فرانكفورت.. حيث يمكن للمرء الغوص في التاريخ الألماني

في المنطقة التي تُعرف بـ (رومر)، حيث أنشأ الرومان مستوطناتهم في القرن الأول تقريباً، تم العثور على بعض القطع الأثرية من تلك الحقبة وحتى يومنا هذا. وتم ذكر فرانكفورت لأول مرة في 22 فبراير من العام 794 في أحد وثائق الامبراطور شارلمان، حيث ورد اسمها (فرانكونوفورد) في الوثيقة المكتوبة باللاتينية.

وتمت الإشارة إلى معارض فرانكفورت التجارية لأول مرة في عام 1150. وفي عام 1240 منح الامبراطور فريدريش الثاني امتيازاً امبراطورياً لزوارها، مما كان يعني أنهم محميون من قبل الإمبراطورية. وأصبحت المدينة تشتهر بأسواقها ومعارضها وأصبحت من أهم المراكز المالية والتجارية. وقد تم عقد المعارض التجارية للكتب في فرانكفورت منذ عام 1478.

وبعد إصدار وثيقة الختم الذهبي لعام 1356، تم اختيار فرانكفورت لإقامة مراسيم التتويج الإمبراطوري. وتأتي تسمية الختم نسبة إلى الأختام المعدنية التي كان يستعملها أباطرة الجرمان. وكانت فرانكفورت واحدة من أهم المدن في الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وتم فيها انتخاب الملوك والأباطرة الألمان الذين كانت يتم تتويجهم في مدينة آخن.

وفي عام 1372 أصبحت فرانكفورت مدينة إمبراطورية، تابعة للإمبراطور الروماني المقدس مباشرة وليس لحاكم أو أحد النبلاء المحليين. ونجحت فرانكفورت في البقاء على الحياد خلال حرب الثلاثين عاماً.

وفي عام 1806 تم إلحاق فرانكفورت باتحاد الراين، قبل أن يجعل منها نابليون عاصمة لدوقية جديدة شملت العديد من المدن المجاورة. ولم تستمر كدوقية إلا فترة قصيرة (من عام 1810 وحتى 1813). فبعد هزيمة نابليون نهائياً وانهيار النظام النابليوني في أوروبا الوسطى، قام مؤتمر فيينا (1814-1815 إعادة رسم خريطة أوروبا) بحل الدوقية الكبرى وأصبحت فرانكفورت مجدداً مدينة حرة داخل الاتحاد الألماني المتشكل. وخلال الحرب البروسية النمساوية عام 1866 ظلت فرانكفورت موالية للاتحاد. وعلى الرغم من تواجد أصوات منذ زمن طويل نادت بالتبعية الطوعية لبروسيا لأسباب اقتصادية وأخرى تتعلق بالسياسة الخارجية، إلا أن الرأي العام كان يقف أكثر إلى جانب النمسا والقيصر. وتعرضت فرانكفورت لدمار كبير بعد الغارات الجوية التي شنتها قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن عملية الإعمار أعادت إليها شيئاً من طابعها القديم.

ويمكن للمرء الغوص في التاريخ الألماني من خلال زيارة المكان الذي تم فيه تتويج ملوك ألمانيا واختيار أباطرتها لمئات السنين، أي زيارة كاتدرائية فرانكفورت التي كانت ولسنوات عديدة أطول مبنى في المدينة، حيث يبلغ ارتفاع أبراجها 95 متراً. أما اليوم فبالطبع يوجد عدد لا يحصى من المباني الحديثة العالية وناطحات السحاب. وبزيارتك إلى هذا المكان خلال الفترة من شهر أبريل وحتى شهر أكتوبر، ستتاح لك فرصة صعود أبراجها في تجربة رائعة يتوق الكثيرون إلى خوضها. ويحتوي متحف الكاتدرائية على الكثير من الكنوز الأثرية التي تستحق المشاهدة. كما تقع بالقرب من الكاتدرائية حديقة الآثار التي ستضعك بلا شك في جو مفعم بالتاريخ، حيث توجد فيها حفريات لمستوطنة رومانية ومقر حكم أحد الملوك من العصر الروماني.

كما تعتبر صالة القيصر "كايسر سال" في قاعة رومر، مكاناً جديراً بالزيارة. ففي السابق، كانت صالة الإمبراطور مكاناً ملكياً يلائم تتويج الأباطرة الألمان وأصحاب الوظائف المدينة التي لا حصر لها، وتصطف اليوم على جدرانها صور من القرن التاسع عشر لحوالي 52 امبراطوراً ألمانياً، ابتداءً بـ شارلمان" الذي توج سنة 800" وانتهاء بـ فرانتس الثاني، الذي تنازل عن العرش عام 1806. يذكر أنه كان قد تم إعادة بناء هذه الصالة بأسلوب عصري تماماً.

وفي الناحية الجنوبية من الكاتدرائية ومقابل البرج يقع أقدم مصنع ومحل للأقمشة في فرانكفورت والذي يسمى بيت الكتان (لاينفاند هاوس). وبينما يعتبر هذا البيت اليوم مقراً لمعرض فني، فإن تاريخه يعود إلى العام 1399، حيث بقي حتى القرن التاسع عشر موقعاً لتجارة وبيع الأقمشة.

