جدد نشاطك في عاصمة بافاريا العلاجية

مدينة ميونخ.. أكثر من مجرد سياحة اعتيادية

 

بخفة وسرعة يمكنك التجول داخل مدينة ميونخ وخارجها. فإذا كنت تفضل المشي على الأقدام، فإن الطبيعة الساحرة والمعالم التاريخية التي تزخر بها هذه المدينة، ستجعل عينيك تستكشف بفضول ما يحيط بشوارعها من تاريخ عريق وطبيعة آخاذة بينما تحملك قدامك في رحلة مفعمة بالحيوية والنشاط تنسى خلالها مرور الوقت. أما إذا كنت تفضل الاستعانة بالدراجات الهوائية، فستكون أمامك حتماً مغامرة رائعة. أما إذا كنت لا ترغب في إجهاد نفسك جسدياً، فيمكنك استقلال عربة "الريكشا" من ميدان "مارين بلاتس" لتقلك حيثما ترغب.

 

عالم في مدينة واحدة!

مهما كانت الوسيلة التي ستستخدمها في جولتك الاستكشافية انطلاقاً من ميدان "مارين بلاتس"، فإنها ستمنح رحلتك خصوصية وتفرد. فهذه المنطقة الواقعة في قلب مدينة ميونخ تجتذب دوماً أعداداً كبيرة من السياح، وبشكل خاص في فصل الصيف. هناك ستشاهد معالماً سياحية تثير الإعجاب، وسيلفت انتباهك الفن المعماري الذي بات يعتبر صفة مميزة  لمعظم المباني التاريخية فيها، وستحظى بفرصة التعرف على العديد من الأسواق، ويمكنك في أي وقت الاستراحة في المقاهي المتنوعة التي تمتد على جوانب الطرقات، ناهيك عن فرصة الاستمتاع بالمهرجانات والفعاليات التقليدية المثيرة.

ويحتضن هذا الميدان الكثير من المعالم السياحية التي تقع على مقربة منه، مثل سوق "فيكتوالين" وصالة "شرانين هاله" التي تحتوى على أكشاك متعددة تقدم تشكيلة متنوعة من المشروبات والمأكولات الشهية. أما دار البلدية الجديدة ذات الطراز المعماري القوطي الحديث فتتميز بأجراسها الكثيرة التي تدق عند الساعة الحادية عشر أو الثانية عشر وكذلك الساعة الخامسة مساءاً في الصيف، فتجذب انتباه المارة. كما يتميز هذا المبنى أيضاً بمجموعة التماثيل التي تدور على ارتفاع 85 متراً. وعلى مقربة منه يقع مبنى البلدية القديم ذو الطراز المعماري القوطي والذي لا يقل عن مبنى البلدية الجديد جمالاً أو فخامة. وعلى بعد عدة أمتار تقع كنيسة القديس بطرس العجوز أو "ألته بيتر" وهي أقدم كنائس ميونخ على الإطلاق. ويمكن الصعود إلى قمة برج الكنيسة على الأقدام والاستمتاع بالمنظر الساحر لميونخ. وعلى مسافة خطوات معدودات تقع كنيسة النساء أو "فراون كيرشه" الرائعة التي تضفي على المدينة طابعاً مميزاً بقبتي برجها (ارتفاعه 99 متراً) اللتين تبدوان على شكل بصلتين.

وتشتهر ميونخ بأنها مدينة ثقافية عالمية الطابع، إذ أنها تمتلك مئات المتاحف والمعارض الفنية، والقصور الأثرية، والكثير من الكنوز الثقافية والفنية التي يجب ألا يفوتك زيارتها والاستمتاع بها.

وننصح عشاق متاحف اللوحات الفنية الذين يتوافدون على المدينة، أن يقوموا بزيارة المتاحف الثلاثة المخصصة للوحات والرسومات الفنية في شارع "بارر شتراسه" في منطقة "شفابينغ"، حيث تعد هذه المتاحف من أهم متاحف اللوحات الفنية في العالم. ويضم المتحف القديم أكثر من 800 لوحة من أعمال أشهر الفنانين الأوروبيين ومنهم "تيزيان" و"جيوتو" و"روبنز" و"رمبراندت". وعلى أمتار قليلة منه، يقع المتحف الجديد الذي يحتوي على مجموعة هامة من الأعمال الفنية الأوروبية من نهاية القرن الثامن عشر وحتى بداية القرن العشرين، ومنها على سبيل المثال لوحات لـ "فان غوخ" و"مونيه" و"ديغاس" و"غوغان" و"سيزان". أما المتحف الثالث فهو متحف الفن الحديث الذي اُفتتح عام 2002، والذي يعطي فكرة شاملة عن أعمال الفن التصويري والتشكيلي والتطبيقي في القرنين العشرين والحادي والعشرين.

