ألمانيا تتجاوز محاذير السياسة الامنية وترسل اسلحة الى العراق

(د ب أ) ادركت الحكومة الألمانية مدى وحشية ميلشيات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق قبيل قرارها بشأن توريد أسلحة للعراق وذلك بعد أن بث التنظيم مقطعا مصورا لذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي وهو ما يعزز موقف الحكومة الذي أصبح يقوم على عدم الاقتصار على إيصال المساعدات الإنسانية لمنطقة شمال العراق التي يحتدم فيها القتال بين تنظيم الدولة الإسلامية والأكراد.

قررت المستشارة الألمانية ونائبها زيجمار جابريل و وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير و وزيرة الدفاع أورزولا فون دير لاين ووزير المالية فولفجانج شويبله وبعد مشاورات غير طويلة يوم الأربعاء (20 أغسطس 2014) تجاوز أحد أهم محاذير السياسة الأمنية لألمانيا مقررة من خلال إرسال أسلحة للعراق الدخول كطرف في أحد الصراعات الحالية وهو ما تحظره المعايير الألمانية الحالية لتصدير الأسلحة.

غير أن هذه المعايير تسمح أيضا باستثناءات وذلك عندما يستدعي الحفاظ على مصالح ألمانيا الخارجية و الأمنية منح شركات الأسلحة تراخيص استثنائية لتصدير الأسلحة.

كان تصدير الأسلحة الألمانية لإسرائيل هو الاستثناء الوحيد لهذه المعايير حتى الآن وذلك لأن ألمانيا تشعر بمسئولية خاصة تجاه الحفاظ على وجود إسرائيل بسبب المحرقة التي ارتكبها النظام النازي الألماني بحق اليهود.

ولكن منع وقوع عمليات إبادة جماعية في العراق و كذلك انتشار إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية، و ربما منع وصوله إلى أوروبا نفسها يصب بالتأكيد في حماية المصالح الألمانية "فهناك مواقف يكون فيه ترك الفعل آثما، تماما كما يكون الفعل مجرما" حسب تعبير وزير الخارجية شتاينماير وتبريره إرسال أسلحة لشمال العراق.

لم يفعل المجتمع الدولي شيئا على سبيل المثال عام 1994 في رواندا عندما قتل نحو مليون شخص من طائفة التوتسي في غضون ثلاثة أشهر فقط.

كما لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا أيضا عام 1995 في سربرنيتسا عندما أعدم أكثر من 8000 بوسني بشكل منهجي على أيدي وحدات صربية.

ينظر صناع القرار السياسي في ألمانيا إلى هاتين الحالتين كعبرة تاريخية في إطار وضع السياسة التي يجب أن تتعامل بها ألمانيا مع الموقف الحالي في العراق.

يعتبر قرار ألمانيا الدخول كطرف في النزاع الحالي في العراق من خلال توريد أسلحة لمنطقة النزاع بمثابة جزء من تحول السياسة الخارجية لألمانيا إلى الواقعية، تلك السياسة التي يجري الإعداد لها منذ مطلع العام الجاري حيث تريد ألمانيا ألا تختفي في الصف الثاني خلف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا فيما يتعلق بحل الأزمات الدولية أو كما قال شتاينماير خلال مؤتمر ميونيخ الأمني في شباط/فبراير الماضي، لا تريد ألمانيا البقاء "على الهامش".

أصبحت ألمانيا الآن وسط الحدث في العراق، ربما من خلال إرسال أسلحة يدوية أو صواريخ مضادة للدبابات، بل وربما من خلال مدربين عسكريين، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر جسيمة أولها أن هذه الأسلحة ربما وصلت الى أيد خاطئة حيث شوهدت صواريخ "ميلان" المضادة للدبابات والتي تدرس الحكومة الألمانية حاليا إرسالها للعراق، في الحروب الأهلية الحالية في سورية وليبيا.

كما أنه يقال إن تنظيم الدولة الإسلامية يمتلك هذه الصواريخ أيضا.

تم إنتاج هذه الصواريخ منذ سبعينات القرن الماضي من قبل شركة "يورميسيل" الألمانية الفرنسية و التي أصبح اسمها اليوم "ام دي بي ايه" وتم بيع 350 ألف قطعة من هذه الصواريخ لنحو 40 دولة، ولا يعرف بعد على وجه الدقة مصدر الصواريخ المستخدمة في هذه الحروب الأهلية.

ولكن تصدير الأسلحة أمر شائك جدا من الناحية السياسية حيث يتوقع أن تزود بها قوات البيشمركة الكردية التي تقف على جبهة القتال الأولى أمام تنظيم الدولة الإسلامية.

يسعى الرئيس الكردي مسعود بارزاني لفصل الإقليم الكردي عن الحكومة المركزية في بغداد، لذلك فمن غير المستبعد أن تستخدم هذه الأسلحة يوما ما في حرب الانفصال.

لذلك فإن بغداد تطالب بمراقبة عمليات توريد أسلحة للأكراد وترغب في توصيل هذه الأسلحة بنفسها لهم.

وتعتزم الحكومة الألمانية إشراك بغداد في هذه العملية مع إيصال الأسلحة للأكراد مباشرة.

يدرك وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير و وزيرة الدفاع أورزولا فون دير لاين جيدا مدى مخاطر إيصال أسلحة لشمال العراق "لذلك فسنتعامل بكل حكمة مع هذا الأمر خاصة فيما يتعلق بنوع السلاح وحجمه" حسبما أوضح شتاينماير اليوم الأربعاء.

ومن المقرر أن ينعقد الاجتماع الخماسي برئاسة ميركل الذي جرى اليوم مرة أخرى الأربعاء المقبل في برلين لإصدار القرار النهائي بشأن إرسال شحنات أسلحة إلى شمال العراق.

من: ميشائيل فيشر