خصوصاً خلال فصل الشتاء

سبل تقوية المناعة.. بين الحقيقة والوهم

 (د ب أ)- يُمثل جهاز المناعة حصن الدفاع في جسم الإنسان. لذا يسعى الكثيرون لتقويته، لاسيما خلال فصل الشتاء الذي يزداد به معدل الإصابة بفيروسات الإنفلونزا ونزلات البرد، فنجد البعض ينزل شبه عارياً إلى البحر وآخرون يواظبون على الذهاب إلى الساونا، بينما تَعد إعلانات المشروبات المحتوية على مصل اللبن عملاءها بتنشيط جهازهم المناعي .. ولكن هل يُمكن فعلاً تقوية مناعة الجسم من خلال هذه السُبل؟!

 

وأوضح هايو هاسه من معهد علوم المناعة التابع لمستشفى آخن الجامعي قائلاً: "يتكون جهاز المناعة من مجموعة متنوعة من الخلايا والعناصر القابلة للتحلل، التي تحمي الجسم من مسببات الأمراض وخلايا الأورام"؛ فإذا استطاعت مسببات الأمراض اختراق السدود الطبيعية للجسم كالجلد والأغشية المخاطية، يأتي دور الخلايا المناعية حينئذٍ في التصدي لها والحيلولة دون إحداث تلفيات بالجسم بفعل هذه المسببات وتمنع أيضاً تزايدها.

ويلتقط كارستن كروغر من معهد العلوم الرياضية التابع لجامعة غيسن الألمانية طرف الحديث موضحاً: "الخلايا المناعية تُعد نظام حماية للجسم من جميع الأجسام الغريبة عنه". وأكدّ العالم الألماني هاسه على ذلك بأن جهاز المناعة السليم يعمل على حماية جسم الإنسان من الإصابة بأي مرض عن طريق مهاجمة الأجسام الغريبة.

وأضاف هاسه أنه جهاز المناعة لا يُهاجم في الوقت ذاته الأجسام الغريبة غير الضارة أو أنظمة الجسم ذاته، أي أنه يعمل بشكل محدد، مؤكداً بقوله: "إذا كان جهاز المناعة يعمل بشكل جيد داخل الجسم، لن يُهاجم حينئذٍ سوى الأجسام الضارة".

ومن جهته، قال البروفيسور شتيفان موير، مدير معهد علوم المناعة التابع لجامعة هايدلبرغ الألمانية: "لا يستلزم الأمر الشعور بالقلق أو تكبد العناء من أجل تقوية الجهاز المناعي؛ إذ أنه يتمتع بقوة كافية، مع العلم بأنه لم يتوصل العلم حتى الآن سوى للقليل من المعلومات التي يُمكنها التأثير على الجهاز المناعي بالجسم على نحو مقصود".

 

التغذية الصحية

واستدرك العالم الألماني موير أنه لا يوجد خلاف بالطبع أن الأطعمة تؤثر في تقوية جهاز المناعة لدى الإنسان، مشيراً إلى  أن العلم لم يتوصل حتى الآن إلى اكتشاف كيفية حدوث ذلك.

وأردف موير أن أمعاء الإنسان تحتوي على أعداد كبيرة من البكتيريا تصل إلى تريليونات وتعمل على إتمام عملية التمثيل الغذائي للأطعمة لديه، إلا أن تكوين هذه البكتيريا يختلف من شخص لآخر؛ "ومن ثمّ لا يُمكن للجسم إدراك التعديلات الهادفة التي يتم إدخالها على النظام الغذائي إلا من خلال فهم تكوين هذه البكتيريا، الأمر الذي قد يستغرق نحو بضعة أعوام.

وأكدّ العالم الألماني هاسه أن إتباع نظام غذائي صحي يتمتع بأهمية كبيرة لتقوية المناعة، إلا أنه لا يُمكن تحقيق تأثير مقصود على جهاز المناعة من خلال تناول نوعيات معينة من الأطعمة.

ويضرب هاسه مثالاً على ذلك بحساء الدواجن مثلاً، الذي يعمل على إمداد الجسم بالعناصر الغذائية والملح ويعمل على تدفئته أيضاً، موضحاً: "عادةً ما يشعر الإنسان بتحسن بفضل هذا الحساء في لحظة تناوله، أي أنه لا يؤثر على الحالة العامة للجسم إلا لفترة زمنية محدودة للغاية؛ ومن ثمّ لا يلعب أي دور في التأثير على جهاز المناعة".

وأردف هاسه أن جهاز المناعة مثله كباقي أجهزة الجسم يلزمه الحصول على عناصر غذائية معيّنة، موضحاً بقوله: "إذا تم حذف عنصر الزنك مثلاً من النظام الغذائي، يُمكن حينئذٍ تحديد الخلايا والعمليات المناعية التي ستتأثر بذلك".

