فنون العمارة

برلين.. أجمل إبداعات فنون العمارة

تزخر برلين بالعديد من المباني والمعالم السياحية التي تبهر السياح بجمال هندستها المعمارية. فمن بوابة (براندنبورغ) الشهيرة التي تعد من أكبر وأجمل إبداعات الكلاسيكية الألمانية، إلى ساحة (جندارمن ماركت) بمبانيها الأثرية الثلاث: الكاتدرائية الألمانية، الكاتدرائية الفرنسية وبيت الحفلات الموسيقية (كونتسيرت هاوس)، إلى كاتدرائية برلين (برلين دوم) ذات التصميم الجذاب، إلى كنيسة القيصر فيلهلم التذكارية التي تزين قلبها الفسيفساء الجميلة واللوحات الجدارية، وصولاً إلى قصور برلين الرائعة التي تعتبر نموذجاً للبهاء والفخامة، وكذلك متاحفها المتفردة وحدائقها الغناء.


تعتبر بوابة براندنبورغ التذكارية مكاناً لا يمكن لأي سائح قادم إلى برلين أن يفوت رؤيته، فهي رمز معماري رائع يلقي الضوء على مرحلة تاريخية يزيد عمرها على مئتي عام. ففحين أنها وحتى عام 1989 كانت بمثابة رمز لتقسيم برلين وألمانيا، فإنها اليوم تمثل رمزاً وطنياً للوحدة وواحدة من أشهر معالم المدينة.

أنشأت بوابة براندنبورغ بين عام 1788 و1791 بأمر من فريدريش فيلهلم الثاني الذي كان يبحث عن تصميم معماري عظيم لشارع (أُنتر دن لندن) الراقي. وينتمي هذا البناء الكلاسيكي المصنوع من الحجر الرملي إلى أكبر وأجمل إبداعات الكلاسيكية الألمانية.

في عام 1793 وُضع على البوابة تمثال يتكون من عربة يجرها أربعة خيول. ومع مرور الوقت تم إنزال التمثال 3 مرات. وبعد هزيمة بروسيا في عام 1806 خطف نابليون معه العربة ذات الخيول الأربعة إلى باريس. ولكن بعد انتصار الحلفاء بثماني سنوات تم استراجاعها ووضعها في مكانها الأصلي القديم.

أثناء معارك الحرب العالمية الثانية، أصيبت بوابة براندنبورغ بأضرار بالغة. وتضرر التمثال جراء هجمات القنابل، إلى درجة أنه في عام 1956 تم التخلص منه كجزء من عملية إعادة إعمار البوابة والاستعاضة عنه بنسخة. وظلت بوابة براندنبورغ ما يقارب الثلاثة عقود معزولة الوجود، ولكنها في نفس الوقت كانت محور أنظار الرأي العام العالمي، وبينما كانت تعد رمزاً من رموز عهد الانقسام الذي شهدته برلين في أربعينيات القرن الماضي، فإنه تمثل اليوم رمزاً للوحدة.

ففي 22 ديسمبر من العام 1989 واكب افتتاح البوابة هتافات من أكثر من 100 ألف شخص. ولكنها تضررت بشكل كبير أيضاً جراء احتفالات الوحدة وخاصة في رأس السنة 1989/1990، لدرجة أنه بعد عامين من ذلك كان يجب القيام بإعادة تجديدها. واليوم عادت البوابة مجدداً لتكون محطة مهمة لجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.

ومن أشهر معالم شارع (كورفورستندام) تطل علينا كنيسة القصير فيلهلم التذكارية، التي تعرضت لأضرار بالغة خلال الحرب العالمية الثانية جراء انفجار قنبلة عام 1943، ولم يبق منها إلا بقايا البرج الذي يعرف أيضاً بـ (هولار تسان) أي (السن المجوف).

بُنيت كنيسة القصير فيلهلم بين عامي 1891 و1895 بناء على أوامر القيصر فيلهلم الثاني بهدف إنشاء نصب تذكاري ديني تكريماً لجده فيلهلم الأول. ويمثل التصميم بناء من عدة أبرج على الطراز الرومانسي، وكان برجه الذي يبلغ ارتفاعه 113 متراً هو الأعلى في المدينة. كما اتصف التصميم الداخلي أيضاً بالروعة، حيث زُين بالفسيفساء الجميلة واللوحات الجدرانية.

في نوفمبر من العام 1943 دُمرت الكنيسة القيصر بشكل كبير. ولكن في سنوات ما بعد الحرب تحولت بقايا الكنيسة إلى رمز لنهوض برلين من تحت أنقاض، وتحول هيكل البرج المتبقي البالغ ارتفاعه 68 متراً كنصب تذكاري ضد الحرب.

