مفعمة بالحنين

هامبورغ.. مدينة تُعيد اختراع نفسها

قد يكون من الصعب تخيل هامبورغ الحرة الهانزية بلا ميناء أو مياه! فالميناء يعتبر قلب المدينة النابض، والمياه تمثل سمتها الطاغية، فهي تمنحها طابعاً فريداً لا يُضاهى. ولا ننسى الجسور، فهناك أيضاً حوالي 2500 جسر تمتد فوق القنوات المائية التي لا حصر لها بين أنهار "إلبه" و"ألستر" و"بيله"، أي أكثر من أمستردام ولندن والبندقية مجتمعة. كما تساهم الأجواء البحرية والهواء النقي والانفتاح الهانزي على العالم في جعل هامبورغ أفضل مدينة في العالم بالنسبة للكثيرين.

 

 

قلب هامبورغ

على الرغم من أن ميناء هامبورغ يمثل القوة الدافعة وراء تطوير المدينة، إلا أنه ليس مجرد عامل اقتصادي، بل مصدر كبير للجذب السياحي، لاسيما مع ما يتميز به من موقع مركزي في قلب المدينة. فهنا تشاهد روعة عمليات رسو وانطلاق السفن وتحميل وتفريغ البضائع في محطات حاويات على أعلى مستوى. وأفضل وسيلة لاستكشاف الميناء هي بالتأكيد من خلال رحلة بواسطة القارب ذهاباً وإياباً. وستجد هنا أيضاً مرافق ثقافية وترفيهية راسخة، إذ تمثل مدينة المستودعات التاريخية "شبايشر شتادت" موطناً للعديد من المتاحف ومراكز الترفيه المختلفة، مثل بلاد العجائب المصغرة (فوندرلاند مينياتور). فقد أصبح نظام القطارات المصغر هذا واحداً من أكثر أماكن الجذب السياحي استقطاباً للزوار في ألمانيا. تمتد بلاد العجائب المصغرة (فوندرلاند مينياتور) على مساحة 6400 متر مربع (أكثر من 68 ألف قدم مربع). وتحتوي على ما يقرب من 930 قطاراً مع أكثر من 14450 عربة، 228 ألف شجرة، 215 ألف نموذج، 8850 سيارة، 13000 مسار طويل و3660 منزل وجسر. لقد تم بناء نموذج نظام السكك الحديدة المصغر كله من قبل 230 عاملاً، قضوا أكثر من 580 ألف ساعة عمل على هذا المشروع. يتم التحكم بحركة القطارات بشكل رقمي. ويمكنك تجربة عالم السكك الحديدة هذا نهاراً وليلاً، كل نصف ساعة. وهو مكان لا ينبغي تفويت زيارته، فهو مناسب للصغار والكبار على حد سواء.

كما يمثل متحف "بروتوتيب" ثقافة السيارات قلباً وقالباً، حيث يتمحور حول معروضات السيارات الكلاسيكية التي تم جمعها من قبل "توماس كونيغ" و"أوليفر شميدت". وخلال عقود من عملهما المتفاني لم ينتجا مجموعة من السيارات المتميزة فقط، بل وضعا أيضاً وعلى نطاق واسع أرشيفاً وإرثاً من التصاميم والهياكل السابقة والسائقين. ولا يكتفي "بروتوتيب" بعرض أحادي الأبعاد للسيارات، بل يتجاوز ذلك لينتقل إلى التنوع الكبير والمراحل الزمنية لتطور صناعة المركبات، مع التركيز كثيراً على الناس وراء السيارات.

 

مدينة الميناء

وبالقرب من مدينة المستودعات توجد "مدينة الميناء" (هافن سيتي).. هنا تقوم هامبورغ بإعادة اختراع نفسها.. فمساحة وسط المدينة ستزداد بحوالي 40 في المئة من خلال مشروع "مدينة الميناء" (هافن سيتي)، الذي يعتبر أكبر مشاريع التنمية الحضرية في أوروبا، فهو يُبنى على مساحة 157 هكتاراً كانت تُستخدم في السابق للميناء. يقع هذا الحي الجديد من المدينة مباشرة على نهر الإلبه والميناء، حيث يتم إنشاؤه ليقدم مزيجاً فريداً من الثقافة والترفيه، الحياة والعمل، التسوق والطعام.. وتقع حدائقها ومرافقه العامة ومتنزهاته ومناظره وإطلالاته على المياه. وبالفعل، تم إنجاز الأقسام الأولى من الحي الجديد، حيث يعيش حالياً في "هافن سيتي" أكثر من 1500 شخص وحوالي 7200 شخص يعملون هناك (مارس 2010). وسيربط قطار الأنفاق (يو 4) بين "هافن سيتي" ومركز المدينة. وبحلول عام 2020 سيكون هناك حوالي 45 ألف وظيفة، وسيعيش حوالي 12 ألف شخص في حي "هافن سيتي". هذه المنطقة الجديدة من المدينة والمؤسسات الثقافية المزمع إنشاؤها ستجذب أيضاً حوالي 3 ملايين زائر سنوياً.

