نهر الراين يزيدها تألقاً

دوسلدورف.. مدينة عالمية تبهر زوارها بأناقتها الفائقة

مدينة مفعمة بالتنوع

تزخر مدينة دوسلدورف بالعديد من شوارع التسوق العالمية الفخمة، حيث يعتبر شارع الملك (كونيغسآليه) أو اختصاراً (كو) واحداً من أجمل وأرقى شوراع التسوق في أوروبا. وبالإضافة إلى العلامات التجارية العالمية التي تستوطن هذا الشارع الفخم والأنيق، فإن عشرات الأشجار الخضراء تزين جنباته. كما تضيف المنحوتات والنوافير والجسور المزخرفة التي تصل بين طرفيه طابعاً مميزاً لهذه المنطقة. ففي الطرف الغربي، تجد بصورة رئيسية البنوك، بالإضافة إلى الفنادق الراقية. أما في الطرف الشرقي فتجد  المحلات الأنيقة وصالات العرض ومراكز وممرات التسوق التي تلهب قلوب عشاق التسوق القادمين من مختلف أصقاع العالم.  ويوجد في هذا الشارع ثلاثة مراكز تسوق رئيسية تلبي احتياجات ورغبات كافة محبي التسوق: (كو غاليري)، (كو سنتر) و(سيفينس سنتر) الذي نال قبل سنوات لقب "أفضل مركز تسوق في العالم". وبالطبع فإنك ستجد مجموعة واسعة ومتنوعة من منتجات العلامات التجارية العالمية مثل: برادا، غوشي، شانيل، يوب، جيل زاندر وغيرها الكثير. كما تساهم المقاهي الأنيقة المنتشرة هناك في إضفاء مزيد من المتعة على جولة التسوق التي تقوم بها.

وبالقرب من هذا البوليفارد يمكنك أيضاً زيارة أماكن جميلة جداً كحديقة دوسلدورف الأولى (هوف غارتن)، التي أنشئت في القرن 16، إذ تعد هذه الحديقة الخضراء الجميلة الواقعة في قلب وسط المدينة تماماً، مكاناً رائعاً للاستجمام والراحة، بحيث يمكنك أن تلتقط أنفاسك بعد الجولات التي تقوم بها في شوارع التسوق القريبة. وفي الصيف، على وجه الخصوص، تصبح الأجواء فيها مثالية، نظراً للدور الذي تلعبه الأشجار والبرك والنوافير في تلطيف درجات الحرارة.

ومن خلال القيام بجولة على الأقدام في المدينة القديمة، يمكنك مشاهدة الكثير من المعالم المعمارية والنصب التذكارية التاريخية وإمكانات التسوق المتعددة، إضافة إلى أماكن ممتعة تسر الناظرين على امتداد ضفة نهر الراين، التي توصف بأنها "أطول طاولة شراب وطعام في العالم، وتشتهر عالمياً بأنها نواة المدينة، فهي تحتوي على أكثر من مجرد ضيافة وطعام وشراب. وفي هذا الحي الجميل يمكنك التجوال مشياً على الأقدام أو بواسطة الدراجات الهوائية أو عن طريق عربات الخيول، حيث ستحظى بفرصة التعرف على العديد من الكنائس والمباني التاريخية والمتاحف. وكمثال على هذه الأبنية التاريخية، يبرز البيت الذي ولد فيه الكاتب الشهير هاينريش هاينه في 13 ديسمبر من العام 1797، وقد تحول "بيت هاينه" اليوم إلى ملتقى أدبي، حيث ستجد داخله مكتبة ومقهى ودائرة للأدب. وبالاتجاه نحو نهر الراين، تكون قد وصلت إلى برج القصر التاريخي "شلوس تورم" الواقع في ساحة "بورغ بلاتس"، إذ يمكنك التعرف على العلاقة التاريخية بين دوسلدورف والراين من خلال المتحف البحري المتواجد فيه. أما ساحة "بورغ بلاتس" بحد ذاتها فتعتبر مكاناً مثالياً لكل من يبحث عن الراحة والاسترخاء والتمتع بمنظر ساحر لنهر الراين.

كما تحفل المدينة بالعديد من الأنشطة الفنية والثقافية، حيث يوجد فيها: صالة الفنون، المجموعة الفنية نوردراين فيستفالن في متحف (كيه 20) ومتحف (كيه 21) للفن الحديث والمعاصر، إضافة إلى منتدى ولاية شمال الراين-وستفاليا للثقافة والاقتصاد. وتتيح دوسلدورف أيضاً تنوعاً عالمياً في المجال الموسيقي من خلال دار الأوبرا الألمانية على نهر الراين وصالة "تون هاله" وغيرها.

