موقعها على نهر الراين منحها جمالاً خاصاً

دوسلدورف.. موسيقى وثقافة وفنون وتصاميم معمارية مذهلة

مدينة الأزياء.. مدينة المعارض التجارية.. أو مركز منطقة الراين.. أسماء عدة لمدينة دوسلدورف، عاصمة ولاية (نوردراين-فستفالن) الألمانية، فهي مدينة تزخر بالفنون المعمارية المذهلة، لاسيما تلك الموجودة في (مرفأ الإعلام) (ميدين هافن) الذي تتجاوز شهرته حدود دوسلدورف، وتزخر كذلك بالموسيقى والعروض المسرحية والفنون البصرية.

 

أعمال معمارية متفردة

لم يسهم موقع مدينة دوسلدورف على نهر الراين في منحها جمالاً طبيعياً فقط، بل أثر أيضاً على مشاريع وأعمال الهندسة المعمارية فيها. فهذا النهر، الذي يعتبر الأكبر في ألمانيا، يعمل منذ مئات السنين على إكساب مدينة دوسلدورف المزيد من الأهمية. وبذلك نشأت الكثير من المباني ذات التصميم المتفرد بالقرب من نهر الراين. وينطبق هذا بشكل خاص على (مرفأ الإعلام)، الذي عايش تحولاً دراماتيكياً حدث بصورة مذهلة، فحيثما كانت الصوامع والمخازن تميز صورة المدينة فيما مضى، أصبحت توجد الآن مبان شاهقة وأبراج قام ببنائها مهندسون معماريون مشهورون على مستوى العالم، بحيث لم تعد هذه المباني الحديثة تذهل زوار المدينة فحسب، بل والخبراء الدوليين في مجال العمارة أيضاً.

وبشكل عام، فإن جولتك السياحية المعمارية في دوسلدورف يمكن أن تنطلق من (إنزمبله أم إيرنهوف (Ensemble am Ehrenhof))، حيث تم بناء مجمع للتوسعة في العام 1925-1926، ليحيط بقصر الفن (Kunstpalast) الموجود منذ عام 1902. وبناءً على تصاميم من (فيلهلم كرايس) تم إنشاء مباني معارض أخرى.

ويوجد هنا اليوم متحف قصر الفن (Museum Kunst Palast) وقاعة الموسيقى (تون هاله) (Tonhalle) التي كانت في السابق (القبة الفلكية) إذ قام ببنائها كرايس في عام 1926م كأكبر قبة فلكية على وجه الأرض، إلا أنه تم تحويلها إلى قاعة للعروض الموسيقية خلال حقبة السبعيينات من القرن العشرين، ومنتدى شمال الراين وستفاليا للثقافة والاقتصاد (NRW-Forum Kultur und Wirtschaft) . وقد تم افتتاح بيت المعارض والفعاليات هذا في عام 1998، ومنذ ذلك الحين أصبحت العروض والفعاليات المميزة مثاراً للأحاديث العامة.

ونتوجه الآن عبر شارع (هاينريش هاينه) مباشرة إلى مبنى (فيلهلم ماركس هاوس) (Wilhelm-Marx-Haus) الذي يحمل اسم عمدة دوسلدورف. ويعد هذا المبنى الذي يبلغ ارتفاعه 57 متراً، واحداً من أوائل مباني المكاتب في ألمانيا. وهنا أيضاً كان المهندس المعماري لهذا المشروع هو فيلهلم كرايس الذي ظل يشغل منصب رئيس قسم الهندسة المعمارية في أكاديمية الفنون حتى عام 1926.

وعندما تسيرون عبر المدينة القديمة عائدين إلى منتزه ضفة الراين (Rheinuferpromenade)توقفوا في جهة اليسار واذهبوا باتجاه برج الراين. بعد بضع مئات من الأمتار يظهر المبنيان في الجهة اليسرى.

أما مبنى مانسمان (Mannesmann-Gebaeude) فيمكن التعرف عليه اليوم بسرعة من خلال البناء المجاور له والذي يحمل شعار فودافون. ويعتبر مبنى مانسمان منخفض نسبياً. وكان مقراً سابقاً لشركة (مانسمانروهرن) (Mannesmannroehren-Werke AG) تم بناؤه في عام 1911-1912 بالاعتماد على مخطط بيتر بيرنس (Peter Behrens) سلف فيلهلم كرايس. أما برج فودافون (Vodafone-Hochhaus) فقد بني بين عام 1956 و1958من قبل المهندسين (اغون أيرمان) (Egon Eiermann) و(باول شنايدر ازليبن) (Paul Schneider-Esleben)، حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 93 متراً ويعتبر واحداً من أعلى المباني في دوسلدورف.

