تحتكم إلى قناعات حسن التعاون والمنفعة المشتركة

ألمانيا والإمارات.. شراكة استراتيجية قوية

من السهل على أي متابع لمسيرة تطور العلاقات بين جمهورية ألمانيا الاتحادية ودولة الإمارات العربية المتحدة أن يلاحظ متانة هذه العلاقات واهتمام الطرفين بالمحافظة على التعاون بينهما وتعزيزه بشكل مستمر بالشكل الذي يضمن مصلحة ومنفعة شعبي البلدين الصديقين. ويظهر مدى التعاون الاقتصادي والنشاط الاستثماري المتنامي بين ألمانيا والإمارات من خلال الاتفاقيات الثنائية المبرمة بينهما والزيارات المتبادلة التي قام بها مسؤولون من الجانبين على مختلف المستويات في السنوات الماضية، والتي ساهمت بلا شك في تعميق أواصر التعاون والصداقة.



علاقات نموذجية وشراكة استراتيجية

ترتبط ألمانيا بعلاقات اقتصادية وثيقة مع العالم العربي، لاسيما مع دولة الإمارات. ولم تؤثر الأزمة المالية الراهنة على متانة هذه العلاقات، بل إن تدعيم مفهوم التعاون والتنسيق بين البلدين يساهم دوماً في تطويرها وتعميقها، بحيث يمكننا اليوم وصف الإمارات بأنها أهم شريك اقتصادي لألمانيا في المنطقة العربية برمتها. ويدرك المتابع للعلاقات الألمانية الإماراتية أنها علاقات تحتكم إلى قناعات حسن التعاون والمنفعة المشتركة، بحيث باتت مثالاً نموذجياً للعلاقات الاقتصادية الجيدة بين الدول، نظراً لشفافيتها وقوتها وأهدافها النبيلة الساعية إلى تحقيق مصلحة الشعبين الصديقين. فألمانيا ومنذ العام 1972 ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع دولة الإمارات، تبعها علاقات اقتصادية قائمة على التعاون والمنفعة المتبادلة.

 

ويأتي الاهتمام الإماراتي بتعزيز التعاون مع ألمانيا، من كون الأخيرة دولة مهمة وتمثل ثقلاً على المستوى الاقتصادي العالمي ولديها خبرة واسعة وتقنيات متطورة وتمتلك تأثيراً كبيراً في القرارات العالمية وتلعب دوراً ريادياً في الإتحاد الأوروبي. وفي المقابل فإن الاهتمام الألماني بالمنطقة والتوجه للعمل في منطقة الخليج يعتمد أيضاً على مكانة دولة الإمارات وما تحتله من موقع استراتيجي يجذب المستثمرين وكونها تمثل مركزاً مالياً مهماً وتعتبر منفذاً تجارياً إلى العالم العربي والشرق الأقصى، كما تتميز الإمارات بالاستقرار السياسي وبسمعة عالمية طيبة وتقدم تسهيلات متميزة ومناخ استثماري جيد، استطاعت من خلاله جذب الشركات الأجنبية التي تعمل انطلاقاً منها في عموم منطقة الشرق الأوسط. وتساهم مقومات التبادل التجاري والاستثماري الذي تتصف به العلاقة بين ألمانيا والإمارات في تحويل الأخيرة إلى بوابة لألمانيا في الخليج العربي ومن ألمانيا بوابة للخليج في أوروبا.

 

ولقد أصبح جلياً اليوم أن التجارة والارتباط الاقتصادي يخلقان جواً من الثقة ويدعمان العلاقات الدولية، لذلك فإن السياسة الألمانية الخارجية تأخذ على عاتقها مهمة تشجيع المصالح الاقتصادية الألمانية بالإضافة إلى الإسهام في مواصلة تنمية التعاون الاقتصادي العالمي على أساس عادل وثابت. وتساهم الكفاءة العالية لأسواق رأس المال وكذلك التأمين القانوني في احتلال ألمانيا مكاناً متقدماً في الكثير من مواقع الأعمال الدولية، خصوصاً مع ما تتميز به ألمانيا من كونها بلداً متسامحاً وشريكاً موثوقاً به يحظى بالتقدير في جميع أنحاء العالم.

 