 

وجه آخر

وفي الوقت الذي تعج به ضفاف نهر الإلبه بالمحال التجارية والمطاعم والمقاهي وتزدحم بالناس، تتصف ضفاف الـ "ألستر" بالهدوء وتعتبر مكاناً مثالياً للاسترخاء والراحة ولكل من يحب ركوب القوارب الشراعية أو زوارق التجديف. فمياه وادي الألستر الصغير وروافده الأصغر تم حصرها منذ القرن الثالث عشر لتكوّن بحيرة الألستر التي هي اليوم إحدى مناطق الإلتقاء المفضّلة لأهل هامبورغ وزوارها. فمنظر المدينة اليوم يبدأ من بحيرة الألستر الداخلية وجسر "لومباردس بروكه" باتجاه "يونغفيرن شتيغ"، مع العديد من الأبراج التي تزين الخلفية. وبمساحة تبلغ 164 هكتار، وبنوك تمتد على مسافة سبعة كيلومترات، تمثل بحيرة الألستر الخارجية بدورها مكاناً شعبياً لركوب القوارب الشراعية وزوارق التجديف. وتعتبر الحدائق المحيطة بها مكاناً مثالياً للجري والمشي. ويقدم أسطول سفن الألستر السياحي "الأسطول الأبيض" رحلات سياحية ذهاباً وإياباً وخدمات مجدولة.

 

جولات بلا مظلة!

كما تزخر مدينة هامبورغ الحرة الهانزية بالأروقة الأنيقة، وشوارع التسوق المشهورة والفنادق الراقية. ويمثل موقعها في حد ذاته الرفاهية اللامتناهية، لاسيما مع وجود بحيرة خلابة في قلب المدينة. وتحتضن هامبورغ أيضاً أحد أضخم الشوارع في العالم: "إلب شوسزيه"، الذي يمتد عبر ضواحي "أورتمارشن"، "نينستيدن" و"بلانكنيزه"، الواقعة على ضفاف النهر. كما أن الرفاهية في هامبورغ لاتعني الغلاء، بل تدل على التفرد والتميز، فهذه المدينة مفعمة بالجاذبية، تماما كما هو حال سكانها المعروفين بحسن الضيافة.

سيجد الضيوف القادمون إلى هامبورغ شبكة من مراكز التسوق الرائعة الواقعة في قلب المدينة. والمميز أن لكل واحد من هذه المراكز جمال خاص ورونق ساحر. فنظراً لقربها من بعضها البعض، يصبح بإمكانكم المرور في مركز المدينة بأكمله دون الحاجة لاستخدام المظلة! وتشكل الزخرفة الخلابة والسقوف المزينة بالرسوم تجربة تسوق ممتعة لكل زوار وضيوف المدينة.

ومن المؤكد أنك سوف تستمتع بجولات التسوق في العديد من المرافق التاريخية، كالتسوق عبر رواق الحي الهانزي التاريخي "هانزه فيرتل"، الذي يمثل مجمعاً مذهلاً للتسوق مبني من الحجر ويمتد على مساحة 9000 متر مربع تحت سقف زجاجي على شكل قبة.

ومن المباني التاريخية الأخرى التي تحولت إلى جنة تسوق، يبرز مبنى "كاوفمانسهاوس"، حيث كان تجار هامبورغ في القدم يديرون إمبراطوريتهم التجارية العالمية. هذا المثال النموذجي الهامبورغي على الهندسة المعمارية لمرحلة التأسيس "غروندر تسايت"، أُعيد افتتاحه في عام 1911 بعد أعمال ترميم شاملة. وهناك أيضاً مبنى "ليفانته هاوس" في شارع "مونكيبيرغ شتراسه"، حيث يعد موطناً لأكثر من 40 متجراً جذاباً وأنيقاً.

 

التسوق يتحول إلى ثقافة

أما شارع "نوير فال" فهو بمثابة شارع المصممين في مدينة هامبورغ. يبدأ هذا الشارع من على مقربة من مبنى قاعة البلدية المهيب وتحيط به قنوات الألستر. ورغم أن هذا الشارع، الذي يعد بمثابة مركز تسوق في الهواء الطلق، ليس عريضاً تماماً، إلا أنه يعتبر واحداً من أفخم عشرة شوارع تسوق في أوروبا. فهنا تجد المتاجر الرائدة لمصممي الأزياء الواحد يلي الآخر، بدءاً من "أرماني" و"أونغر" إلى "يووب" و"جيل ساندر"، ومجوهرات لدى "بولغاري"، "كارتير" و"زونيكسن"، إكسسوارات لدى "هيرميس"، "أوفرمان" و"لويس فيتون"، والعديد من دور الأزياء العالمية الأخرى التي لديها فروع هنا.

