المدينة تزخر الحدائق والمتنزهات

الخريف يحول برلين إلى عاصمة من الألوان

للخريف برلين نكهة خاصة.. فعندما تتساقط أوراق الأشجار على مروجها ومتنزهاتها يعيش ضيوف العاصمة الألمانية فصلاً من الألوان الساحرة التي قلما يجد المرء مثيلاً لها، ليزداد بذلك سحر الحدائق والمتنزهات الواسعة التي تزخر بها المدينة، وليتحول التجول في أرجائها إلى متعة ما بعدها متعة.

بين الحي السكني (فيدنغ) و(برنتسلاور بيرغ)، حيث كان جدار برلين يمثل يوماً جرحاً في قلب المدينة نتيجة لتقسيمها، نشأ متنزه الجدار (ماور بارك) الذي ينتمي إلى الأماكن القليلة في المدينة التي كان من يحاول عبورها يلاقي حتفه. ولكن بعد فتح الحدود وإعادة توحيد برلين، تحول خط الجدار بسرعة إلى مساحات خضراء عامة ومنطقة للترفيه والاستجمام، إذ تزخر المنطقة بالعشب الأخضر وأشجار الفاكهة والنباتات البرية والزهور.

ومن المعروف عن برلين أنها تعد واحدة من أكثر العواصم الأوروبية خضرة، حيث أن متنزهاتها وحدائقها تنتشر في كل مكان لتجذبك للراحة والاسترخاء في أحضانها. ويعد متنزه (تيرغارتن) من أشهر متنزهات برلين، فهو بمثابة الرئة الخضراء للمدينة. ولكن في كل مكان من المدينة يوجد أيضاً أشكال مختلفة من المتنزهات الترفيهية، متنزهات المدن، حدائق القصور وكذلك الغابات والأحراج. وهنا ننصحك مثلاً بزيارة الحديقة النباتية والمتحف النباتي (داهليم). فمع 22 ألف نوع نباتي تعتبر الحديقة النباتية (بوناتيشر غارتن) واحدة من أهم ثلاث حدائق نباتية على مستوى العالم. وتدعوك هذه الحديقة النباتية لنزهة ممتعة على مساحة 43 هكتاراً. ويتكون المتنزه من 3 مناطق: المشتل المشجر (مجمع للزهور والشجيرات)، معرض التشكيلات الجغرافية النباتية العالمية، والقسم المنهجي مع ما يقرب من 1500 نوع نباتي. وبالإضافة إلى ذلك توجد حديقة عطرية ولمسية تبلغ مساحتها 3 آلاف متر مربع لفاقدي البصر وذوي الاحتياجات الخاصة الذين يستخدمون الكراسي المتحركة.

وعلى الطرف الشرقي من المتنزه، يتواجد 15 من البيوت الدفيئة (البيوت الزجاجية) في أنماط هندسية، من بينهما البيت الاستوائي الكبير، الذي يعد واحداً من أكبر البيوت في هذا المجال ومثالاً واضحاً على العمارة الزجاجية الفولاذية للقرن التاسع عشر. أما المتحف النباتي، الذي يعد الوحيد من نوعه على  المستوى الأوروبي، فيشتمل على مجموعات نباتية علمية واسعة ومتحف للعرض، حيث يمكن هنا دراسة الملحقات النباتية لمقابر الفراعنة المصريين جنباً إلى جنب مع نماذج عديدة من المملكة النباتية.

ومن الحدائق الأخرى المشهورة في برلين، نذكر حديقة بريتس (بريتسر غارتن) التي تمثل بالفعل مكاناً جديراً بالزيارة، فهي تزخر بمجموعة واسعة من الخيارات لقضاء أوقات الفراغ بكل راحة: منطقة بحيرات تبلغ مساحتها 10 هكتارات، حدائق ذات مغزى مثل حديقة الورود الشهيرة (روزن غارتن)، مناطق اللعب، حديقة جيولوجية، حديقة الساحرات والمختبر الكبير الموجود في الهواء الطلق، الذي يقام فيه معرض دائم عن الحيوانات وعالم النباتات. وفي المكان المخصص للتقويم توجد أكبر ساعة شمسية في أوروبا. ومن استنفذ طاقته عبر نزهة على الأقدام في الحديقة التي تبلغ مساحتها 100 هكتار، يمكنه أن يستمر في رحلته الاستكشافية من خلال قطار الحديقة، أو التعريج على واحداً من المطاعم الثلاث التي تفتح أبوابها على على مدار السنة: (كافيه آم زيه)، (بيسترو آم كاليندر بلاتس) ومطعم (بريتسر موله).

بدورها، تزخر حديقة كومينيوس (كومينيوس غارتن) بالنباتات، التي قلما تجدها بهذه الكثافة في المرافق البلدية. وفي نفس الوقت، تعد الحديقة مكاناً شعبياً للتلاقي في المنطقة.

وينبغي أن لا يفوتك أيضاً زيارة الحديقة الترفيهية (مارتسان) التي تُعرف بحدائق العالم، فأهل برلين وسياحها يصابون بالذهول عندما يعرفون أن منطقة (مارتسان-هيلرسدورف) هي واحدة من أكثر المناطق خضرة في برلين. وتعتبر (حدائق العالم) واحدة من هذه المناطق الخضراء مع حدائق تقليدية ذات مغزى من آسيا، أوروبا والشرق. ففي عام 1987 تم افتتاح الحديقة الترفيهية الواسعة (مارتسان) في مدينة برلين التي كانت مقسمة آنذاك تزامناً مع الاحتفال بمرور 750 عاماً على المدينة، وفي عام 2000 تم إضافة (حديقة القمر المستعاد)، التي تعد أكبر حديقة صينية في ألمانيا. وبالإضافة إلى ذلك، وفي إطار مشروع (حدائق العالم) تم افتتاح حديقة يابانية، حديقة شرقية، حديقة من بالي، حديقة كورية، حديقة مسيحية وحديقة إيطالية بنموذج عصر النهضة. ويجد المرء هنا الكثير من الأشياء التي تستحق المشاهد كما سيحظى بفرصة التعرف على أحدث فنون الحدائق القادمة من جميع أنحاء العالم. وتتوافر هنا حدائق عطرية ولمسية للأشخاص من ذوي الإعاقات البصرية والحركية.

وستتملكك الدهشة عند اكتشاف أن العاصمة الألمانية تقع ضمن منطقة غنية بممراتها المائية وتملك جسوراً أكثر مما تملكه (فينيسيا)! فعندما جرى تقسيم المدينة منذ عقود خلت، تحول العدد الأكبر من أنهار برلين وبحيراتها وأقنيتها إلى مناطق حدودية غير مستخدمة أو مناطق صناعية شبه منسية. ولكن مع مرور السنين، امتزج كل ذلك بالمدينة وتحول من مناطق مهمشة إلى شبكة من الابتكارات والإمكانات.

ولنترك الحديث للأرقام: 51,7 كلم مربع مساحة المياه التي تخص برلين، وهذا ما يقرب من سبعة في المئة من أرض المدينة، بما في ذلك العديد من البحيرات وحوالي 180 كلم من الممرات المائية الصالحة للملاحة.

ومن يهتم بالجسور، لن يكون مضطراً للسفر إلى مدينة فينيسيا، فبرلين تضم 1700 جسراً وتفوق بعدد جسورها تلك المدينة الواقعة على البحر الأدرياتيكي. لذا فإنه يحق للمدينة أن تتزين بلقب "عاصمة المياه".