أما بالنسبة لمنطقة "مرفأ الإعلام" "ميدين هافن" التي ترتبط بالمدينة من خلال شارع الراين، فهي تزداد شهرة وأهمية باستمرار من خلال الشوارع الفاخرة التي تضم العديد من المتاجر الراقية، يضاف إلى ذلك العمارة المثيرة والمطاعم الحديثة التي تجتذب أفواجاً عديدة من السياح. وهنا على ضفاف الراين يمكنك تذوق أطايب الطعام التقليدي في أجواء من الراحة والاطمئنان.

وفي الحقيقة فإن موقع مدينة دوسلدورف على نهر الراين لم يسهم في منحها جمالاً طبيعياً فقط، بل أثر أيضاً على مشاريع وأعمال الهندسة المعمارية فيها. فهذا النهر، الذي يعتبر الأكبر في ألمانيا، يعمل منذ مئات السنين على إكساب مدينة دوسلدورف المزيد من الأهمية. وبذلك نشأت الكثير من المباني ذات التصميم المتفرد بالقرب من نهر الراين. وينطبق هذا بشكل خاص على "مرفأ الإعلام"، الذي عايش تحولاً دراماتيكياً حدث بصورة مذهلة، فحيثما كانت الصوامع والمخازن تميز صورة المدينة فيما مضى، أصبحت توجد الآن مبان شاهقة وأبراج قام ببنائها مهندسون معماريون مشهورون على مستوى العالم، بحيث لم تعد هذه المباني الحديثة تذهل زوار المدينة فحسب، بل والخبراء الدوليين في مجال العمارة أيضاً.

 

روائع الفن المعماري

وبشكل عام، فإن جولتنا السياحية المعمارية في دوسلدورف يمكن أن تنطلق من (إنزمبله أم إيرنهوف)، حيث تم بناء مجمع للتوسعة في العام 1925-1926، ليحيط بقصر الفن الموجود منذ عام 1902. وبناءً على تصاميم من (فيلهلم كرايس) تم إنشاء مباني معارض أخرى ومبنى القبة الفلكية ومبنى مدرجات الراين (راين تيراسن). وبشكل عام يمكننا القول إنه قد تم إنشاء مركز معارض كبير للصحة والرعاية الاجتماعية والتمارين البدنية لحوالي  7,5 مليون زائر.

ويوجد هنا اليوم متحف قصر الفن (موزيوم كونست بالاست) وقاعة الموسيقى (تون هاله) التي كانت في السابق "القبة الفلكية" حيث قام ببنائها كرايس في عام 1926م كأكبر قبة فلكية على وجه الأرض، إلا أنه تم تحويلها إلى قاعة للعروض الموسيقية خلال حقبة السبعيينات من القرن العشرين، ومنتدى شمال الراين وستفاليا للثقافة والاقتصاد. وقد تم افتتاح بيت المعارض والفعاليات هذا في عام 1998، ومنذ ذلك الحين أصبحت العروض والفعاليات المميزة مثاراً للأحاديث العامة.

ونتوجه الآن عبر شارع (هاينريش هاينه) مباشرة إلى مبنى (فيلهلم ماركس هاوس) الذي يحمل اسم عمدة دوسلدورف. ويعد هذا المبنى الذي يبلغ ارتفاعه 57 متراً، واحداً من أوائل مباني المكاتب في ألمانيا. وهنا أيضاً كان المهندس المعماري لهذا المشروع هو فيلهلم كرايس الذي ظل يشغل منصب رئيس قسم الهندسة المعمارية في أكاديمية الفنون حتى عام 1926.

ونسير عبر المدينة القديمة عائدين إلى كورنيش ضفة الراين  ثم نتوقف في جهة اليسار ونذهب باتجاه برج الراين. بعد بضع مئات من الأمتار يظهر المبنيان في الجهة اليسرى.

أما مبنى (مانسمان) فيمكن التعرف عليه اليوم بسرعة من خلال البناء المجاور له والذي يحمل شعار فودافون. ويعتبر مبنى مانسمان منخفض نسبياً. وكان مقراً سابقاً لشركة (مانسمانروهرن) تم بناؤه في عام 1911-1912 بالاعتماد على مخطط (بيتر بيرنس) سلف (فيلهلم كرايس). أما برج فودافون فقد بني بين عام 1956 و1958من قبل المهندسين (اغون أيرمان) و(باول شنايدر ازليبن)، حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 93 متراً ويعتبر واحداً من أعلى المباني في دوسلدورف.