ويشكل شارع "يونغفيرن شتيغ" الذي تم تجديده مؤخراً، الحدود الجنوبية لبحيرة الألستر الداخلية، ويعتبر كذلك بوليفارد التسوق الفاخر في هامبورغ منذ زمن طويل. ففي السابق، كانت العائلات تتمشى هنا أيام الآحاد برفقة بناتهم غير المتزوجات ("يونغ فيرن" تعني "الفتاة العذراء"). وفي الوقت الحاضر، فإن كل شيء يدور هنا حول التسوق في المتاجر الكبرى والمحلات التجارية الرائعة. كما أن مركز التسوق "هامبورغر هوف" يقع أيضاً هنا في "يونغفيرن شتيغ". في هذا المكان يصبح التسوق ثقافة: المحلات الكبيرة والصغيرة الرائعة تليها بعضها البعض مع عروض حصرية. ويوجد المزيد من السلع القيمة على طول شارع "يونغفيرن شتيغ": أحذية، إكسسوارات جلدية وإكسسوارات للسفر، المتجر الشهير الـ "ألستر هاوس" والدور التقليدية مثل سينما "شترايتس". وعلى جانب "يونغفيرن شتيغ" مقابل ميدان البلدية "راتهاوس ماركت"، توجد أروقة "ألستر أركادن" التي تعتبر مكاناً رائعاً لقضاء الوقت. وتسير هذه الأروقة المقنطرة بموازاة قناة الألستر. هناك أربعة مبان أصلية لا تزال قائمة مع مصابيح الشارع القديمة، درابزينات حديدة، سمك مطلي بالذهب ورماح ثلاثية الشعب بين الأقواس المستديرة.

وعند محطة "يونغفيرن شتيغ" يوجد بيت نيفيا "نيفيا هاوس" الذي يمتد على 3 طوابق. فتحت عنوان "لحظات من العافية في مركز المدينة النابضة"، يقدم فريق من الخبراء بعض الدلال أو مشورة بسيطة لكل من يشعر أنه بحاجة إلى فاصل قصير من الاسترخاء والتعافي غير المعقد. ويوفر "نيفيا هاوس" مجموعة كاملة من العلاجات التي تعتمد على عائلة منتجات هذه العلامة التجارية، من العناية بالوجه والشعر إلى تجميل الأظافر، تقديم المشورة الخاصة بالبشرة، وأنواع من التدليك، لتحظى بالفعل بتجربة فريدة من نوعها.

وعند نهاية شارع "شبيتالر شتراسه"، فستجد أكبر منطقة تسوق في هامبورغ: شارع "مونكيبيرغ شتراسه"، الذي يُطلق عليه اسم "مو". وهو رمز مدني للاعتزاز التجاري. إن امتداد شارع "مو"، الذي يربط محطة القطارات الرئيسية بمبنى البلدية، كان معروفاً باسم "غينغه فيرتل" (حي الزقاق) حتى عام 1907، حيث كان يعيش أناس فقراء في أزقة ضيقة في منازل نصف خشبية. ومع شارع "موكيبيرغ شتراسه" فقد بنى آباء المدينة جادة تمثل العزة والقوة الاقتصادية للمدينة الهانزية بأفضل شكل. وحتى اليوم، فإن هذا البوليفارد المفعم بأحلام التسوق يثير إعجاب زوار هامبورغ بتنوع بضائعه، التي تناسب الجميع سواء أكانوا شباباً أم كباراً بقلوب شابة، كما أنها تتناسب مع كل ذوق وميزانية.

أما حي "كارولينن فيرتل"، أو كما يُسمى محلياً "كارو فيرتل"، فهو مناسب لأولئك الذين يتجنبون الماركات العصرية لصالح المصممين الشباب الذين يبتكرون تصاميم خاصة بهم. وقد وصل العديد من هذه الماركات إلى الشهرة والعالمية. فالكثير من رموز الموضة يقومون بالتسوق هناك، ليحصلوا على أزياء يتم إعدادها بناءً على الطلب الخاص. وعلى الرغم من أن ملابس الكشمير والصوف هي المفضلة، إلا أن المصممين يقدمون لحسن الحظ إبداعات أكثر غرابة أيضاً.

 

نكهة خاصة!

وإذا كنت من عشاق الطعام الجيد فيمكنك ضرب عصفورين بحجر واحد من خلال التجول على طول نهر الإلبه، فهنا لديك فرصة مشاهدة السفن العملاقة وفي نفس الوقت التمتع بوجبة طعام رائعة. ويتنافس العديد من أفضل المطاعم على جذب الزبائن على امتداد كيلومترين على طريق الألب العظيم. كما أن هناك العديد من المرافق المفعمة بالرومانسية والحنين. فزيارة هامبورغ لا تكتمل دون التوجه إلى سوق السمك التقليدي التاريخي (فيش ماركت)! فهنا، ومنذ عام 1703، يُباع كل ما بخطر على البال، ويمكن الحصول على شتّى البضائع، حيث ترى الحشود تسير في كل صباح يوم أحد (من اساعة 5 صباحاً إلى 9:30 مساءً) في الممرات الضيقة. ومن التجارب الرائعة للذين يستيقظون باكراً، ننصحهم بتناول الفطور على أنغام الموسيقى الحية تحت سقف قاعة المزاد العلني التي يبلغ عمرها أكثر 100 عام ويرتبط اسمها تاريخياً بالسمك.