التاريخ يتجمد في بعض زوايا المدينة!

رحلة بين زمنين في العاصمة الألمانية برلين

قد يتصور المرء أنه لن يشاهد أي آثار متبقية من برلين الشرقية، لكنك عندما تقضي وقتاً كافياً في التجول عبر الشوارع الخلفية يمكن أن تصل إلى مبنى أو ساحة تشعرك وكأنها تجمدت في عام 1989.

 

رموز بين مدينتين!

يجد المرء الكثير من الأشياء التي ترمز إلى برلين الشرقية على أطراف المدينة، إلا أن هناك امتداد لشارع (أوغوست شتراسه)، الذي يعتبر ميل الفنون في حي (ميتّه)، يبدو وكأنه نقيضاً للمعارض الفنية، حيث تستيطع أن تشاهد في هذه المناطق أبنية رمادية اللون.

توجه إلى مكان آخر، وتحديداً إلى ساحة الكسندر (الكسندر بلاتس)، فهناك يوجد برج التلفزيون الذي يبلغ ارتفاعه 368 متراً، ومايزال يعتبر أطول مبنى في برلين، فضلاً عن كونه واحداً من أهم المعالم السياحية والمواقع الأكثر جاذبية فيها. وفي الواقع، تم إنشاء هذا المبنى في ستينيات القرن الماضي من قبل ألمانيا الشرقية التي كانت ترغب في إثبات تفوقها التقني من ناحية وأن تُوجد جهاز إرسال ذو أداء قوي يصل بثه إلى كل أنحاء البلاد من ناحية أخرى.

وخلال تواجدك في هذا البرج سوف تستمتع بإطلالة شاملة مذهلة على المدينة، فمن ارتفاع 203 و207 متراً يمكنك رؤية المدينة كلها مع معالمها السياحية الكثيرة مثل الرايشستاغ وبوابة براندنبورغ ومحطة القطارات الرئيسية (هاوبت بانهوف) وكذلك أيضاً الاستاد الأولمبي  وجزيرة المتاحف (موزيومس إنزل) وساحة بوتسدام (بوتسدامر بلاتس). وقد تتمكن من مشاهدة مناظر خلابة تصل إلى مسافة 40 كم عندما تكون السماء صافية. كما ستحظى أيضاً بفرصة دخول مقهى (تيله كافيه) الذي يدور حول محوره مرة واحدة تمتد لنصف ساعة. ويبدو أن هذا المقهى مايزال مفعم بالذكريات، فهو ولم يتغير كثيراً منذ كان إريك هونيكر زعيماً لألمانيا الشرقية، حيث تجد فيه أطباقاً مثل لحم العجل مع فطائر البطاطا. ولكي تجلس وتحظى بمنظر الغروب الرائع من الأفضل أن تحجز مبكراً من خلال شبكة الإنترنت قبل عدة أسابيع على الأقل.

وبعد العشاء يمكنك القيام بنزهة في ساحة الكسندر، التي يطلق عليها الناس اختصاراً اسم (ألكس). وهي مكان مركزي للنقل في منطقة برلين ميتّه وتعتبر واحدة من أكثر الأماكن التي يتم زيارتها في برلين وفي نفس الوقت أيضاً واحدة من أكثر المعالم السياحية المشهورة في المدينة. وبينما شهدت قبل الوحدة مظاهرات لا تنسى، شهدت في عام 2010 معرضاً مفتوحاً تحت عنوان (الثورة السلمية 1989/1990) وذلك بمناسبة الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين.

 

مرحباً لينين!

ومن المعروف عن برلين أنها تتنفس فناً، حيث تمتلك أكثر من 170 متحفاً، ولكن واحداً منها فقط يستعرض الكيفية التي عاش فيها سكان برلين الشرقية تحت الحكم الشيوعي، حيث يقدم متحف جمهورية ألمانيا الديمقراطية (دي دي ار موزيوم) رحلة من وراء الستار الحديدي مع أعمال فنية أصلية وأفلام أرشيفية حول الحياة في ألمانيا الشرقية السابقة ويوسع النطاق ليصل إلى تأثير جهاز أمن الدولة والجدار في الحياة اليومية للناس: كيف اختلفت الحياة بالمقارنة بالحياة في ألمانيا الغربية سابقاً؟ وما كم أثرت الدولة على حياة الناس؟ وأين كانت الديكتاتورية أكثر وضوحاً في الحياة اليومية؟ وما هي الإنجازات التي تعتبر إيجابية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية وهل هي إيجابية حقاً؟

أما بالنسبة لهؤلاء المأخذون بفيلم (حياة الآخرين) (ذي لايفس أوف آذرز) الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية وعلى عدة جوائز ألمانية والذي تدور معظم أحداثه حول طبيعة نظام الحياة في ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين، فينبغي عليهم أن يزوروا متحف شتازي (شتازي موزيوم) الذي كان يضم في السابق مكاتب أمن الدولة الـ (شتازي).

