فرانكفورت الخضراء على الماين

تُعرف فرانكفورت على الماين بأنها مدينة البنوك وناطحات السحاب وصاحبة ثالث أكبر مطار في أوروبا. وإلى جانب هذا التميز تعتبر فرانكفورت واحدة من أكثر المدن الكبيرة غنى بالغابات في ألمانيا. فغابة مدينة فرانكفورت "فرانكفورتر شتادت فالد"، التي تعتبر أكبر غابة مدينة في ألمانيا وتمثل الرئة الخضراء "غرونه لونغه" لحاضرة الماين، تمتد على مساحة ما يقرب من 5 آلالف هكتار، وذلك من المطار وحتى أحياء "أوبرراد" و"زاكسنهاوزن" و"نيدرراد". فنظراً لصورة الأبراج المرتفعة المذهلة يكاد لا يصدق المرء أن هناك العديد من المحميات الطبيعية في هذه المدينة التي تزخر بالبنوك وتمثل عاصمة المعارض، منها على سبيل المثال "إنكهايمر ريد" في الشمال الشرقي، غابة "شفانهايمر فالد" في الجنوب الغربي وغابة "فيشنهايمر فالد" في الشرق.

 

ومن أهم ما يميز فرانكفورت في هذا المجال نذكر الحزام الأخضر "غرون غورتل" الذي يضم حوالي 75 كلم من المدينة. ففي عام 1991 قرر مجلس مدينة فرانكفورت بالإجماع حماية الحزام الأخضر وتطويره. وبذلك تُحيط هذه المنطقة الترفيهية بالمدينة مع ما تضمه من دروب للتنزه ومسارات للدراجات الهوائية وعدد لا يُحصى من عروض التسلية. كما يلعب الحزام الأخضر دوراً خاصاً جداً كمرفق للتعلم والاستكشاف بالنسبة للأطفال. ولذا، قامت منظمة اليونسكو باعتبار برنامج "اكتشف وابحث وتعلم في الحزام الأخضر" مشروعاً نموذجياً لعقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة.

تنتمي غابة المدينة في فرانكفورت في الأصل إلى امبراطورية كبيرة من الغابات، اشترتها المدينة عام 1372 في عهد القيصر "كارل الرابع" وهي تمثل جزءاً مهماً من الحزام الأخضر في فرانكفورت. واليوم تغطي غابة مدينة فرانكفورت "فرانكفورتر شتادت فالد" والعديد من البرك مساحة تبلغ 5 آلاف هكتار وهي بذلك تعتبر أكبر أكبر غابة بلدية قريبة من المدينة في ألمانيا. فليس هناك مكان آخر في ألمانيا يوجد فيه غابة بهذا الحجم ومرتبطة وقريبة من منطقة المدينة إلى هذا الحد كما هو حال المنطقة الترفيهية هذه التي تعد أيضاً بمثابة "الرئة الخضراء". فشبكة المسارات، التي يبلغ طولها 450 كلم، تقدم مسارات للمشي والجري وقائدي الدراجات الهوائية والمتجولين وراكبي الخيول وعشاق التجارب الطبيعية. وتعتبر البركة مع الحياة الحيوانية والنباتية التي تميزها وجهة شعبية للنزهات. وتعتبر بركة ياكوبي "ياكوبي فايهر" أكبر مرفق مائي، حيث تبلغ مساحتها 6 هكتارات. وهناك العديد من المعالم السياحية التي تدعوك للاسترخاء، مثل برج غوته "غوته تورم" البالغ ارتفاعه 43 متراً والعديد من المطاعم وينابيع غابة المدينة (أحواض ماشية سابقاً). وبالإضافة إلى ذلك، سيجد المتنزهون في غابة المدينة "شتادت فالد" شواهد مذهلة من الماضي، حيث تبدو هذا الغابة الخضراء كمتحف في الهواء الطلق تتنوع معروضاته، بدءاً من سرير الماين العائد للعصر الجليدي مروراً ببقايا مستوطنة رومانية وحتى مراعي الغابة العائدة للعصور الوسطى.

أما غابة "شفانهايمر فالد" الواقعة في غرب المدينة فلها أهمية بيولوجية خاصة. ومع القليل من الحظ يمكن للمرء هنا أن يشاهد العديد من الحيوانات كالأرانب البرية والثعالب والغزلان وغيرها الكثير. وبالجوار تماماً يمكن للمرء في أحد المحميات الطبيعية كثبان شفانهايمر "شفانهايمر دونه"، وهي واحدة من آخر الكثبان الداخلية في أوروبا.

وفي وسط المدينة هناك أكثر من 50 متنزه وحديقة، من أهمها حديقة النخيل "بالمن غارتن" ذات الشهرة العالمية، المتنزه الواسع "غرونه بورغ بارك"، متنزه "بيتمان بارك" أو متنزه "هولتسهاوزن بارك" في الطرف الشمالي، متنزه "غونترسبورغ بارك" في "بورنهايم" أو حديثة "بولونغارو غارتن" في "هوكست".