ونتابع على ضفة الراين بالمضي قدماً باتجاه مبنى برلمان ولاية شمال الراين وستفاليا، فقد تم الإنتهاء من هذا البناء المستدير في عام 1988 وفقاً لخطط كل من المهندسين (إلر، ماير، فالتر وشركاؤه)، حيث غير هذا المبنى منظر واجهة الراين. وإلى جانب قاعات الاجتماعات فإن برلمان الولاية يحتوي على مكاتب أيضاً. ويمكن للمرء من خلال  مبنى برج الراين المجاور، أن يحظى بفرصة مشاهدة منظر رائع لهذا البناء.

 

من برج الراين إلى الأبراج المائلة

على بعد دقائق قليلة سيراً على الأقدام ستجد برج الراين، الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 234 متراً ويعتبر أعلى مبنى في دوسلدورف. ولا يمكن لأي زائر من زوار المدينة أن يفوت المنظر الساحر الذي يمكن مشاهدته من خلال المطعم الدوار الموجود في قمة البرج. وقد صمم هذا البرج، الذي تم تشييده بشكل كامل من الخرسانة المسلحة خلال 1979 و1982، المهندس (هارالد دايلمان).

كما أضاف فنان الإضاءة (هورست باومان) إلى برج الراين أكبر ساعة عشرية في العالم. وهي تتكون من فتحات دائرية رُتبت في ثلاثة أقسام مرتفعة فوق بعضها البعض. ولابد من الإشارة أيضاً إلى أنها دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية. وبينما يهيمن برج الراين على أفق المدينة، فهنالك أيضاً مباني مرتفعة أخرى تركت بصمتها على المنظر العام لمدينة دوسلدورف مثل مبنى (اراغ) (ARAG) وبرجا فيكتوريا و(درايشايبن هاوس) بالإضافة إلى بناية (شاوشبيل هاوس) المجاورة.

وبعيداً قليلاً عن الراين، يقع مبنى (شتادت تور) الحائز على جائزة العمارة والذي قام بتصميمه مكتب الهندسة المعمارية (أوفرديك بتسينكا وشركاؤه). ويتكون هذا المبنى الذي يبلغ ارتفاعه 75 متراً، من برجين زجاجيين وثلاثة طوابق علوية فوق سطح الأرض. وتم اختيار هذا المشروع من قبل معرض العقارات الدولي  (MIPIM) كأفضل مشروع لسنة 1998.

أما بين برج الراين والميناء، فيوجد مبنى (WDR-Studio Düsseldorf)، إذ قام مكتب الهندسة المعمارية (باراده وشركاؤه) بتصميم مبنى مميز على شكل حرف (U)، بمحاذاة الجانب المفتوح على برلمان الولاية والمدينة وبرج الراين. وهذا المبنى الضخم يذكر المرء بشكل السفينة.

وبالقرب من ذلك، نكون أمام مباني جيري (جيري باوتن). صمم هذه المباني المهندس والمصمم الكندي الأمريكي فرانك جيري. وتعتبر مباني جيري المائلة من أشهر المباني التي يمكن أن ننسب سحرها الخاص إلى مرفأ الإعلام الجديد. فهذه الأبنية الثلاث ليس لها مثيل: نوافذ لا يبدو أنها تريد أن تنسجم مع الواجهة، أرضيات متفاوتة ومواد مختلفة تغطي المباني ذات الطابع الفردي، إذ أن تصميم الواجهات الخارجية لمجمع الأبراج الثلاث مختلف: الجزء الأول يغطيه البياض الناصع، والجزء الآخر يتميز بواجهة من الطوب الأحمر، أما الجزء الأوسط فهو يرتدي حلة من قطع فضية تنعكس في المبنيين الآخرين. ولذلك، فإن الجزء الأوسط  يعد بمثابة نوع من عناصر الرابط، التي تنعكس من خلالها شراكة الشمال والجنوب.

كما يوجد في شارع (كاي شتراسه) العديد من الجواهر المعمارية الأخرى، مثل مركز كاي (كاي سنتر) الذي صممه (دورينغ وشركاؤه) وغير ذلك الكثير.