وبالعودة إلى الوراء قليلاً باتجاه ميدان (رومربيرغ) يمكنك مشاهدة برج الجمارك (رينتن تورم) الذي شيد عام 1456، حيث كان يتم هناك تحصيل رسوم الميناء.

وفي المتحف التاريخي الواقع مباشرة خلف كنيسة نيكولاي القديمة التي كانت منذ العام 1290 وحتى القرن 14 الكنيسة الخاصة بالبلاط القيصري، يوجد مجسم كامل للمدينة القديمة يُظهر المدينة قبل تعرضها للدمار. كما يضم المتحف رموز سلطة القيصرية الرومانية، مثل (تفاحة الرايخ) و(صولجان الحكم) وهي نسخ طبق الأصل عن هذه القطع التاريخية المحفوظة في فيينا. كما يوجد أيضاً نسخة طبق الأصل من وثيقة (الختم الذهبي) الاسم الذي يطلق على (دستور الرايخ) الذي أصدره القيصر الرابع وهو (القانون القيصري) الذي صدر عام 1356 واستمر العمل به طوال 500 عام.

ومقابل المتحف التاريخي مباشرة، يقع مبنى فيرتهايم (هاوس فيرتهايم) الذي يعتبر المبنى الوحيد ذو الطراز التقليدي الذي لم يطله دمار الحرب. وبالقرب من هذه المبنى ببضع خطوات تكون قد وصلت إلى ميدان (رومربيرغ)، الذي تحيط به مبان ذات طراز تقليدي قديم، وتحمل هذه المباني أسماء غير معهودة، مثل (الملاك الكبير) أو (النجم الأسود) وغيرها. وكان قد تم تشييدها طبقاً لما كانت عليه قبل القصف الذي دمر المدينة القديمة بالكامل في شهر مارس من العام 1944.

كما يوجد في وسط ميدان (رومربيرغ) نبع العدالة (غيريشتيشكايتسبرونن) الذي كان يمثل قديماً المكان المفضل لأهالي مدينة فرانكفورت للاحتفال بتتويج القياصرة. أما القياصرة فكانوا يحتفلون بهذه المناسبة بإقامة الولائم الفخمة. واليوم يطلق على كامل مبنى البلدية اسم (مبنى رومر)، ويقع فيه مقر البلدية منذ العام 1405، كما إنه يتوسط المباني الثلاثة التي ذات الواجهات التي تم تصميمها على شكل أدراج.

ومن خلال السير في زقاق ضيق يتخلل الأبنية الحديثة في ميدان (رومربيرغ) نصل إلى (المبنى الحجري) الذي يقع في الجهة اليمنى. وقد تم تشييد هذا المبنى في العام 1464 من الصخور والأسوار، بحيث يشبه في منظره القلاع.

ومن الأماكن التي يضعها الكثير من الزوار على سلم أولوياتهم لاسيما المهتمين بالأدب، يبرز منزل غوته، حيث لا يزال كل شيء في المنزل على حاله، وبذلك يتمكن محبوه من دخول منزل هذا الأديب والفيلسوف الألماني الشهير والتعرف على الأجواء التي كان يعيش فيها.

أما بزيارتك مبنى (هاوبت فاخه) فستشاهد واحداً من الأبنية البديعة وذات الشهرة الواسعة في مدينة فرانكفورت. وبينما كان يمثل المبنى قديماً أكبر مركز للشرطة، فهو يعد اليوم النقطة المركزية للمدينة. وخلف هذا المبنى إلى اليسار، يمكن الوصول إلى دار الأوبرا القديمة عبر المرور بزقاق (بيير) وشارع (بوكنهايمر الكبير). وقد أعيد ترميم هذا البناء بعد أن طاله الدمار خلال الحرب. أما اليوم فإن زيارته تمنحك جواً من الفخامة لاسيما مع وجود مقهى داخله يقدم قهوة لذيذة تمتزج بسحر المكان.

ومن المعروف عن المدينة القديمة هو امتلاكها لحصن يضم 42 برج حراسة، ومن هذه الأبراج يعتبر برج إشنهايم (إشنهايمر تورم) هو الأجمل، كما يمكنك رؤية أضوائه تشع من مسافة بعيدة، حيث يعتبر أعلى برج مدينة في ألمانيا.

وخلال جولتك في مدينة فرانكفورت، فإنك ستمر بالتأكيد من فوق الجسر الحديدي (آيزرنر شتيغ) الذي شيد منذ أكثر من مئة عام، ومن هناك تستطيع أن تشاهد منظر جميل لأفق المدينة تزينه الأبراج وناطحات السحاب.

وبالإضافة إلى هذه الأماكن التاريخية، فإن فرانكفورت تحوي العديد من المسارح ودور الأوبرا والمعارض، بالإضافة إلى دور السينما والكثير من المرافق الثقافية والفنية. كما تزخر المدينة بقائمة عريضة من الحفلات الموسيقية والفعاليات والعروض المتنوعة التي تضفي على شوارعها وزواياها نكهة خاصة وتجعل التجوال عبرها قمة في المتعة.

اقرأ أيضاً