يعد من الأمراض الجلدية الفيروسية
الهربس الفموي.. أسبابه وسبل علاجه
برلين 8 نيسان/أبريل (د ب أ)-يعد الهربس الفموي من الأمراض الجلدية الفيروسية المزعجة؛ حيث تنتشر البثور والتقرحات حول الفم وتشوه المظهر الجمالي للوجه. وللحيلولة دون تدهور الحالة المرضية ينبغي أن يخضع المريض للعلاج على وجه السرعة، مع الالتزام باشتراطات النظافة والرعاية الصحية؛ نظراً لسهولة انتشار المرض وانتقال العدوى.
وأوضح البروفيسور توماس ميرتينز، رئيس الجمعية الألمانية لعلم الفيروسات، أن أغلب حالات الهربس الفموي تنتج عن الإصابة بفيروسات الهربس البسيط من النوع الأول، بينما تنتج حالات نادرة للغاية عن الإصابة بفيروسات الهربس من النوع الثاني، لافتاً إلى أن مرضى نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) أو الذين يخضعون للعلاج الكيميائي يمثلون الفئة الأكثر عُرضة للإصابة به.
وأردف ميرتينز أن الكثير من الأشخاص يحملون الفيروسات المسببة لهذا المرض دون أن يشعروا إلى أن تنشط لديهم للمرة الأولى وتتسبب في الإصابة بالمرض. وغالباً ما تحدث الإصابة بعدوى هذه الفيروسات لأول مرة في الطفولة المبكرة، والتي تظهر أكثر الأشكال الشائعة لها في التقرحات الفموية لدى الرُضع.
وأضاف اختصاصي علم الفيروسات قائلاً: "لا تتطور الإصابة بهذه التقرحات إلى الأعراض السريرية المميزة للمرض إلا لدى 10% فقط من الأطفال الذين أُصيبوا بالعدوى". بينما تكمن الفيروسات داخل الجسم لدى جميع المرضى الآخرين في حالة مشابهة للبيات الشتوي؛ حيث يدخل الفيروس عند الإصابة بالعدوى الأولى إلى النهايات العصبية وينتقل عبر المسارات العصبية إلى أن يصل إلى الخلايا العقدية الحسية التابعة لها؛ حيث تتحول العدوى هناك إلى عدوى كامنة.
أشعة الشمس
وأشار ميرتينز إلى أن الأسباب المؤدية إلى يقظة هذه الفيروسات من كمونها لم يتم تحديدها بشكل علمي واضح حتى الآن، لافتاً إلى أن هناك فيما يبدو بعض الآليات التي تحفز نشاطها من جديد، منها مثلاً التعرض لأشعة الشمس بشكل مكثف أثناء ممارسة الرياضة مثلاً أو على الشواطئ وكذلك عند حدوث تغيّرات هرمونية بالجسم.
ويلتقط أولريش كلاين، عضو الرابطة الألمانية لأطباء الأمراض الجلدية، طرف الحديث موضحاً: "يمكن أن يتسبب ضعف المناعة الموضعية كالناتج مثلاً عن الإصابة بارتفاع درجة الحرارة أو غيرها من الأمراض وكذلك الوقوع تحت ضغط عصبي في نشاط هذه الفيروسات مرة ثانية؛ حيث يتسبب التوتر العصبي في زيادة إفراز الأدرينالين بالجسم، ما يؤدي إلى ضعف جهاز المناعة".
وأشار ديتر كونراد، رئيس الرابطة الألمانية لاختصاصي الطب العام بولاية هيسن، إلى أن هذه الفيروسات الناشطة مرة أخرى تعود من العقد العصبية عبر المسارات العصبية لتستقر في مناطق خارجية من الجسم، لاسيما على حافة الأغشية المخاطية.
وأوضح كونراد قائلاً: "تكون الناحية الخارجية من الشفاه العليا أقرب موضع لظهور هذه الفيروسات". ويقوم الفيروس بتسريب السائل الوراثي الخاص به في خلايا الجلد السليمة الموجودة هناك؛ ومن ثمّ يتم إفراز فيروسات هربس جديدة تبحث عن خلايا أخرى تستوطن بداخلها.
