تعتبر الشركات الألمانية رائدة عالمياً في مجال تطوير تقنيات جديدة. بالاعتماد على الجودة العالية والابتكار، لا تزال العلامة التجارية (صنع في ألمانيا) تعتبر رمزاً للجودة لما يزيد على قرن من الزمن. في عام 2008، صدرت ألمانيا سلع فائقة التقنية بقيمة 110 مليار يورو، مما جعلها أكبر مصدر في أوروبا والثالث عالمياً.
في عام 2007 أُجريت دراسة من قبل (يوروستات)، ست مناطق ألمانيا تم اعتبارها ضمن أفضل 20 منطقة للتقنية الفائقة في أوروبا من حيث العمالة في قطاعات التكنولوجيا الفائقة (بافاريا العليا، دوسلدورف، دارمشتادت، كولونيا، كارلسروه، شتوتغارت). وفي حين أن الغالبية العظمى من هذه المناطق وفرت معظم الوظائف في مجال الخدمات المكثفة لعلم التقنية الفائقة، فإن المناطق الألمانية، بالمقارنة مع منافسيها، برزت في وظائف قطاعات الصناعات التحويلية ذات التقنية العالية. وبالمقارنة الأوروبية، تعد ألمانيا ثاني دولة رائدة من حيث موظفي العلم والتكنولوجيا الذين يعملون في قطاعات الصناعة التحويلية.
قوة الابتكار
تتمتع ألمانيا بسمعة ممتازة فيما يتعلق بديناميكية بيئتها المبتكرة للأبحاث والتنمية. ويتأكد هذا بشكل متواصل من خلال مقارنات دولية رائدة في القدرة الابتكارية. ولذا فإن ألمانيا، بانتاجها العالي من الابتكار، تعد مكاناً من الدرجة الاولى لمشاريع البحث والتطوير.
ويرى المسؤولون التنفيذيون أن ألمانيا تمتلك إمكانيات فريدة ومبتكرة كموقع للبحوث. فوفقاً لاستطلاع قامت به مؤسسة (إرنست اند يونغ)، فإن ربع صانعي القرار الذين تم استطلاع آرائهم، يعتقدون أن المانيا هي أكثر الأماكن جاذبية في البحوث والتطوير في العالم، متقدمة على سويسرا المجاورة وعلى الولايات المتحدة أيضاً.
ونشر المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في العام 2010 دراسة مفادها أن لا مكان آخر في أوروبا يحقق مستويات إيرادات عالية كتلك المحققة في ألمانيا في قطاعات الأبحاث المكثفة ضمن قطاعات الصناعة. ويمكن للشركات تأمين الريادة في السوق في الأماكن المتوافقة معها عن طريق جلب أحدث ابتكاراتهم لنضج السوق بسرعة.
ويظهر عدد براءات الاختراع الألمانية قوة ابتكار الشركات الألمانية: ففي العام 2010، تمت الموافقة على أكثر من 12500 براءة اختراع ألمانية في مكتب براءات الاختراع الأوروبي، الذي يقدر بحوالي ضعف تلك التي حصلت عليها فرنسا وبريطانيا مجتمعة. فألمانيا تعتبر رائدة ببراءات الاختراع في أوروبا.
مجال البحث والتطوير
يتم استثمار مبالغ هائلة من المال في ألمانيا في سبيل تطوير التكنولوجيات الجديدة والابتكارات. منذ عام 2005، ازدادت نفقات البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل منتظم.
في عام 2008، حققت ألمانيا أعلى مستوى لها منذ إعادة توحيدها. وتحتل ألمانيا المركز الخامس في أوروبا بنسبة 2.64%، بعد الدول الاسكندنافية والنمسا، ولكن متقدمة على كل من فرنسا والمملكة المتحدة.
وهذا يعني أن ألمانيا على الطريق الصحيح لتحقيق الهدف وهو 3 في المئة وهي النسبة التي حددها الاتحاد الأوروبي في غضون السنوات المقبلة. أكثر من ثلثي النفقات – 70 في المئة تقريباً- تستأثر به أعمال البحوث المكثفة الخاصة.
وساهمت المكانة القوية لألمانيا في مجال البحوث دوماً في بروز علماء عالمين مهمين. وحصل العلماء الألمان على أكثر من 70 جائزة نوبل للعلوم.
