صناعة الأفلام في ألمانيا تصل العالمية

وضعت ألمانيا بصمتها في عالم صناعة السينما رغم الشهرة العالمية التي اكتسبتها هوليوود في هذا المجال. فمدينة بافاريا للأفلام القريبة من مدينة ميونيخ كانت وما زالت الوجهة الأولى لوسائل الإعلام في ألمانيا وسائر الدول الأوروبية. كما يتم في برلين تصوير الكثير من الأفلام. فمركبات التصوير ومصابيح الإضاءة الكبيرة والحواجز أصبحت شيئاً معتاداً في شوارع العاصمة الألمانية. وكون برلين تمثل موقعاً محبوباً لتصوير الأفلام، فإن ذلك يستند إلى تقاليد عريقة يمكن قراءتها في كتابات النقاد منذ زمن طويل وحديثهم عن تأثير المشاهد المصورة في برلين على مخيلتهم وكيفية تحفيزها لهم.

 

مدينة بافاريا للأفلام هي بمثابة هوليود الألمانية، حيث تُعتبر من أهم مراكز انتاج الأفلام السينمائية وصناعتها في ألمانيا منذ عشرات السنين. ومن أهم الأفلام التي أنتجتها ولاقت نجاحاً باهراً هي فيلم "الغواصة" وفيلم "حذاء مانيتو" الذي يُعتبر من أنجح الأفلام الألمانية إلى وقتنا هذا. إضافة إلى انتاج الأفلام، فمدينة بافاريا تُعتبر مركزاً هاماً لانتاج المسلسلات الألمانية مثل مسلسل "مكان الجريمة" البوليسي ومسلسل "مارينهوف" ناهيك عن الأفلام الوثائقية والتاريخية. وهذا ما جعل مدينة ميونيخ مقصد عيش معظم الفنانين والمنتجين والمخرجين واختارتها شركات الانتاج السينمائية لتكون مقراً لها.

ومنذ نعومة أظافر السينما العالمية في عام 1900 احتل الإنتاج السينمائي الألماني المراكز الأولى عالمياً. ففي عام 1912 شهد استديو بابلسبيرغ العريق بالقرب من برلين أضخم انتاج سينمائي للمنتج فريتز لانغ وفريدريش فيلهلم مورناو على سبيل المثال. وتطور استديو بابلسبيرغ بشكل لافت مما دفعه ليكون من أهم مؤسسات صناعة السينما على صعيد أوروبا. ويملك بابلسبيرغ  أحدث التقنيات السينمائية مما يجعله قادراً لخوض المنافسة في عالم الانتاج السينمائي لا سيما وأن برلين تُعتبر من أحب المدن للتصوير السينمائي..

وشهدت صناعة السينما في ظل الحكم النازي انتكاساً كبيراً بسبب الحرب وهجرة العقول وتقسيم ألمانيا بعد ذلك. ولم تتعاف السينما الألمانية من هذه الانتكاسة إلا بعد مرور عقود طويلة، رغم استمرار الانتاج السينمائي بعد تقسيم ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية. وبعد توحيد الألمانيتين بدأت السينما الألمانية تنفض عنها غبار الزمن وبدأ انتاج الأفلام ذات المواضيع المعاصرة يشهد انتعاشاً ملموساً. وكانت أهم المواضيع التي تناولتها السينما الألمانية في هذه الحقبة هي التغيرات السياسية والحياة في ألمانيا الشرقية والغربية.

وشهدت حقبة التسعينات ولادة فيلم "لولا تجري" للمخرج توم تيكفير الذي شهد نجاحاً باهراً وكان سبباً في إعادة انهاض السينما الألمانية من جديد. ويحكي هذا الفيلم قصة فتاة برلينية تُدعى لولا ذات الشعر الأحمر عكست صورة المجتمع اللاهث وراء الشؤون الحياتية دون كلل. وتوالت بعد ذلك النجاحات في السينما الألمانية، ففي عام 2003 حصلت الممثلة الألمانية كارولين لينك على جائزة أوسكار عن فيلمها " في لا مكان في أفريقيا"، كما حصل فلوريان هينكل فن دونسمارك على الجائزة الحلم عن أول أفلامه "حياة الآخرين" في عام 2007.

تتوفر في ألمانيا فرصاً عدة لدعم الانتاج السينمائي، فثمة مؤسسات حكومية توفر دعماً تلقائياً للناشئين السينمائيين من خلال الصندوق الألماني لدعم صناعة السينما. ويتم رصد حوالي 60 مليون يورو سنوياً لتشجيع الإنتاج السينمائي. كما يتم دعم الانتاجات الدولية المشتركة بنسبة 20% من التكاليف الاجمالية.

وعلى الرغم من أن غالبية الأفلام الألمانية التي حصدت الجوائز في القرن الحالي كانت من النوع الكوميدي مثل فيلم "نهاية سنوات الخير" (2004) لهانس فاينغارتن، إلا أن الأفلام ذات المواضيع الجادة تلاقي اهتماماً لافتاً في هذه الألفية وخصوصاً أفلام التراجيديا الكوميدية مثل فيلم  "وداعا لينين" (2003) الذي عُرض في أكثر من 70 بلدا ولاقى اقبالاً ونجاحاً باهرين، لا سيما وأنه لأنه تعرض لفشل الشيوعية. إضافة إلى فيلم "حياة الآخرين" لدونرسمارك (2007) الذي يتكلم عن الظروف الحياتية الصعبة والمعاناة في ظل نظام الشتازي (المخابرات الألمانية الشرقية) في ألمانيا الديمقراطية.

ونذكر أيضاً المخرج فاتح أكين ذو الأصول التركية الذي نال عن فيلمه "ضد الجدار" في عام 2004 جائزة الدب الذهبي في مهرجان برليناله. ويروي الفيلم قصة حب بين شاب وفتاة من أصول تركية يعيشان في ألمانيا ويعكس تمزقهما بين الثقافتين بطريقة رائعة وموضوعية. كما فاز أكين في عام 2007 بجائزة الفيلم الألماني لأربع فئات عن فيلمه "على الجانب الآخر" الذي يروي قصة ستة أشخاص في ألمانيا وتركيا تجمع بينهم الأقدار.

تتناول السينما الألمانية مواضيع قومية محلية ومواضيع ذات اهتمام عالمي وتعكس التطورات والنحاحات والمعاناة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي مر بها الشعب الألماني وهذا ما ساعدها على تحقيق النحاح في هذا العالم.