وأضاف اختصاصي الطب العام الألماني كلاين أنه قبل ساعات من ظهور الأعراض الأولى المميزة للإصابة بالهربس الفموي يشعر الكثير من المرضى بحرقة وكذلك ضغط أو شد على شفاههم، ثم يبدأ بعد ذلك ظهور احمرار بالموضع المصاب، ثم تتكوّن عليه التقرحات.
وأشار عالم الفيروسات الألماني ميرتينز إلى أنه في أحسن المسارات المرضية تجف هذه التقرحات وتتصلب من تلقاء نفسها، إلا أنها غالباً ما تنفتح ويسيل منها المواد الموجودة بداخلها، وغالباً ما تبدأ بعد ذلك الإصابة بالالتهابات الحارقة. وأوضح ميرتينز: "ترتبط الحالة المرضية وعدد التقرحات وحجم المنطقة المصابة من الجلد بعدد الفيروسات التي أصابت الخلايا العقدية في العدوى الأولى".
مضادات الفيروسات
وعن كيفية العلاج، أوضح اختصاصي الطب العام كونراد أنه لا يوجد للأسف علاج حتى الآن لهذه الفيروسات المسببة للهربس الفموي، لافتاً إلى أن تطوير تطعيم ضد الإصابة بها لازال قيد البحث. وحتى الآن يتم استخدام العلاج بالمراهم المحتوية على المواد الفعّالة الآسيكلوفير أو البينسيكلوفير؛ حيث تعمل هذه المواد بوصفها مضادات للفيروسات على الحد من انتشار التقرحات من خلال التحكم في عملية تكاثر الفيروس.
وكي تُجدي هذه الطريقة العلاجية نفعاً، شدد كونراد على ضرورة استخدامها في مراحل مبكرة للغاية من الإصابة بالمرض وبكميات كبيرة، أي من خلال الالتزام بوضع هذه المراهم بصورة متكررة على مدار اليوم.
ونظراً لسهولة انتقال هذه الفيروسات إلى أماكن أخرى من الجسم عن طريق الرذاذ أو ملامسة المواضع المصابة أو ملامسة الجلد بشكل مباشر، لذا شددّ الطبيب الألماني كونراد على ضرورة إتباع اشتراطات النظافة والرعاية الصحية عند استخدام هذه المراهم؛ حيث يُمكن أن تنتقل إلى جميع المناطق المحتمل إصابتها من جسم المريض نفسه أو الأشخاص الآخرين، مع العلم بأنه عادةً ما يسهل استيطان البكتيريا للمواضع المصابة بجروح.
لذا ينصح كلاين المرضى بارتداء غطاء الإصبع الذي يتم شراؤه من الصيدليات عند وضع المراهم أو استخدام قطعة من القطن لهذا الغرض، مشدداً على ضرورة ألا يتم ملامسة هذه التقرحات أو محاولة حكها إلى أن تجف وتشفى تماماً، مع العلم بأن غسل اليدين بصورة متكررة يعمل على توفير حماية إضافية. وأوضح عالم الفيروسات الألماني ميرتنز فائدة ذلك: "ليس للفيروسات قدرة كبيرة على مقاومة الظروف البيئية؛ ومن ثمّ يمكن القضاء عليها بغسل الأيدي بالصابون العادي".
ويرى البروفيسور الألماني ميرتينز أن المراهم لا تمثل علاجاً ناجعاً، موضحاً: "يمكن إعاقة تطور البثور أو الحد منها على الأقل من خلال ما يُسمى بـ (العلاج المثبط) عن طريق تناول مضادات الفيروسات في شكل أقراص بمجرد الشعور الأول بالوخز والحكة أو حقن هذه المواد في الوريد، لاسيما مادة الآسيكلوفير".
وأشار عالم الفيروسات الألماني إلى أنه عادةً ما يوصى باستخدام هذه التقنيات العلاجية بصفة خاصة مع المرضى المصابين بنوبات شديدة ومتكررة وكذلك الفئات الأكثر عُرضة للإصابة بالمرض.
من إيفا نويمان