وفي حديقة "فولكس بارك نيداتال" في شمال غرب المدينة أقيم في أحد المرات معرض الحدائق الإتحادي "بونديس غارتن شاو"، بينما يغص المكان اليوم بالمتنزهين وراكبي الدراجات الهوائية وممارسي رياضة الجري. وتبرز صورة مماثلة أيضاً في متنزه "ريبشتوك بارك" خلف المعرض.

وتعتبر حديقة "أوست بارك" و"لور بارك" المتواجدتان على أعلى قمة في فرانكفورت والمتمثلة في تلة "لوربيرغ" التي يبلغ ارتفاعها 180 متراً، من الوجهات الشعبية للنزهات ولممارسة الرياضة والترفيه. كما تعتبر أيضاً المقبرة الرئيسية "هاوبت فريدهوف" التي تبلغ مساحتها 80 هكتاراً جزءاً مهماً من المساحات الخضراء في فرانكفورت.

أما حديقة "بالمنغارتن" ذات الشهرة العالمية فقد تأسست بناءً على مبادرة من قبل مواطني فرانكفورت في عام 1868. وستتعرف هنا على طائفة واسعة من المناطق المناخية ومجموعة من النباتات الإستوائية داخل منطقة الحديقة.

وفي جناح الموسيقى في هذه الحديقة، سوف تستمتع بحضور واحدة من الحفلات الموسيقية التي تقام فيه، إذ ما تزال سلسلة الحفلات الشعبية التي يُطلق عليها اسم "جاز في حديقة النخيل"، تجذب أساطير الجاز منذ العام 1959. وهناك أيضاً الكثير من المجموعات الموسيقية التي تقيم حفلاتها هنا بشكل منتظم.

وسوف يشعر الزوار في بيت النخيل "بالمنهاوس" المبني من الزجاج والحديد بأنهم في غابة إستوائية. فمع 29 هكتاراً تغطيها النباتات ومساحة عرض تبلغ 10 آلاف متر مربع تنتمي حديقة "بالمنغارتن" التي يزورها سنوياً أكثر من 750 ألف زائر إلى أكثر الحدائق زيارةً في أوروبا. تضم هذه الواحة الخضراء التي تقع في المدينة من 2500 إلى 3 آلاف نوع وصنف من النباتات. ومن خلال العديد من المعارض التي تدور حول أصناف محددة من النباتات مثل النباتات ذات الفصيلة السحلبية والصبار أو تتعلق بفصول مختلفة يتم عرض تفتح الأزهار ذات الألوان المفرحة وأوراق الأشجار الخضراء أو الملونة الزاهية.

وتشهد الحديقة أحداث بارزة مثل مهرجان الورود والأضواء والفعاليات المسرحية والموسيقية التي تقام في الهواء الطلق، بل أن مسرح "باباغينو" يمنح حديقة "بالمنغارتن" داراً خاصة بها للأوبرا والمسرح للأطفال. ويمكن للزوار الاسترخاء بشكل رائع على المقاعد المنتشرة على المساحات الخضراء المشذبة. كما يمكن للمرء استئجار زوارق التجديف أو استكشاف الحديقة بواسطة قطار الحديقة "بالمن إكسبريس".

وتقع الجوهرة الخضراء المتمثلة في متنزه "هولتسهاوزن بارك" في نهاية الجهة الشمالية ويتوسطها قصر مياه. واليوم تتواجد في هذا المبنى الخلاب مؤسسة مواطني فرانكفورت "فرانكفورتر بورغر شتيفتونغ". ويعود هذا البناء منذ عام 1500 إلى عائلة "هولتسهاوزن". فقد تم بناء قصر "هولتسهاوزن" عام 1728 بنمط باروكي فرنسي كلاسيكي. وكامل المبنى مملوك من قبل المدينة منذ عام 1910.

نشأ متنزه "بيتمان بارك" من الحديقة السابقة للعائلة الفرانكفورتية الشهيرة "بانكير". فمع أزهار متنوعة ومشاتل الورود يمكن لمتنزه "بيتمان بارك" أن يتحول أيضاً إلى حديقة منتجع صحي مزخرف. أما الجوهرة فهي الحديقة الصينية التي تم إنشاؤها وفقاً لتصاميم خبير الانسجام "فينغ شوي". وتعتبر بركتها وجسورها وبوابتها المزخرفة بالتنين نقاط غريبة في وسط المدينة تحظى بشعبية لدى الزوار من عشاق التصوير.

كانت الملكية السابقة لمتنزه "غونترسبورغ بارك" تعود إلى عائلة "روتشيلد". فهو يشكل الحدود بين منطقتي "بورنهايم" و"نوردإند" ويجذب الزوار مع أشجار عتيقة ومروج واسعة. وتعد هذه الحديقة مكاناً محبوباً لدى العائلات التي لديها أطفال صغار وذلك بسبب وجود حظر صارم على دخول الكلاب. وفي الصيف، يعتبر ملعب المغامرات والألعاب المائية مع الزحلوقة من المرافق التي تجذب الأطفال بشكل لافت. ومن مرافق الجذب الأخرى تبرز لعبة جدار التسلق التي يبلغ ارتفاعها 10 أمتار. وهناك أيضاً دكان مع مقهى يتوفر فيه الآيس كريم والمشروبات والوجبات الخفيفة.

