رحلة بين زمنين

برلين مدينة تعشق الحياة

عندما تسأل خبراء السفر عن أفضل وجهات العطلات وأقلها تكلفة وأكثرها إثارة في العام 2011، فلابد أن تكون برلين ضمن القائمة. وظهر ذلك جلياً في قائمة دليل السفر الدولي (لونلي- بلانت) الذي وضع تصنيفات وفئات بأفضل عشرة مدن، حيث احتلت برلين المرتبة الأولى في أحد التصنيفات. ففي فئة (أفضل مدينة عائدة) جاءت برلين في المركز الأول. والمسألة تتعلق هنا بمدينة لديها تاريخ مليء بالصعوبات، ولكنها نمت لتصبح من أبرز وجهات السفر في العالم.


ونصح دليل (لونلي بلانت) السياح بالقيام بجولة حنينية إلى قصر الدموع (ترينن بلاتس) ومتحف ألمانيا الشرقية (دي دي ار موزيوم) والسينما الدولية (كينو إنترناسونال)، بالإضافة إلى قضاء ليلة في فندق (أُستل) الذي تطغى على غرفه التصاميم والأثاث الذي كان سائداً في ألمانيا الشرقية. وجاءت برلين أيضاً ضمن العشرة الأوائل في فئة (أفضل متاجر كتب في العالم) وذلك من خلال متجر (آنَذر كانتري) في حي كرويتسبيرغ.

وخلافاً للكثير من المدن العالمية الشهيرة، فإنه من المستحيل التغاضي عما تعرضت له برلين من ضربات وويلات وحروب كان لها مخلفات ثقيلة على المدينة. وإذا كانت برلين اليوم قبلة سياحية مميزة لكل السياح من مختلف أنحاء العالم، فإن ذلك يدل على قدرتها على الحياة والعودة من جديد. وما تزال هناك الكثير من المعالم السياحية والأماكن التي ترمز إلى الماضي كباقايا الجدار، والنصب التذكاري للمحرقة، وموقع مخبأ هتلر.

وعندما يدخل المرء مثلاً إلى متحف ألمانيا الشرقية (دي دي ار موزيوم) فإنه سيطلع على أعمال فنية أصلية وأفلام أرشيفية حول الحياة في ألمانيا الشرقية السابقة وتأثير جهاز أمن الدولة والجدار في الحياة اليومية للناس.

أما بالنسبة لهؤلاء المأخذون بفيلم (حياة الآخرين) (ذي لايفس أُف آذرس) الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية وعلى عدة جوائز ألمانية والذي تدور معظم أحداثه حول طبيعة نظام الحياة في ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين، فينبغي عليهم أن يزوروا متحف شتازي (شتاز موزيوم) الذي كان يضم في السابق مكاتب أمن الدولة الـ (شتازي).

كما تبرز برلين من بين كل المدن الألمانية كمدينة دائمة التطور ولكنها مفعمة بعبق التاريخ، حيث يمكن للضيوف، على سبيل المثال، أن يعيشوا الأجواء التاريخية بمجرد زيارة بعض المعالم السياحية الأكثر شهرة مثل بوابة (براندنبورغ) وبرج التلفزيون في ساحة  (الكسندر بلاتس) و(نقطة تفتيش شارلي) وبقايا جدار برلين.

وبالنظر إلى تاريخ ألمانيا الطويل، فعلى الرغم من أنه لم يمض إلا عدة سنوات فقط منذ إعادة التوحيد الرسمية للبلاد في عام 1990، فإن العاصمة الألمانية المقسمة سابقاً، استفادت من العقدين الماضيين بحكمة لإعادة التعريف بنفسها، ولإيجاد صورتها الخاصة في مكان ما بين الشرق والغرب، وما بين التقليد والحداثة.

