحضورها الجميل الذي يشبه صخرة ذهبية براقة.

كما يمكن لعشاق المتاحف أن يعيشوا تجربة لا تنسى بزيارتهم وسط المدينة، أي على الطرف الشمالي من جزيرة "شبريه" "Spreeinsel"، حيث يقع واحد من أهم مجمعات المتاحف في أوروبا. ففي غضون مئة عام وتحديداً حتى عام 1930 نشأ تجمع شارك في إنشائه خمسة مهندسين معماريين. وتم إدراجه عام 1999 في قائمة اليونكسو للتراث العالمي. وتتمثل أهداف أعمال التجديد التي تطال هذه المنطقة، في إصلاح ما دمرته الحرب ورفع مستوى التقنيات وتهيئة سعة البناء بما يتناسب مع الأعداد المتزايدة من الزوار.

وهنا لديك الفرصة للقيام بجولة فريدة من نوعها عبر ثقافات وفنون العالم. يمكنك أن تبدأها بزيارة  "المتحف القديم" باعتباره الأول من حيث تاريخ الإنشاء، وهو من تصميم المهندس كارل فريدريش شينكل. ويعد بالفعل تحفة في فن العمارة الكلاسيكية. وبالإضافة إلى اللوحات التي يضمها، فإن الكثير من المعارض المتنوعة تقام فيه.  ولكي تطلع على الناحية الجمالية لجزيرة المتاحف لابد من المرور أيضاً على "المتحف الجديد" الذي بُني في عام 1859.

المحطة المهمة الثالثة هي " المتحف الوطني القديم " الذي كان قد تم تجديده وإعادة افتتاحه في ديسمبر من العام 2001 ، وهو يقع مباشرة خلف "المتحف القديم". مصمم "المتحف الوطني القديم" هو فريدريش أوغوست  شتولر وأكمل البناء يوهان هاينريش شتراك. وتعرض في هذا المتحف رسومات أوروبية وألمانيا من القرن التاسع عشر بالإضافة منحوتات رائعة، بحيث يتراءى لك وكأنه معبد قديم يستند على قاعدة مرتفعة. وفي المتحف الوطني القديم يمكنك مشاهدة أعمال الفنانيين الفرنسيين الانطباعيين مثل: "مانيه"، "مونيه"، "رينوار"، بالإضافة إلى لوحات الفنان الرومانسي كاسبر دافيد فريدريش والرسام كارل فريدريش شينكل.

وبالانتقال إلى الجهة الشمالية من الجزيرة تكون قد وصلت إلى متحف "بوده" الذي بني خلال الفترة من 1898 و1904 من قبل "ارنست فون إينه" ليتخصص  باللوحات والمنحوتات. كما أعيد افتتاحه عام 2006.

أما متحف برغامون الذي صممه "ألفريد مسل"، فهو يحظى بأعلى نسبة إقبال من الزائرين، والذي يمكن أن يذهلك بما يضمه من قطع أثرية قديمة جداً تنتمي إلى مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، كما يشكل مذبح برغامون المشهور مكاناً يجذب السياح من كافة دول العالم. يذكر أن هذا المتحف أيضاً كان قد تم تجديده وأعيد افتتاحه عام 2009.

 

حيوانات برلين تتحول إلى نجوم!

مهما طال تجوالك بين الأماكن التاريخية والثقافية والعصرية، فلابد أن تعطي جزءاً كبيراً من وقت لحديقة الحيوانات في برلين، لأنها تمثل تجربة لا تنسى. فلدى البرلينيون علاقة خاصة ووثيقة مع الحيونات. وقد تحسدهم كونهم يعيشون في مدينة تضم أقدم حديقة حيوانات في ألمانيا: "تسولوغيشه غارتن" "Zoologische Garten". تقع هذه الحديقة غرب مدينة برلين بجانب محطة القطارات التي تحمل نفس الاسم، وهي بنفس الوقت طبعاً قريبة من كنيسة الذكرى الشهيرة. كما تعتبر هذه الحديقة الأكثر تنوعاً في العالم، حيث تحتوي على 1400 نوعاً، من ضمنها حوض الأسماك، وحوالي 14000 من الحيوانات التي تعيش على مساحة تبلغ 34 هكتاراً.

تأسست هذه المملكة الحيوانية عام 1844 بناء على مبادرة من العالمين الكسندر فون هومبولدت ومارتين ليشتنشتاين، وبذلك كانت أول حديقة حيوانات في ألمانيا. بمساعدة فنان ومصمم الحدائق الشهير بيتر جوزيف لنيه نشأت منطقتان جذابتان واحدة عام 1872 كبيت للظباء والثانية عام 1873 كبيت للفيلة.

خلال المئة عام الأخيرة أصبحت الكثافة السكانية في المنطقة الغربية من المدينة هي الأعلى، أي حول حديقة الحيوانات! وهنا نريد القول أنه مع تأسيسها عام 1844 كانت الحديقة تعتبر بأنها خارج مدينة برلين. فمدينة برلين كانت تقع إلى الشرق من حديقة الحيوانات، وبالمقابل نشأت الحديقة في الجهة الغربية. واليوم يزور الحديقة سنوياً حوالي ثلاثة ملايين من محبي الحيوانات. وتعتبر حيوانات الباندا هي نجوم الحديقة بلا منازع.

ولكن لابد أن الكثير منا، لاسيما الأمهات، مايزال يتذكر ذاك الدب القطبي الذي ولد عام 2006 في حديقة الحيوانات في برلين وأُطلق عليه اسم "كنوت". فوسائل الإعلام الألمانية والعالمية قامت بتغطية هذا الحدث وجعلت من هذا الدب الصغير الوسيم نجماً تخطت شهرته العديد من ممثلي هوليود. والسبب في شهرته يعود إلى عدة أسباب: فبالإضافة إلى السمعة المميزة التي تتصف بها الحديقة والأساليب العلمية المتبعة فيها، فإن قصة ولادة هذا الدب اتصفت بالإثارة، حيث أن أمه رفضت أن ترضعه بعد ولادته، فقام توماس دورفلاين، الذي يعمل في الحديقة كمختص بالعناية بالحيوانات، بدور الرعاية الأبوية وأخذ يغذيه من زجاجة الرضاعة، إلى درجة أن البعض أطلق عليه لقب " "أب الدببة" أو "أب كنوت"، إلا أن توماس دورفلاين توفي في 22 سبتمبر من العام 2008 نتيجة لسكتة قلبية مما أحزن أعداداً كبيرة من الناس على مستوى العالم. وقبل دخولنا عام 2010 احتفل كنوت بعيد ميلاده الثالث، وكانت هديته عبارة عن كعكة جليدية من الخضروات. وفي هذه الأيام يبدو "كنوت" سعيداً بالعواصف الثلجية التي تجتاح أوروبا، حيث أن درجات الحرارة المنخفضة تعتبر جواً مثالياً بالنسبة له.