بدأت منذ عام 2012 بأول اختبار ميداني في حقل نفط بوكستيدت

فينترسهال تطور تقنية جديدة لإنتاج النفط بمساعدة فطر صغير

تطور شركة فينترسهال حالياً تقنية جديدة صديقة للبيئة يمكن من خلالها تحسين معدل استعادة الرواسب بشكل كبير. وقد اُستِلهمت فكرة التقنية من الطبيعة نفسها.

لم يعد إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي ممكناً بدون استخدام التقنيات الحديثة شديدة التخصص. وأفضل تلك التقنيات يأتي من الطبيعة نفسها، كما هو الحال مع أكبر المشاريع البحثية الذي تنفذه حالياً شركة فينترسهال، الشركة الألمانية المتخصصة بإنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي، سوياً مع باسف (BASF). ويشكل الفطر هذه المرة الأساس للمشروع البحثي، لسبب بسيط جداً: ألا وهو أن "شيزوفيلوم كومون" (Schizophyllum commune)، وهو الفطر المعني، يقوم عندما يستهلك الأكسجين والنشاء بإنتاج بوليمر حيوي، يعتبر عامل تثخين بيولوجي تماماً.

يمكن استخدام هذا البوليمر في إنتاج النفط: فالمادة المشابهة للجيلاتين تعمل على زيادة ثخانة الماء الذي يتم ضخه في الرواسب لتحسين الإنتاج. ويمكن للماء أن يدفع كمية أكبر من النفط خارج الرواسب لأنه لم يعد يتدفق مارّاً بالمادة الخام القيمة بسهولة. كما يمكن لهذا التقنية زيادة معدل الاستعادة من خزائن النفط بشكل ملحوظ. فضلاً عن ذلك، فإن هذه العملية تتم بطريقة صديقة للبيئة لأن البوليمر الحيوي قابل للتحلل بصورة تامة. ويجري القيام بأول اختبار ميداني للمنتج منذ عام 2012 في حقل نفط بوكستيدت (Bockstedt) في شمال ألمانيا، الذي تشغّله فينترسهال منذ العام 1954. كما يتم هناك منذ عامين إجراء بحوث لمعرفة تأثير البوليمر الحيوي على إنتاج النفط.

 

إنتاج النفط في ثلاث مراحل

حتى الآن كانت إمكانية استعادة النفط من كل وديعة تقتصر على حوالي الثلث فقط في المعدل، حيث تكون المادة الخام القيمة محصورة في الصخور المسامية ويقتصر استخراجها على استخدام تقنية متطورة. في المرحلة الأولي من الإنتاج، والتي تسمى "الإنتاج الأولي"، يتدفق النفط بشكل أو آخر تلقائياً إلى السطح بفضل الضغط الطبيعي للمكمن– إلا أنه لا يطفو على السطح سوى حوالي 10%. ومع استخدام تقنيات الضخ التقليدية، مثل تقنية "مضخات رأس الحصان" "Pferdekopfpumpen" المعروفة، يتم استخراج من 5 إلى 10% من النفط الخام حسب طبيعة المكمن. بعد ذلك يدخل الإنتاج مرحلته الثانية. أثناء علمية الإنتاج الثانوية، يتم، على سبيل المثال، حقن المياه في المكمن باستخدام آبار حقن على حافة حقل النفط للحفاظ على معدل الضغط الطبيعي المتناقص في المكمن. وتتيح هذه العملية إنتاج كمية أخرى تتراوح ما بين 10 إلى 20% من النفط. وبمجرد استخراج ما يقرب من 30 إلى 40% من المادة الخام، تتوقف عادة عملية الإنتاج هنا.

 

الاستخلاص المعزز للنفط (EOR)

في المرحلة الثالثة للإنتاج، يتم تطبيق ما يدعى بوسائل "الاستخلاص المعزز للنفط" لاستخراج مزيد من النفط من المكمن.