وتعد العاصمة الألمانية برلين النموذج المثالي لحاضرة ثقافية متعددة الجنسيات. فمن بين 3.4 مليون شخص يعيشون فيها، هناك عدد كبير من الفنانين والكتاب والموسيقيين الذين يساهمون في إضفاء اتجاهات متنوعة على أجواء برلين الإبداعية الشهيرة. وتحظى برلين أيضاً بشعبية خاصة لدى الزوار الدوليين ومن بينهم العديد من دول الخليج العربي، وذلك لما تقدمه من فرص فريدة للتسوق في أسواقها المتنوعة التي تضم الكثير من محلات الأزياء العالمية. وتجذب هذه المدينة المسافرين الشباب أيضاً، نظراً للعديد من الأسباب، التي يأتي في مقدمتها عروض السفر ذات الأسعار المعقولة مقارنة بالعواصم الأوروبية الأخرى، فتكاليف الإقامة في برلين وأسعار تذاكر الفعاليات وحتى وجبات الطعام هي أقل بكثير من قريناتها من تلك المدن. وتعد برلين أيضاً واحدة من أفضل المدن الأوروبية الصديقة للأطفال والعائلات، حيث تقدم عروضاً متنوعة ومتجددة ومثيرة لكل أفراد العائلة.

وتساهم المساحات الخضراء والممرات المائية الواسعة المنتشرة في جميع أنحائها بلا شك في زيادة جاذبيتها وتدعو السكان المحليين والزوار على حد سواء للاسترخاء وسط الصخب المستمر الذي تعرف به. وحتى الضيوف الذين يزرون المدينة بانتظام يؤكدون أنه لا يوجد وقت للملل في برلين، نظراً للكم الهائل من الفعاليات التي تحدث على مدار العام كفعاليات المتاحف ذات الشهرة العالمية والمعارض الفنية الرائدة وعروض الأزياء الدولية ومهرجان برلين السينمائي (برليناله) والمسارح التي تقدم العروض الموسيقية المهمة، ناهيك طبعاً عن الحياة الليلية المثيرة التي تجذب نجوم ومشاهير العالم.

ومع ما توفره شبكة الطيران الدولي من خطوط طيران تحلق إلى برلين دون توقف، فإن السفر إلى هذه المدينة يعتبر مسألة في غاية السهولة بالنسبة للسياح القادمين من منطقة الخليج العربي، خصوصاً بعد قيام (إير برلين) في نوفمبر من العام الماضي بتسيير رحلات مباشرة بين مدينة دبي والعاصمة الألمانية برلين.

وسيكون في انتظارك في برلين فنادق عديدة ومتنوعة، منها ما يأخذك برحلة إلى برلين الشرقية تعود فيها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كفندق (أُستل)، الذي يتواجد مباشرة بالقرب من محطة القطارات الشرقية (أُستبانهوف)، حيث تقيم وسط الأثاث الكلاسيكي الذي كان دارجاً في ألمانيا الشرقية سابقاً. ومنها ما يجمع بين التاريخ العريق والخدمات الحديثة الراقية، مثل فندق (آدلون كمبينسكي)، الذي يقع بالقرب من بوابة (براندنبورغ) التاريخية ويعد واحداً من أهم و أشهر الفنادق في ألمانيا، حيث كان وما يزال مقصداً مهماً لمشاهير وزعماء العالم، ففي السابق استقبل الفندق ضيوفاً مثل ألبرت آينشتاين، توماس مان، القيصر فيلهلم الثاني، وتشارلي شابلن وغيرهم، كما زاره في العصر الحديث المغني الأمريكي الراحل مايكل جاكسون، ميخائيل غورباتشوف، بيل كلينتون، وعدد من ملوك وملكات العالم وأيضاً العديد من رؤساء الحكومات ورجال الأعمال والمشاهير. ويضم الفندق عدة مطاعم فخمة تحظى بشهرة عالمية، كما يوفر أيضاً عدداً من الأجنحة الرئاسية والكثير من الأجنحة الفخمة الأخرى، إضافة إلى عدد كبير من الأجنحة والغرف ذات التصميم والأثاث الراقي.

وهناك أيضاً الكثير من الفنادق الفخمة ذات التجهزيات الحديثة في برلين، مثل فندق (كمبينسكي بريستول) الذي يقع في شارع (كودام)، وفندق (ذي ماندالا) في شارع (بوتسدام شتراسه)، وفندق (ماريوت) في ساحة (بوتسدام) وكذلك فندق (غراند حياة)، وفندق (ذي ريجنت) عند ساحة (جندارمن ماركت) وغيرها الكثير.