في أوائل القرن العشرين، عندما كان حي "أوستيند" لا يزال منطقة للعمل، كانت تُقام التجمعات السياسية في أول حديقة عامة في فرانكفورت "فولكس بارك" أي الحديقة الحالية "أوست بارك". أما اليوم فيجتمع هنا الشباب والكبار وكذلك العازبون وحتى العائلات الكبيرة. فبالإضافة إلى مساحات الاسترخاء الخضراء الواسعة مع الأشجار القديمة يتم على المساحات المفتوحة لعب كرة القدم والتنزه والشواء على أجهزة الشراء التي يحضرها الزوار معهم. وتقدم بركة "أوست بارك" مع مساحاتها المائية البالغة 4 هكتارات مروج مع القصب والصفصاف والتنوع الحيواني المثير للإعجاب. ويجد المرء التنوع أيضاً في حديقة التعليم مع الخيزران وأعشاب الطهي والأعشاب الطبية. وفي الصيف يكون مقهى حديقة "أوست بارك" مفتوحاً.

استمدت حديقة "غرونه بورغ بارك" اسمها من قلعة "غرونه بورغ" التي لم تعد موجودة والتي تعود ملكيتها إلى عائلة "روتشيلد". واليوم، تتمتع هذه الحديقة التي تبلغ مساحتها 29 هكتاراً بطراز الحدائق الطبيعية الإنكليزية. وتشتمل هذه الربوع على مروج واسعة مزينة بمجموعات منسقة من الأشجار والشجيرات. وتدعوك المسارات المنحنية للقيام بالتنزه وممارسة الجري والمشي وركوب الدرجات الهوائية أو ألوح التزحلق. وفي فصل الصيف تشهد المروج الواسعة فعاليات في الهواء الطلق. في ديسمبر من عام 2005 تم افتتاح الحديقة الكورية، وهي تمثل هدية سخية من كوريا، البلد الضيف آنذاك في معرض فرانكفورت للكتاب.

تمتد الأسوار، تُدعى أيضاً الحزام الأخضر، على مساحة نصف دائرية تبلغ 5 كلم حول البلدة القديمة، بين منشأة الماين السفلية والعلوية. تتبع الحديقة مسار أسوار المدينة، التي دُمرت في أوائل القرن التاسع عشر وأُعيد زراعتها. فقد تم تحويل الحائط الدفاعي السابق إلى حزام أخضر رائع داخل المدينة. كما أن دروب التنزه محاطة بالنوافير والبرك والتماثيل العصرية والنصب التذكارية.

على الضفة الشمالية من نهر الماين تطل فرانكفورت بوجه البحر الأبيض المتوسط. فبين جسري "أونتر ماين" و"فريدنس بروكه" على طول نهر الماين تتواجد حدائق نيس "نيتسا غيرتن"، التي تم إنشاؤها بين عام 1866 وعام 1875. وفي ظل جدار الحجر الرملي تزهر في مناخ معتدل أشجار التين والليمون والنخيل والأرز وحتى شجرة الجنكة. فهنا تقف الريفيرا الفرنسية على نهر الماين، حيث يمكن للمرء اليوم في "نيتسا" التمتع بالأطباق الرفيعة داخل عمارة عصرية.

ويمتد الكورنيش المخضّر الذي قد يكون فريداً من نوعه في ألمانيا على كامل منطقة وسط المدينة على ضفتي نهر الماين. فعلى ضفة النهر الجنوبية يمتد الكورنيش من الواجهة البحرية العميقة عند "تيودور شتيرن كاي" في الغرب حول ضفة المتاحف "موزيومس أوفر" وحتى طاحونة "غيربر موله"، التي ترتبط بذكريات سعيدة للأديب الألماني يوهان فولفغانغ غوته. واليوم يتوافد الضيوف على فندق ومطعم "غيربر موله" بمظهر عصري وأنيق، حيث يمكنهم التمتع بأطباق الطعام من مطبخ تقليدي ذي جودة عالية. ومن الأشياء الجميلة بشكل خاص أنه يمكن للمرء الجلوس في المنطقة الخارجية في الأشهر الدافئة. وعلى الضفة الشمالية يمكن للمرء الوصول من الميناء الغربي عبر حديقة نيس "نيتسا" التي سبق ذكرها إلى حوض "فيسيلر" لبناء السفن.

وفي فرانكفورت يمثل أيضاً ركوب الدرجات متعة كبيرة. فأهل المدينة يحبذون التجول عبر الشوارع باستخدام الدراجات الهوائية. ولدى عاصمة الماين شبكة متطورة من المسارات المخصصة تحديداً للدراجات. علاوة على ذلك، يمكن أيضاً لقائدي الدراجات اصطحاب دراجاتهم معهم في وسائل النقل العامة خارج ساعات الذروة. وقد تكون مسارات الدراجات الأجمل هي تلك التي توجد في الحزام الأخضر في فرانكفورت.