ونتابع على ضفة الراين بالمضي قدماً باتجاه مبنى برلمان ولاية شمال الراين وستفاليا (Landtag Nordrhein-Westfalen)، فقد تم الإنتهاء من هذا البناء المستدير في عام 1988 وفقاً لخطط كل من المهندسين (إلر، ماير، فالتر وشركاؤه)، حيث غير هذا المبنى منظر واجهة الراين. وإلى جانب قاعات الاجتماعات فإن برلمان الولاية يحتوي على مكاتب أيضاً. ويمكن للمرء من خلال مبنى برج الراين المجاور، أن يحظى بفرصة مشاهدة منظر رائع لهذا البناء.

وعلى بعد دقائق قليلة سيراً على الأقدام ستجد برج الراين (Rheinturm)، الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 240,5 متراً ويعتبر أعلى مبنى في دوسلدورف. ولا يمكن لأي زائر من زوار المدينة أن يفوت المنظر الساحر الذي يمكن مشاهدته من خلال المطعم الدوار الموجود في قمة البرج. وقد صمم هذا البرج، الذي تم تشييده بشكل كامل من الخرسانة المسلحة خلال 1978 و1982، المهندس هارالد دايلمان (Harald Deilmann).

كما أضاف فنان الإضاءة هورست باومان (Horst H. Baumann) إلى برج الراين أكبر ساعة عشرية في العالم. وهي تتكون من فتحات دائرية رُتبت في ثلاثة أقسام مرتفعة فوق بعضها البعض. ولابد من الإشارة أيضاً إلى أنها دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية. وبينما يهيمن برج الراين على أفق المدينة، فهنالك أيضاً مباني مرتفعة أخرى تركت بصمتها على المنظر العام لمدينة دوسلدورف مثل مبنى (اراغ) (ARAG) وبرجا فيكتوريا و(درايشايبن هاوس) (Dreischeibenhaus) بالإضافة إلى بناية (شاوشبيل هاوس) (Schauspielhaus) المجاورة.

وبعيداً قليلاً عن الراين، يقع مبنى (شتادت تور) (Stadttor) الحائز على جائزة العمارة والذي قام بتصميمه مكتب الهندسة المعمارية (أوفرديك بتسينكا وشركاؤه) (Overdiek Petzinka & Partner). ويتكون هذا المبنى الذي يبلغ ارتفاعه 75 متراً، من برجين زجاجيين وثلاثة طوابق علوية فوق سطح الأرض. وتم اختيار هذا المشروع من قبل معرض العقارات الدولي ( MIPIM) كأفضل مشروع لسنة 1998.

أما بين برج الراين والميناء، فيوجد مبنى (WDR-Studio Duesseldorf)، إذ قام مكتب الهندسة المعمارية (باراده وشركاؤه) (Parade und Partner) بتصميم مبنى مميز على شكل حرف (U)، بمحاذاة الجانب المفتوح على برلمان الولاية والمدينة وبرج الراين. وهذا المبنى الضخم يذكر المرء بشكل السفينة.

وبالقرب من ذلك، تكونون أمام مباني جيري (جيري باوتن) (Gehry-Bauten). صمم هذه المباني المهندس والمصمم الكندي الأمريكي فرانك جيري (Frank O. Gehry). وتعتبر مباني جيري المائلة من أشهر المباني التي يمكن أن ننسب سحرها الخاص إلى مرفأ الإعلام الجديد. فهذه الأبنية الثلاث ليس لها مثيل: نوافذ لا يبدو أنها تريد أن تنسجم مع الواجهة، أرضيات متفاوتة ومواد مختلفة تغطي المباني ذات الطابع الفردي، إذ أن تصميم الواجهات الخارجية لمجمع الأبراج الثلاث مختلف: الجزء الأول يغطيه البياض الناصع، والجزء الآخر يتميز بواجهة من الطوب الأحمر، أما الجزء الأوسط فهو يرتدي حلة من قطع فضية تنعكس في المبنيين الآخرين. ولذلك، فإن الجزء الأوسط يعد بمثابة نوع من عناصر الرابط، التي تنعكس من خلالها شراكة الشمال والجنوب.

ومباشرة بجوار مباني جيري يقع مبنى (Grand Bateau) للمهندس المعماري الفرنسي (Claude Vasconi) أمام المرسى. ويجذب هذا المبنى الأنيق العديد من الزوار القادمين منذ وصولهم مدخل المرفأ.

كما يوجد في شارع (كايسر شتراسه) (Kaistrasse) العديد من الجواهر المعمارية الأخرى، مثل مركز كاي (Kai Center) الذي صممه (دورينغ وشركاؤه) (Doering und Partner) وغير ذلك الكثير.

أما قوس كو (كو-بوغين) بين شارع (كونيغسآليه) وحديقة (هوفغارتن) فيعتبر أحدث مشروع معماري في المدينة. وسوف تنشأ في منطقة قوس كو في قلب المدينة مناطق جذابة ومساحات خضراء ومعالم معمارية جديدة حتى عام 2015.