وإذا انتقلنا إلى كنيسة أخرى تحظى بشهرة عالية، فإننا سنصل إلى كاتدرائية برلين ذات التصميم الجذاب، والتي تعتبر بالنسبة لجميع عشاق الكنائس مكاناً لا يجب التغاضي عن زيارته. فتاريخها يمتد إلى العصور الوسطى وكانت قد مرت بالكثير من المراحل التي تطلبت إعادة بنائها وتجديدها من الداخل والخارج وتغيير تصميمها المعماري.

خلال الحرب العالمية الثانية تضررت الكاتدرائية بشدة خلال حريق ناجم عن انفجار قنبلة، لتتحول إلى خراب. وفي وقت لاحق يقارب الثلاثين عاماً، تم البدء بإعادة بناء الكنيسة المدمرة. وفي عام 1983 تم الانتهاء من العمل الخارجي في الكاتدرائية. أما الأعمال الداخلية فقد انتهت عام 2002 بإزالة الستار عن قبة الفسيفساء الثامنة والأخيرة.

ومن الساحات التي تنتمي بكل تأكيد إلى أجمل الأماكن في برلين، تبرز ساحة (جندارمن ماركت)، التي تتواجد فيها بشكل رئيسي ثلاثة مباني أثرية: الكاتدرائية الألمانية، الكاتدرائية الفرنسية وبيت الحفلات (كونتسرت هاوس) الذي كان يسمى فيما مضى (شاوشبيل هاوس). يمكن إرجاع التاريخ المتقلب لساحة (جندارمن ماركت) إلى القرن السابع عشر، حيث تركت كل فترة تاريخية بصماتها في هذا المكان حتى اليوم.

نشأ هذا المكان في نهاية القرن السابع عشر وفقاً لمخططات (يوهان آرنولد نرنيغ). في ذاك الوقت استوطن المهاجرون الفرنسيون في هذا الحي ومعظمهم كان من الفرنسيين البروتستانت. وفي البداية سُمي السوق بـ (إيسبلاناده)، ومن ثم (ليندن ماركت)، ثم (فريدريش شتيدتليشر ماركت) وبعد ذلك سُمي (نوير ماركت). وأخيراً أصبح يدعى في عام 1799 بساحة (جندارمن ماركت).

وكان كل من الكاتدرائيتين الألمانية والفرنسية مجرد كنائس بسيطة نسبياً بُنيت في السوق عام 1705. وفي السنوات من 1780 و1785 بُني برجان متطابقان بالقرب من الكنائس وفقاً لمخططات (كارل فون غونتارد)، وذلك بهدف جعل ميدان (جندارمن ماركت) أكثر جاذبية. ولكن مصطلح (كاتدرائية) خلق هنا نوعاً من الارتباك والحيرة، لأن هذا المصطلح يشير إلى الشكل المعماري للقباب وليس إلى الكنائس نفسها.

في السنوات من 1817 إلى 1821، تم بناء (كونتسرت هاوس) على القواعد الأساسية للمسروح الوطني المحروق وذلك بالاعتماد على مخططات (كارل فريدريش شينكل)، ومايزال إلى اليوم يمثل النقطة المركزية لهذه الأبنية الثلاث.

وكغيره من معالم برلين، فقد أُصيبت ساحة (جندارمن ماركت) بأضرار جسيمة خلال الحرب العالمية الثانية. ولكن مع مرور الزمن أعيد بناؤه من جديد.

ويقف في برلين أيضاً واحد من أكثر الرموز شهرة والذي لابد أنه سيلفت نظرك خلال تجوالك في شوارع المدينة: عمود النصر، الذي يبلغ ارتفاعه 69 متراً. هذا الرمز تأسس عام 1873 في ساحة الملك (كونغسبلاتس) أمام مبنى الرايشستاغ للتذكير بالحملات العسكرية البروسية ضد الدنمارك والنمسا وفرنسا. وبناء على خطط (ألبرت شبير( نُقل عمود النصر إلى مفترق الطرق الذي يدعى (النجمة الكبيرة) وتم وضعه على قاعدة مصنوعة من الغرانيت الأحمر. في الجزء العلوي تقف فكتوريا، التي تمثل آلهة النصر في الأساطير الرومانية.

والمثير هو أنك تستطيع تسلق عمود النصر عبر 285 درجة حتى تصل إلى منصة العرض. ومن هناك يمكنك رؤية مساحات كبيرة على امتداد 203 هكتار.

ولا يمكننا التحدث عن برلين القديمة دون الحديث عن برلين الجديدة، فساحة (بوتسدامر بلاتس) تعتبر مثالاً مضيئاً على برلين الجديدة أكثر من كافة مشاريع البناء الأخرى. فمن خلال خطة جريئة، تم بعد عشر سنوات من البناء، خلق مركز للمدنية من العدم. وحولت المباني الجديدة مدينة برلين إلى أشعة براقة. فلا يمكن، في أي مكان في العالم، أن تستطيع 2500 طن من الفولاذ والزجاج أن تحقق بريقاً جميلاً كما هو الحال مع (مركز سوني) (سوني سنتر) الواقع في ساحة (بوتسدامر بلاتس)، والذي يبدو سقفه وكأنه ملعب كبير لكرة القدم يسبح بخفة الريشة فوق رؤوس الزوار. شكله البيضاوي مثبت كمظلة أو كخيمة عربية.