ويوجد في ألمانيا أكبر مجتمع بحوث في أوروبا، فهناك 20 في المئة من العلماء في الاتحاد الأوروبي يعيشون ويعملون هنا. وعلاوة على ذلك، فإن الباحثين الألمان يتعاونون في مشاريع في جميع أنحاء العالم.
يتميز مجال البحوث والتنمية الألماني بالتعاون الوثيق بين العلم والاقتصاد. ويستند ذلك على شبكة كثيفة ولامركزية من أكثر من 400 جامعة وكلية تقنية. ولكن توفير خريجي الجامعات المؤهلين تأهيلاً عالياً في جميع أنحاء ألمانيا ليس هو الشيء الوحيد الذي يضمنه.
كما ينتهز القطاع الخاص أيضاً هذه الفرص القيمة للتعاون وللوصول إلى قنوات البحوث الأساسية والتطبيقية في الجامعات. ويتم استخدام نتائج العمل المنفذة هناك بشكل فعال في التطبيقات الصناعية. ويمكن للعلماء بسهولة أن يشاركوا في فرق الشركات من المطورين والباحثين. بالإضافة إلى ذلك، يتم توفير معدات المختبر بشكل متزايد من قبل المؤسسات. وتمتلك معاهد البحوث خارج الجامعات مراكز خاصة بها.
وفي مقارنة على مستوى العالم، تحتل ألمانيا مركزاً فريد اً بفضل مجتمعات البحوث المدعومة علنا خارج الجامعات. ويساهم التفاعل بين الجامعات ومعاهد البحث والبحوث الصناعية وغيرها من الشركات الفاعلة في خلق معارف جديدة وفريدة من نوعها.
وتتميز ألمانيا ببنية متقدمة من الشبكات الإقليمية ذات الابتكارية العالية وتجمعات تزود الشركات بولوج ممتاز للتكنولوجيات والمعارف والسلاسل القيمة. ويضمن البحث التفاعلي وعمليات التعلم انتشاراً أسرع للتكنولوجيا بما في ذلك مدخل لاحق إلى السوق.
ووضعت الحكومة الاتحادية والولايات الاتحادية الألمانية مساراً لمواجهة التحديات المتمثلة في المنافسة العالمية المكثفة على الابتكار للوصول إلى اقتصاد قائم على المعرفة. ومن خلال ثلاث أدوات إصلاح كبيرة يتم ضمان النظام العلمي الألماني ليكون معداً للمستقبل. وتهدف مبادرة التفوق إلى توسيع نطاق البحوث المبتكرة الأعلى في الجامعات، فهي تقدم الدعم لـ 37 مرفقاً بحثياً في 13 ولاية اتحادية لتعزيز وجودها وتنافستها على الصعيد الدولي. كما يتم توفير تمويل مادي شامل ضمن مبادرة إصلاح "ميثاق التعليم العالي" للعام 2020 لتلبية حاجات المهنيين ذوي المهارات العالية. وسيساعد هذا البرنامج في السنوات من 2011 وحتى 2015، على خلق عرض يلبي مطالب عدد متوقع من 275000 مبتدئ جامعي إضافي.
تستكمل هذه الجهود الإصلاحية من خلال المبادرة المشتركة للبحث والابتكار. فقد تم تكريس هذا البرنامج لمعاهد البحوث الغير الجامعية لتأمين ميزانياتها لمشاريع البحوث الدولية. وستقوم الحكومة الاتحادية والولايات الاتحادية بزيادة المنح السنوية بنسبة 5% في السنوات من 2011 إلى 2015 من أجل تحقيق هذا الهدف.
أما الهدف الآخر للحكومة الاتحادية، بالإضافة إلى إصلاح النظام العلمي، هو تطوير واستغلال إمكانيات البحوث والتطوير الدولية. ومن خلال استراتيجية دولية، أحدثت في عام 2008، تم إطلاق عدد كبير من التدابير، بما في ذلك إنشاء (البيوت الألمانية للعلوم والابتكار) في أهم العواصم في العالم. وتعد هذه البيوت كنقاط مركزية للاتصال والخدمة للباحثين والشركات، حيث بإمكانهم الحصول على معلومات عن ألمانيا كموقع للعلم.
إمكانيات الصناعة
إن مكانة ألمانيا كبلد ذي تقنية عالية ليست بمحض الصدفة، بل إن الشركات تستثمر مبالغ كبيرة من أجل الاستمرار في تزويد السوق بمنتجات وخدمات مبتكرة. ووفقاً للمبادرة المشتركة للصناعة الألمانية للترويج للعلوم والعلوم الإنسانية، فإن نفقات البحث والتطوير المتعلقة بالاقتصاد بلغت 57.4 مليار يورو في العام 2009.