 وأردف العالم الألماني أن كل من عنصر النحاس والحديد وكل من فيتامين (أ)، (ج)، (د)، و(هـ) يتمتعون أيضاً بأهمية كبيرة لجهاز المناعة؛ ومن ثمّ لابد من إتباع نظام غذائي متوازن يشتمل على كل هذه العناصر. ومن جهته أكدّ العالم الرياضي كروغر قائلاً: "التنوع في تناول الأطعمة يتمتع بأقصى تأثير ممكن على جهاز المناعة".

 

الساونا

 أما فيما يتعلق بتقوية جهاز المناعة عن طريق الذهاب إلى الساونا أو أخذ حمامات باردة أو المشي تحت المطر، فيستبعد الأطباء هذا الأمر تماماً. وأكدّ البروفيسور موير على ذلك بقوله: "لا يوجد بحث واحد يثُبت حدوث أي تأثير على تقوية الجهاز المناعي بمثل هذه الإجراءات".

إلا أن الخبير الألماني كروغر أشار إلى أنه يُمكن تحقيق تأثير إيجابي على جهاز المناعة بالجسم من خلال المواظبة على الذهاب للساوانا أو أخذ حمامات باردة بشكل عام؛ حيث يعمل ذلك على تحسين عملية التنظيم الحراري بالجسم، ومن ثمّ يبرد الجسم على نحو أسهل في الصيف ويحتفظ بقدرته على التدفئة في الشتاء.

 

الرياضة

وأردف الخبير الرياضي كروغر أنه لا يوجد خلاف أيضاً على التأثير الإيجابي لممارسة الرياضة على جهاز المناعة، مؤكداً بقوله: "تعمل نوعيات الرياضة المعتدلة كالسباحة أو ركوب الدراجات أو الجري على تقوية جهاز المناعة بغض النظر عمّا إذا كان يتم ممارستها تحت المطر أو الثلج أو في أشعة الشمس".

وأوضح كروغر كيفية حدوث هذا التأثير قائلاً: "عادةً ما يتم إثارة جهاز المناعة من خلال ممارسة الرياضة، ومن ثمّ يتم تحفيزه ودفعه للعمل على نحو أفضل"، لافتاً إلى أن هذا التأثير لا يظهر فقط في كفاءة الخلايا المناعية كل على حدة، ولكن أيضاً في تراجع معدل الإصابة بالعدوى.

وأرجع العالم الألماني هاسه سبب أهمية ممارسة الرياضة بقوله: "عادةً ما تلتقي الخلايا المناعية مع مسببات المرض في العقد الليمفاوية، ولا يتم نقل السائل الليمفاوي إلا من خلال تحريك العضلات؛ ومن ثمّ يؤثر عدم النشاط البدني بالسلب على هذه العملية". لذا يُعد الجلوس والبقاء في ظل درجة حرارة 22 درجة على الدوام أمراً خاطئاً تماماً ولا يتناسب مع الحالة الطبيعية التي خُلق جهاز المناعة من أجلها".

 ومن هنا يُمكن القول بأن أهم عاملين مؤثرين على تحسين قدرة جهاز المناعة في التصدي لمسببات المرض هما: إتباع نظام غذائي متوازن مع ممارسة الأنشطة البدنية.

 

العامل النفسي

وأضاف البرفيسور الألماني موير أن الحالة النفسية للإنسان تلعب دوراً مهماً أيضاً في التأثير على كفاءة جهازه المناعي؛ لأنه عند الوقوع تحت ضغط عصبي مستمر يفرز الجسم مادة الكورتيزول، التي تتسبب في إنهاك جهاز المناعة؛ "ومن ثمّ تتمتع الراحة النفسية والشعور بالاسترخاء بأهمية كبيرة في صحة الجهاز المناعي".

وبالنسبة للأدوية أكدّ العالم الألماني هاسه أنه لا يُمكن إحداث تأثير إيجابي في تحسين قدرة الجهاز المناعي على التصدي للأمراض ولو لفترة قصيرة باستخدام أية أقراص دوائية كالمستخدمة مثلاً لعلاج نزلات البرد.

وأردف هاسه: "بعض المركبات النباتية تتمتع بتأثير فعّال للغاية،  ولكن لا يُوجد مادة نباتية واحدة يُمكن تناولها عبر عقار طبي لتحسين جهاز المناعة والحد من معدل الإصابة بالأمراض"، مستدركاً بقوله: "ولكن الإيحاء النفسي يتمتع بتأثير فعّال في هذا الشأن".

من فيليب لاغه