أما دار الفن، التي تقع بجوار الحديقة الإنجليزية ذات الصيت الواسع، فتقوم بعرض مقتنيات فنية وتاريخية تعود إلى مختلف العصور الفنية، حيث تعتبر اليوم من بين المعارض التي تقوم بعرض الأعمال الفنية للفنانين المعاصرين من مختلف أنحاء العالم.

ويبرز مبنى "لنباخ" كأحد المنازل الذي تم بناؤه للرسام "فرانس فون لنباخ" على الطراز التوسكاني في القرن التاسع عشر، حيث يضم عدداً كبيراً من الأعمال الفنية التي تنتمي إلى مجموعة الفنانين التعبيريين "الفرسان الزرق". هنا يمكنك الاستمتاع بمشاهدة لوحات كبار الفنانين من أمثال "بول كليه" و"فرانس مارك" و"أوغست ماكا" أو "فاسيلي كاندينسكي". وبالإضافة إلى ذلك، يقوم المتحف منذ سبعينيات القرن الماضي بجمع الأعمال الفنية التي تؤرخ لحركة تطور الفن المعاصر، ولذا فإن المتحف يضم أعمالاً لأكثر الفنانين تأثيراً في الحركة الفنية في العالم من أمثال "يوسف بويز" و"آندي وارهول" و"أنسليم كيفر" و"دان فلافين" و"جيف وول". كما يفسح المتحف بأقسامه المتعددة المجال ليس فقط لعرض الأعمال الفنية المشهورة، بل يعرض أيضاً أعمال الفنانين المعاصرين التي تلقى أعمالهم اهتمام الرأي العام.

ولكي تتعرف على شكل الحياة في الحقب البائدة، فلا بد من زيارة متحف بافاريا القومي، حيث يمكنك مشاهدة التماثيل التي تنتمي للعصر القوطي، وفن صناعة الذهب كما كان في نهاية عصر النهضة، وسجاد الحائط الثمين والقطع الأثرية النادرة التي ترجع إلى عصر الباروك والروكوكو. ولا تكتمل صورة الفن البافاري والأوروبي المتألق إلا من خلال اللوحات والساعات والأعمال الفنية المصنعة من العاج. وتضم المقتنيات المتنوعة بالمتحف مشغولات فنية يدوية وتراثية وأعمالاً فنية من خارج ولاية بافاريا.

أما عشاق الإنجازات التكنولوجية، فعليهم التوجه إلى المتحف الألماني، فهناك توجد سفن شراعية ونماذج نووية وطواحين هواء وكبسولات فضائية وقاطرات ديزل، وأناس آليين مستخدمين في مجال الصناعة، وآلات الأرغن، وسفن إنقاذ وغيرها الكثير.

ولا يعتبر هذا المتحف واحداً من أقدم متاحف التاريخ الطبيعي والتقني في العالم فقط، بل يُعد كذلك أحد المتاحف التي تتمتع بأكبر عدد من الزائرين. وعلاوة على ذلك، فهو من أكبر متاحف العالم حيث أن مساحته تبلغ حوالي 50 ألف متر مربع.

ومن يريد أن يتعرف على تاريخ ميونخ، فعليه حضور المعارض المؤقتة والدائمة التي يقيمها متحف المدينة للاطلاع على الوثائق والسجلات التي تتناول تاريخها. كما تقام هنا معارض خاصة حول تاريخ الحضارات والثقافات المختلفة. ويغطي هذا المتحف نطاقاً ثقافياً وفنياً واسعاً، سواء أكان الأمر يتعلق بفن التصوير الفوتوغرافي أو فن الأزياء والإكسسوارات أو فن العمارة أو اللوحات الفنية والنحت والأشغال اليدوية أو الآلات الموسيقية.