تعتبر العمليات الحرارية، التي يتم من خلالها استخدم الحرارة لإكساب النفط الدبق قدرة أكبر على التدفق بسهولة أكبر، واحدة من طرق "الاستخلاص المعزز للنفط". كما تضم هذه الطرق ما يعرف بالفيضان البخاري، وهي تقنية تقوم فينترسهال بتطبيقها بنجاح منذ 30 عاماً في إمليشهايم (Emlichheim) على الحدود الألمانية الهولندية. ويتم هناك حقن البخار عند الدرجة 300 سليسيوس في الراسب في ضغط عالي، مما يؤدي إلى رفع درجة حرارة النفط الموجود في الصخور وبالتالي يصبح أقل لزوجة وأسهل في الإنتاج. وقد نجحت شركة فينترسهال في الحفاظ على استقرار معدل الإنتاج عند حوالي 140 ألف طن من النفط الخام في سنة في  بلدية إمليشهايم لأكثر من ستة عقود حتى الآن، بفضل التطورات التقنية في عملية الضغط البخاري.

تعد تقنيات ضغط الغاز طريقة أخرى لتحسين إنتاج الآبار النفطية، حيث يتم حقن ثاني أكسيد الكربون أو النتروجين في الآبار. ويمتزج الغاز بالنفط مما يحسن خاصية التدفق إلى البئر.

يمثل كل من "تحسين إنتاج الآبار النفطية بالمواد الكيميائية" أو "الفيضان الكيميائي"، المجموعة الثالثة من العمليات، حيث تستخدم فيها منتجات مثل عوامل الفاعلية السطحية أو البلمرات. وتوجد تلك المواد في المنظفات على سبيل المثال. وبناءً على نفس فكرة إزالة الفضلات الدهنية من الأطباق، تقوم عوامل الفاعلية السطحية بإزالة النفط من الصخور في مكامن النفط. وحتى الآن لم يتم استخدام طريقتي فيضان الغاز أو تحسين إنتاج الآبار النفطية بالمواد الكيميائية في إنتاج النفط بشركة فينترسهال.

 

صديق للبيئة: فيضان البوليمر مع شيزوفيلانSchizophyllan) )

تجري شركة فينترسهال أبحاثاً لإيجاد إمكانية جديدة لاستخدام عملية فيضان البوليمر في مكامن النفط. فالبوليمرات تلعب دوراً كبيراً في حياتنا اليومية، وتتميز بوظيفة أساسية وهي أنها تقوم بدور عامل مزيد للسماكة أو رافع للقوام. وتدخل البوليمرات في صناعية معجون الأسنان ومستحضرات التجميل، فهي تعمل مثلاً على تحويل المواد السائلة إلى ما يشبه العجينة أو الجل. وفي حالة إنتاج النفط الخام، تعمل البوليمرات على رفع قوام الماء مما يعمل على دفع النفط خارج الصخور المسامية. وهذه الفئة، فيضان البوليمر، تتضمن شيزوفيلان البوليمر العضوي الذي يخلق بمساعدة فطر معروف. وبالإضافة إلى الفوائد الفنية الواضحة، يقدم هذا البوليمر ميزة أساسية أخرى: وهي أن المنتج العضوي الشيزوفيلان يعتبر صديقاً للبيئة بدرجة كبيرة جداً.

يتم خلق هذا البوليمر الحيوي من خلال عملية حيوية فنية طبيعية – مشابهة لتخمير الجعة. جدير بالذكر أن أصل كلمة "بوليمر" يوناني ويعني "متعدد الأجزاء". والبوليمر ليس إلا جزيء يتكون من سلسلة طويلة ومتكررة من وحدات أصغر. تؤدي التفاعلات الكيميائية للبوليمرات الصناعية إلى خلق السلاسل الجزيئية. وفي حالة البوليمر الحيوي الشيزوفيلان، ينتج الفطر السلسلة الجزيئية نفسها.

يمكن العثور على فطر "شيزوفيلوم كومون" في كل غابات الأرض على الأخشاب الميتة مثل الأخشاب الساقطة. ويتغذى هذا الفطر بشكل أساسي على الأكسجين ومصادر الكربون المختلفة، مثل السكر، وينتج البوليمر الذي نحتاج إليه في تطوير جدران الخلايا الخاص به، بجانب أشياء أخرى، أثناء عملية النمو. يتكون الشيزوفيلان من حوالي 25 ألف مكون سكري وهو قابل للتحلل بيولوجياً بشكل كامل، أي أنه منتج طبيعي حقيقي. وقد عرفت قيمة البوليمر منذ زمن طويل في بعض دول العالم: فقد استخدم الشيزوفيلان على سبيل المثال في أمريكا الجنوبية كمكمل غذائي، وفي آسيا استخدم في المجال الطبي لتقوية الجهاز المناعي.