بالقرب تماماً من بناء الحي الجديد في ساحة (بوتسدامر) تسطع برلين مفعمة بالفن والثقافة لتحتل مكانة عالمية مميزة. ويعتبر المنتدى الثقافي (كولتورفوروم) في شارع (بوتسدام) أهم مجمع أبنية في وقت ما بعد الحرب في برلين الغربية، حيث تشكل المكتبة الوطنية وقاعة الموسيقى الصغيرة والقاعة الكبيرة الخاصة بالأوركسترا ومعرض الفنون والمتحف الوطني الجديد مركزاً ثقافياً فريداً من نوعه. وتبرز المكتبة الوطنية كمعلم يستحق المشاهدة بحضورها الجميل الذي يشبه صخرة ذهبية براقة.

كما يمكن لعشاق العمارة أن يتعرفوا على إبداعات الهندسة المعمارية عند زيارتهم لجزيرة المتاحف (موزيوم إنزل) التي تعد أهم مجمعات المتاحف في أوروبا. ففي غضون مئة عام وتحديداً حتى عام 1930 نشأ تجمع شارك في إنشائه خمسة مهندسين معماريين. وتم إدراجه عام 1999 في قائمة اليونكسو للتراث العالمي. وتتمثل أهداف أعمال التجديد التي تطال هذه المنطقة، في إصلاح ما دمرته الحرب ورفع مستوى التقنيات وتهيئة سعة البناء بما يتناسب مع الأعداد المتزايدة من الزوار.

وهنا لديك الفرصة للقيام بجولة فريدة من نوعها عبر ثقافات وفنون العالم والاطلاع على التصاميم المعمارية المذهلة. يمكنك أن تبدأها بزيارة (المتحف القديم) باعتباره الأول من حيث تاريخ الإنشاء، وهو من تصميم المهندس (كارل فريدريش شينكل). ويعد بالفعل تحفة في فن العمارة الكلاسيكية. ولكي تطلع على الناحية الجمالية لجزيرة المتاحف لابد من المرور أيضاً على (المتحف الجديد) الذي بُني في عام 1859.

المحطة المهمة الثالثة هي (المتحف الوطني القديم) الذي كان قد تم تجديده وإعادة افتتاحه في ديسمبر من العام 2001 ، وهو يقع مباشرة خلف (المتحف القديم). مصمم المتحف هو (فريدريش أوغوست شتولر) وأكمل البناء (يوهان هاينريش شتراك).

وبالانتقال إلى الجهة الشمالية من الجزيرة تكون قد وصلت إلى متحف (بوده) الذي بني خلال الفترة من 1898 و1904 من قبل (ارنست فون إينه) ليتخصص باللوحات والمنحوتات. أعيد افتتاحه عام 2006.

أما متحف برغامون الذي صممه (ألفريد مسل)، فهو يحظى بأعلى نسبة إقبال من الزائرين، والذي يمكن أن يذهلك بما يضمه من قطع أثرية قديمة جداً تنتمي إلى مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، كما يشكل مذبح برغامون المشهور مكاناً يجذب السياح من كافة دول العالم. يذكر أن هذا المتحف أيضاً كان قد تم تجديده وأعيد افتتاحه عام 2009.

كما تطال إبداعات الهندسة المعمارية قصور برلين، فمثلاً يعتبر قصر (شارلوتنبيرغ) أجمل قصر في برلين. وهو قصر باروكي كبير، كان يمثل في السابق مقراً صيفياً لصوفي شارلوت، زوجة فريدريش الأول. كما إنه يضم حدائق جميلة للغاية.

وبالفعل، يمتد إبداع العمارة في برلين ليصل أيضاً إلى المنتزهات والحدائق العامة، حيث يُذهل المرء أيضاً من إبداعات الهندسة المعمارية التي تميز الحدائق والمرافق الخضراء من القرون المختلفة. فبرلين تعتبر بحق قبلة لعشاق فنون الحدائق التاريخية والحديثة. ففي الماضي قام مصممون كبار مثل (بيتر جوزيف لنيه) و(جورج فنزسلوس فون كنوبلسدورف) أو مثلاً (كارل فريدريش شينكل) بترك إبداعاتهم هنا. وفي وقتنا الحاضر تساهم إبداعات المهندسين الشباب المشهورين في تحويل العاصمة الألمانية إلى أكثر الأماكن المثيرة للاهتمام في مجال هندسة الحدائق والمناظر الطبيعية في أوروبا.

اقرأ أيضاً