 

حفاوة في كل مكان

ليس بغريب أن تكون هذه المدينة من الوجهات السياحية المفضلة لدى مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما وأنها تستقبل دوماً زوارها العرب بحفاوة كبيرة. لذا، فلن يكون مفاجئاً إن شاهدت العديد من السياح العرب يتجولون في شوارع المدينة ويقومون بجولات استكشافية مثلك للتمتع بمناظرها ومعالمها المتتنوعة. ويمكننا القول إن زيارة السياح الخليجيين إلى العاصمة البافارية أصبحت تقليداً معتاداً في فصل الصيف، سواء أكان الهدف من الزيارة هو التعرف على المعالم التاريخية والمتاحف الفنية والثقافية أو التسوق في شوارع ميونخ الراقية كجادة "ماكسيميليان" أو تناول عشاء فاخر في فندق "كونيغسهوف" أو الاسترخاء والتمتع بالطبيعة في الحديقة الإنكليزية.

كما يحرص الكثير من عشاق التسوّق على الاشتراك في جولات تسوق ممتعة عبر المحلات الداخلية للمدينة، ومركز "فونف هوفه" (وتعني: الباحات الخمس) ومحلات "شفابينغ" الحديثة. وتستمتع الكثير من العائلات بزيارة حديقة الحيوانات التي تُعرف بـ "حديقة هيلابغون"، بالإضافة الى متنزه "ويستبارك" الذي يوفر الكثير من ساحات اللعب، وحديقة النباتات الشهيرة.

ومن الأشياء التي يمكن أن تلاحظها بسرعة خلال زيارتك إلى العاصمة البافارية هو احترام أهلها لتقاليد وثقافات الشعوب الأخرى، إذ يعيش في المدينة عشرات الآلاف من المسلمين، الذين ترجع أصولهم إلى جنسيات مختلفة، ويعود جزء كبير منهم إلى الأصول التركية وآخرون إلى دول اتحاد الجمهوريات اليوغوسلافية سابقاً، بالإضافة إلى المسلمين من أصول عربية. وبالتالي تعتبر اللغات التركية والصربية والكرواتية من اللغات المستخدمة للصلاة في معظم المساجد والزوايا في ميونخ، بالإضافة طبعاً إلى العربية. واعتاد الناس في ميونخ على رؤية الزي الخليجي، بل إن الكثير منهم يبدي إعجابه بطرق تصميم العباءة الخليجية وتنوعها. كما أن معظم الفنادق والمطاعم توفر اللحوم الحلال وتعرف جيداً متطلبات واحتياجات السائح الخليجي.

وتزخر ميونخ بالفنادق المتنوعة التي تتناسب مع احتياجات الضيف الخليجي وتمنحه كافة وسائل الراحة ومتعة الإقامة، فهناك العديد من الفنادق الكبرى والفاخرة التي لا تتميز فقط بمستوى الخدمة العالية، وإنما أيضاً بموقعها الممتاز في قلب المدينة، مثل فندق "كونغسهوف"، "بايريشرهوف" و"فير يارس تسايتن"، حيث ستحظى بالخدمة الراقية والأجواء الجميلة عند إقامتك في أحد هذه الفنادق، سواء القريبة من ميدان محطة القطارات الرئيسية أو المتواجدة في وسط المدينة أو في أحضان مدينة ميونخ القديمة أو في الحي الراقي "بوغن هاوزن". كما ستجد كل ما هو متميز وراقي في شارع "ماكسميليان" الذي يعتبر أشهر وأفخم شوارع أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، تزخر المنطقة القريبة من الفنادق بالكثير من المعالم السياحية والمسارح والمعارض ودار الأوبرا البافارية المشهورة عالمياً، والتي تجذب السائحين ببرامجها الثقافية المتنوعة والشيقة.