 

مدينة نابضة بالفنون والموسيقى

وتعد دوسلدورف أيضاً مدينة نابضة بالفن والفنون الجميلة في غرب ألمانيا. وبوجود أكاديمية الفنون (كونست آكاديمي)، ومشاريع مثل (كفادريناله) و26 متحفاً وأكثر من 100 صالة عرض، تمتلك دوسلدورف مشهداً ثقافياً متنوعاً غنياً بالفنون، لا يُعلى عليه في ألمانيا.

وتشكل أكاديمية الفنون (كونست آكاديمي) نواة مدينة الفنون دوسلدورف، كما تعد واحدة من أهم المؤسسات من نوعها التي ارتبطت بأسماء كبار الفنانين طوال تاريخها، ومنهم: (باول كليه)، (جوزيف بويس) ، (غيرهارد ريشتر)، (يورغ إيمندورف)، (كاتارينا زيفيردينغ)، (اندرياس غورسكاي)، وبالطبع (غونتر أُوكر) الشريك المؤسس لمجموعة الفنانين (زيرو) النافذة دولياً، وهم مجموعة من الفنانين الذين ينتمون إلى مرحلة فن مابعد الحرب، وما هؤلاء سوى عدد قليل من مشاهير الفنانين الذين تخرجوا من أكاديمية الفنون (كونست آكاديمي) في دوسلدورف.

أما (كفادريناله) (Quadriennale) فهي عبارة عن سلسلة من المعارض، التي تقام كل أربع سنوات في متاحف دوسلدورف ومعارض الفنون الجميلة، ما يكرس سمعة دوسلدورف كمدينة للفنون، وقد جاء أكثر من 380000 زائر إلى مدينة دوسلدورف بمناسبة (2010 كفادريناله) ، لحضور المعارض في عشرة متاحف، وخمس مؤسسات ثقافية و33 صالة عرض.

مع ما مجموعه 26 متحف ومكان للعرض، تغطي المدينة مجموعة واسعة من الاهتمامات الثقافية، بدءاً من متحف الحديقة المائية (أكفا تسو) الشعبي، مروراً بالمتاحف الخاصة مثل المتحف الألماني للخزف (هتينس) الفريد من نوعه، وانتهاءً بالمتاحف الكبرى مثل متحف قصر الفن (موزيوم كونست بالاست)، مجموعة الفن (كونست زاملونغ)، و (نوردراين-فستفالن)، ويخصص حوالي نصف متاحف ومعارض دوسلدورف لعرض الفنون التشكيلية.

وإذا أخذنا أكثر من 100 معرض وقاعة للفن بعين الاعتبار، يصبح من الواضح أحقية دوسلدورف بكونها مدينة الفنون الجميلة في غرب ألمانيا.

أما محبو المسرح والمهتمين به، فيمكنهم التمتع في أربعة أماكن في مسرح دوسلدورف (شاوشبيلهاوس) وحده، بما في ذلك مسرح الشباب (يونغه شاوشبيلهاوس)، ومحطة دوسلدورف المركزية، التي تعد منبراً للمسرحيات التجريبية.

في عام 1999، وجد المشهد الفني المستقل والمحترف منبراً جديداً في مسرح (فراييس)، وأماكن أخرى مثل مسرح (كومودشن) في قاعة الفن (كونست هاله)، ومسرح (كومودي) في شارع (شتاين شتراسه)، وأخيراً وليس آخراً، مسرح دوسلدورف (ماريونيتن) في شارع (بيلكر شتراسه)، الذي يكمل المشهد الغني لعالم المسارح.

بعد الإصلاح الشامل، أصبحت قاعة الموسيقى (تون هاله)، التي تعد أكبر قاعة حفلات في المدينة، واحدة من أماكن الموسيقى الحديثة الأكثر إثارة للإعجاب في ألمانيا، حيث غنى فيها أهم النجوم العالميين مثل آنه صوفي موتر، آلفريد بريندل، وليزا مانيللي. كما تم مؤخراً تجديد دار الأوبرا في دوسلدورف في جادة (هاينريش-هاينه-آليه) على نحوٍ شامل، مما حول الأوبرا الألمانية على نهر الراين (دويتشه أوبر آم راين دوسلدورف دويسبورغ) إلى مكانٍ دائم بين المسارح الألمانية الرائدة في مجال الموسيقى.

ويبدع العديد من الممثلين والمخرجين والكتاب من داخل البلاد وخارجها أعمالهم على مسارح دوسلدورف. كما تساهم الأعمال التي تخرجها الأوبرا الألمانية على نهر الراين وكذلك الحفلات الموسيقية التي تقام في قاعة الحفلات الموسيقية على تحقيق إثارة ومتعة تتخطى حدود الولاية. وبالطبع تحظى الموسيقى الحديثة أيضاً بمكانة جيدة في دوسلدورف. ففي النهاية تتوافر ظروف مثالية لمحبي الموسيقى وعشاق الروك وغيرهم وذلك بفضل وجود صالات مثل (ISS-Dome) و(ESPRIT arena) والعديد من الأماكن الأخرى الكبيرة المنظمة للأحداث والفعاليات.