ومن الواضح أن جودة المنتج الألماني وضمان التسليم والثقة والمعايير التكنولوجية عالية الجودة والابتكار المستمر ساهمت جميعها في جعل ألمانيا شريكاً استراتيجياً لدولة الإمارات. وبناء على رغبة كل من الحكومة الألمانية والإماراتية في تعميق العلاقات الاقتصادية بينهما، فقد تكللت جهودهما بشراكة استراتيجية بدأت في أبريل من العام 2004. وأصبحت العلاقات الاقتصادية الثنائية مبنية على شبكة مقدمي الخدمة والندوات الاقتصادية وغيرها، كما تُدعم باستمرار عبر زيارات سياسية رفيعة الشأن، ففي السنوات القليلة الماضية حدثت زيارات هامة بين الطرفين لتعزيز التعاون، نذكر منها: الزيارات التي قامت بها المستشارة أنجيلا ميركل إلى دولة الإمارات في عام 2007 و2010، وزيارة صاحب سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إلى ألمانيا في عام 2008، وكذلك زيارة ولي عهد أبوظبي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي في عام 2009. وهناك أيضاً الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الألمانية، غيدو فيسترفيله، إلى الإمارات هذا العام، بالإضافة إلى زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي إلى العاصمة الألمانية برلين وتوقيعه مع نظيره الألماني مؤخراً على اتفاقية منع الازدواج الضريبي. يضاف إلى ذلك زيارة عشرات الوفود الألمانية إلى دولة الإمارات سنوياً، وقيام الحكومة الألمانية بدعوة أصحاب القرار في دولة الإمارات إلى ألمانيا بصفة منتظمة لدراسة وبحث آخر التطورات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية.

 

منافع متبادلة و متابعة دائمة

وبحكم هذه العلاقات المتينة، التي تعد التجارة والاستثمار المتبادل والتعاون الفني من أهم عناصرها، فقد ازداد الصادرات والاستثمارات المشتركة حتى وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2009 إلى 6.6 مليار يورو، مع العلم أن قيمة الصادرات الألمانية وحدها وصلت إلى 6.1 مليار يورو، فالإمارات تُعتبر من أهم أسواق التصدير الحيوية لألمانيا في العالم العربي. وبلغ حجم الاستثمار الألماني في العام نفسه 371 مليون يورو، بينما كانت هناك استثمارات كبيرة لدولة الإمارات في السوق الألماني، حيث استثمرت خزينة الإمارات بشكل ملحوظ في ألمانيا، كالاستثمارات في شركة "دايملر كرايسلر" ومصرف "دويتشه بنك".

 

ويرى بعض المراقبين أن الاستثمارات الألمانية في الإمارات، أو كذلك توسيع الاستثمار في شركات ألمانية رائدة أو الاستحواذ على أسهم من شركات صناعية عريقة مثل دايملر، يعتبر مؤشراً إيجابياً على محاولة دولة الإمارات لنقل التكنولوجيا الألمانية إلى منطقة الخليج على المدى القريب، أو كذلك الدخول في استثمار مشترك في دول أخرى.

 

وبشكل عام، فإن أوجه التعاون بين ألمانيا والإمارات تحظى بدعم العديد من الجهات الألمانية التي تقوم بجهود متواصلة لتدعيم جسور التواصل بينهما، حيث تلعب السفارة الألمانية في أبوظبي والقنصلية الألمانية في دبي ومكتب التجارة الخارجية الألماني ووكالة التجارة والاستثمار الألمانية دوراً مهماً في تعزيز هذه العلاقات بين البلدين ودعم التجارة الألمانية.

 

إلى جانب ذلك، تساهم الهيئات المشتركة بين الجانبين في متابعة العمل عن كثب وتقييمه وتعميق العلاقات الاقتصادية وفتح آفاق جديدة أمام المستثمرين. وفي هذا الإطار، شكل إنشاء المجلس الإماراتي الألماني المشترك للصناعة والتجارة انطلاقة فعلية لمرحلة جديدة من التعاون والتنسيق على أعلى المستويات بين الإمارات وألمانيا، باعتباره منصة مثالية للتعاون الدولي في مختلف المجالات الاقتصادية بين البلدين، حيث جاءت فكرة تأسيس المجلس المشترك بين البلدين ليكون بمثابة مظلة اقتصادية تشرف على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية وتبادل الاستثمارات والخبرات فيما بينهما.

 

وتأتي أهمية المجلس المشترك كونه جزءاً من الشبكة الألمانية العالمية التي تهتم بتنمية الموارد البشرية والتدريب المهني وخاصة المهن الصناعية والتقنية، حيث يساهم في توفير مجموعة من برامج التدريب وتبادل الخبرات في مجال التدريب المتقدم والتدريب المهني والفني والصناعي بهدف تنمية الموارد البشرية ورفع مستوى أدائها وإنتاجيتها. كما يدعم المجلس المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تحتل حيزاً كبيراً من جدول أعمال حكومات البلدين والاستفادة من خبرات الجانب الألماني في هذا المجال، مما يساهم في تطوير العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين المؤسسات والدوائر التابعة لألمانيا والإمارات وضخ المزيد من الاستثمارات وتحقيق مكاسب ومنافع اقتصادية جمة للبلدين.

 

وبشكل عام، فإن الملتقيات والمعارض تشكل فرصة مثالية لأصحاب المشاريع لمعرفة إمكانيات النمو التي يوفرها كلا البلدين. كما تساهم الزيارات والاجتماعات واللقاءات في فتح المجال أمام رجال الأعمال من الطرفين للتباحث في فرص الاستثمار والتعاون ودعم التجارة، مما يساهم في تعزيز الشراكة الإماراتية الألمانية بشكل متواصل.