وهناك أيضاً الفنادق ذات التصاميم الخاصة، التي توفر أجواء فريدة تلقى إعجاب عشاق الفن والثقافة، إذ أن الأعمال الفنية الكلاسيكية والمعاصرة في هذه الفنادق، لا تزين الغرف فقط، بل تجمل أيضاً الممرات وقاعة البهو والنوادي الصحية. وهنا ستجد الجو الذي تفضله، إذ سرعان ما تشعر وكأنك في بيتك. وتوفر هذه الفنادق للضيوف والنزلاء واحة من الهدوء والراحة في قلب مدينة تنبض بالحيوية والنشاط، فالكثير منها يقع على سبيل المثال في حي "غلوكنباخ" المشهور بالمقاهي الحديثة والمطاعم الجميلة والمحلات الأنيقة.

أما الفنادق العريقة فتعطيك تصاميمها انطباعاً وإحساساً بسحر وعبق تاريخ مدينة ميونيخ القديمة. ويمكنك في هذه المطاعم تذوق المأكولات والأطباق الشهية الخاصة بولاية بافاريا ومنطقة جبال الألب. كما يقع العديد منها في وسط مدينة ميونخ القديمة بالقرب من مطعم "هوف برايو هاوس" المشهور عالمياً والذي يفوح منه عبق التقاليد البافارية القديمة.

وسيكون بإمكان العائلات الخليجية استئجار شققاً فندقية عند الإقامة لفترة طويلة في ميونخ، إذ تم تزويد معظم الشقق المفروشة بكافة سبل الرفاهية لتجعل من السكن مكاناً مثالياً للراحة المتناهية. ومع وجود التقنيات الحديثة والكماليات، مثل الإنترنت اللاسلكي وخدمات النوادي الصحية، تزداد إقامتك متعة.

وتتنوع مساحات الشقق المفروشة، بحيث تجد كل ما يتلاءم مع متطلباتك ورغباتك وعدد أفراد أسرتك. وبالطبع فإن الأسعار تعتمد على مدة إقامتك، وتكون إما باليوم أو بالشهر. وتنتشر الشقق المفروشة في وسط المدينة أو خارجها في المناطق الهادئة. كما يعرض الكثير من فنادق ميونيخ شققاً للإيجار، مما يجعل قائمة الخيارات أمامك واسعة ومتنوعة جداً.

 

استشفاء في أحضان الطبيعة

صحيح أن الكثير من السياح العرب يقصدون ميونخ للتسوق والترفيه وللتعرف على تاريخ هذه المدينة ومعالمها السياحية، إلا جمال الطبيعة الخلاب يعتبر عاملاً حاسماً في جذب السياح. فالمحميات البافارية الشاسعة بإطلالاتها على بحيرات وجبال الألب، والمناظر الخلابة التي تشعرك بالراحة والهدوء وكأنك واقف قبالة لوحة رومانسية رائعة، إلى جانب القرى القديمة والقلاع الشبيهة بتلك الموجودة في عالم ديزني، نجحت جميعها في استقطاب الكثير من السياح العرب، الأمر الذي يجعل من هذه المدينة مكاناً مميزاً لقضاء عطلة رائعة بعيداً عن حر الصيف المعهود في منطقة الخليج.

ولا تقتصر مقاصد الزوار القادمين من منطقة الخليج إلى العاصمة البافارية على السياحة التقليدية، بل تتعدى ذلك إلى السياحة العلاجية، لاسيما مع توفر رحلات طيران مباشرة بين ميونخ ومعظم المدن العربية. وترجع شهرة ميونخ الطبية إلى امتلاكها كافة المقومات العلمية والتكنولوجية التي قلما أن تتوفر في مكان واحد، وبالتالي فهي تحتل مكانة رائدة في مجالات الأبحاث الطبية وتشخيص وعلاج كافة الأمراض. وليس هذا من قبيل المصادفة، إذ أن المزاوجة والتزاوج بين الأبحاث والتقنيات من ناحية والتطبيقات العملية من ناحية أخرى مهدت الطريق أمام ميونخ لتتبوأ هذه المكانة الرفيعة. كما أن مستويات الأداء الطبي فيها تتميز بالعالمية، وخير دليل على ذلك هو أن المجلات الدولية المتخصصة تمنح مستشفيات ميونخ أعلى الدرجات في الجودة والكفاءة الحرفية وتضعها ضمن أفضل المراكز الطبية الرائدة على مستوى العالم. فلا غرابة إذن أن يمنح المرضى القادمون من دول منطقة الخليج ثقتهم لهذه المدينة.