 

معارض وسيارات محبوبة

أما شارع (كارل ماركس)، هذا البوليفارد الضخم ولكن بأسلوب العمارة الستالينية، فهو يرحب بموكب تجار الأعمال الفنية. وقبل سنوات وزعت معارض مثل (كابيتان بتسيل) و(كرومه غاليري) أعلامها على طول البهو، مقدمة مناطق فنية جديدة أخرى في برلين. كما يتواجد هواة جمع التحف حول الأماكن الفخمة، بما في ذلك مجموعة هاوبروك، التي تستعرض أعمال الفنانين المعاصرين مثل جوناثان مونك ومارتين بويس.

ولابد لنا من القول إن برلين كانت مدينة كبيرة حتى عندما كانت مقسمة. ولتستكشف أماكن أكثر، فما عليك إلا مشاهدة برلين الشرقية القديمة خلف عجلة القيادة في سيارة (ترابانت)، التي كانت رمزاً للأفضل أو للأسوأ من النظام الشيوعي. لذا انطلق في مغامرة رائعة بواسطة إحدى سيارات ترابي-سفاري التي لديها أسطول محبوب يمثل معالم الماضي مثل معرض الجانب الشرقي في (فريدريشسهاين).

 

الحياة في برلين الغربية

ولابد لك خلال جولتك من التعرف على الكيفية التي عاش بها الجانب الآخر. فبينما كان أهل برلين الشرقية ينظفون أسواق الفواكه والخضروات الطازجة، كان المغني الأمريكي إيغي بوب وآخرون يتمتعون بالمشروبات في حانة باريس في حي شارلوتنبورغ الراقي الذي كان جزءاً من برلين الغربية. ومازال الثراء في جعبة هذه الحانة الصغيرة، التي تعتبر نقطة تجمع للفنانين والمخرجين، لاسيما خلال مهرجان برلين السينمائي (برليناله). وبالإضافة إلى فرصة مصادفة الفنانين والتعرف عليهم، يمكنك أن تحظى أيضاً بتذوق شرائح اللحم الشهية والمشروبات اللذيذة.

وعلى الرغم من أن برلين، خلال فترة الحرب الباردة، أدارت ظهرها لنهر شبريه الذي كان هو نفسه مقسماً، إلا أن لدى واجهة النهر اليوم بعضاً من الحياة الليلية الأكثر روعة في المدينة، وذلك من خلال العديد من النوادي الشاطئية الحضرية.

 

أسواق وتذكارات

ومن أجل الحصول على بضائع ألمانية شرقية بأسعار معتدلة، اجلب حقبيتك إلى ساحة (آركونا بلاتس)، التي هي عبارة عن حديقة صغيرة على طرف حي (ميتّه) أصبحت سوقاً تقليدية يطلق عليها اسم (سوق البراغيث) تقام في أيام الآحاد. وتحيط بالحديقة العديد من المقاهي الدافئة الصغيرة.

وإذا لم تجد مبتغاك هنا، تابع جولتك على طول شارع بيماور (بيماور شتراسه) وصولاً إلى سوق البراغيث الفسيح في منتزه الجدار (ماور بارك).

ويمكنك أيضاً أن تكمل جولتك في الإنقاق والترفيه عن نفسك في حي (برنتسلاور بيرغ)، حيث تجد محلات تجارة التجزئة، التي تشمل أيضاً  (فيب أورانجه) الذي هو عبارة عن متجر للتحف القديمة يمتلك تشكيلة كبيرة من المنتجات البارزة التي تمثل ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بالإضافة إلى المصابيح ذات الشكل الغريب وتذكارات ألمانيا الشرقية. وهناك أيضاً متجر (ودا كابو) للموسيقى الذي يبيع ويشتري الأسطوانات المستعملة كموسيقى الجاز الحديقة وموسيقى الريغي والموسيقى العالمية وموسيقى ألمانيا الشرقية وغيرها بالإضافة إلى الكتب والأدب الموسيقي. وعندما تنتهي اذهب لتناول مشروباً لذيذاً من المحلات الكثيرة المنتشرة في تلك المنطقة.

 

إقامة في أحضان الماضي!

ومع ما توفره شبكة الطيران الدولي من خطوط طيران تحلق إلى برلين دون توقف، فإن السفر إلى برلين يعتبر مسألة في غاية السهولة بالنسبة للسياح القادمين من منطقة الخليج العربي، خصوصاً مع تسيير طيران (إير برلين) رحلات مباشرة بين مدينة دبي والعاصمة الألمانية برلين.

وسيكون في انتظارك في برلين فنادق عديدة تتواجد على كلا الجانبين حيثما كان يقف جدار برلين سابقاً. فإلى الشرق يقع فندق (أُستل) الذي يأخذك برحلة إلى برلين الشرقية تعود فيها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وفي هذا الفندق، الذي يتواجد مباشرة بالقرب من محطة القطارات الشرقية (أُست بانهوف)، يمكنك أيضاً أن تتعرف على التصاميم الداخلية الأصلية في ألمانيا الشرقية، حيث ستقيم وسط الأثاث الكلاسيكي كخرانة الحائط التي يطلق عليها (كارات). وهناك أيضاً فندق (آركوتل جون ف)، الذي يقع في برلين الشرقية سابقاً، ويعد فندقاً عالمياً قيماً لاسيما بسبب موقعه المركزي وتصميمه وأثاثه الجيدين وموظفيه اليقظين.