يتأصل نجاح ألمانيا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بقوة في البنية التحتية للبحث والتطوير فيها. إلى جانب كونها أكبر سوق في أوروبا للمستهلكين والشركات على حد سواء، فإن ألمانيا تمثل فرصة ممتازة للشركات الأجنبية الساعية إلى طرح ابتكاراتها في السوق.
بالنسبة للشركات المبتكرة التي تسعى إلى أقلمة ابتكاراتها مع المطالب المحددة للسوق الأوروبية أو إلى تطوير منتجات الجيل التالي، فإن ألمانيا هي الموقع الرئيسي لذلك. ففيها يمكن الاستفادة من شبكة راسخة للصناعة والأوساط الأكاديمية، إضافة إلى الوصول المباشر إلى مرافق من الدرجة الأولى ومشاريع علمية وصناعية محددة، وتواصل أكبر مع الموردين والعملاء. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من المواقع الكيميائية تقدم فائدة الوجود في مكان واحد مع لاعبين عالميين، وغالباً ما يكونون أعضاءاً في مجموعات الابتكار، والتي يتم إنشاؤها بصورة متزايدة من قبل الحكومة لتحفيز الخبرات الألمانية.
وتعتبر ألمانيا مركزاً لاختبار كفاءة الطاقة والمفاهيم الجديدة للطاقة على الصعيد الدولي، حيث يُنصح المستثمرون المهتمون في مشاريع البحث والتطوير في التقنية الحيوية الصناعية والمواد خفيفة الوزن وتقنيات عملية تخزين الطاقة بالقدوم إلى ألمانيا، ليروا بأنفسهم ماذا لديها لتقدم لهم.
وفي مجال الصناعة الضوئية التي تحظى بأهمية خاصة لدى المستثمرين، هناك ثلاثة حقول للبحوث: خلية السليكون عالية الكفاءة ووحدة التنمية، الأغشية الرقيقة لتقنية الطاقة الشمسية، والخلايا الكهروضوئية العضوية الوليدة. وتخضع عمليات تحسين تقنية النظم والتكامل الشبكي إلى عمليات بحوث وتطوير مكثفة.
وتدعم الحكومة الألمانية بقوة الأبحاث في الصناعة الكهروضوئية. وتم توفير 1.15 مليار يورو لتطوير التقنية اللازمة لاستخدام الطاقات المتجددة في العام 2009 و2010. علاوة على ذلك، تلزم اتفاقية تم توقيعها منذ عام 2007 بين الوزارة الاتحادية للتعليم والبحوث وشركتي باسف وبوش بتقديم 360 مليون يورو لتطوير الطاقة الكهروضوئية العضوية.
حوافز البحث والتطوير
يشكل البحث والتطوير أحجار الزاوية لمستقبل الاقتصاد الألماني. تساهم برامج التمويل العام السخية في الظروف الممتازة التي تسمح للشركات من جميع أنحاء العالم بالقيام بأعمال البحث والتطوير الخاصة بهم في ألمانيا، ممهدة الطريق أمام المنتجات التقنية العالية "صنع في ألمانيا".
قدم كل من القطاعين العام والخاص التزاماً كبيراً في انفاق نحو 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي سنويا على نشاط البحث والتطوير. يصل هذا المبلغ إلى حوالي 70 مليار يورو تنفق على البحوث والتطوير سنوياً.
وقامت الحكومة الاتحادية الألمانية بتدشين استراتيجية التقنية العالية للترويج للنهوض بتقنيات جديدة. تجمع الحملة بين موارد جميع الوزارات الحكومية، مودعة حوالي 4 مليارات يورو سنوياً لتطوير التقنيات الحديثة. ويمكن وفقاً لهذا أن تعتمد مشاريع البحث والتطوير على دعم مالي سخي على شكل منح للبحوث والتطوير.
وتهدف استراتيجية التقنية العالية إلى خلق تأثيرات التعاضد بين الصناعة والبحوث المؤسسية. وتروج معظم البرامج ضمن إطار استراتيجية التقنية العالية إلى الشراكة بين مختلف الشركاء في المشروع، ولا سيما المؤسسات والمعاهد البحثية، بهدف الجمع بين البحوث وخبرات المشاريع المؤسسية .