الإعلام الألماني من الرقابة إلى عنوان للديمقراطية

الدستور الألماني من الدساتير العالمية التي تضمن حرية الصحافة والتعبير ويحميها. وكانت حرية الصحافة من أول الحقوق الديمقراطية التي استعادتها ألمانيا بعد حكم النازية. ومنذ مئتي عام وهي نواة المجتمع الديمقراطي. فقد ناضل الألمان من أجلها طويلاً، بعد أن قمعها بيسمارك، وحدّت من حريتها الحكومات أثناء الحربين العالميتين ومن ثم تحديد تعريف لحرية الصحافة من قبل الحلفاء الغربيين بعد عام 1945، إلى أن جعل الدستور الألماني من حرية الصحافة حقاً أساسياً يكفله القانون بموجب الدستور.

 

عبر السنين ومع التطور التكنولوجي بدأت وسائل الإعلام بالانتشار والاتساع، ووصل عدد الصحف اليومية إلى أكثر من 350 صحيفة موزعة على المدن والبلدات الألمانية، وتطبع حوالي 24 مليون نسخة. ورغم هذا الكم الهائل من الصحف، إلا أن هناك بعض الصحف التي تخطت المحلية ووصلت إلى الإقليمية والعالمية وتوزع في كافة أنحاء ألمانيا، مثل "زود دويتشه" و"فرانكفورتر ألغماينه" و"دي فيلت". إضافة إلى صحيفة "بيلد" الصفراء، والتي تعتبر الأكبر على مستوى القارة الأروبية من حيث عدد مبيعات النسخ، ويصل عدد مبيعاتها اليومية إلى حوالي ستة ملايين ونصف مليون نسخة.

ورغم أن أهمية الصحيفة كوسيلة إعلامية دائمة التطوير والتغيير في الشكل والمضمون والانتشار منذ أكثر من 500 سنة، إلا أنها في بنيتها الأساسية لم تتعرض لأي تغيير، وذلك رغم ما يصيب عالم الإعلام من تغيرات مستمرة. ورغم التقدم التكنولوجي وتطور الإنترنت واتساع الإمكانيات في الحصول على الأخبار، إلا أن الصحيفة حافظت في غالب الأحيان على توازنها وقوتها كوسيلة مؤثرة في المجتمع الألماني. فالصحيفة تهتم بالتحليلات المعمقة وخلفيات الأحداث ومناقشة المواضيع. ولا زالت الصحف الألمانية ذات تأثير واضح في الحياة السياسية وتعتبر مرجعاً مهما ومؤثراً على المستويين الاجتماعي والسياسي. وفي هذا الإطار يمكن ذكر صحيفتي "زود دويتشه" و"فرانكفورتر ألغماينه"، إضافة إلى صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية.

إلى جانب الصحف هناك مجلات كثيرة تعتني بمختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والرياضية. ولكن أهم هذه المجلات وأكثرها انتشاراً على مستوى الجمهورية الإتحادية هي "دير شبيغل" و"فوكس" و"شتيرن". وأهمية هذه المجلات لا تقل عن أهمية الصحف، فمن المعروف أن مجلة "دير شبيغل" مؤثرة بشكل مباشر في القرار السياسي لما تقدمه من معلومات وحقائق في مختلف القضايا، خاصة السياسية والاجتماعية. وهي من أهم وسائل الإعلام الألمانية من حيث التحقيقات الصحفية.

ورغم ذلك ومع التطور التكنولوجي أخذ تمويل الصحف يتراجع بسبب الانتشار الواسع للإنترنت، إضافة إلى تراجع الإعلان في الصحف نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، الأمر الذي سبب أزمة للكثير من الصحف، سواء المحلية أو الإقليمية. هذا إضافة إلى أن جيل الشباب يتوجه للإنترنت للحصول على معظم المعلومات. ومع هذا التطور حاولت بعض الصحف بيع محتوياتها عبر الشبكة العنكبوتية وإصدار ما يعرف بـالصحيفة الإلكترونية (E paper) إلا أنها لم تلق رواجاً حقيقياً حتى الآن.

إلى جانب الصحف والمجلات هناك أيضاً الإعلام المرئي والذي يعمل بنظامين مختلفين، فهناك الإعلام الرسمي، والذي يتم تمويله من أموال الضرائب، إضافة إلى الرسوم التي يدفعها المواطنوان مقابل اقتناء الراديو والتلفاز، وينطوي تحت هذا النظام قناتي (ARD, ZDF). هذا إضافة إلى القنوات الخاصة التي تعتمد في تمويلها على الإعلانات بشكل رئيسي. إلى جانب ذلك هناك قناة ألمانيا الخارجية DW، والتي يتم تمويلها بقرار من البرلمان وتخضع لرقابته ورقابة المجتمع. وفي هذا الإطار لا يمكن إغفال وكالة الأنباء الألمانية dpa، وهي رابع أكبر وكالة أنباء في العالم.

أما فيما يتعلق بالإنترنت، فإن ألمانيا من الدول المتقدمة في هذا الإطار، سواء على صعيد الانتشار أو كذلك التطور والاستخدام. فالحكومة الألمانية تدعم هذا القطاع بشكل مباشر وتحاول جذب الخبراء والمختصين وتوفير فرص عمل لخريجي الجامعات في مجال تقنية المعلومات. فقد سجل استخدام الإنترنت نسبة عالية جداً، فقد وصل الاستخدام إلى حوالي 95٪ من الشركات وأكثر من 70٪ من الأشخاص. ومن خلال الإنترنت تلاشت تقريباً الحدود بين الأشكال المختلفة للإعلام، وبين الاتصالات المؤسساتية والاتصالات غير الرسمية. بهذا تتلاشى أيضاً الحدود بين النوعية والكمية في الاتصالات، الأمر الذي يعني اختفاء الفوارق بين اتصالات مصممة للعامة، وبين تلك التي توضع تجاوبا مع متطلبات معينة.