 أثناء عملية إنتاج النفط الخام، يفترض أن يقوم البوليمر بتنظيم مستويات حركة الماء والنفط الخام. وتجدر الإشارة إلى أن النفط الخام يكون أكثر لزوجة من الماء في الكثير من الآبار. وهذا يعني أن الماء الذي يتميز بأنه أكثر قدرة على الحركة يتدفق خلال مسام الصخور بسهولة ويسر أكثر من النفط الخام. وبدلاً من دفع النفط ليتقدم الماء – وهو المطلوب – يجد الماء بالتدريج طرقاً للضغط بين قطرات النفط وبالتالي يحمل كميات أقل من النفط معه. ثم يأتي دور البوليمر الذي تؤدي إضافته إلى زيادة لزوجة الماء، مما يمهد الطريق للنفط الخام ليصل إلى السطح.

يعتبر الشيزوفيلان الفائز الحقيقي في عملية إنتاج النفط الخام: فالمنتج يظل فعالاً في درجات الحرارة العالية وكميات الملح المركزة على الرغم من قدرتها على التحلل البيولوجي. ونظراً لأن هذا المنتج الطبيعي صديق للبيئة، فهو يستخدم في الأنظمة البيئية عالية الحساسية مثل البحار. وتظهر هذه الميزة بشكل خاص في بعض الدول مثل النرويج، التي تستلزم الظروف فيها أن تكون كل المواد المستخدمة في عمليات الإنتاج البعيدة عن الشواطئ قابلة للتحلل بيولوجياً. وتتم إضافة مادة حافظة لحماية البوليمر من البكتريا وهو في طريقه عبر مسام الصخور. ويتم استهلاك البوليمر بالكامل أثناء تدفق خليط الماء والبوليمر في الصخور المسامية.

 

مستقبل واعد لعملية إنتاج النفط الخام

يمكن في المستقبل أن يتم رفع معدل الاستعادة من المكامن حتى 10% بمساعدة الشيزوفيلان، وهو ما يمثل قفزة هائلة. وتعتبر أكبر شركة إنتاج للنفط الخام والغاز الطبيعي في ألمانيا أن هذا مشروع له مستقبل باهر: ويعتقد بيرند ليونهاردت، مدير المشروع ورئيس قسم الأبحاث في فينترسهال أن "مادة الشيزوفيلان تتيح لنا فرصة رائعة. يمكننا أن نميز أنفسنا عن منافسينا من خلال تخصصنا في التقنية التي طورنها، وأن ندعم مكانة شركتنا في السوق كشريك جذاب خاصة بالنسبة لشركات النفط الوطنية". سوف يستغرق الأمر قليل من الوقت حتى تتمكن شركة فينترسهال من استخدام المنتج في المكامن النفطية. وحاليا، يجري أول اختبار عملي باستخدام البوليمر الحيوي.

 

من المختبر إلى حقل النفط: الاختبار الميداني في "بوكستيدت"

بعد سنوات طويلة من البحث الواسع يجرى اختبار الشيزوفيلان منذ ديسمبر 2012 في حقل نفطي في البداية. وعلى مساحة تشغيل خاصة بنيت لهذا الغرض في مدينة "بوكستيدت" في شمال ألمانيا يتم استخدام البوليمر الحيوي لمدة عامين في المكمن. وسيظهر الاختبار مدى فائدة الشيزوفيلان حقيقة في استخراج النفط. ومن بين الأمور الأخرى، سيلقي الضوء على كيف يتغلب البوليمر الحيوي على ارتفاع محتوى الملح في المكمن.

يُخلط البوليمر مع ماء من المكمن ومواد حافظة ويتم ضخه في أنبوب الحقن. يحتوي محلول الحقن على 0,035 في المئة فقط من البوليمر الحيوي. وهو ما يكفي لتثخين الماء 5 مرة. وينبغي أن يؤثر استخدام أداة التثخين في بئري إنتاج.

ويشعر بيرند ليونهاردت بالرضى عن تقدم الاخبتار العملي حتى الآن: "يعتبر الاختبار بدايةً جيدةً ويجري كما هو مخطط له على مدار الساعة". ويتوقع مدير المشروع أن تتكلل نهاية العام الحالي بنتائح أولى: "عندها سيكون لدينا مؤشرات أولى لكيفية تصرف البوليمر في المكمن. قد نكون قادرين أيضاً على مشاهدة استخراج مزيد من النفط في واحد من الآبار".