وُلد في عام 1685 في آيسناخ

الموسيقار باخ.. وعاش ليبدع في عالم الموسيقى

للموسيقى معنى مختلف عند الألمان، هذا الشعب الذي لا يوصف بأنه دؤوب يحب العمل والعلم ويتوق لكل ما هو جديد ومبتكر فقط، بل إنه شعب ذواق للفن والموسيقى والأدب والشعر. وقد برز منه العديد من الموسيقيين والشعراء والأدباء على مدى العصور، منهم على سبيل المثال لا الحصر، الأديب الشهير غوته والموسيقار بيتهوفن والموسيقار باخ. وفي ثنايا هذه السطور نسلط الضوء على أحد أبرز الموسيقيين الألمان، وهو "يوهان سيباستيان باخ" الذي اشتهر بالموسيقى الدينية واتسمت مقطوعاته بالصبغة البروتستانية.

 

وُلد باخ في عام 1685 في آيسناخ من أبوين موسيقين متذوقين للفن وعائلة لها باع طويل في الموسيقى، فجد أبيه كان أيضاً من الموسيقيين الموهوبين الذين لعبوا دوراً هاماً في محيطهم. وورث باخ موهبته الموسيقية عن أبيه الذي كان عازفاً ماهراً للأورغان والكمان. لكن الأقدار شاءت أن يكمل باخ حياته دون والدين منذ أن كان في سن العاشرة، ورباه أخوه الأكبر يوهان كريستوف الذي كان أيضاً موسيقياً ماهراً. وسرعان ما اكتُشفت موهبة باخ الموسيقية باكراً، ليحصل على منحة لدراسة الموسيقى في مدرسة في شمال ألمانيا.

بعد إنتهائه من دراسته عمل عازفاً للكمان في بلاط الأمير يوهان ارنست وبرز في هذا الوقت أيضاً كعازف للأورغان. وبسبب براعته وتميزه حصل في عام 1703 على وظيفة عازف أورغان في آرنشتاد وكان إلى جانب عمله يؤلف القطع الموسيقية وكان يسافر إلى مدينة لوبيك في الشمال التي تبعد أكثر من 400 كيلومتراً ليستمع لعازف الأورغان الشهير بوكستهود وليتعلم منه. إلا أنه لم يبق طويلاً في آرنشتاد، حيث اختلف مع رب عمله كما سيختلف مع غيره في سياق حياته العملية. انتقل إلى مولهاوزن في وسط ألمانيا حيث عمل في كنيستها كعازف للأورغان وألف قطعه الموسيقية الشهيرة للأورغان "التوكاتا" و"الفوغا". التقى في مولهاوزن بزوجته وبعد سنة انتقل الى مدينة فايمر حيث عمل لدى الأميرين فيلهلم ايرنست وفيلهلم أوغوست اللذين كانا لديهما اهتمامات موسيقية مختلفة، فأحدهما يحب الموسيقى الدينية والآخر يحب الموسيقى الدنيوية. وأبدع باخ في نوعي الموسيقى، فكان عازف البلاط وعازف الحجرة. وفي عام 1717 ترك فايمر وأصبح قائداً للفرقة الموسيقية لدى الأمير ليوبولد في مدينة أنهالت-كوتن وكان يعزف في جميع الحفلات الموسيقية للبلاط. ومثلت هذه الفترة مرحلة الإبداع لدى باخ وكتب العديد من القطع الموسيقية للمناسبات الدنيوية مثل "ست حوريات براندنبورغية" التي شكلت أهمية كبيرة في مساره الفني.

وآخر محطاته وأطولها كانت مدينة لايبزيغ حيث كان مسؤولاً عن كامل موسيقى الكنيسة وكان يُعلم الموسيقى لأبنائها وأنجز هناك كمية هائلة من الأعمال الموسيقية وكان يؤلف لكل مناسبة ولكل قداس يوم الأحد قطعة موسيقية جديدة يتدرب عليها مع الفرقة الموسيقية والكورال.

جعبته كانت مليئة بالأعمال الموسيقية المختلفة والمتنوعة مثل المغناة الدنيوية والفوغا والسوناتا وأغلب مؤلفاته طغت عليها الصبغة الدينية وكانت تُعتبر معقدة نوعاً ما لمعاصريه. فقد باخ نظره في السنوات الأخيرة من عمره ولكنه استمر في التأليف الموسيقى وعاش في غرفة مظلمة. وبمعجزة استعاد بصره ولكن سرعان ما أصيب بالفالج وأصيب بالوهن وتوفي عن عمر يناهز 65 عاماً، ورغم ذلك يعتبر هذا النابغة الموسيقية من أهم الموسيقيين الكلاسيكيين في عصر الباروك، وخلف وراءه مؤلفات ضخمة وسار أبناؤه الخمسة على خطاه الموسيقية. ومن أشهر ما لحن قبل موته "تعال أيها الموت الحلو"

تعال أيها الموت الرحيم، أيها الراحة المباركة،

تعال لأن حياتي مقفرة،

وقد تعبت من الدنيا.

تعال لأنني في انتظارك،

تعال سريعاً وهدئ روحي،

وأسبل عيبني في رفق؛

تعال، أيها الراحة المباركة